Liturgical Logo

تأملات آباء الكنيسة حول الصليب

آباء الكنيسة

أذكرني يا يسوع إذا ما جئتَ في ملكوتِكَ

القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم (نحو 349 – 407)، بطريرك أنطاكية ثمّ القسطنطينيّة وملفان الكنيسة
العظة الأولى للجمعة العظيمة عن الصليب واللّص اليمين

إنّ الملكوت المقفل منذ آلاف السنوات قد فتحَه الصَّليب لنا “اليوم”. ففي مثل هذا اليوم وهذه السّاعة فقط أدخلَ الله إليه اللّص. فيكون بهذا قد اجترحَ معجزتَين: لقد فتح باب ملكوت السماوات وأدخل إلى الملكوت لِصًّا. واليوم، أعاد الله لنا موطننا القديم، واليوم أدخلنا إلى مدينة الآب، واليوم فتح باب منزله للبشريّة جمعاء. كما قال: “الحَقَّ أَقولُ لَكَ: سَتكونُ اليَومَ مَعي في الفِردَوس”. ما هذا الذي قلتَه، يا ربّ؟ أنت مصلوب ومُسَمَّرٌ بالمسامير، وتَعِد بالفردوس؟ أجل، لكي تعرفَ ما هي قدرتي من خلال الصَّليب…

إنَّ الرَّبَّ يسوع المسيح لم يغيّر نفس اللّص الخاطئة من خلال إقامة الأموات، أو توجيه الأمر إلى البحر والرياح، أو طرد الشياطين، بل فعل ذلك حين كان مصلوبًا، ومُسَمَّرًا بالمسامير، ومُعرّضًا للشتائم والإهانات والبصق عليه. لقد فعل كلّ ذلك كي نرى الناحيتين من القوّة التي يملكها. لقد زلزل الخليقة جمعاء، وصدّع الصخور (راجع مت 27: 51) وجذب روح اللصّ التي كانت أقسى من الصخر، وملأها من مجده…

من المؤكّد أنّه ما كان أيّ ملك ليسمح لسارق أو حتّى لأيّ من خَدمَه أن يجلس معه حين دخوله إلى مدينة ما. أمّا الرَّبُّ يسوع المسيح، فقد فعل ذلك: حين دخل أرضه المقدّسة، أدخل معه سارقًا. بتصرّفه هذا، لم يقلّل من شأن الملكوت، ولم يُهِنه بوجود السارق؛ بل على العكس فإنّه قد شرّفه، إذ إنّه لشرف عظيمٌ للملكوت أن يكون له ربّ قادرٌ على جعل السارق أهلاً بكلّ النِّعَم التي يمنحها الملكوت. كذلك عندما أدخل إلى الملكوت النساء الخاطئات والعشّارين، فهو لا يقصد إهانتَه، بل منحه شرفًا عظيمًا من خلال إثبات أنَّ سيِّدَّ ملكوتِ السماواتِ قويٌّ لدرجةِ أنَّه يستطيعُ أن يجعلَ من النساءِ الخاطئاتِ والعشّارينَ أُناسًا محترمين جديرين بهذا الشرف وبهذه الهبة. إنّنا نقدّر الطبيب أكثر فأكثر بقدر ٱستطاعته من شفاء أكبر عدد من المرضى الّذين يشكون من أمراضٍ مستعصية. وهكذا يصِحُّ أن نندهش بالرَّبِّ يسوعَ المسيح… عندما يعطي الصّحّة الرّوحيّة للخاطئاتِ والعشّارينَ بحيثُ يصبحونَ أهلاً بالملكوتِ السّماويّ.
…………………

 

القدّيس مكسيمُس الطورينيّ الأُسقُف 420

“الصَّليب إذًا هو سِرٌّ كبير، وإذا حاولنا فهمه، فبهذه العلامة تمّ خلاص العالم بأجمعه”.

“الكنيسة لا يمكن أن تَستَمِرَّ بدونِ الصَّليبِ تمامًا كالسفينةِ الَّتي تفقدُ صلابتها بدون السَّارِيَة. فالشيطانُ يُزعِجُها والرِّياحُ تَضرِبُ السَّفينة، لكن عندما ترتَفِعُ علامةَ الصَّليبِ، يَتِمُّ التصدّي لظُلْمِ الشيطانِ وتهدأُ العاصفةُ فورًا”.

” بعلامَةِ الصَّليب هذِه، ٱنشقّ البحرُ، وزُرعت الأرض، وحُكمت السماء، وخُلّص البشر. كذلك، وأؤكّد على الأمر، بعلامةِ الرَّبِّ هذِه، ٱنفتحت أعماقُ مثوى الأموات. لأنَّ يسوعَ الإنسان، الرَّبّ، حامل الصَّليب الحقيقي، دُفن في الأرض، والأرض التي حَرَثَها بعمق، والَّتي فَلَحَها من الجهاتِ كُلِّها، أَثمرت جميعَ الموتى الَّذين كانت تَحتَجِزُهُم”.
…………………

أقوال للقديس أفرام السرياني في خلاص الصليب
(306- 373)

“لكَ المجدُ يا مَنْ نَصَبْتَ الصَّليبَ جِسرًا فوقَ الموت، لتعبُرَ عليهِ النفوسُ مِن دارِ الموتِ إِلى دارِ الحياة”. (القديس أفرام السرياني)

“لكَ المجدُ، يا مَن لَبِسْتَ جسدَ آدمَ المائت، فجعَلْتَهُ يَنبُوعَ حياةٍ لِجميعِ المائِتين”. (القديس أفرام السرياني)

“هلُمّوا نقرِّبْ حُبَّنا قربانًا رحْبًا شاملا، ولْنُصعِدِ الترانيمَ والصلواتِ لمَن قرَّبَ صليبَه ذبيحةً لله، ليُغدِقَ علينا نعمَه وعطاياه”. (القديس أفرام السرياني)

