الاحد الخامس من الصوم: يسوع وساعة موته ومجده (يوحنا 12: 20-33)
الأب لويس حزبون
في انجيل الأحد الخامس للصوم قبل عيد الفصح الثالث والأخير ينبئ يسوع بين دخوله الظافر الى اورشليم وعشائه الأخير بساعة موته وقيامته، إنها ساعة آلامه وموته لخلاص البشر (يوحنا 12: 20-33) ومن هنا تكمن اهمية البحث في وقائع النص الانجيلي وتطبيقاته.
أولاً: وقائع النص الإنجيلي (يوحنا 12: 20-33)
20 وكانَ بَعضُ اليونانِيِّينَ في جُملَةِ الَّذينَ صَعِدوا إِلى أُورَشَليمَ لِلْعِبادَةِ مُدَّةَ العيد:
تشير عبارة “بَعضُ اليونانِيِّينَ” للدلالة على أصحاب الجنسية اليونانية الذين لم يكونوا من يهود الشتات لكنهم أصبحوا يهوداً فهم هؤلاء الدخلاء الأجانب المتميِّزين عن العبرانيين (اعمال الرسل 6: 1). وكان هؤلاء الناس اليونانيين الجنسية غرباء عن الامّة اليهودية، لكنهم كانوا من المؤيدين، وقد جاؤوا الى او اورشليم من اجل الحج في عيد الفصح (اعمال الرسل 10: 2). وكانت رغبتهم في عبادة الإله الحقيقي تحلمهم على السعي الى رؤية يسوع واللقاء به كي سمعوه عن قرب (يوحنا 4 :21-23). ويُعتبر هؤلاء الوثنيين طليعة من عالم الاميين أي الوثنيين الذين اقتربوا من يسوع المسيح. ويدل ذلك على ان الله يحب البشر جميعاً، لا لفئة من الفئات وحسب، بل لكل الناس دون تمييز عنصري او طبقي” فلَيسَ هُناكَ يَهودِيٌّ ولا يونانِيّ، ولَيسَ هُناكَ عَبْدٌ أَو حُرّ، ولَيسَ هُناكَ ذَكَرٌ وأُنْثى، لأَنَّكم جَميعًا واحِدٌ في المسيحِ يسوع” (غلاطية 3: 28). أمَّا عبارة ” صَعِدوا إِلى أُورَشَليمَ ” فتشير الى وقوع أورشليم على ارتفاع عال (لوقا 19: 45)، حيث يرتفع قمة جبل الزيتون 826 متراً عن سطح البحر. أمَّا اسم ” أُورَشَليمَ ” فورد اول مرة في نقش مصري قديم يرجع إلى القرن التاسع عشر قبل الميلاد. وربما أن معنى هذا الاسم هو “(اساس السلام” أو “(أساس الإله شاليم”؛ وتدعى هذه المدينة في سفر المزامير “شَليمَ ” (مزمور 76: 2) ويُرجح أن “شَليمَ ” التي كان ملكي صادق ملكاً لها هي نفس أورشليم (تكوين 14: 18). أمَّا اسماؤها في العربية فهي تسمّى بيت المقدس والمقدس والقدس الشريف والاسم الغالب هو القدس. وتحيط التلال بأورشليم من ثلاثة جوانب (مزمور 125: 2) فإلى الشمال الشرقي منها جبل المشارف (سكوبس)، وجبل الزيتون في الشرق، وجبل دير أبو طور في الجنوب، ويسمى أيضاً تلّ المشورة الشريرة، ويستخدم الأنبياء أورشليم كرمز إلى ملكوت الله (اشعيا 65: 17-25) وقد أطلق اسم أورشليم على الكنيسة الممجدة (رؤيا 21: 2). أمَّا عبارة ” العيد ” فتشير الى الفصح اسم عبري פֶּסַח معناه عبور (خروج 12: 13 -27). وهو أول الأعياد السنوية الثلاثة التي كان مفروضاً فيها على جميع الرجال الظهور أمام الرب في بيت العبادة (تثنية الاشتراع 16: 1-2). ويعرف أيضاً بعيد الفطير (خروج 23: 15) أنشئ في مصر تذكاراً للحادث الذي بلغ فيه خلاص بني إسرائيل ذروته (خروج 12: 1 -42) حين ضرب الرب ليلاً كل بكر في مصر، وعبر عن بيوت بني إسرائيل المرشوشة بالدم، والمقيمون فيها واقفون وعصيهم في أيديهم في انتظار الخلاص الموعود. فكان المفروض أن تحفظ تلك الليلة للرب. وكان هذا الفصح الثالث والأخير في حياة يسوع المسيح. أمَّا عبارة ” مُدَّةَ العيد ” فيشير الى المدة التي تبدأ مساء الرابع عشر من شهر ابيب (المعروف بعد السبي بشهر نيسان) (الاحبار 23: 5). حيث كان يُذبح خروف أو جدي بين العشائين نحو غروب الشمس (خروج 12: 6) ويشوى صحيحاً، ثم يُؤكل مع فطير وأعشاب مرة (خروج 12: 8). والدم المسفوك يشير إلى التكفير، والأعشاب المرّة كانت ترمز إلى مرارة العبودية في مصر، والفطير كان يرمز إلى الطهارة (الاحبار 2: 11 وإشارة إلى أن المشتركين في الفصح ينبذون كل خبث وشر ويكونون في شركة مقدسة مع الرب كما جاء في تعليم بولس الرسول “طَهِّروا أَنفُسَكُم مِنَ الخَميرةِ القَديمة لِتَكونوا عَجينًا جَديدًا لأَنَّكُم فَطير. فقَد ذُبِحَ حَمَلُ فِصْحِنا، وهو المسيح. فلْنُعيِّدْ إِذًا، ولكِن لا بِالخَميرةِ القَديمة ولا بِخَميرةِ الخُبْثِ والفَساد، بل بِفَطيرِ الصَّفاءِ والحَقّ “(1 قورنتس 5: 7 -8).
21 “فقَصَدوا إِلى فيلِبُّس، وكانَ مِن بَيتَ صَيدا في الجَليل، فقالوا له مُلتَمِسين: يا سَيِّد، نُريدُ أَن نَرى يسوع”:
تشير عبارة ” فقَصَدوا ” الى مجيء بعض اليونانيين الى فيلبس، لان له اسماً يونانيا رغما عن كونه يهوديا، ولأنه من بيت صيدا الجليل وهو مكان يسكن فيه الكثير من اليونانيين، فاتخذوا فيلبس وسيطا لهم لدى يسوع، لأنهم يريدون مقابلة يسوع. سنطلب المسيح ولن نجده كما تنبأ “ستَطلُبوني فلا تَجدوني وحَيثُ أَكونُ أَنا لا تَستطيعونَ أَنتُم أَن تَأتوا ” (يوحنا 7: 34). أمَّا اسم ” فيلِبُّس،” فيشير الى اسم يوناني Φίλιππος (معناه مُحب للخيل)، وهو أحد الرسل الاثني عشر (متى 10: 3). وكان من بيت صيدا على بحيرة طبرية، مدينة أندراوس وبطرس. التقى به يسوع أولاً في بيت عنيا عبر الأردن حيث كان يوحنا يُعمّد، فدعاه فتبعه. ووجد فيلبس نثنائيل فجاء به إلى يسوع ثقة منه بأن مقابلة واحدة منه مع السيد المسيح تقنعه أنه هو المسيح. وهكذا كان (يوحنا 1: 43-49). وبعد ذلك بسنة اختاره يسوع ليكون تلميذاً له. وعندما أراد إطعام الخمسة الآلاف امتحن يسوع أولاً فيلبس وسأله: ” مِن أَينَ نَشتَري خُبزاً لِيأكُلَ هؤلاء؟ ” (يوحنا 6: 5). وعندما كلم يسوع تلاميذه مبيّناً لهم أنهم قد رأوا الآب لم يفهم فيلبس الكلام على ما يبدو، فقال ليسوع: ” يا ربّ، أَرِنا الآبَ وحَسْبُنا ” (يوحنا 14: 8). وكان فيلبُّس أحد الرسل المجتمعين في العلية بعد القيامة (أعمال الرسل 1: 13). ويقول المؤرخ اوسابيوس القيصري أن فيلبس قد دُفن في هيرابوليس في آسيا الصغرى(تركيا). أمَّا عبارة ” بَيتَ صَيدا ” فتشير الى مدينة تقع في شمال بحيرة طبرية عند مصب نهر الأردن في الجولان. اعاد بناءها هيرودس فيلبس فسمّاها يولياس في بدء العصر المسيحي، وفيها شفى يسوع اعمى (مرقس 8: 22)؛ وهي من احدى مدن بحيرة طبرية الثلاثة التي عنّفها يسوع، لأنها لم تؤمن به (متى 11: 20-21). وهي مدينة يسكن فيها كثيرون من اليونانيين. أمَّا عبارة “مُلتَمِسين ” فتشير الى طلب بعض اليونانيين أن يروا يسوع بعد ان سمعوا عنه، وعن معجزاته وتطهيره للهيكل فأعجبوا به. ويعلق القديس اوغسطينوس”لقد اغتنمَ يسوع فرصة وجود الوثنيّين الذين يريدون رؤيته ليُنبئ بتوبة جميع الوثنيّين في المستقبل، وأعلنَ عن اقتراب ساعة تمجيده في السَّموات، التي ستَليها اهتداء جميع الوثنيّين إلى الإيمان”. أمَّا عبارة “يا سَيِّد، نُريدُ أَن نَرى يسوع” فتشير الى رغبة صادقة لهؤلاء اليونانيين الذين سمعوا عن المسيح، وأرادوا أن يروه، ليس من باب الفضولية، ولكن انطلاقا من رغبتهم الاصدقة للقاء به للتعرف عليه ولمعرفة ما يجب عمله ليصبحوا تلاميذه. ويُعلق القديس اوغسطينوس “انظروا كيف يريد اليهود أن يقتلوه، والأمم أن يروه”. وان رؤية يسوع هي رؤية ” الحَياةَ كانَت لَدى الآب فتَجلَّت لَنا” (1 يوحنا 1: 1-3) ويُعلق الاسقف بروكلس القسطنطيني “هؤلاء اليونانيون تشبّهوا بزكا، لكنّهم لم يصعدوا على الجميزة لرؤية الرّب يسوع، بل سارعوا إلى الارتفاع نحو معرفة الله لا لتأمّل وجهه، بل لحمل صليبه”. وهكذا دل الوثنيون على اهتمامهم بالإنجيل أكثر من اليهود. وبهذا أصبح تبشير يسوع يتعدّى حدود فلسطين ليذهب الى اهل الشتات ويبشّرهم. أمَّا عبارة ” نَرى” فتشير الى رغبة هؤلاء اليونانيين ان يَروا عن قرب، ما رآه ابراهيم “عن بعد” (عبرانيين 11: 13)، وأن يروا ما يحدث في الحقيقة ” لعُميانُ يُبصِرون والعُرْجُ يَمشونَ مَشْياً سَوِيّاً، البُرصُ يَبرَأُون والصُّمُّ يَسمَعون، المَوتى يَقومون والفُقراءُ يُبَشَّرون ” (متى 11: 5). ويعلق البابا فرنسيس “الفعل الذي يستخدمه يوحنا، “رأى”، يعني الوصول عبر النظر إلى القلب، أي البلوغ إلى داخل الشخص”. إلاَّ أنه قد أن نرى أو نسمع الذين رأوا، ونظل مع ذلك على عدم الإيمان (لوقا 27: 39-41)، في حين يكون الإيمان الأمثل في أن نؤمن دون أن نرى (يوحنا 20: 29).
