Liturgical Logo

الأحد الأول من الزمن الأربعيني (ج)

الأب بيتر مدروس

أوّل تجربتين تعرّض لهما السيّد المسيح واضحتان بديهيّتان : تجربة الطمع والجشع (تحويل كلّ شيء إلى خبز أي الرغبة في “أكل” الدنيا كلّها!) وتجربة العظمة والسيطرة حتّى عن طريق التزلّف والذلّ. ولكن التجربة الثالثة أكثر تعقيدًا : الادّعاء والجسارة الزائدة بحيث يرمي أحدهم نفسه في الأهوال والأخطار وهو على يقين من أنّه سينجو. يُلقي بنفسه من شرفة الهيكل إلى أدنى دركات الأرض ، وهو متأكّد أنّ “الملائكة سوف تحمله على أيديها لئلاّ تصدم بحجر رِجله” (عن مزمور 90 (91) : 11- 12).
نلحظ أوّلاً أنّ الشيطان نفسه يستشهد بالكتاب المقدّس فلا عجب أن يستغلّ الكتاب المقدّس أعداء المسيح والعذراء والكنيسة. أين الخدعة الشيطانيّة مع العلم أنّ نص الكتب المقدّسة مُلهم موحى به؟ الخدعة أن المجرِّب أو المُضلّ يستغلّ سذاجة المُستمع وإيمانه بالكتاب المقدس. يقتبس نصًا مقدّسًا إمّا بشكل غير كامل أو خارجًا عن السياق . يركن المستمع الساذج أنّ هذه هي كلمة الله. ولكن المعنى والتفسير ليسا ما أراده لا الله ولا النص الذي ألهمه الله. صحيح أنّ الملائكة يحمون التّقيّ عندما يكون في خطر ، ولكن هذا لا يعني أن يرمي نفسه في الخطر. باختصار : النص هو هو كما يستشهد به المجرّب أو المُضلّ ، ولكنهما يعطونه تفسيرًا غير تفسيره ومعنى غير معناه. وهذه هي الخدعة.
الادّعاء والركون إلى أنّ الله يحمينا ويحفظنا حتّى عندما نخطيء ونجرم وننحرف أو أنّنا نستطيع أن نقوم بواجباتنا ومسؤوليّاتنا حتى من غير صحّة أو كفاية علميّة أو استعداد أو تقوى. وهنا يجيبنا الرب يسوع :”لا تجرّب الرب إلهك”. ويعطينا هنا قداسة الحبر الأعظم البابا بندكتوس السادس عشر مثلاً صالحًا في التواضع ونكران الذات. رفض “تجربة الادّعاء” ولسان حالها : السيّد المسيح معي وأنا نائبه وسأؤدّي كلّ واجباتي على أكمل وجه مع أنّني مسنّ وضعيف. سيتدبّر يسوع الأمر!” بل بواقعيّة وتواضع أقرّ الحبر الأعظم بضعفه ووهنه وكبر سنّه ونقص امكانيّاته الجسديّة والتركيزيّة وقدّم استقالته قبل عدّة سنوات.
قالت العرب : “رحم الله امرأً عرف قدر نفسه!” فلنعرفنّ حدودنا ولنصلينّ باستمرار : “لا تُدخلنا في التجربة بل نجّنا من الشّرّير”!