“بالشَّجرةِ خَطِئَتِ الإنسانيّةُ وهوَتْ إلى مَثوَى الجحيم، وعلى شجرةٍ عبَرَتْ إِلى دارِ الحياة. في الشَّجرةِ ٱنسابَتِ المَرارة، وفي الشَّجرةِ طُعِّمَتِ الحلاوة، لِنَعْرِفَ مَن لا مُقاوِمَ لهُ في البَرايَا”. (القديس أفرام السرياني)
…………………

الصليب عظة القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم (نحو 345 – 407)، بطريرك
أنطاكية ثمّ القسطنطينيّة وملفان الكنيسة

«فَإِنَّ اللهَ أَحبَّ العالَمَ، حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد، لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه، بل تكونَ له الحياةُ الأَبدِيَّة»
إنّه الصليب الذي صالح الإنسان مع الله، وحوّل الأرض إلى سماء، وجمع الجنس البشري بالملائكة. وهو الصليب الذي أطاح بحصن الموت، ودمّر قوّة الشرير، وخلّص الأرض من الخطيئة، وأرسى أسس الكنيسة. والصليب هو إرادة الآب ومجد الابن وبهجة الرُّوح القدس…

نور الصليب يسطع أكثر من الشمس، وبريقه يفوق وهج أشعّتها، لأنّ الشمس عندما تُظلِم، يتألّق نور الصليب (مت 27: 45). والظلام هنا لا يعني أنّ الشمس تتوارى عن الأنظار، بل أنّ روعة الصليب تقهرها. الصليب “مَحا ما كَانَ علَينا مِن صَكٍّ وما فيه مِن أَحْكامٍ وأَزالَ هذا الحاجِزَ” (كول 2: 14)، وكسر سلاسل الموت. الصَّليب تعبير عن محبّة الله: “فَإِنَّ اللهَ أَحبَّ العالَمَ، حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد، لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه، بل تكونَ له الحياةُ الأَبدِيَّة”.

شرّع الصليب أبواب الفردوس وأدخل إلى رحابه الرَّجل المجرم (راجع لو 23: 43)، وأعاد إلى ملكوت السَّماوات الجنس البشري المحكوم بالموت.
…………………

الصليب في أقوال البابا بندكتوس السادس عشر (1927…)

“تكتسب صلباننا قيمة إذا ٱعتُبرت ورُحّبَ بها بصفتِها جزءًا من صليبِ المسيح ما دامت تعكس نوره”.

“لن تتكرّم آلامنا ولن تحظى بمعناها الحقيقي إلاّ من خلال هذا الصَّليب”.

“الصَّليب، وهو مكانُ طاعَتِه، أَصبَحَ شَجَرَةَ الحياةِ الحَقيقِيَّة”.

“الصَّليبُ هو شَجَرَةُ الحياةِ الَّتي أَصبَحَ يُمكِنُ الوُصولَ إِليها مُجَدَّدًا.
…………………

 

الصَّليب في أقوال القديس أندراوس أسقف كريتا (660- 740)

“نَحتَفِلُ بعيدِ الصَّليبِ المُقَدَّسِ الَّذي بَدَّدَ الظَّلامَ ونَشَرَ النُّورَ. نَحتَفِلُ بعيدِ الصَّليبِ المُقَدَّسِ، ومَعَ المَصلوبِ نَرتَفِعُ إِلى الأَعالي، فَنَترُكُ الأَرضَ الدُّنيا مَعَ الخَطيئةِ، ونَسمُو إِلى العُلَى”.

“إِنَّ ٱمتلاكَ الصَّليبِ أَمرٌ عظيمٌ، مَن ٱمتلكَه ٱمتلَكَ كَنـزًا. وأَدعوه حَقًّا كَنـزًا، لأَنَّه إِسمًا وفِعلاً أَجملُ مِن جَميعِ الخَيراتِ. إِذ فيه ومنه وبِه جَوهَرُ خلاصِنا الَّذي أُعِيدَ إلينا كما في حالتِنا الأولى”.

“لو لَمْ يَكُنِ الصَّليبُ، لمَا صُلِبَ المَسيحُ. لو لَمْ يَكُنِ الصَّليبُ، لَما سُمِّرَتِ الحَياةُ على الخَشَبةِ بالمَساميرِ. ولو لَمْ تَكُنِ المَساميُر، لَما تَدَفَّقَتْ يَنابيعُ الأَبَدِيَّةِ، دَمًا وماءً، مِن جَنبِه لِتُطَهِّرَ العالمَ، ولَما أُتلِفَ صَكُّ الخَطيئةِ، ولَما ثُبِّتْنا في الحُرِّيَّةِ، ولَما نَعِمْنا بِشَجَرَةِ الحَياةِ، ولَما ٱنْفَتَحَ الفِردَوسُ. لو لَمْ يَكُنِ الصَّليبُ، لَما هُزِمَ المَوتُ ولَما جُرِّدَ الجَحيمُ مِن سُلطانِه”.

“الصَّليبُ هو أَمرٌ عَظيمٌ وثَمينٌ جِدًّا. هو أَمرٌ عَظيمٌ، لأَنَّ خَيراتٍ كَثيرةً جاءَتْ مَعَه، كَثيرةً وذاتَ ٱستِحقاقٍ بقدرِ ٱستِحقاقِ عَجائبِ المَسيحِ وآلامِه. وهو أَمرٌ ثَمينٌ، لأَنَّ الصَّليبَ هو آلامُ اللهِ ونَصرُه. آلامُه، لأَنَّه بِها قَبِلَ المَوتَ طَوعًا. ونَصرُه، لأَنَّ الشَّيطانَ وَجَدَ فيها عِقابَه، والمَوتَ هُزِمَ به، وأَبوابَ الجَحيمِ تَحَطَّمَتْ، وصارَ الصَّليبُ خلاصًا يَشمَلُ الكَونَ كُلَّه”.