22 فذَهَبَ فيلِبُّس فأَخبَرَ أَنَدرواس، وذهَبَ أَندَرواس وفيلِبُّس فأَخبَرا يسوع:
تشير عبارة ” فذَهَبَ فيلِبُّس فأَخبَرَ أَنَدرواس” الى تشاور فيلبس مع أندراوس بكونه سابقًا له، عما يفعلاه، لأنه كثيرًا ما سمع يسوع يقول إنه جاء ” إِلى الخِرافِ الضَّالَّةِ من بَيتِ إِسرائيل” (متى 10: 6)؛ اما اسم “أنْدرَاوُس” اسم يوناني Ἀνδρέας معناه ((رجل حقاً)) فيشير الى أحد تلاميذ المسيح، وهو أخ سمعان بطرس وكان موطنه بيت صيدا (يوحنا 1: 44) وكان صياداً كبطرس (مرقس 1: 16 -18) وكان لأندراوس بيت مع بطرس في كفرناحوم (مرقس 1: 29) وكان تلميذاً ليوحنا المعمدان الذي أرشده إلى يسوع، حمل الله. وبعد ما اقتنع أندراوس بأن يسوع هو المسيح أحضر بطرس أخاه إلى يسوع (يوحنا 1: 35 -42). وقد جاء ذكره في سجل الرسل (مرقس 3: 18). وأندراوس هو الذي أخبر يسوع عن الصبي الذي كان معه خمسة أرغفة وسمكتان عند إطعام الخمسة آلاف (يوحنا 6: 8 -9) وقد سأل هو وبطرس ويعقوب ويوحنا عن خراب أورشليم ومجيء المسيح الثاني (مرقس 13: 3 – 4). ويقول التقليد أن أندراوس استشهد في باتريا في أخائيا في القسم الجنوبي من بلاد اليونان وأنه صلب على صليب بشكل × وهذا النوع من الصلبان يسمى الآن صليب القديس أندراوس.
أمَّا عبارة ” فأَخبَرا يسوع ” فتشير الى إعلام فيلبس واندراوس يسوع برغبة بعض اليونانيين في رؤيته. كما قاد فيلبس نتثائيل، وأندراوس سمعان الى يسوع (يوحنا 1: 19) هكذا هما يعملان معاً الآن فيقودان اليونانيين الى يسوع.
23 فأَجابَهما يسوع: أَتَتِ السَّاعَةُ الَّتي فيها يُمَجَّدُ ابنُ الإِنسان:
يشير اسم ” يسوع ” الى الصيغة العربية للاسم العبري יֵשׁוּעַ ومعناه الله مخلص، وقد تسمَّى يسوع حسب قول الملاك ليوسف (متى 1: 21)، ومريم (لوقا 1: 31). ويسوع هو اسمه الشخصي. أمَّا المسيح فهو لقبه. وقد وردت عبارة ((الرب يسوع المسيح)) نحو 50 مرة في العهد الجديد. ويسوع المسيح أو المسيح يسوع، نحو مئة مرة. ووردت لفظة يسوع وحدها على الأكثر في الأناجيل، ويسوع المسيح، والرب يسوع المسيح في سفر الأعمال والرسائل. أمَّا عبارة ” أَتَتِ السَّاعَةُ ” فتشير الى جواب يسوع على سؤال اليونانيين، وكان جوابه انه سيموت كحبة الحنطة ليعطي ثمرا مشيرا الى الطريق التي يسلكها الناس لكي يصبحوا من تلاميذه. ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم “ان السيد المسيح سبق فأمر تلاميذه: ” لا تَسلُكوا طَريقاً إِلى الوثَنِيِّين” (متى 10: 5)، لكن إذ حان وقت الصلب انفتح الباب للأمم. لقد أتت الساعة للكرازة الأمم.” ويعلق البابا فرنسيس” إن ردّة فعل يسوع هي مدهشة، حيث انه لا يجيب بـ “نعم” أو بـ “لا”، إنما يقول: أَتَتِ السَّاعَةُ الَّتي فيها يُمَجَّدُ ابنُ الإِنسان”. هذه الكلمات، التي تبدو لأوّل وهلة وكأنها تتجاهل طلب اليونانيين، لكنها في الواقع تعطي الجواب الحقيقي، لأن من يريد أن يعرف يسوع عليه أن ينظر داخل الصليب، حيث يتجلّى مجده”. أمَّا عبارة ” السَّاعَةُ ” باليوناني ὥρα وفي العبرية הַמּוֹעֵד فتشير الى الميعاد الذي يدخل يسوع في المجد الذي يُشرك فيه تلاميذه (يوحنا 17: 1-5)، ذلك المجد الذي حدّده الآب في نهاية حياة يسوع على الارض (يوحنا 2: 4). وهو أيضا وقبل كل شيء ساعة الخدمة حتى الموت على الصليب، وبالتالي الى القيامة (مرقس 14: 35). إنها ساعة آلامه وموته وقيامته لخلاص البشر. أمَّا عبارة ” فأَجابَهما ” فتشير الى جواب يسوع حيث يرى ي في مجيء اليونانيين باكورة الحصاد الذي سيحصد بواسطة موته. فكما كان التلاميذ والرسل هم باكورة اليهود القادمين للإيمان به، هكذا هؤلاء اليونانيون كباكورٍة للأمم الذين يدخلون الإيمان. أمَّا عبارة ” ابنُ الإِنسان” في العبرية בֶן־הָאָדָם (معناه ابن آدم)) (حزقيال 2: 1). وفي سفر دانيال فتشير هذه العبارة الى شخص شبيه بابن إنسان قد أعطي سلطاناً أبدياً وملكوتاً لا ينقرض (دانيال 7: 13)؛ وتشير عبارة ” ابن الانسان” في الاناجيل الى يسوع المسيح كونه رأس الجنس البشري وممثله (مرقس 2: 28). وتدل في مواضع أخرى على أنه المسيح الذي يتنبأ بمجيئه الثاني وبمجده (متى 26: 64) ودينونته لجميع البشر (متى 19: 28)، وهي في نفس الوقت تدل هذه العبارة على حياته المتواضعة على الأرض كإنسان كامل. والجدير بالذكر بانَّ هذا التعبير (ابن الإنسان) لم يستخدم عن المسيح بعد القيامة سوى مرة واحدة (اعمال الرسل 7: 56)، في حين ورد في الأناجيل الأربعة نحو ثمانية وسبعون مرة يستخدم فيها يسوع المسيح هذا اللقب ن نفسه. وأمَّا في رؤية يوحنا الرسول فتدل هذه العبارة عن المسيح القائم من الأموات والممجّد “وبَينَ المَناوِرِ ما يُشبِهُ ابنَ إِنْسان، وقد لَبِسَ ثَوبًا يَنزِلُ إِلى قَدَمَيه وشَدَّ صَدرَه بِزُنَّارٍ مِن ذَهَب” (رؤيا 1: 13).
