الأحد الثاني والعشرون من زمن السنة ب (أ. بيتر مدروس)
الأب بيتر مدروس
مقدّمة
هدف الوعظ هو التعليم ثم الحث على الخير. وعبرة كلام الرب يسوع في إنجيل هذا الأحد واضحة وهي ضرورة طهارة القلب والفكر والضمير اكثر من نظافة الجسم واليدين اي الوضوء والختان وغيرهما. وربما نميل نحن الوعاظ احيانا الى الإكثار من الاخلاقيات بإغفال للمعلومات الإيمانية العقائدية. في هذا المقام نسعى بصراحة الى الكثير من المعلومات، انطلاقا من نصوص الكتاب المقدس في ألسنته اي لغاته الأصلية، كما نحاول بعون الله معالجة قضايا راعوية وحوارية بين الأديان، بين مدّ فيها وجزر، بين تعايش وتصادم. ولا تمنع المحبة المسيحية ضرورة الحق الذي يحرّر والواقع الذي يفرض نفسه (أفسس ٤: ١٥، و 1قور ١٣: ٦).
من إنجيل اليوم: تقاليد شيوخ اليهود
لا يشدد يسوع على الوضوء لا قبل الاكل – لان المسألة مسألة نظافة مفروغ منها- ولا قبل الصلاة، حسب التوراة والتلمود، بالماء او الرمل. ويلحظ العارفون باللسان اليوناني الأصلي للعهد الجديد عدم دقة او عدم أمانة احيانا في نقل كلمة باراذوسيس ΠΑΡΑΔΟΣΙΣ اي تقليد، في ترجمة فان دايك وسواها لدى اخوتنا البروتستنت . ان تلك الترجمات تنقل بامانة التقاليد اليهودية بكل نزاهة، مثلا هنا في( مرقس ٧) وفي (غلاطية ١: ١٤ ). ولا تتردد ان تنقل باراذوسيس بكلمة تقليد حتى في الكتابة عن تقاليد الإلحاد والوثنية والفلسفة الدنيوية الفارغة، في( قولسي ٢: ٨ ).
الخطير الاليم ان تلك الترجمات لا تنقل كلمة باراذوسيس باللفظة الصحيحة تقاليد او سنن ( جمع سنّة، بضم السين وتشديد النُّون) عندما يكون الكلام عن التقاليد الرسولية المسيحية الكنيسة، بل تغيّرها او تحرّفها وتستبدلها بلفظة تعاليم، كما في( ١ قور ١١: ٢ )، ثم في( ٢ تسالونقي ٢: ١٥، ثم ٣: ٦ ) لماذا هذا التغيير والتحريف والاختلاف؟ لأنّ المذهب البروتستنتي يرفض التقاليد الرسولية الكنسية. ومع الاسف يقع أخونا البروتستنتي في عاقبة هذا التغيير. نعم، إنه يرفض بحسن نية التقليد الرسولي والكنسي لانه لا يجده في العهد الجديد، حسب الترجمات المشار اليها. ومن العواقب التي لم يعمل لها أولئك المترجمون حسابا انهم بهذا التغيير اعترفوا بتقاليد اليهود ( في( مرقس ٧، وغلاطية ١:١٤ ) وبالتقاليد الدنيوية الوثنية والدنيوية، كما في قولسي( ٢: ٨ )، ورفضوا التقاليد الرسولية الكنسية المسيحية. ولحسن الحظ يمكن دوما تصليح هذه الأخطاء خصوصًا في الترجمات المسكونية التي ليست دائماً موفقة في هذا الموضوع.
لا يعني هذا النقد ان الكتاب المقدس محرّف فالنصوص الأصلية ثابتة لا خصام فيها ولا تناقض، وهي مرجع العلم والكنيسة. اما الترجمات فهي تفسيرية شعبية يجب ان تسعى الى الاتقان وتصليح الأخطاء.
الطهارة بلا عنف ولا طهرانية، طهارة النية والفؤاد وليس فقط نظافة الاجساد
يدعونا الرب يسوع وفكره في العهد الجديد على التعمق في النفس والقلب والروح غير مشدّدين على الجسد. يفهمنا ان ما يدخل الفم لا ينجس الانسان بل ما يخرج منه. ويساعدنا مفهوم الطهارة او الطهرانية عند قوم الميثاق العتيق على ان نفهم، لا ان نبرّر، العنف الذي نجده احيانا في العهد القديم من التحريض الظاهر على بغض الأعداء باغتيال رجالهم وسبي النساء والأطفال وحرق ممتلكاتهم ، وايضاً بعقوبة الإعدام بالرجم والجلد وغيرهما للمتجاوزين وللذين يتركون اليهودية او يكفرون او يعاشرون نساءهم بطريقة معينة. نفهم هذه الطرق والعقوبات اولا في إطار نقص العهد القديم، وهو نقص عند الشعب العبري، لا عند الله ولا في الوحي. وبرهان ذلك الضعف والنقص بقاء يهود أيامنا في تلك العقلية. ثانيا: كان ذلك الشعب العبري الطفولي روحانيا واخلاقيا غير ناضج، بحيث ما كان يردعه إلاّ قاسي العقاب الجسدي. وثالثا كان خوفه الأساسي ان يفقد طهارة العقيدة الموحدة وسط الوثنيين وطهارة الاخلاقيات. وخوفا من الوثنيين الانجاس في كفرهم وشركهم وفي انحلالهم الاخلاقي، منع موسى النبي اختلاط اليهود بهم ومنع الزيجات المختلط وتوهّم اليهود ان الله أمرهم بقتل رجال الوثنيين الذين هم خطر على اليهوديات، وبأخذ نساء الوثنيين وأطفالهم سبايا لسهولة إخضاعهم الى دين التوحيد. وياتي الختان والوضوء والتمييز بين المأكولات في إطار الطهارة أيضا.
خاتمة
قوّانا الله ان نكون من أنقياء القلوب من غير أن نقتل أحدا.