“إِنَّ الصَّليبَ هو مَجدُ المَسيحِ، فٱسمَعْه يقول: “الآنَ مُجِّدَ ٱبنُ الإنسانِ، ومُجِّدَ اللهُ فيه، وسَيُمَجِّدُهُ اللهُ فِي ذَاتِهِ” (يوحنا 13: 31- 32). وأَيضًا: “مَجِّدْنِي الآنَ عِندَكَ، يَا أبَتِ، بِما كانَ لِيَ مِنَ المَجدِ عِندَكَ، قَبلَ أَنْ يَكونَ العالَمُ” (يوحنا 17: 5). وأَيضًا: “يَا أَبَتِ، مَجِّدْ ٱسمَكَ. فَٱنطَلَقَ صَوتٌ مِنَ السَّماءِ يَقولُ: قَد مَجَّدْتُهُ وسَأُمَجِّدُهُ أَيضًا” (يوحنا 12: 28). وهو يَعني المَجدَ الَّذي كانَ له على الصَّليبِ”.
…………………

القديس بطرس كريزولوغس الأسقف ومعلم الكنيسة (380- 450)
“لَعَلَّكُم فَزِعُون من هولِ الآلامِ الَّتي سبَّبْتموها لي؟ لا تخافوا. فإِنَّ الصَّليبَ لم يَكُنْ شَوكَةً لي بَلْ للمَوت. وهذِه المساميُر لا تَزِيدُني أَلَمًا، بل تُعَمِّقُ حُبَّكُم فِيَّ. وهذِه الجِراحُ لا تُخرِجُ الأَنَّاتِ مِن صَدري، بَلْ تُدخِلُكُم أَكثَرَ فأَكثَرَ في أَحشائي. وتَمَدُّدُ جَسَدي ليسَ زِيادَةً في عَذابي، بَلْ فَتَحَ لَكُم ذِراعَيَّ. ولَمْ يُرَقْ دمِي عَبَثًا، بَلْ كانَ ثَمَنَ فدائِكُم (1قور 6: 20)، (1قور 7: 23)”.

“كُنْ، أَيُّها الإِنسانُ، الذَّبيحَةَ والكاهِن. لا تَفقِدْ ما وهبَكَ وما مَنَحَه إِيَّاكَ السُّلطانُ الإِلَهِيُّ. تَوَشَّحْ بدِرْعِ القَداسَةِ. وتَحَزَّمْ بِحِزامِ العِفَّة. لِيَكُنِ المسيحُ غِطاءَ رأسِكَ، ولْيَكُنِ الصَّليبُ حِمًى لِوَجْهِكَ. ضَعْ على صَدرِكَ خَتمَ سِرِّ العِلْمِ الإِلهيِّ. جَرِّدْ سيفَ الرُّوح. وقَدِّمْ قَلبَكَ مَذبحًا، وهَيِّئْ بِثَباتٍ جَسَدَك ذَبيحَةً لله (أفسس 6: 10-17)، (1بط 2: 5)”.

…………………

الصليب في أقوال القدّيس بيّو من بييتريلشينا
(1887 – 1968)
“أُحِبُّ الصَّليب، ولا أُحِبُّ غيرَ الصَّليب. أُحِبُّه لأنِّي أَراهُ دائِمًا على مَنكِبَي يسوع”.

“تَحتَ الصَّليبِ نَتَعَلَّمُ المَحَبَّة”.

“لِكُلٍّ صليبَه على هذِه الأَرض، يَبقى أَلاَّ نَكونَ لِصَّ الشِّمالِ بَلْ بالحَرِيِّ لِصَّ اليَمين”.
…………………

الصليب في أقوال القديس توما الأكويني (1225- 1274)

“مَن أرادَ أَن يَسيرَ سيرةً كامِلَة، يَكفيه أَن يحتقرَ ما ٱحتقَرَهُ المَسيحُ على الصَّليب، وأَنْ يَرغبَ في ما رَغِب. ففي الصَّليبِ مِثالٌ لِكُلِّ فَضيلَة”. (القديس توما الأكويني 1225- 1274)

“أَتريدُ مِثالاً في الصَّبر؟ فمِثُالُهُ الأَكملُ في الصَّليب”. (القديس توما الأكويني 1225- 1274)
…………………

الصليب في أقوال القديس لاون الكبير البابا (461†)
“يا لَقدرةِ الصَّليبِ العجيبة. يا لَمجدِ الآلامِ الَّذي لا يوصَف: إذ تَتَجلّى فيه محكمةُ المسيح، والحكمُ على العالمِ وقُدرةُ المصلوب”.

“إِنَّ صليبَك هو مَصدرُ جميعِ البَرَكاتِ وسببُ جميعِ النِّعَمِ. به تُعطَى للمؤمنين القُوَّةُ في الضَّعف، والمَجدُ في المَهانة، والحياةُ في الموت”.
…………………
الصليب في أقوال القديس يوحنا الثالث والعشرون البابا (1881- 1963)
“هناك بابانِ للدخولِ إلى السَّماء: البراءة والتوبة. أيُّ إنسانٍ يمكِنُه الإِدعاء بأنَّه يجدُ الباب الأول مفتوحًا على مصراعيه؟ غير أنّ الباب الثاني هو أيضا أكيدٌ تمامًا. لقد جازَ الرَّبُّ يسوع من خلال هذا الباب، حاملاً صليبه على كتفيه، للتكفيرِ عن خطايانا، وهو يدعونا لاتّباعه”.
…………………

الصليب في أقوال القديس يوحنا فيانية (5)

“إِنْ كُنَّا نُحِبُّ الله، فيجبُ أن نُحِبَّ صُلبانَ الحياة، ونرغبُ بها، ونبكي عليها. وسنكونُ سُعداء لو أُتيحَ لنا أن نتألَّمَ لأنَّنا نُحِبُّ ذاك الذي أرادَ فِعلاً أن يتألَّمَ مِن أجلِنا”.

“طوبى للذي يسيرُ بشجاعَةٍ على خُطى مُعلِّمِه الحامِل صَليبَه، لأنَّنا بذلكَ فقط نستطيعُ أن نحصُلَ على سعادةِ الوصولِ إلى السَّماء”.