24 “الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: إنَّ حَبَّةَ الحِنطَةِ الَّتي تَقَعُ في الأَرض إِن لَم تَمُتْ تَبقَ وَحدَها. وإذا ماتَت، أَخرَجَت ثَمَراً كثيراً”
تشير عبارة ” الحَقَّ الحَقَّ ” في اليونانية ἀμήν الى الكلمة العبري אָמֵן (ومعناها تأكيد) الى امر مصدق وامر مؤكد ومعني انه سيكون بالتأكيد. هذه العبارة وردت 25 مرّة في انجيل يوحنا الحبيب. وكلمة “الحق” تدل على تأكيد ان المتكلم هو يسوع المسيح إله العهد القديم والعهد الجديد. أمَّا عبارة ” الحِنطَةِ” فتدل على الحبوب التي كانت تزرع بكثرة في فلسطين وهي حبوب من النوع العادي ذي السنبلة الواحدة على الأغلب (خروج 22: 34) وترجع ممارسة زراعتها إلى عصور مبكرة في التاريخ. وكان خبز العبرانيين يصنع عادة من دقيق الحنطة (خروج 2: 29). وكانوا يشوون سنابل الحنطة ويفركونها ويأكلون القمح المشوي (راعوت 14: 2). أمَّا عبارة حَبَّةَ الحِنطَةِ فتشير الى صورة “البذر الذي يموت” ليُخرج حصاداً، وهي صورة مألوفة في إعلان الانجيل كما ورد في مثل الزارع ” وبَينما هو يَزرَع، وَقَعَ بَعضُ الحَبِّ على جانِبِ الطَّريق ” (مرقس 4: 3-9)، وهذه الحبة تدل على معنى موت يسوع وقيامته. إن يسوع يُشبّه نفسه بحبّة الحنطة التي، إذ تتحلل في الأرض، فتولِّد حياة جديدة. وسبق ان طبّقها علماء اليهود والقديس بولس الرسول على عقيدة القيامة “ما تَزرَعُه أَنتَ لا يَحْيا إِلاَّ إِذا مات. وما تَزرَعُه هو غَيرُ الجِسْمِ الَّذي سَوفَ يَكون، ولكِنَّه مُجَرَّدُ حبَةٍ مِنَ الحِنطَةِ مَثَلاً أَو غَيرِها مِنَ البُزور” (1 قورنتس 15: 36-37). فصورة حبة الحنطة هي صورة جميلة لذبيحة يسوع لأنها إن لم تدفن حبة الحنطة لن تصبح سنبلة قمح تنتج حباً كثيراً. وهكذا آلام يسوع وموته تقوده الى القيامة. وقد مات يسوع ليُبين سلطانه على الموت. وقيامته تثبت ان له الحياة الابدية. وبسلطانه الالهي يمكِّنه ان يهب هذه الحياة الابدية. وبهذا يتمجد ابن الانسان عن طريق التضحية بحياته، لان التضحية هي شريعة الحياة والضمان للحياة الابدية. ومن هنا ينبغي ان نختار بين حياة خصبة وحياة عقيمة. ولا يكون الاختيار دون عناء. الحياة اختيار وكل اختيار تضحية. أمَّا عبارة “إِن لَم تَمُتْ تَبقَ” فتشير الى الحياة التي تمضي سريعاً وتتسم بانغلاقها على نفسها حيث تبقى وحدها ولا تعرف إلا مساحات “الأنا” الضيقة، ومصالحها الشخصيّة، وسيكون مصيرها الزوال؛ حيث ان من انغمس في ملذات هذا العالم يكون قد اختار الموت كما أن البذرة لو تركت بدون دفن يأكلها السوس (متى39:10). أمَّا عبارة “وإذا ماتَت، أَخرَجَت ثَمَراً كثيراً” فتشير الى الاخلاء التام للذات الذي يسير يسوع نحوه من خلال آلامه القريب (فيلبي 2: 7). وإخلاء يسوع ذاته هو أكثر من الألم الجسدي كالضرب والجلد والصليب، فهو أيضا الالام الروحية والخيانة والقلق وشعوره أنَّه متروكٌ من أبيه السماوي أيضا. وعليه فان حبة الحنطة التي تموت لتحمل ثمراً هي رمز للحياة الفصحية لكل مسيحي كما ورد على لسان اشعيا “بِسَبَبِ عَناءَ نَفْسِه يَرى النُّور” (اشعيا 53: 11). وكما أن حبة الحنطة لا تعطي الحصاد الوفير إن لم تمت، هكذا وضع يسوع، فألآمه وموته تقودان الى القيامة؛ لانَّ الموت في نظر يسوع هو مقدمة حياة، والخسارة ربحٌ. فالموت او اخلاء الذات أدى الى قيامته المجيدة وعطية الروح القدس والنعمة والمجد الذي سيؤول الى الآب من خلال عودة كثير من الابناء الاباعد الى وحدة الايمان. ويعلق القديس اوغسطينوس ” إنّ الرّب يسوع المسيح هو حبّة الحنطة تلك التي أماتَها شكّ اليهود، والتي سوف ستتكاثر باهتداء الشعوب إلى الإيمان”. ان تعب يسوع ينبغي ان يسبق شبْعه كما يقول اشعيا ” بِسَبَبِ عَناءَ نَفْسِه يَرى النُّور ويَشبَعُ بعِلمِه يُبَرِّرُ عَبْديَ البارُّ الكَثيرين وهو يَحتَمِلُ آثامَهم” (اشعيا 53: 11). وكل الآلام التي سيعيشها يسوع، تؤدّي الى خصب القيامة التي تجمع بين اليهود واليونانيين في الجماعة المسيحية الواحدة كما جاء في نبوءة اشعيا “أَسلَمَ نَفْسَه لِلمَوت وأُحصِيَ مع العُصاة وهو حَمَلَ خَطايا الكثيرين، وشَفَعَ في مَعاصيهم” (اشعيا 53: 12). وعلى كل مؤمن أن يميت ذاته مثل حبة الحنطة في هذا العالم، وهذا ما سوف يعطيه حياة أبدية. ومن يميت ذاته يكون المسيح له الطريق للقيامة والحياة؛ وهكذا ان مبدأ الحياة في نظر يسوع هو المرور في الموت، لكي يحمل الحياة الى الأموات.
25 مَن أَحَبَّ حياتَهُ فقَدَها ومَن رَغِبَ عنها في هذا العالَم حَفِظَها لِلحَياةِ الأَبَدِيَّة
تشير عبارة “مَن أَحَبَّ حياتَهُ فقَدَها” الى قول يسوع بان تركيز المرء نجاحه في ذاته يؤدي الى خسران نفسه؛ وفي هذا الصدد يقول صاحب الحكمة ” لا تتَبعْ أَهْواءَكَ، بل اْكبَحْ شَهَواتِكَ. فإِنَّكَ إِن أَبَحتَ لِنَفسِكَ الرَضا بِالشَّهوَة جَعَلَتك شَماتةً لأَعْدائِكَ ” (يشوع بن سيراخ 18: 30 -31). فمن اهتمّ في جسده خسر نفسه، ومن زهد في جسده ربح نفسه. من أحبَّ نفسه أكثر من حبه للسيد المسيح، أو من أحب حياته الزمنية على حساب مجده الأبدي يُهلك نفسه. فمن يُريد ان يتبع المسيح يتطلب منه الزهد في نفسه وحمل صليبه ويتبعه (متى 16: 24). ويعلق اللاهوتي الاسقف يودورس المصّيصي “فمن اهتمّ بهذه الحياة الدنيويّة سوف يخسر نفسه في الحياة الجديدة؛ ومن اختار الانفصال عن هذا العالم الحاضر وهو يعيش فيه، ودخل في الآلام، سوف يخرج منها منتصرًا ومحمّلاً بالثمار الوافرة.” ومن هذا المنطلق يجب ان نكون ملتزمين بالحياة للمسيح إلى درجة ان “نبغض” حياتنا، وليس معنى هذا ان نهفو الى الموت، لكن ان نكون مستعدين للموت إذا كان في ذلك تمجيدا للمسيح، كما وضَّح يسوع في موضع آخر لإتباعه “لأَنَّ الَّذي يُريدُ أَن يُخَلِّصَ حَياتَه يَفقِدُها”(متى 16: 25)؛ أمَّا عبارة “مَن رَغِبَ عنها” باليونانية ὁ μισῶν τὴν ψυχὴν αὐτοῦ (معناها من يبغض نفسه) فتشير الى فعل يعاكس فعل أحبَّ. وبالتالي يعني هنا كان المرء اقل حبّا لنفسه، وهكذا فهمه متى الإنجيلي بقوله على لسان يسوع ” مَن كانَ أَبوه أو أُمُّه أَحَبَّ إِلَيه مِنّي، فلَيسَ أَهْلاً لي. ومَن كانَ ابنُه أَوِ ابنَتُه أَحَبَّ إِلَيه مِنّي، فلَيسَ أَهْلاً لي” (10: 37)، لان لغة العهد القديم لا تعرف افعال التفضيل (تكوين 20: 31). ومن هذا المنطلق “من يبغض نفسه ” تعني من يموت عن شهوات العالم. ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم “إن قلتَ: ما معنى “ومن يبغض نفسه”؟ أجبتك: من لا يخضع لها، ولا يطعها متى أمرته بفعل الأفعال الضارة”. إن كنت تحب حياتك بطريقة خاطئة بالحقيقة أنت تبغضها، أمَّا إن كنت تُحبُّها بطريقة صالحة فإنك فيما أنت تبغضها بالحقيقة تحبها. وفي هذا الصدد قال الفيلسوف نتشه “من أراد الحبّ رضي بالموت”. لذلك لا يستطيع أحدٌ أن يدرك الحياة الأبدية إذا تمسّك بالحياة الراهنة وكأنها كل شيء. ومن خشي أن يفقدها ولا يرى سواها، يحول تعلّقه بها إلى عدم اكتشاف ما يختبئ وراء الآفاق الحاضرة أي الحياة الأبدية. من يهلك نفسه كحبة الحنطة، ويشارك السيد المسيح آلامه وموته، ممجدًا مخلصه، ينعم بالحياة الأبدية. أمَّا عبارة ” العالَم ” باليونانية κόσμος (كوسموس) فتدلّ أولاً على الكون، وعلى المسكونة أي على مجمل الكون كما خلقه (يوحنا 17 :24) الله في البدء (أعمال الرسل 17 :24) بواسطة الكلمة (يوحنا 1 :3). وردت هذه اللفظة 188 مرة في العهد الجديد، منها 104 مرات في الكتابات يوحنا الرسول، و64 في رسائل بولس الرسول. ولفظة “كوسموس” تقابل أيضا لفظة “المسكونة” أي الأرض والبشرية التي تقيم عليها (متى 26 :13) في عدة ممالك (متى 4 :8). فإن العالم هو الكون حيث يُولد الانسان (يوحنا 16 :21) ويقيم (يوحنا 17 :11) ويتألّم (2قورنتس 7 :10) ويجمع المال (متى 16 :26) ويقوم بالأعمال (1قورنتس 7 :33-34) بكل قوى نفسه (1يوحنا 2 :15-17). ومن هذا المنطلق خرج العالم في الأصل من فعل الخلق، وبدأ في جوهره صالحًا ودلّ على قدرة الله (أعمال الرسل 14 :17). ولكن هذا الكون الأرضي سكنه الانسان، فصار في الواقع في يد الشرّ (1يوحنا 5 :19)، عالم الكذب الذي تحكمه أرواح الشرّ والظلمة (أفسس 6 :12) يستعبد الانسان (غلاطية 4 :3، 9) ويمنعه من أن يتذوّق عطايا الله (1قورنتس 2 :12)، لأن الخطيئة والموت شوّهاه منذ بداية التاريخ (رومة 5 :12). أمَّا عبارة ” حَفِظَها لِلحَياةِ الأَبَدِيَّة ” فتشير الى حياة من الصداقة مع الله تبدأ على الأرض وتدوم الى الابد، وهي الحياة الجديدة التي يكشفها يسوع لتلاميذه وبموجبها عليهم ان يوحِّدوا حياتهم ويوجِّهوها. ويعلق القديس اوغسطينوس “إذا أحببتَ بطريقةٍ خاطئة فما أنتَ سوى إنسان يُبغض، وإذا أبغضتَ بطريقةٍ صحيحة، فما أنتَ سوى إنسان يحبّ. طوبى لمن يُبغضون النفسَ فيحفظونها كي لا يفقدوها بحبّهم الخاطئ لها! “. وبذلك، يجب على المرء أن يبغضَ حياته في هذا العالم حتّى يحفظها للحياة الأبديّة.
26 مَن أَرادَ أَن يَخدُمَني، فَلْيَتْبَعْني وحَيثُ أَكونُ أَنا يَكونُ خادِمي ومَن خَدَمَني أَكرَمَهُ أَبي:
تشير عبارة ” مَن أَرادَ ” الى ان دعوة يسوع هي لكل إنسان، فلا يجوز ان تكون الاختلافات الاجتماعية او العرقية حاجزا لاتِّباعه. أمَّا عبارة ” يَخدُمَني ” فلا تشير الى غيرة مجردة للعمل لحساب الآخرين، إنما هي اتحاد مع الخادم الحقيقي الفريد، يسوع المسيح، ومرافقته وإتباعه في طريق الجثسمانية. وإتباع يسوع يعني ان يتتلمذ له ويتعلم منه ويطيعه ويسلك معه طريق الصلب والدفن، ليقوم معه حاملًا ثمارًا كثيرة. اما عبارة “فَلْيَتْبَعْني ” فتشير الى السير وراء المسيح مما يتطلب الزهد بالنفس وحمل الصليب. ويعلق القديس اوغسطينوس “”ليتبعني” معناها ان يسلك المرء في طرقي، وليس في طريقه هو. وكما هو مكتوب في موضع آخر: ” مَن قالَ إِنَّه مُقيمٌ فيه وَجَبَ علَيه أَن بَسِيرَ هو أَيضًا كما سارَ يَسوع” (1 يوحنا 2: 6). ويعلق اللاهوتي الاسقف يودورس المصّيصي”إذا أراد أحدكم أن يكون خادمًا لي، فليظهر في أعماله أنّه يريد اتّباعي. إنّ من يشاركني آلامي سوف يشاركني مجدي “. أمَّا عبارة ” يَخدُمَني، فَلْيَتْبَعْني َ” فتشير الى الصلة بين “خدم يسوع” و”تبع يسوع” التي هي من معطيات الانجيل الاساسية. يسوع هو الخادم الذي يبذل نفسه عن الآخرين “لأَنَّ ابنَ الإِنسانِ لم يَأتِ لِيُخدَم، بل لِيَخدُمَ ويَفدِيَ بِنَفْسِه جَماعةَ النَّاس”(مرقس 10: 45). عاش يسوع حياته وموته كخادم، عرف معاناة البشر وخضوعهم للخطيئة والموت، تألّم معهم ومن أجلهم، وأدرك أنّ ” وآخِرُ عَدُوٍّ يُبيدُه هو المَوت” (1 قورنتس 15: 26). ” وهو الَّذي في أَيَّامِ حَياتِه البَشَرِيَّة رفعَ الدُّعاءَ والاِبتِهالَ بِصُراخٍ شَديدٍ ودُموعٍ ذَوارِف إِلى الَّذي بِوُسعِه أَن يُخَلِّصَه مِنَ المَوت، فاستُجيبَ لِتَقْواه. 8 وتَعَلَّمَ الطَّاعَةَ، وهو الاِبن، بما عانى مِنَ الأَلَم ولَمَّا بُلِغَ بِه إِلى الكَمال، صارَ لِجَميعِ الَّذينَ يُطيعوَنه سَبَبَ خَلاصٍ أَبَدِيّ” (عبرانيين 5: 7-9). يسوع هو الخادم الذي يهب نفسه عن الآخرين (مرقس 10/ 45). ومن هذا المنطلق إن حياة التلميذ الأصيل تُحدِّدها حياة يسوع: فلا بد له ان يتبعه في الخدمة ” مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني، فَلْيَزْهَدْ في نَفْسِه ويَحمِلْ صليبَه ويَتبَعْني” (متى 16: 24). دور الخادم ان يقاسم المعلم موته ثم قيامته. واليوم، إذا أردنا أن نتبع يسوع علينا ان نحبّه ونخدمه ونمجّده، حيث ان طريقنا تمرّ بالضرورة بما لا يشتهيه العالم، أي الزهد والفقر والتواضع، والخدمة السخيّة والمصالحة المتجدّدة، وقبول عدم الفهم والرفض والاستهزاء وحتى الموت في سبيله وسبيل البشارة. أمَّا عبارة ” وحَيثُ أَكونُ أَنا يَكونُ خادِمي ” فتشير الى مشاركة التلميذ في وضع المسيح وطاعته في المذلّة (يوحنا 13: 33) وارتفاعه في المجد (يوحنا 12: 26) كما جاء في صلاة يسوع الكهنوتية ” يا أَبَتِ، إِنَّ الَّذينَ وهَبتَهم لي أُريدُ أَن يَكونوا معي حَيثُ أَكون فيُعايِنوا ما وَهَبتَ لي مِنَ المَجد لأَنَّكَ أَحبَبتَني قَبلَ إِنشاءِ العالَم” (يوحنا 17: 24). أمَّا عبارة ” خادِمي ” διάκονος, (معناه ذاك الذي يخدم في المعبد (عزرا 7 :24) فتشير الى تابع شخصي أو معين وهنا تدل على تلميذ المسيح الذي يقوم على خدمته وهو شاهد عيان له (اعمال 26: 16)، والخدمة هنا ليست وظيفة دنيا، انما هي مكانة كرامة ومجد مثل خدمة يوسف في بيت مولاه (تكوين 39: 4)، وخدمة يشوع لموسى النبي في وظيفته (يشوع 1: 1)، وخدمة لإيليا النبي (1 ملوك 19: 21). وتطلق الكلمة خاصة على خادم الانجيل مثل طيموتاوس (1 تسالونيقي 3: 2). وبولس وابولس (1 قورنتس 3: 5) وابفراس (قولسي 1: 7).
27 الآنَ نَفْسي مُضطَرِبة، فماذا أَقول؟ يا أَبَتِ نَجِّني مِن تِلكَ السَّاعة. وما أَتَيتُ إِلَّا لِتلكَ السَّاعة
تشير عبارة “نَفْسي مُضطَرِبة” في اليونانية τετάρακται (معناها القلق أكثر منه الخوف) فتشير الى انفعال عاطفي شديد داخل النفس، وهو يدل على حقيقة يسوع البشرية التي تضطرب من الآلام والصلب الماثلة امامه، لأنَّه يشعر بصراع عنيف عند مجابهته رئيس هذا العالم (آية 31) ومذلة الموت الاليمة على الصليب. وإذ صار إنسانًا حقيقيًا كان لا بُد لنفسه أن تضطرب أمام الآلام التي تحيط به وخطايا البشرية كلها قد ظهرت أمامه لكي يحملها على كتفيه، مقدمًا نفسه ذبيحة عن خطايانا. وكان يسوع يرغب ان ينجو من ساعة الاضطراب فسأل الآب أن يصرف عنه هذه الساعة او كأس الآلام كما حدث في بستان الجتسمانية (مرقس 14: 36). لكنه يسأل خلاف ذلك ان يمجّد اسم الآب، بحسب الرسالة التي تولاّها (يوحنا 13/31-32). فكان يعلم يسوع ان الله ارسله الى العالم لكي يموت من اجل خطايانا بدلا عنا. ان طريق الطاعة حتى الصليب هي طريق التمجيد النهائي.
