عظة الأحد الرابع للفصح (ج)
الأب بيتر مدروس
يتبع بولسَ وبرنابا عدد من اليهود و”خائفي الله” وهؤلاء من الوثنيين الذين كانوا ينوون دخول اليهودية ولكنهم استثقلوا الختان ووصايا أخرى. ولكن “يا فرحة ما تمّت” بالكامل، إذ “لمّا رأى اليهود هذا الجمع أخذهم الحسد”. “ومن شابه أباه ما ظلم”. فبيلاطوس نفسه “كان يعلم أن رؤساء الشعب العبريّ إنّما أسلموا يسوع حسدًا” (مفعول لأجله). “وجعل (أولئك اليهود) يعارضون كلام بولس بالتجديف” أي بالشتائم على يسوع، كما سيفعل التلمود وكتاب “تولدوت ييشو” اي “تاريخ يسو(ع)”. وتأتي هنا سخرية التاريخ وعلم النّفس: الذين يقذفون يسوع وأتباعه بالتجديف والكفر، هم بأنفسهم يكفرون ويجدّفون، والكلام صفة المتكلم!
يستمرّ الرسولان بولس وبرنابا في رسالتهما، مع ما لاقاه من عراقيل عبريّة. ومرّة أضافيّة ، لاحقًا، ها إنّ “اليهود أثاروا كرائم النساء العابدات” ، وفي فترة تالية ستكون من “مُكرِمات الله” زوجة نيرون الثانية بوبينا سابيا البنت (حسب كتابات يوسيفوس فلافيوس) والتي سيكون لها الذراع الطّولى الخفيّة في اضطهاد ذلك الإمبراطور للمسيحيين، إذ “لكلّ امرىء من دهره ما تعوّدا”. “أثار اليهود كرائم النساء العابدات (كثيرات التقوى ولكن ذوات تمييز أقلّ، مع الأسف، ربّما لسلامة طويّتهنّ وبياض قلوبهنّ) وأعيان المدينة (وخصوصّا من “جماعة جاهة ووجاهة”) وحرّضوا على اضطهاد بولس وبرنابا” : “وما أشبه اليوم بالأمس”. “حتّى طردوهما من بلدهم” : وفِعلَا “طَرَدَ” و “اضطَهَد” حليفان توأمان، كما يفعل اليوم مضطهدو المسيحيين خصوصا في العراق وسورية…
لا “نظريّة المؤامرة” بل “مؤامرة النّظريّات”
لنقرأنّ الرسالة من عنوانها. والشّمس لاتُغطّى براحة اليد. منذ بدء تبشير يسوع وخدمته المعجزة الشّفائيّة لاقى عند الشعب قبولا واستحسانا وإعجابًا وكذلك من الوثنيين، ولكنه وجد العداوة والحسد والغيرة والمكايد لدى “رؤساء الكهنة اليهود والكتبة والفريسيين”. وفي سِفر أعمال الرسل، تستمر المكايد والمؤامرات العبريّة على أتباع يسوع ورسله، ناهيكم عمّا تعرّض له بولس من اضطهاد على يد اليهود لا الوثنيين الذين ما كانوا ليبالوا “عن مسائل تتعلّق بديانة اليهود وعن امرىء ميت اسمه يسوع وبولس يصرّ على أنّه حيّ”!
لا، ليس كاتب أعمال الرسل الملهم الموحى إليه إنسانًا يعيش في الأوهام ولامريضًا بعقدة الاضطهاد المعروفة باسم “بارانويا” παρανοια ولا “اللاساميّة” أي العداوة المَرَضيّة لليهود، بل هو واقعيّ يسرد الأمور كما هي عليه. وفي تاريخ الكنيسة إلى أيامنا، يرى المرء، في الشرق والغرب، التأثير اليهوديّ المصيريّ الذي إمّا أسس بدعًا وهرطقات أو تسرّب إليها، وكذلك دخوله في فلسفات مادية اقتصادية تبدو غريبة عن اليهودية ولكن تبقى هذه مصدرها. وليس غريبًا أنّ الأغلبية الساحقة من الهرطقات ومن حركات الاحتجاج لا تمسّ العهد القديم – مع ما فيه من مقطوعات صعبة – ولا تهاجم إلاّ معتقدات وممارسات من العهد الجديد. ولا يذكر المرء سوى هرطقة”مرقيون” الذي نبذ الميثاق العتيق، في حين تغاضى كل الهراطقة عبر التاريخ عن معضلات العهد القديم واستهدفوا الجديد في اعتراضاتهم وفذلكاتهم.