“كان بإمكانِ يسوع أن يُخلِّصَنا فقط بإشارةٍ من عيونِه أمامَ أبيه، ولكنَّه أرادَ أن يكونَ رَجُلَ أوجاعٍ ، كُلَّ الأوجاع”.

“أُنظُروا كم كَلَّفَ مخَلِّصي ثمناً لكي يشفي الجُرحَ العميق الذي سبَّبَته خطاياي لإلهي الحبيب”.

“إنَّ الصُّلبانَ التي تتحَوَّلُ إلى لهيبِ محبَّة، هي مِثلُ حُزمَةٍ منَ الشَّوك نُلقيها في النَّار فتُحَوُّلها النَّارُ إلى رماد. الشَّوكُ قاسٍ، ولكن الرَّمادُ ناعِم”.

“إنَّ ثِقَلَ الصَّليب أسقَطَ يسوعَ على الأرض، إلاَّ أنَّه ما لبِثَ أن نَهَضَ تحتَ وقْعِ ضرباتٍ شَرِسة بالأيدي والأَرْجُل. ومعَ ذلكَ، فهُنا ومِن دونِ أن نُبْعِد تفكيرَنا عن كُلِّ هذه الآلام، مِنَ المُناسِب أن نُصلِّي من أجلِ الأشخاصِ الذينَ شاركوا في هذه الأعمال الأثيمة”.

“يجبُ أن نجعلَ اللهَ دائِمًا نُصبَ أعيُنِنا، ويسوعَ المسيحَ في أعمالِنا، مُقدِّمينَ أَنفُسَنا تضحيةً له”.
…………………

 

الصليب في أقوال القديس يوحنا فيانيه

نحن نشتكي عندما ينتابنا الألم؛ بينما لدينا سبب أعظم للشكوى لكوننا لا نتألّم، حيث أنه لا شيء غير الألم يجعلنا أكثر شبهاً بربّنا. كم هو عذب إتحاد نفوسنا بربّنا يسوع المسيح عن طريق محبّة صليبه!
إن ربّنا هو مثالنا: فلنحمل صليبنا ونتبعه.
عندما يرسل إلينا الإله الصالح بعض الصلبان، تثبط همّتنا، نشتكي، نتذمّر، وبذلك نكون أعداء لكل ما لا يتّفق مع رغباتنا، نريد أن نجد أنفسنا باستمرار داخلً صندوق من قطع القطن.
لقد قبلتم، في عمّادكم، صليباً لا يجب أن تتخلّوا عنه سوى عند ساعة الموت.
هل يمكن أن تكون حياة المسيحي البارّ غير حياة إنسان ملازم للصليب مع يسوع؟
لو سألكم شخص ما: “أرغب، بكل سرور، في أن أصبح غنيّاً، فماذا عليّ أن أفعل؟” كنتم ستجاوبونه: “عليك أن تعمل”. حسناً!، من أجل أن تذهبوا إلى السماء، عليكم أن تتألّموا.
لا داعي أبداُ أن ننظر من أين تأتي الصلبان: إنها تأتي من الله. الله هو الذي يعطينا هذه الوسيلة كي نثبت له عن محبّتنا.
إن الصليب هو أحكم الكتب التي يمكننا قراءتها. أولئك الذين لا يعرفون هذا الكتاب هم جاهلون، حتى وإن عرفوا جميع الكتب الأخرى. إن الحكماء الحقيقيّين هم أولئك الذين يحبّونه، ويستشيرونه، ويتعمّقون فيه… كلّما طالت تلمذة الإنسان في مدرسته، كلّما زادت رغبته في البقاء فيها. يمرّ الوقت دون سأم. يأخذ منها الإنسان كل ما أراد معرفته، ولا يشبع أبداً ممّا يتذوّقه منها.
يصاب أبناء العالم بالقلق عندما يكون لديهم صلبان يحملونها، بينما يقلق المسيحيّين الحقيقيّين عندما تخلو حياتهم من الصلبان.
الخطوة الأولى في طريق الصليب هي الوحيدة التي تُكلّف.
كل شيء يكون على ما يرام إذا حملنا صليبنا بشكل جيّد.
يوجد شكلان اثنان من الألم: الألم من جرّاء الحب والألم دون حب. لقد تألّم كل القديسين بصبر، وبفرح وبمثابرة، لأنهم كانوا يحبّون. بينما نتألّم نحن بغضب وبغيظ وبضجر، لكوننا لا نحب. لو كنا نحب الله، فسوف نكون سعداء لكوننا قادرين على أن نتألّم حبّاً بذاك الذي رضي أن يتألّم من أجلنا.
هل تعتبرون ذلك قاسياً؟ كلاّ، هناك حاجة لأن نحب عندما نتألّم، وأن نتألّم ونحن نحب.
إن من يقصد أن يلاقي الصليب، فإنه يسير في اتّجاه عكسيّ للصلبان: من الممكن أن يلقاها، لكنّه يكون راضياً للقائها: يحبّها و يحملها ببسالة. إن الصلبان تربطه بربّنا. تطهّره. تفصله عن هذا العالم. تزيل العوائق من قلبه وتساعده على اجتياز الحياة كما يساعد الجسر على عبور الماء.
إن الجزء الأكبر من البشر يدير ظهره للصلبان ويهرب من وجهها. لكن، كلّما ازداد هروب الإنسان منها، كلّما ازداد تعقّبها له.
علينا أن نركض خلف الصليب كما يركض البخيل خلف المال.
يبدو لنا أنه، حيث أننا نحب الإله الصالح بعض الشيءً، فلا يجب أن يكون لدينا أي شيء من التناقضات، وألا يجلب أي شيء لنا الألم… سبب هذا الافتراض هو أننا لا ندرك قيمة سعادة الصلبان.
لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن للمسيحي ألاّ يحب الصليب، بل أن يهرب منه! ألا يعني هذا، في ذات الوقت، هروباً من الذي أراد أن يعلّق عليه وأن يموت من أجلنا؟
الصليب هو المصباح الذي ينير السماء والأرض.
من الضروري أن نطلب نعمة محبة الصلبان: وعندها تصبح الصلبان حلوة.
لقد اختبرت هذا بنفسي: لقد افتري علي، لقد تعرّضت كثيراً للمعارضة، لقد شُوّش علي بما يكفي. آه، لقد كان لديّ بعض الصلبان… لقد كان لديّ منها أكثر ممّا كان باستطاعتي أن أحمل! فأخذت أطلب نعمة محبّة الصلبان… وصرت ساعتها سعيداً. وأنا أقولها جدّيّاً: ليس هناك سعادة سوى هناك…
عندما تحب الصلبان، لا يبقى لديك منها شيء أبداً، وعندما ترفضها، تظلّ محطّماً من جرّائها.
الهروب من الصلبان يعني الرغبة في البقاء في الحزن؛ الرغبة فيها تعني عدم الشعور بالمرارة.
الصلبان! الصليب! هل تفقدنا السلام؟ حقيقة الأمر أنها هي التي تمنح السلام للعالم؛ هي التي علينا أن نحملها في القلب. إن بؤسنا كله يتأتّى من حقيقة أننا لا نحبّها. الخوف من الصلبان هو الذي يزيد الصلبان عدداً. إن صليباً يتم حمله ببساطة ودون الرجوع إلى محبّة الذات، التي تبالغ في الشعور بالألم، لا يظلّ صليباً، ولا ألم.
إن الصليب هو هبة يمنحها الإله الصالح لأصدقائه.
إن الشيء الذي يجعلنا لا نحب الله هو أننا لم نصل بعد إلى تلك الدرجة التي نسعد فيها بكل ما يكلّفنا.
إن المرض الذي يطول أمده مفيد للمسيحي إذا عرف كيف ينتهزه.
من الضروري أن نكون قد وصلنا إلى درجة معيّنة من الكمال كي نحتمل المرض بصبر.
ليس لدينا الشجاعة الكافية لحمل صليبنا الشخصي! نحن ملامون إذاً، لأننا متى حملناه، فإن الصليب يعتني بنا، ولا نستطيع الهروب منه.
…………………