أمَّا عبارة ” فماذا أَقول؟ ” تشير الى عدم القدرة على التركيز بسبب إضرابه وانفعاله نتيجة المعركة مع الموت. أمَّا عبارة ” يا أَبَتِ ” في اليونانية Πάτερ وفي العبريّة אָב (معناه أب) فتشير الى اسم تعطيه التوراة لوالد الابن أو الابنة، وللجدّ (تكوين 28 :13) وللوالدين (عبرانيين 11 :23) وللأجداد (خروج 12 :3) وتُستعمل هذه اللفظة بطريق القياس وبشكل تشبيهي للحديث عن الله حيث تدل في انجيل يوحنا على علاقة الأبوّة مع الله حيث تتجاوز كلّ التجاوز ما تفترضه لفظة أب حيث يشدّد يوحنا الرسول فيها على وحدة المسيح مع الآب في أعماله (يوحنا 5 :17، 19-21). ومن هذا المنطلق ينادي يسوع الله “يا أَبَتِ” كونه لن يتركه وحده لأنه يشاطره منطق المشاركة والمحبة. أمَّا عبارة ” نَجِّني مِن تِلكَ السَّاعة ” فتشير الى حقيقة يسوع البشرية امام الآلام بسبب شعوره باضطراب باطني عنيف عند مجابهته رئيس هذا العالم (يوحنا 12: 31) ومذلة الموت الأليمة على الصليب. يخطر له ان يسأل الآب ان يصرف عنه هذه الكاس كما حدث في التجربة في جتسماني ” أَبَّا، يا أَبَتِ، إِنَّكَ على كُلِّ شَيءٍ قَدير، فَاصرِفْ عنَّي هذِه الكَأس. ولكِن لا ما أَنا أَشاء، بل ما أنتَ تَشاء ” (مرقس 14: 36)، ويعلق القديس يوحنا لذهبي الفم ” هذه ليست أقوال لاهوته لكنها أقوال طبيعته الإنسانية التي لا تشاء أن تموت “؛ وبالرغم من كل ذلك يسال ان يمجَّد اسم الآب، بحسب الرسالة التي تولاّها يوم اعتماده (يوحنا 13: 31-32). ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم ” قال يسوع ” نَجِّني مِن تِلكَ السَّاعة ” كي يحملنا إلى حياة التسليم والتواضع “. أمَّا عبارة ” وما أَتَيتُ إِلَّا لِتلكَ السَّاعة ” فتشير الى الابن الذي أتى متجسدا لأجل خلاص البشر نظراً لمحبته لهم ولطاعته للآب كما أكده يسوع لبطرس ” أَفَلا أَشرَبُ الكَأسَ الَّتي ناوَلَني أَبي إِيَّاها ” (يوحنا 18: 11)؛ والكاس تلمّح الى كأس المرارة في العهد القديم الذي يصف المِحَن الأخيرة (اشعيا 51: 17)، ويستعمل يسوع هذه العبارة للدلالة على الالام (متى 20: 22-23). ويعلق القديس اوغسطينوس “يتحول الإنسان مما هو بشري إلى ما هو إلهي حينما يفضل إرادة الله عن إرادته هو”.
28 أَبتِ، مَجِّدِ اسمَكَ. فانطَلَقَ صَوتٌ مِنَ السَّماءِ يَقول: قَد مَجَّدتُه وسَأُمَجِّدُه أَيضاً:
تشير عبارة ” اسمَكَ ” الى الشخص. وأسم الاب هو شخص الآب الذي يتجلّى في يسوع. وأمَّا عبارة “مَجِّدِ اسمَكَ” فتشير طلب يسوع من ابيه السماوي ان ابا (يوحنا3: 16)، وان يكتمل عمل محبته للبشر من خلال موت ابنه وقيامته. إن يسوع يمجِّد الآب حين يدخل طوعا في آلامه وموته على الصليب. ويعلق الاسقف بروكلس القسطنطيني “أطلق على الصليب اسم “المجد”. لأنّه من ذلك اليوم حتّى يومنا هذا، يتمجّدَ الصليب”. أمَّا عبارة ” فانطَلَقَ صَوتٌ مِنَ السَّماءِ يَقول ” تشير الى تأكيد الآب قراره بعدم ترك ابنه الحبيب ولذا يُسمِع صوته. أمَّا عبارة “قَد مَجَّدتُه وسَأُمَجِّدُه أَيضاً” فتشير الى موافقة الآب السماوي العلنية على طاعة ابنه وإظهار مجده في عجائبه على الارض كمعجزة الخمر في عرس قانا الجليل (يوحنا 2: 1-11) وشفاء المقعد عند بركة بيت ذاتا في القدس (يوحنا 5: 1-18) واحياء لعازر (يوحنا 11: 4). فبعد مجّد يسوع الآب بهذه الاعاجيب، وسيمجّده من خلال الموت والقيامة وهبة الروح القدس (يوحنا13: 31-32). ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم “قول الآب: ” قَد مَجَّدتُه وسَأُمَجِّدُه أَيضاً؛ فإن سألتَ وأين مجده؟ أجبتك: قد مجده في الأزمان الكائنة قبل هذه، وسيمجده بعد الصليب.” والواقع بعد ان قام يسوع بتمجيد الآب بطاعته الكاملة في الخدمة المتواضعة حتى الموت، يُشركه الآب في مجده الابدي بالقيامة والتمجيد”. وقد أكّد يسوع مجد الآب السماوي له في صلاته الكهنوتية ” فمَجِّدْني الآنَ عِندَكَ يا أَبتِ بِما كانَ لي مِنَ المَجدِ عِندَكَ قَبلَ أَن يَكونَ العالَم ” (يوحنا 17: 5) ويدل المجد هنا إما على المجد الذي كان الابن يتمتّع به في وجوده منذ البدء لدى الآب (يوحنا 1: 1)، إمّا على المجد الذي اعدّه الآب منذ البدء. لقد تجلّى هذا المجد طوال حياة يسوع على الأرض (يوحنا 2: 11)، وسطع بهاء ابتداء من القيامة والتمجيد (يوحنا 3: 14)؛ ويعلق القديس اوغسطينوس على قول الآب السماوي ” سَأُمَجِّدُه أَيضاً ” عندما يقوم من الأموات، عندما لا يكون للموت أي سلطان بعد عليه، وعندما يرتفع فوق السماوات بكونه الله، ويكون مجده فوق كل الأرض”.
29 فقالَ الجَمْعُ الَّذي كانَ حاضِراً وسَمِعَ الصَّوت: إِنَّه دَوِيُّ رَعْد. وقال آخَرونَ: إِنَّ مَلاكاً كَلَّمَه:
تشير عبارة “دَوِيُّ رَعْد” على حضور الله بواسطة الرعد. وعموماً صوت الرعد يصاحب كلام الله كما حدث مع موسى (خروج 19: 16). أمَّا عبارة “مَلاكاً” قلا تشير الى اسم علم، بل الى وظيفة كما حدث في تجلّي الله لدى أشخاص كبار في شعب العهد (تكوين 22 :11، 15)، ولدى الشعب كله (2 صموئيل 24 :16). يعمل الملاك باسم الله ويرتدي سلطة الله ويتكلّم باسم الله. أمَّا عبارة ” كَلَّمَه” فتشير الى تجاوب الملاك مع نداء الابن يسوع.
30 أَجابَ يسوع: “لم يَكُنْ هذا الصَّوتُ لأَجلي بل لأجلِكُم:
تشير عبارة “”لم يَكُنْ هذا الصَّوتُ لأَجلي بل لأجلِكُم” الى ان الجمع لم يُدرك معنى التدخل الالهي، وكان من شأن هذا التدخل ان يحمله على إدراك معنى الاحداث الخلاصية. فأفهم يسوع أنه لم يكن بحاجة الى هذا الصوت، لأنه متحد دوماً بأبيه، فأعلن ان ذلك الصوت فيه دلالة لهم وهو “الَيومَ دَينونَةُ هذا العالَم”.