ما نشهده اليوم هو “مؤامرة النظريات” في الغرب، نظريات تريد تدمير الكنيسة والأخلاقيات المسيحية والعائلة والزواج ، ونشر أفكار خاطئة مدمّرة للشعوب المسيحية لكي تقوم باستقبال انتحاري لملايين من اللاجئين غير المسيحيين، بعد أن دس أصحاب الأفكار الهدامة في عقول الغربيين أن لا فائدة من الزواج والإنجاب وأن من واجبهم إعطاء الغرباء الجنسية (وهذا ما لا يفعله غير “المسيحيين” في العالم!). كل هذه الأفكار الخاطئة فضحها مؤخرًا المطران الأمين العام السابق لمؤتمر أساقفة بولندا.
“جمع لا يُحصى من كل أمّة وقبيلة وشعب ولسان” (رؤيا 7 : 9 ت )
ما كدنا نذكر المؤامرة العبرية المستمرّة على المسيحيّة حتى أتت القراءة الثانية من سِفر الرؤيا لتخبرنا عن جماهير لا تقع تحت حصر “واقفة أمام العرش والحَمَل”. وها هي بدعة “شهود يهوه” اليهودية الأمريكية – إذ لقب “شهود يهوه” يهودي بحت من اشعيا 43 : 10 – 12- تلقّن أتباعها أنّ الذين سينالون السعادة الأبدية في السماء فقط مئة واربعة وأربعون ألفًا. يهود يا عالم! 144000 حسابيًّا : اثنا عشر الفًا من كل سبط ، والأسباط اثنا عشر.
ويقفون عند الآية الثامنة من الفصل السابع. وكما يقول زميل لنا ألمانيّ : “أكمل قراءة النص! “Lesen Sie weiter!. بعد العدد الرمزي لنفر كثير من اليهود المختارين – 144000 “الصّف السّماويّ” – يرى الرائي اللاهوتي يوحنا “جمعًا غفيرًا لا سبيل إلى تعداده” في السماء لا على الأرض. لماذا الإصرار على 144000، لأنه ” لا يحنّ على العود إلاّ قشره”!
المسيح الرب الراعي الصالح (يوحنا 10 : 27 – 30)
لا خلاف حول يسوع “راعي الخراف العظيم”. ولكن أحيانًا المشكلة فينا نحن الإكليروس “رعاة” الشعب إذ يتأرجح بعضنا أحيانًا بين الراعي والأجير والذئب! أراد يسوع أن يجعل رسله رعاة بعده ونوابا عنه مع معرفته لنوائب ستحصل بسبب “هشاشة الطبيعة البشرية”. ويذهل المرء من استمرارية الكنيسة الكاثوليكية على عيوب إكليروسها – مع الاحترام للكهنوت- وشعبها. وعليها قس شقيقتها الأرثوذكسية. سرّ صمودها : راعيها الإلهي الصالح الذي لا يسمح لأبواب الجحيم بأن تقوى عليها.
أراد يسوع بحكمته الربانية أن تكون في كنيسته رئاسة أسقفيّة كهنوتية قسوسية منظورة مكوّنة من رجال لا من ملائكة، وهؤلاء الرجال معنويا هم “أدوات من خزف” وقنوات تحمل النعمة لأن هذه النعمة ليست منهم بل من الرب. والترتيب الهرميّ والرقابة المستمرة حتى على أعلى المستويات كفيلة بالحد من التجاوزات ونقدها. وقد بيّن ذلك بوضوح خطاب من إيراسموس سنة 1529 إذ كتب : “حيثما حلّ الاحتجاج على الكنيسة فهنالك نهاية الأخلاق”. وكان أكبر دعاة الاحتجاج قد تذمّر من تكاثر البدع والهرطقات “بقدر ما تجد من رؤوس، وما من أخرق أحمق إلاّ يتوهم أنه نبيّ تلقّى من عند الله وحيًا” بسبب التفسير الحرّ للكتاب المقدس وعدم الاعتراف بسلطة كنسية حبرية اسقفية كهنوتية آبائية تفسّره حقّ تفسيره.
خاتمة
لنصغيّن إلى المسيح الراعي الإلهيّ وسوف ندخل – بعد عمر طويل- الحياة الأبديّة!