 

الصليب في أقوال القديسة روزا البتول (1586- 1617)

“لِيَتَنَبَّهِ النَّاسُ، لا يَضِلُّوا ولا يُخدَعوا. هذا هو السُلَّمُ الوَحيدُ إِلى الفِردَوسِ. مِن غيرِ الصَّليبِ لا طَريقَ تُؤدِّي إِلى السَّماءِ”.
(القديسة روزا البتول دي ليما 1586- 1617)

“لو عَرَفوا بأَيِّ ميزانٍ تُوزَنُ الآلامُ وكيفَ يُوَزَّعُ الأَجرُ على النَّاسِ، لَما ٱغْتَمُّوا في قَبولِ الصَّليبِ والأَتعابِ الَّتي تُواجِهُهُم”.
(القديسة روزا البتول دي ليما 1586- 1617)
…………………

الصليب في قول القديسة إيديث شتاين تريزا بندكتّا الصليب (1891 – 1942)

“إِنِّي مُستعدّة لِكُلِّ شيء. يسوعُ هو أَيضًا هُنا وفي وَسَطِنا. حتّى الآن ٱستَطَعْتُ أَنْ أُصَلَّي جيّدًا وقُلتُ مِن كُلِّ قَلبي: “سلامٌ لكَ، أَيُّها الصَّليبُ، رجائي الوَحيد”.

“الصَّليبُ هو الطَّريقُ المؤدي من الأرضِ إلى السَّماء. الَّذي يتمسَّكُ بِه بإِيمانٍ ومحبَّةٍ ورجاء، فإِنَّه سَيُحمَلُ إلى الأَعالي في حِضْنِ الثالوث”.

“إِنَّ الّذينَ يُريدونَ أن يَتَّحِدوا بالحَمَل، يَجِبُ أَنْ يَترِكوا أَنْفُسَهم ليُعلَّقوا على الصَّليبِ مَعَه”.
القديس كيرلس الإسكندري الأسقف ومعلِّم الكنيسة (376 – 444)
“صُلِبَ من أَجلِ الجميعِ وبسَبَبِ الجميع، ماتَ واحِدًا عن الجميعِ، لنحيَا جميعًا فيه. لأنَّه لم يكُنْ من الممكنِ أَن تَبقَى الأُمورُ على طبيعتِها، فتَبقَى الحياةُ عُرضةً للموتِ أو تَهِنَ أَمامَ الفَساد. لهذا بَذَلَ المسيحُ جَسَدَه من أَجلِ حياةِ العالم”.
…………………