31 الَيومَ دَينونَةُ هذا العالَم. اليَومَ يُطرَدُ سَيِّدُ هذا العالَمِ إِلى الخارِج:
تشير كلمة “دَينونَةُ” هنا الى الحكم على العالم ورئيسه (ابليس) حيث سيخلع عن عرشه. فالصليب يحكم على هذا العالم الذي يسيطر عليه الشيطان، فيصبح المسيح سيد هذا العالم “وإِنَّما الدَّينونَةُ هي أَنَّ النُّورَ جاءَ إِلى العالَم”(يوحنا 3: 19). وظنَّ الشيطان ان موت يسوع على الصليب هو انتصاره، فكان هزيمته. ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم “لم تذكر كلمة “دينونة” بأداة تعريف، فهو لا يشير هنا إلى الدينونة النهائية، بل هي دينونة تبدأ بعمل المسيح الخلاصي، كما جاء في نبوءة سليمان الشيخ ” ها إِنَّه جُعِلَ لِسقُوطِ كَثيرٍ مِنَ النَّاس وقِيامِ كَثيرٍ مِنهُم في إِسرائيل وآيَةً مُعَرَّضةً لِلرَّفْض (لوقا 2: 34). بينما تبقى الدينونة النهائية محفوظة، عندما يُدان الأحياء والأموات. أمَّا عبارة “هذا العالَم” فتشير الى العالم الحاضر بصفته المكان الذي تظهر فيه سيطرة القوات المعادية للسيادة الإلهية الواردة في انجيل يوحنا بأسماء متنوعة مثل ابليس (يوحنا 6: 70)، والشيطان (يوحنا 13: 27)، ورئيس هذا العالم (يوحنا 14: 30). وعبارة هذا العالم تتميز على العالم الآتي التي سيملك الله عليه بحسب التقاليد الرؤيوية. والواقع أنّ جوهر القيامة يبدأ منذ حضور يسوع على الارض، وهو الاشتراك في الحياة الالهية، ولكنها لا تتحقق تماما إلاّ في اليوم الاخير (يوحنا 5: 28-29). أمَّا عبارة “يُطرَدُ ” باليونانية ἐκβληθήσετα (معناها سيُطرح ارضا) فتشير الى قهر العدو فيرميه الغالب ويدوسه برجليه ويزيل سلطانه عن العالم، ويؤكد ذلك الرسول بولس ” لِيَكسِرَ بِمَوتِه شَوكَةَ ذاكَ الَّذي لَه القُدرَةُ على المَوت، أَي إِبليس ” (العبرانيين 2: 14). وينتظر أن يلقى في نهاية الأيام في ” النَّارِ الأَبَدِيَّةِ المُعدَّةِ لإِبليسَ وملائِكَتِه” (متى 25: 41). أمَّا عبارة ” سَيِّدُ هذا العالَمِ ” فتشير الى الشيطان الذي يعمل دائما ضد الله وضد من يطيعون الله، وإن للشيطان سلطان عظيم وهو قوي، لكن يسوع أقوى منه , إن قيامة المسيح قد حطَّمت سلطان الشيطان كما جاء في تعليم بولس الرسول ” فهو الَّذي نَجَّانا مِن سُلْطانِ الظُّلُمات ونَقَلَنا إلى مَلَكوتِ ابنِ مُحَبَّتِه ” ( قولسي 1: 13). أمَّا عبارة ” إِلى الخارِج ” فتشير الى أسفل كما ورد في بعض المخطوطات. لم يأتِ يسوع ليدين بل ليُخلص (يوحنا 3: 17-21)، إلا ان انتصاره بالصليب سيؤدّي حتماً الى انهزام الشيطان وإبعاده عن العالم.
32 وأَنا إِذا رُفِعتُ مِنَ الأَرض جَذَبتُ إِلَيَّ النَّاسَ أَجمَعين”
تشير عبارة “رُفِعتُ” باليونانية ὑψωθῶ (صيغة مجهولة تدل على صيغة آرامية معلومة אֶנָּשֵׂא وهي ارتفعت) الى الارتفاع على الصليب من ناحية، وعلامة وسبيل لارتفاعه في مجد الله الآب بالقيامة والصعود وجلوسه عن يمين الآب من ناحية أخرى (يوحنا 8: 28). حيث ان كلمة “رُفِعتُ” تلّخص الصليب والمجد، بحيث لم يعد الصليب علامة لعنة وموت، لان المسيح حوّله الى أداة نصر على الموت بالخطيئة؛ أمَّا عبارة “جَذَبتُ” فتشير الى انجذاب الناس في اتجاهين: للمشاركة في الخلاص من جهة، وللمشاركة في المجد من جهة أخرى. وهكذا سيولد شعب جديد يستطيع الجميع أن ينضم إليه. وتضم جاذبيته كل البشرية سواء كانوا من اليهود أو الأمم كما يضمهم معًا كأعضاء في جسده الواحد لكنه لن يجتذب يسوع المصلوب أحد قهرًا بغير إرادته. ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم “إنه يجتذب النفس ليس إلزامًا ولا بالعنف، وإنما بالحب الجذَّاب. وكما يقول في هوشع: ” بِحِبالِ البَشرِ، بِرَوابِطِ الحُبِّ آجتَذَبتُهم وكُنتُ لَهم كمَن يَرفَعُ الرَّضيعَ إِلى وَجنَتَيه وآنحَنَيتُ علَيه وأَطعَمتُه ” (هوشع 11: 4). أمَّا عبارة “النَّاسَ أَجمَعين ” فتشير الى الجميع يهودا كانوا ام يونانيين حيث جذبهم يسوع دون تميز في عرق او وطن. ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم “قوله ” النَّاسَ أَجمَعين ” ليؤكد فاعلية الصليب في جذب السمائيين والأرضيين ليصيروا واحدًا” كما جاء في تعليم بولس الرسول “وأَن يُصالِحَ بِه ومِن أَجلِه كُلَّ موجود مِمَّا في الأَرْضِ ومِمَّا في السَّمَوات وقَد حَقَّقَ السَّلامَ بِدَمِ صَليبِه.” (قولسي 1: 20).
33″وقالَ ذلك مُشيراً إِلى المِيتَةِ الَّتي سَيَموتُها”
تشير عبارة ” المِيتَةِ ” الى موت يسوع صلباً وليس رجما وإلا لما احتاج اليهود الى موافقة بيلاطس (يوحنا 18: 30-32). ارتفع يسوع بالصليب فصار منظرًا للعالم معلقًا بين السماء والأرض. أما وقد صُلب فجذب العالم إليه، وآمن كثيرون به، وثبتوا في محبته. اعتبر اليهود ان الشريعة كانت بجانبيه حين حكموا على يسوع، فإذا هي تشهد عليهم. لم تقدر الجموع ان تصدق ان المسيح سيموت من قلال قراءتهم لبعض فقرات الاسفار المقدسة (مزمور 89: 35؛ 110: 4 أشعيا). إلا ان بعض الفقرات الأخرى أوضحت انه سيموت (اشعيا 53: 5-9). اما عبارة “مُشيراً إ” فتشير الى توضيح يسوع فكرة موته على الصليب، لان الشعب أرتبك امام اعلان يسوع عن موته. إذ انهم لا يستطيعون ان يوفِّقوا بين رأيهم في المسيح المنتظر وبين كلام يسوع، معتقدين ان المسيح المنتظر سيظهر في السماء ويبقى الى الابد. حيث يطلب يسوع منهم ان يسيروا في النور وان يؤمنوا بالنور. من يؤمن بنور المسيح يستنير روحيا.
ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي (يوحنا 12: 20-33)
بعد دراسة موجزة عن وقائع النص الإنجيلي يوحنا 12: 20-33)، يمكن ان نستنتج انه يتمحور في ثلاث نقاط: وهي مفهوم الساعة وساعة المسيح والساعة الدينونة الاخيرة.
1) مفهوم الساعة في الكتاب المقدس
للساعة في الكتاب المقدس معنيان: معنى زمني ومعنى ديني. يدل المعنى الزمنى للساعة على ان التاريخ ينقسم الى عصور وشهور وايام وساعات. ففي العهد القديم، دلّت لفظة “שעה ” على الوقت أو اللحظة، وجاءت في وقت متأخّر في اللغة الاراميّة لا العبريّة שעתא (دانيال 3 :6، 15).
أما في العهد الجديد احتفظت اللفظة اليونانيّة ” ὥρα” بمعنى عام: الزمن، الوقت (متى 8 :13)، كما دلّت أيضًا على وقت محدّد في النهار: الساعة الثالثة (متى 20 :3)، الساعة السادسة (مرقس 15 :33)، الساعة السابعة (يوحنا 4 :52)، الساعة التاسعة (متى 20 :5)، الساعة العاشرة (يوحنا 1 :39)، الساعة الحادية عشرة (متى 20 :6). وتدلّ “” ὥρα” على مدى من الوقت محدّد مثل ساعة واحدة (متى 20 :12)، ساعتان (أعمال الرسل 19 :34)، ثلاث ساعات (أعمال الرسل 5 :7). وأن اليوم يُقسم إلى اثنتي عشرة ساعة من شروق الشمس إلى غروبها “أَلَيسَ النَّهارُ اثنَتَي عَشْرَةَ ساعَة؟ “(يوحنا 11 :9) وهذه القسمة قد تنطبق أيضًا على الليل (أعمال 23 :23). الاّ أن الليل كان يُقسم ثلاثة أقسام، وكل قسم يدعى هزيعًا جمعها هُزع أو هجعة وجمعها هجعات، أولها من غروب الشمس إلى نصف الليل، والثاني من نصف الليل إلى صياح الديك والثالث من صياح الديك إلى شروق الشمس (خروج 14: 24). كانوا يعرفون الساعة بدقّة بواسطة ساعة شمسيّة أو ساعة مائيّة، وهاتان الآلتان قد عرفهما المصريون وبلاد الرافدين منذ الألف الثاني ق.م.
