عظة عيد الثالوث الأقدس (ج)

الأب بيتر مدروس

تتكلم الحكمة كفتاة أو سيّدة ، وفي هذا الموقف “حكمة” كبيرة إذ يحرص عدد من بنات حوّاء كبير على الجمال ويسعين إلى المال أكثر من اهتمامهن بالحنكة والحيطة. لذا يهتف الكاتب في قصيدة أبجدية : ” أ امرأة فاضلة من يجد؟ قيمتها فوق اللالىء
ب – بها يثق قلب زوجها…”.
وهنالك من يفسّر هذا المقطع من أمثال 8 أنه يخبر عن المسيح حكمة الله. ولكن هذا التفسير غير علمي وغير دقيق، إذ يستهل المقطع بفعل “قناني” الذي يعني إمّا “حازني” أو “خلقني”. ونحن نعرف أن المسيح غير مخلوق بل هو تجسد الكلمة الخالقة إذ “به كان كل شيء وبغيره ما كان شيء”.

رومية 5: 1 – 5
“بالإيمان نتبرر”، ومن غير إيمان يمسي الرجاء فارغًا وتبيت المحبة إنسانية من غير رجوع إلى الله! وهنالك خطر “الأفقية” لدى نفر من المسيحيين الذين يركّزون على “الإنسان” والقضايا الاجتماعيّة . ونعلم أنّ في الغرب ميلاً إلى حذف رموزنا الدينية المسيحية لإرضاء الآخرين أو احترامًا لهم. وهذا أكبر ضمان لكي لا يحترمونا.
إيماننا بالوحدة الثلاثية أي “الثالوث الأقدس” (وكلمة “ثالوث” غير موفّقة)- يجعل فكر المسيحي عن نفس الإله يختلف عن المفهوم اليهودي والإسلاميّ ، أي أنّ كلّنا نعبد الإله الواحد ذاته ولكن مفهومنا المسيحي عنه يحتلف عن المفهوم اليهودي والإسلاميّ. من جهة، فيما يعلّم العهد القديم وحدانية الله- مع وجود نصوص تثبت فيه تعالى “تعددية” أي وجود أوجه لهذا الإله الواحد، مثلاً “ها إنّ آدم صار كواحد منّا” – وليس الخطاب موجّهًا إلى ملائكة أو كائنات أخرى- يذكر التلمود ال “مترونيت” وهي نوعًا ما معبودة غير الله, وجيّد في الحوار مع إخوتنا المسلمين استفسارنا عن عبارة ترد مرّتين في النص القرآني عن الله أنه تعالى “أحسن الخالقِين” (بكسر القاف) في حين نعلن نحن : “أومن بإله واحد … خالق السماء والأرض” (عن تكوين 1: 1 أ).
ولا يملّ المرء خصوصًا وسط بيئات مسلمة ويهودية أن يكرر للقاصي والداني أننا لا نؤمن بثلاثة آلهة بل بإله واحد وكلمته وروحه، وأن الله عندنا ليس “ثالث ثلاثة” ولا أننا نتخذ السيد المسيح وأمّه “إلهين من دون الله”. ومن المؤسف أيضًا أنّ مسيحيين من حركات الاحتجاج وحركات يهودية مثل “شهود يهوه” يتهموننا زورًا – أو عن سوء فهم- بتأليه السيدة العذراء مريم أو بعبادتها. وهذا غير وارد في تعاليم الكنيسة وتعليماتها.
كلّ هذه الخواطر ذات شأن كبير لحياتنا الروحانية والراعوية والحوار بين الأديان. فكم من مسيحي سطحي وقع في حبائل السفسطة التالية (اي التفكير غير المنطقيّ) : “بما أنّ الله ليس ثلاثة فبوذا نبيّ أو كنفوشيوس أو جوزف سميث…” وكأنّ سيّدة تقول لجارتها، عفوًا : “بما أن ابنك “فاشل” فابني أنا فالح!”
وكم من مسيحي قُتل أو ذُبح أو شُرّد أو سُلب وكم من مسيحية تم الاعتداء عليها لا لذريعة سوى لأنهم “مشركون كُفّار” يثلّثون الله ويؤلّهون إنسانًا. وأحيانًا يقصد بعض المسلمين أن ينتقدوا ثالوثنا ويدعو أحدهم أحدنا : “وحّد الله!” ولكن الأكثرية يقولون هذه العبارة لمسلمين آخرين، من غير طعن بثالوثنا بل تكون عندهم دعوة كي يحقّ المخاطَب الحقّ.
هنا أيضًا يفيد الإيضاح وإن كانت فيه إعادة: لا نؤمن بإنسان ألّهناه بل بتجسّد الإله. وهذا ليس محالاً، ففي النص القرآنيّ نقرأ أنّ “روح الله” (المفسّر أنه جبريل) تمثّل لها بشرًا سويًّا” أي للعذراء مريم. أحد الملائكة يظهر إنسانًا كاملاً، فلماذا لا يقدر الله أن يفعل، من غير فقدان ذاته الإلهيّة ؟
خاتمة
في الله وحدة لا وحشة. ويطلب الرب يسوع أن “نكون واحدًا” كما أن الله وكلمته وروحه واحد. وخطأ توهّم بعض القوم خصوصًا في الغرب أنّ وصية يسوع لتلاميذه بأن “يتلمذوا جميع الأمم” – خطأ فادح تفسيرها كأنها رغبة في السيطرة والغزو والسحق والاحتلال والهيمنة والاستبداد والقهر. فيسوع رفض العنف وبيّن في بستان الزيتون لنائبه البابا الأول مار بطرس أن يترك العنف لأن “من يأخذ بالسيف، بالسيف أيضًا يهلك”، وما حمل يسوع سيفًا ولا قاد اية معركة ولا غنم لا مالاً ولا نساء. أمره يأتي من محبته للبشر وحرقته لكي يقبلوا البشرى السارة ويحظوا بالسعادة في الدار الحاضرة والنجاة في الآخرة : “الله يريد أن يخلص جميع الناس ويبلغوا معرفة الحقّ”.
فلنسعينّ لنتّحد بالإله الواحد عن طريق الصلاة والندامة والأعمال الصالحة وهي نتيجة الإيمان “الذي من غيره لا يقدر أحد أن يُرضي الله” والرجاء “الذي لا يخيّب صاحبه” والمحبة التي هي “الشريعة بتمامها”. اسم واحد وليس “اسماء” الآب والابن وروح القدس والاسم الواحد يشير إلى الكائن الواحد، فالله عندنا ليس “احد” الآلهة ولا “أحد” الأرباب بل هو الإله وهو الرب. وهنالك فضائل سامية ثلاث : الإيمان والرجاء والمحبّة، وأسرة مثالية ثلاثية العناصر : يسوع ومريم ويوسف، وثالوث إنساني عظيم (حاول كثير من الملاحدة الأعاجم مسّه أو تقويضه وتبعت فكرهم الخطير اللآأخلاقيّ دول كثيرة مع الاسف خالفت هدى الإنجيل وتعاليم الكنيسة): أب وأم وأبناء وبنات.
“ونعمة ربّنا يسوع المسيح ومحبّة الله وشركة روح القدس معكم جميعًا” ( 2 قور 13 : 13).