الصَّليب في قول القديس يوحنا الذهبي الفم في يوم الجمعة العظيمة
(349- 407)
“الصَّليب هو، بالنّسبة إلينا، نبعُ خيرات لا تُحصى: إنّه هو الّذي ينشلنا من الخطايا ويُنير لنا الظّلام ويُقرِّبَنا إلى الله. لقد دمّرَ الصَّليبُ العداوة، أوقف الحَرب، صالَحَ مَعَ الرَّبِّ الّذين كانوا غُرباءَ عنه وأَدخَلَهُم في عائلتِه. الصَّليبُ يحملُ لنا الأَمنَ والسَّلام. إنَّه كنزُ كلِّ الخيرات… بالصَّليبِ، لم نَعد أرامل، فقد ٱستقبلنا العريس… لهذه الأسباب نحن نحتفل بالعيد، نُعيّد لذكرى الصَّليب”.
“إِنَّ إِشارةَ الصَّليبِ التي كانت قبلاً فَزَعًا لكُلِّ النَّاس، الآنَ يتعشَّقُها ويَتَبارى في ٱقتنائِها كُلِّ واحد، حتى صارت في كُلِّ مكان. بينَ الحُكَّامِ والعامة، بينَ الرِّجالِ والنِّساء، بينَ المتزوِّجينَ والعذارى، بينَ المَخطوبين وغيرِ المخطوبين. لا يكفُّ النُّاسُ عن رسمِها في كُلِّ موضعٍ كريمٍ ومكَرَّم، ويحملونَها منقوشةً على جباهِهِم كأَنَّها علامةَ ظَفَرٍ سارية، نراها كُلَّ يومٍ على المائدةِ المُقدَّسة، نراها عندَ رِسامةِ الكهنة، نراها تتألَّقُ فوقَ جَسَدِ المسيحِ وقتَ التناولِ السِّرِّيّ. وفي كُلِّ مكانٍ يُحتَفَلُ بها في البيوت، في الأسواق، في الصحارى، في الطرق، على الجبال، في شقوقِ الأرضِ (مغاير الرُّهبان)، على التلال، في البِحار، على المراكب، في المجتمعات، على الأواني الذهبية، على الأواني الفِضِّية، على اللؤلؤ، في الرُّسومات، على الحوائط، على أجسادِ الذينَ مَسَّهُم الشيطان، في الحربِ، في السَّلامِ، في الليلِ، في النَّهار، في رقصاتِ المبتهجين، في جماعات المُتَنَسِّكين، وهكذا يتبارى الجميعُ في ٱقتناءِ هذه العطيةِ العجيبةِ كنِعمَةٍ لا يُنطقُ بها”.
“إِنَّ الصَّليبَ الَّذي كانَ علامَةَ الموتِ المُرعِبِ قد صارَ بَرَكَة. يَخلَعُ الملوكُ أكاليلَهُم لكي يلبِسوا الصليب. يوضَعُ الصَّليبُ على ثِيابِهِمِ الرَّسميَّة وعلى تيجانِهِم، يوجدُ حيثُ تُقامُ صلواتِهم وعلى المائِدَةِ المُقدَّسة، يُشرِقُ الصَّليبُ أكثرَ بهاءً من الشَّمس”.
“الصَّليبُ صَيَّرَ الجُهَّالَ والبُسَطاءَ كُلَّهُم فلاسِفَةً وحُكماءَ”.
…………………

يوم الجمعة العظيمة هو يوم توبة
يوم الجمعة العظيمة هو يوم توبة. لكي أُبَرهِن للرَّبِّ يسوع عن حُبِّي الحقيقي يجبُ أَنْ أَتوبَ وأَعودَ إليه، أَنْ أُميتَ تحتَ قدميِّ الصَّليبِ كُلَّ ما فِيَّ من الإنسانِ القديم أو مِن الطبيعةِ الفاسِدة. وهذا يعني أَنْ أُميتَ كلَّ التراخي والفتور والعصبية ومحبّة الذات والكبرياء والترف الرَّاغب في الأفراح والملذّات والنافر من الأحزان والمُكدّرات وأَنْ أَصلِبَها على الصَّليب. وأن أَصلِبَ تِلكَ الحِدَّة الّتي تتأثّر من كُلِّ شيء. وأَصلِبَ حُبَّ الإنتقادِ المُتَجَذِّر فِي قلبي. وتِلكَ الخِفَّة والإستخفاف وذلكَ الطَّيش وقلّة الإنتباه الّذي لا يريد أَبدًا جمعِ الأفكار والحواسّ. وأَنْ أُميتَ فِيَّ كُلَّ ثرثرة اللسان الّتي تجعلني أن أقتل نفسي ونفوس الآخرين والتجريح بِهِم والحُكْمِ عليهم بٱستغياب. وأخيرًا، أَنْ أُميتَ فِيَّ كلَّ ما لا يتّفق مع تِلكَ المحبَّةِ الّتي يتطلّبها الرَّبُّ يسوعَ المصلوبِ من أتباعِه وخاصَّتِه. كما يجبُ أَنْ تَحِلَّ مَحَلَّ هذه الأميالِ الفاسدة الفضائل الرَّاسخة الّتي يُعلّمنا إيّاها المصلوب: أي التواضع والوداعة والمحبّة والصبر والكفر بالذات. وكلُّ هذه الفضائل نستقيها ونأخذها من جراحات الرَّبِّ يسوع، إذا طلبناها بإيمانٍ وتقوى ورغبة شديدة.
الله يُريد مِني أن أُمارسَ الرَّحمة والمحبة والتسامُح. فهل أستجيب؟ الحياةُ قصيرةٌ وغدًا سيأتي يومُ الحِساب وعندها سينكشفُ كُلُّ شيء ولا مجال للإختباء.
…………………

حِكمَةُ الصَّليبِ القديسِ يوحنا فَمُ الذَّهَب الأُسقُف ومُعَلِّمُ الكنيسة (349- 407)