وبجانب هذا الاستعمال اليوميّ والدقيق للساعة، ذكر العهد الجديد الساعة مرات عديدة في معنى لاهوتيّ. حيث تشير الساعة من الناحية اللاهوتية الى مراحل خطة الله: الى ساعة المسيح والساعة الاسكاتولوجية في آخر الازمنة. أمَّا ساعة يسوع فهي ساعة آلامه وموته، ساعة العدو، ساعة الله، ساعة مجده، “ساعتي” ساعة حب.
2) ساعة يسوع المسيح:
وسّع انجيل يوحنا بشكل خاص بعبارات مبنيّة على الساعة: “جاءت الساعة” بمفاهيم مختلفة لكنها مترابطة وهي:
ساعة يسوع هي “ساعتي” كما أطلق عليها يسوع (يوحنا 2: 4)، وقد أتت ساعة المسيح بمجيئه وإعلان ملكوته بطريقة لا تلفت الأنظار (يوحنا 2: 4) وخاصّة ساعة آلامه ومجده التي فيها تحقّق تماماً تدبير الله الخلاصي. وتبعاً لساعته هذه، يترتب كل نشاطه سواء كان في صنع المعجزات أو في ممارسة وظيفته النبويّة. ما من أحد يمكنه، مخالفة التخطيط الإلهي والتماس معجزة دون أن يشير يسوع إلى حلول ساعته كما حدث في عرس قانا الجليل (يوحنا 2: 4)؛ وكل محاولة لإلقاء القبض على يسوع أو لرجمه تظلُّ بدون جدوى طالما لم تأتِ ساعته “فأَرادوا أَن يُمسِكوه، ولكِن لم يَبسُطْ إِلَيه أَحَدٌ يَداً، لأَنَّ ساعتَه لم تكُن قد جاءَت” (يوحنا 7: 30). وتتحطم مخططات البشر في مواجهة هذا التحديد الإلهي. الناس يظنون ان ساعتهم جاءت حين تسي الأمور على ما يرام. أمَّا ساعة يسوع فهي آلامه وموته؛ وهي ساعة خلاص إخوته البشر الذي أحبهم حتى بذل ذاته في سبيلهم.
يسوع هي ساعة المسيح المنتظر: في الواقع، وبطريقة لا تلفت الأنظار، قد أتت الساعة بمجيء يسوع: ساعة إعلان الملكوت (يوحنا 2: 4)، وخاصّة ساعة آلامه ومجده التي فيها تحقّق تماماً تدبير الله الخلاصي. تشير إليها الأناجيل الإزائية بأسلوب بسيط “قد اقتربت الساعة، الخ…” (متّى 26: 45). وهذه الساعة لا تحدّد وقتاً معيَنا من الزمن، بقدر ما تتوّج مجمل المرحلة العظمى من عمل المسيح، على نحو ما تكون عليه ساعة المرأة التي تشير أوجاعها إلى ظهور حياة جديدة (يوحنا 16: 21).
ساعة يسوع هي ساعة آلامه وموته: اشارت الأناجيل إلى الموت بعبارة “قد اقتربت الساعة” (متّى 26: 45). وبدأ يسوع ساعة آلامه بكفاح باطني قاسٍ كما وصفه يوحنا ” الآنَ نَفْسي مُضطَرِبة، فماذا أَقول؟ يا أَبَتِ نَجِّني مِن تِلكَ السَّاعة. وما أَتَيتُ إِلَّا لِتلكَ السَّاعة” (يوحنا 12: 27). وهناك بعض ساعات قاسية مرّ بها يسوع، مثل الساعة التي تركه فيها تلاميذه (يوحنّا 16: 32)، إلا أنها تنزع نحو المجد. ولقد مات يسوع المسيح ليبيِّن سلطانه على الموت، وقيامته تُثبت انَّ له الحياة الأبدية، وبسلطانه الإلهي يمكنه ان يهب الحياة الأبدية لكل من يؤمن به. ويعلق القديس كيرلس بطريرك الإسكندرية “إنّ المسيح، باكورة الخليقة الجديدة. بعدما هزم الموت، قام من بين الأموات وصعدَ إلى الآب كتقدمة رائعة ومشرقة، كباكورة الجنس البشري المتجدّد وغير القابل للفساد.
كان يسوع يعي ساعة ألامه كما صرّح “كانَ يسوعُ يَعَلمُ بِأَن قد أَتَت ساعَةُ انتِقالِه عن هذا العالَمِ إِلى أَبيه” (يوحنا 13: 1) وانه تقبَّلها بملء حريته “إِنَّ الآبَ يُحِبُّني لِأَنِّي أَبذِلُ نَفْسي لأَنالَها ثانِيَةً” (يوحنا 10: 18). ان موت المسيح لا يحمل شيئا من الخيبة، او من الانحدار الى العدم. إنه بالعكس، يمثل قمة حياة المسيح رسالته على الأرض، وتكتمل فيه شخصية يسوع التاريخية في المجد” أَتَتِ السَّاعَةُ الَّتي فيها يُمَجَّدُ ابنُ الإِنسان (يوحنا 12: 23). إن موت السيد المسيح غيَّر مفاهيم الموت ومعاييره كما غيَّر نظرتنا إلى الحياة، حيث أصبح الموت ضرورة للتمتع بالحياة المثمرة الكاملة. حيث لا حياة صادقة بدون موت. “إنَّ حَبَّةَ الحِنطَةِ الَّتي تَقَعُ في الأَرض إِن لَم تَمُتْ تَبقَ وَحدَها. وإذا ماتَت، أَخرَجَت ثَمَراً كثيراً” (يوحنا 12: 24).
ساعة يسوع هي أيضاً ساعة العدوّ: ساعة الانتصار الظاهري للظلام؛ ساعة يستطيع فيها الذين لا يعرفون يسوع ولا الله ان يستخدموا غير مبالين وسائل العنف الظالمة كما جاء على لسان يسوع: “كُنتُ كُلَّ يَومٍ مَعَكم في الهَيكَل، فلَم تَبسُطوا أَيدِيَكُم إِليَّ، ولكِن هذه ساعتُكم! وهذا سُلطانُ الظَّلام! “(لوقا 22: 53).
ساعة يسوع هي ساعة الله: ولكن أكثر من ذلك، هي ساعة الله، التي حدّدها بنفسه وعاشها يسوع طبقاً لمشيئة الآب. وإذ جاء ليتمّم هذه المشيئة، فهو يقبل هذه الساعة، برغم الاضطراب الذي يستحوذ عليه من جرّائها كما جاء في صلاة يسوع في بستان الجسمانية “الآنَ نَفْسي مُضطَرِبة، فماذا أَقول؟ يا أَبَتِ نَجِّني مِن تِلكَ السَّاعة. وما أَتَيتُ إِلَّا لِتلكَ السَّاعة. (يوحنّا 12: 27).
ساعة يسوع هي ساعة مجده: إن ساعة الآلام في هذه المرحلة ستصبح ساعة المجد كما اكّد يسوع الى تلميذيه أَندَرواس وفيلِبُّس: “أَتَتِ السَّاعَةُ الَّتي فيها يُمَجَّدُ ابنُ الإِنسان.”(يوحنا12: 23)؛ وهي ساعة كمال رسالته الخلاصية كما أعلن يسوع في مثل حبة الحنطة “الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: إنَّ حَبَّةَ الحِنطَةِ الَّتي تَقَعُ في الأَرض إِن لَم تَمُتْ تَبقَ وَحدَها. وإذا ماتَت، أَخرَجَت ثَمَراً كثيراً” (يوحنا 12: 24). ويعلق القدّيس غريغوريوس الكبير، معلم الكنيسة “لقد كان يسوع بذرة زرع بإذلال جسده، وشجرة كبيرة بتمجيدِ عظمته. كانَ بذرة زرع عندما ظهرَ لأعيننا مشوّهًا كليًّا، وشجرةً كبيرةً عندما قامَ من بين الأموات”. لا يريد يسوع الحياة لنفسه، “لم يَعُدَّ مُساواتَه للهِ غَنيمَة” (فيلبي 2: 6)، بل ليعطي الحياة لكثيرين ويجمع في جسد واحد سائر أخوته البشر (قولسي 1: 18)، ويقع في الأرض كحبّة الحنطة ويموت، “تَجرَّدَ مِن ذاتِه” (فيلبي 2: 7)، يتمجد ابن الانسان عن طريق التضحية بحياته، لان التضحية هي شريعة الحياة والضمان للحياة الأبدية. كما صرّح يسوع المسيح “مَن أَحَبَّ حياتَهُ فقَدَها ومَن رَغِبَ عنها في هذا العالَم حَفِظَها لِلحَياةِ الأَبَدِيَّة (يوحنا 3: 25)
إلا أنها تنزع في جملتها نحو المجد، أي نحو رجوع الربّ في مجده. أنها ساعة انتقال يسوع من هذا العالم الى ابيه. هي تفتح بابا للقاء مع الآب. لم يأتي يسوع الى هذا العالم إلا ليحقِّق في جسده هذا العبور من الابن الى الاب، ولكي يأخذ معه كل البشر في حركة هذا الفصح الواحد. وكلّها تشهد بذات دقتها لقصد الله الذي يقود التاريخ (أعمال 1: 7).
ساعة يسوع هي ساعة الفصح: ” قُلتُ لَكم هذهِ الأَشْياءَ بِالأَمثال. تَأتي ساعَةٌ لا أُكَلِّمُكم فيها بِالأَمثال بل أُخبِرُكم عن الآبِ بِكَلامٍ صَريح” (يوحنا 16: 25)
ساعة يسوع هي ساعة الحب: عندما “أَتَت ساعَةُ انتِقالِه عن هذا العالَمِ إِلى أَبيه” (يوحنا 13: 1)، أي عند ساعة الحب الذي بلغ ذروته، نرى يسوع المسيح يذهب إلى الموت بملء حريته، مسيطراً على جميع الأحداث، كما جاء على لسان يسوع “وما ذلِكَ إِلاَّ لِيَعرِفَ العالَمُ أَنِّي أُحِبُّ الآب وأَنِّي أَعمَلُ كما أَوصاني الآب (يوحنا 14: 31). إنّها ساعة الحبّ الأعظم، التي يهب فيها يسوع حياته لأحبّائه الذين هم في العالم، وقد أحبّهم الى اقصى الحدود “لَيسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعظمُ مِن أَن يَبذِلَ نَفَسَه في سَبيلِ أَحِبَّائِه” (يوحنا 15: 13).
ساعة يسوع هي ساعة عبادة الآب بالروح والحق كما صرّح يسوع للمرأة السامرية ” تَأتي ساعةٌ -وقد حَضَرتِ الآن -فيها العِبادُ الصادِقون يَعبُدونَ الآبَ بِالرُّوحِ والحَقّ” (يوحنا 4: 21)، وهنا صدق القول “كثيرون هم الذين يجلسون في بيت الله، وقليلون هم الذين يجلسون في حضرة الله، فالعبادة الحقيقية هي ساعة يسوع حيث يعرف المؤمن الله ويعبده على أنه الآب بفضل الروح القدس الذي يهبه السيد المسيح من خلال موته. وهي ساعة العبادة الكاملة، في صداقة حميمة مع الآب بالروح القدس (يوحنا 4: 23)، وعلى المؤمن أن يستعدّ لهذه الساعة الخطيرة وإن كانت غير معلومة (متى 25: 13). وهو على كلّ حال، يعلم أنّ الساعة قريبة، بل انّها، بنوع ما، قد حضرت الآن (يوحنّا 4: 23)، وأنها آتية (5: 25 و28): هي “الساعة الأخيرة” (1 يوحنا 2: 18)، ساعة الاستيقاظ من النوم (رومة 13: 11).
هكذا، وراء الأحداث التي تتعاقب، يتّجه كلّ شيء نحو هدف سوف يتمّ بلوغه في زمنه وفي يومه وفي ساعته. إن ساعات هذه المسيرة موقوتة. وكلّها تشهد لقصد الله الذي يقود التاريخ كما قال يسوع بعد قيامته “لَيَس لَكم أَن تَعرِفوا الأَزمِنَةَ والأَوقاتَ الَّتي حَدَّدَها الآبُ بِذاتِ سُلطانِه” (أعمال الرسل 1: 7).
3) ساعة الدينونة في آخر الازمنة
كان اليهود في كتبهم الرؤيوية مقتنعين بقرب الأزمنة الأخيرة، أزمنة الاكتمال، فكانوا يقسّمون الزمن المتوخى للتدخّل الإلهي إلى أيّام وساعات، حيث تتخذ كل لحظة قيمتها، ومن هنا جاءت الساعة الدينونة هي ساعة الدينونة في الازمنة الاخيرة الاسكاتولوجية.
كان رجاء اليهود متجهاً نحو “ساعة” التدخل الالهي الاخير، في آخر الأزمنة كما جاء في نبوءات دانيا ل النبي “إنِّي أُعلِمُكَ بِما سَيَكونُ في آخِرِ السُّخْط، فإِنَّ المُنتَهَى يَتِمُّ في الميعادِ المَحْدود” (دانيال8: 17-)19، وقد وصف دانيال النبي هذه الساعة انها ساعة حاسمة، ساعة الانقضاء التي تشهد دمار العدوّ (دانيال 11: 40 و45،) كذلك سفر رؤيا يصفها ساعة دمار (رؤيا 18: 10 و17 و19). وهي ساعة الحصاد (رؤيا 14: 15-17). يصحب هذه الساعة محن عامة كما يصرّح صاحب الرؤية “فسأَحفَظُكَ أَنا أَيضًا مِن ساعةِ المِحنَةِ الَّتي ستَنقَضُّ على المَعْمورِ كُلِّه لِتَمتَحِنَ أَهلَ الأَرْض. (رؤيا 3: 10) كما يصحبها محن خاصّة “فأَطلِقَ المَلائِكَةُ الأَربَعَةُ المُتَأَهِّبونَ لِلسَّاعَةِ واليَومِ والشَّهرِ والسَّنَة، كَي يَقتُلوا ثُلثَ النَّاس. (رؤيا 9: 15).
في مثل هذا الجو، يعلن يسوع ساعة الدينونة، ساعة الانتصار النهائي لابن الانسان، ساعة غير معروفة للبشر “أَمَّا ذلكَ اليومُ وتلكَ السَّاعَة، فما مِن أَحَدٍ يَعلَمُها، لا مَلائكةُ السَّمَواتِ ولا الابنُ إِلاَّ الآبُ وَحْدَه” (متى 24: 36)، أمَّا يوحنا الحبيب فيصفها انها “الساعة الأخيرة” من التاريخ (1 يوحنا 2: 18) وهي ساعة قريبة (يوحنّا 4: 23).
وهكذا الساعة الاسكاتولوجيّة هي بمثابة ساعة الدينونة الأخيرة، التي تقع في منعطف تاريخ الخلاص، وهي ساعة غير معلومة من أحد كما صرّح يسوع لتلاميذه ” كونوا أَنتُم أَيضاً مُستَعِدِّين، ففي السَّاعَةِ الَّتي لا تَتَوَقَّعونَها يأَتي ابنُ الإِنسان” (متى 24 :44؛) وهي ساعة لا يعلمها يسوع نفسه (متى 24: 50)، ولا يعلمها الملائكة (مرقس 13 :32)، ولا اي انسان (متى 25 :13)، انما الآب وحده (متى 24 :36).
على المؤمن أن يستعدّ لهذه الساعة الخطيرة وإن كانت غير معلومة (متى 25: 13). فمن ناحية يطلب القديس بولس الرسول ان نستعد لها بالتنبه من النوم أي” لِنَسِرْ سيرةً كَريمةً كما نَسيرُ في وَضَحِ النَّهار. لا قَصْفٌ ولا سُكْر، ولا فاحِشَةٌ ولا فُجور، ولا خِصامٌ ولا حَسَد” (رومة 13: 13). ومن ناحية أخرى يطلب يسوع منا ان نستعد لها بالصلاة والعبادة في صداقة حميمة مع الآب بالروح القدس “تَأتي ساعةٌ -وقد حَضَرتِ الآن-فيها العِبادُ الصادِقون يَعبُدونَ الآبَ بِالرُّوحِ والحَقّ” (يوحنا 4: 23). وعلى مثال يسوع، نتوسّل إلى أبيه كيّ يمنحنا نعمة أن نحبّ أنفسنا فنقبل أن نخسرها في نظر العالم، لنحفظها للحياة التي لا تنتهي “مَن أَحَبَّ حياتَهُ فقَدَها ومَن رَغِبَ عنها في هذا العالَم حَفِظَها لِلحَياةِ الأَبَدِيَّة. (يوحنا 12: 25).
الخلاصة
تعلمنا ساعة ألآم المسيح وموته ان نموت عن ذواتنا من ناحية، وان نستعد للمحن التي يمكن ان نواجهها، علماً ان الصعوبات والآلام هي ليست هدفا بحد ذاتها، إنما هي تدخل في مخطط الله ألاب محب للبشر. ومن هذا المنطلق لنحاول ان نتتم إرادة الله وأن نعانق صليبنا كل يوم وأن نتحد بيسوع المصلوب والمتروك فنستطيع منذ الان ان نشاركه حياة القيامة، حيث الظلمة تنتهي بالنور، والموت بملء الحياة. وهكذا نثمر ثمارا وفيرة لنا ولإخوتنا البشر.
يدعونا إنجيل اليوم للنظر إلي يسوع المرفوع على الصليب، حيث ان في صورة يسوع المصلوب يظهر سرّ موت ابن الله كعمل محبّة سامي، وكمصدر حياة وخلاص للبشرية في كلّ الأزمان. إننا بجراحه قد شفينا. ومن هذا المنطلق لنحاول ان نوجّه أنظارنا نحو الصليب وأن ندخل، من خلال جراح يسوع، إلى داخله، إلى عمقه، وصولًا إلى قلبه حتى نجد خلاصنا. وهناك نتعلّم حكمة سرّ المسيح العظيمة، وحكمة الصليب العظيمة. ويعلق البابا لاون الكبير ” من يريد ان يكرِّمُ لآلامِ الربِّ يجبُ أن ينظرَ إلى يسوعَ المصلوبِ بعينِ القلبِ، فيَرَى إنسانيَّتَه في إنسانيَّةِ يسوعَ، وفي جسدِه المتألِّمِ يَرَى جسدَه”. فإن ثبتنا في نظرتنا إليه، في نختبر قوة جذبه التي تحمينا من ضعفنا وتوحّدنا معه وفيما بيننا
دعاء
أيها الآب السماوي، علمنا ان نبحث عن ابنك الوحيد يسوع المسيح ونراه على الصليب هو الذي أسلم نفسه الى الموت لآجل اخلاصنا، فيجذبنا إليه فنكون حبة الحنطة التي تموت لتحمل ثمارا كثيرة من أجل اخوتنا. آمين