الصَّليبُ هو قِمَّةُ خلاصِنا، الصَّليبُ هو مَصدَرُ عشراتِ الآلافِ من الخيرات، بواسِطَتِهِ صارَ المنبوذونَ والسَّاقِطونَ مقبولينَ في عِدادِ الأَبناء.
بِه لم نَعُدْ بَعدُ مُضلَّلينَ، بل للحقِّ عارِفين. بالصَّليبِ أَصبَحَ الذينَ كانوا فيما مضى يَعبُدونَ الأَخشابَ والأَحجار، يعرِفونَ خالِقَ الكُلّ.
بالصَّليبِ نالَ عَبيدُ الخَطيَّةِ عِتْقَ الحُرِّيَّة بالبِر. بِه صارت الأرضُ سماءً، فهكذا (بالصَّليبِ) تَحَرَّرنا من الضَّلال، وهكذا نِلنا الإرشادَ إلى الحقّ.
هكذا تَمَّمَ اللهُ أَمْرًا يليقُ بٍه تجاه البَشَر. هكذا أَقامَنا من عُمقِ الخَطيَّةِ ورَفَعَنا إلى قِمَّةِ الفَضيلة. هكذا أبادَ ضَلالِ الشَّياطين وهكذا كَشَفَ الخِداع. بالصَّليبِ لم يَعُدْ هناكَ دُخان، ولا دِماءُ حيواناتٍ مُهرَقَة، بل في كُلِّ مكانٍ نَجِدُ الإِحتفالاتِ الرُّوحيَّةِ والتَّسابيحَ والصَّلوات.
بالصَّليبِ هَرَبَتْ قُوَّاتُ الشَّرِّ وَفَرَّ الشَّيطان. بالصَّليبِ تتسابَقُ الطَّبيعَةُ البَشَرِيَّةُ لتَنْضَمَّ إِلى مَحفِلِ الملائكة. بالصَّليبِ صارت البتوليةُ مُستوطنةً على الأرض. فحيثُ أتى المسيحُ من عذراءَ فقد فَتَحَ طريقَ هذه الفضيلةِ أمامَ طبيعةِ البَشَر.
بالصَّليبِ أَنارَنا نحنُ الجالسونَ في الظُّلْمة.
بالصَّليبِ حَرَّرَنا مِنَ الأَسر، وبَعدَ أَنْ كُنَّا بعيدينَ صِرْنا مِنه قَريبين. هكذا بالصَّليبِ خَلَّصَنا، وصارَ لنا هذا الفداءُ بالفِعل.
هكذا بالصَّليبِ بَعدَ أَنْ كُنَّا غُرباءَ صِرْنا مواطنينَ سمائيين.
هكذا بالصَّليبِ بَعدَ أَنْ كُنَّا نُحارٍبُ صارَ لنا السَّلامُ والأَمن. وبالصَّليبِ لم نَعُدْ نخافُ سِهامَ الشَّيطان، فقد وَجَدْنا نبعَ الحياة.
بواسطةِ الصَّليبِ لا نحتاجُ فيما بَعْدُ الزِّينةَ الخارجيَّةَ لأَنَّنا نَتَمَتَّعُ بالعَريس.
وبِه لم نَعُدْ نخافُ الذِّئْبَ فقد عَرَفْنا الرَّاعيَ الصالِح. أنا هو الرَّاعي الصالِح، وبِه لن نَرْهَبَ الطَّاغِيَةَ إِذ صِرْنا في جانِبِ المَلِك. آمين.
…………………

الصليب في كتابات القديس أغناطيوس الأنطاكي الأسقف والشهيد
“روحي وملاذي هو الصليب، وهو عِثارٌ لغيرِ المؤمنين، أمَّا لنا فهو الخلاصُ والحياةُ الأبدية”.

الصليب والبابا فرنسيس القداس في كابلة بيت القديسة مرتا

“وحده المسيح المصلوب سيخلّصنا من الشياطين التي تجعلنا ننزلق ببطء نحو روح العالم” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القداس الإلهي صباح اليوم الجمعة في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان والتي استهّلها انطلاقًا من الإنجيل الذي تقدّمه لنا الليتورجية اليوم من القديس لوقا والذي نقرأ فيه قول يسوع للجموع: “إِذا كُنتُ بإِصبَعِ اللهِ أَطرُدُ الشَّياطين، فَقَد وافاكُم ملَكوتُ الله”، وحثّ البابا المؤمنين على فحص ضميرهم حول أعمال المحبّة والتي تحملنا لنكون أكثر تنبُّهًا وسهرًا لكي لا يدخل الشيطان إلى حياتنا.
تابع الأب الأقدس يقول يطلب منا الرب أن نسهر لكي لا ندخل في تجربة، ولذلك يكون المسيحي في حالة سهر وتنبّه دائم. يحدّثنا الإنجيل عن كفاح بين يسوع والشيطان وأنَّ أناسًا قد قالوا: “إِنَّهُ بِبَعلَ زَبولَ سَيِّدِ الشَّياطينِ يَطرُدُ الشَّياطين”، لكن يسوع يجيبهم، وهذه المرّة ليس من خلال مثل وإنما بواسطة حقيقة واضحة: “إِنَّ الرّوحَ النَّجِس، إِذا خَرَجَ مِنَ الإِنسان، هامَ في القِفارِ يَطلُبُ الرّاحَةَ فَلا يَجِدُها فَيَقول: أَرجِعُ إِلى بَيتيَ الَّذي مِنهُ خَرَجت. فَيَأتي فَيَجِدُهُ مَكنوسًا مُزَيَّنًا. فَيَذهَبُ وَيَستَصحِبُ سَبعَةَ أَرواحٍ أَخبَثَ مِنهُ، فَيَدخُلونَ وَيُقيمونَ فيه، فَتَكونَ حالَةُ ذَلِكَ الإِنسانِ الأَخيرَةَ أَسوأَ مِن حالَتِهِ الأولى”. وكلمة أسوأ تابع البابا يقول تحمل قوّة كبيرة لأن الشياطين تدخل بهدوء.
أضاف الحبر الأعظم يقول يبدؤون بالدخول إلى حياة الأشخاص ليصبحوا بعدها جزء منها، من خلال أفكارهم وإلهاماتهم يساعدون الإنسان ليعيش أفضل وما إن يدخلون قلبه حتى يبدؤوا بتغييره بهدوء؛ وهذا الأمر يختلف جدًّا عن المسّ الشيطاني، لأن هذه العمليّة يقوم بها الشيطان بهدوء ليغيّر لنا معاييرنا ويحملنا إلى روح العالم. يتخفّى في أسلوبنا في التصرّف لدرجة يصعب فيها علينا اكتشافه، ليقودنا إلى ما يريده: روح العالم. فعندما يدخل الشيطان بهدوء إلى حياتنا يسيطر على مواقفنا فتنتقل قيمنا من خدمة الرب إلى روح العالم ونصبح مسيحيين فاترين يعيشون بين روح الله وروح العالم. وماذا يمكننا أن نعمل لكي لا نسقط ولكي نخرج من هذا الوضع؟ علينا أن نسهر!
تابع الأب الأقدس يقول السهر يعني أن افهم ماذا يحصل في قلبي، يعني أن أتوقّف للحظة لأتفحّص حياتي: هل أنا مسيحي؟ هل أربّي أولادي جيّدًا؟ هل حياتي مسيحيّة أو دنيويّة؟ وكيف يمكنني أن أفهم ذلك؟ تأتينا الوصفة من القديس بولس: النظر إلى المسيح المصلوب! لأنّنا أمام صليب الرب فقط يمكننا أن نفهم أين يقيم فينا روح العالم ويتدمّر؛ وهذا هو هدف المصلوب أمامنا: ليس مجرّد زينة وإنما هو الذي يخلّصنا من جميع هذه الإغراءات التي تحملنا إلى روح العالم.
وختم البابا فرنسيس عظته بالقول لنسأل أنفسنا: هل ننظر إلى المصلوب؟ هل نقوم برتبة درب الصليب لنفهم ثمن الخلاص ليس فقط من خطايانا وإنما أيضًا من روح العالم؟ لنتذكّر إذًا أن نقوم بفحص الضمير كما قلت ولكن أمام المصلوب وأن نصلّي، ومن ثمّ سيفيدنا أن نكسر بعضًا من مواقفنا ونخرج من رفاهيتنا وراحتنا لنقوم بأعمال محبّة فنزور مريَضًا أو نساعد محتاجًا… وهذا الأمر يكسر ما يحاول الشيطان أن يفعله أي يمنعه من أن يحملنا إلى العيش بحسب روح العالم.
…………………

الصليب والقديس توماس كمبيس الاقتداء بيسوع المسيح، مؤلّف روحي من القرن الخامس عشر
الكتاب 2، الفصل 12
“مَن أرادَ أن يتبعني… فليحمل صليبَه كلّ يوم ويتبعني”
يا لقساوةِ هذه العبارة بالنسبة إلى أشخاص كثيرين: “فلتُنكر نفسَك ولتحمل صليبَك وتتبع يسوع… لِمَ تخشى حَملَ الصَّليبِ الَّذي يقودُكَ إلى الملكوت؟ فَفي الصَّليبِ تَجِدُ السَّلامَ والحَياةَ والحِمايَةَ مِنَ الأَعداءِ ونَدى العُذوبَةِ السَّماوِيَّةِ وقُوَّةَ النَّفْسِ وفَرَحَ الرُّوحِ وكُنهَ الفَضيلَةِ وكَمالَ القَداسَة. لا سَلامَ للنَّفْسِ ولا رَجاءَ بالحَياةِ الأَبَدِيَّةِ إِلاَّ بالصَّليب. فٱحمِلْ إِذًا صليبَكَ وٱتبَعِ المَسيح، فَتَسلُكَ دَربَ الحَياةِ الأَبَدِيَّة… فإِنْ مُتَّ مَعَه، حيَيتَ أَيضًا مَعَه؛ وإِنْ رافَقْتَه في الشَّدائِد، رافَقتَه أَيضًا في المَجد.
في الصَّليبِ يَكمُنُ كُلُّ شَيء… فما مِن سبيلٍ آخَرَ يَقودُنا إِلى الحَياةِ والسَّلامِ الدَّاخِلِيِّ الحَقيقِيّ… إِذهَبْ حَيثُما تَشاء وٱبحَثْ عَن كُلِّ ما تَتَمَنَّاه، إِلاَّ أَنَّكَ لَنْ تَجِدَ سَبيلاً أَعظمَ أَو دَربًا أَكثَرَ أَمانًا مِن دَربِ الصَّليبِ المُقَدَّس…
حتَّى وإِنْ تَصَرَّفتَ كما يَحلو لكَ وكَما تَرتَئي، يَستَحيلُ مَعَ ذلكَ أَلاَّ تُواجِهَ في كُلِّ لِحظَةٍ أَمرًا يَنبَغي عليكَ تَحَمُّلُه إِن شِئْتَ أَم أَبَيتَ، وبِذلِكَ لَنْ تَتَوَقَّفَ عَنِ الإِلتقاءِ بالصَّليبِ طوالَ حياتِكَ: فَقَد تَشْعُرُ بأَلَمٍ جَسَدِيٍّ أَو تَمُرُّ بٱختباراتٍ رُوحِيَّة، وقَد تَشْعُرُ أَحيانًا بأَنَّ اللهَ تَخَلَّى عَنكَ أَو بأَنَّ القَريبَ يَنبُذُكَ أَو بأَنَّكَ عِبءٌ على نَفْسِكَ، وما مِن عِلاجٍ أَو تَعزِيَةٍ قادرَينَ على مَنحِكَ الخَلاصَ أَو التَّخفيفِ عَنكَ… يُريدُ اللهُ مِنكَ أَنْ تَحتَمِلَ المِحنَةَ لِتُسَلّمَ نَفْسَكَ بِكُلِّيَّتِها إِليه وتَزدادَ ٱتضاعًا… يَنبَغي عليكَ أَن تَتَحَلَّى بالصَّبرِ وطولَ الأَناةِ إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَشْعُرَ بالسَّلامِ الدَّاخِلِيِّ وتَستَحِقَّ الإِكليلَ الأَبَدي.
…………………

الصليب والقديسة روزا دي ليما البتول (1586- 1617)
“هذه سُلَّم الفردوس الوحيدة والحقيقية، وما مِن سُلِّمٍ للصعود إلى السَّماءِ غير الصَّليب”. (القديسة روزا دي ليما البتول 1586- 1617)
…………………

ما قاله القديس يوحنا فيانيه عن الصليب

“إنَّ الصُّلبانَ على طريقِ السماءِ كالجسر الحجريَّ على النَّهرِ المُراد عُبورَه. فالمسيحيُّونَ الذينَ لا يعرِفونَ العذاب يعبرونَ هذا النَّهر لكن على جسرٍ من سِلكٍ سريعَ العطب”.

“مَن لا يُحِبَّ العذاب قد يستطيعُ الخلاص، لكن بشقِّ الرُّوح، وصعوبةٍ كُلِّيَّة، فيكونَ كنَجمٍ صغيرٍ في الجلد. أمَّا الذي يحتمِلُ العذاب فيلمَعُ كالشَّمسِ النَّيِّرة”.

“ضع عنقودَ عِنَبٍ في المِعصَرةِ فيخرُجَ منه عصيرٌ لذيذ. فنفوسُنا في مِعصَرةِ الصَّليب تُخرِجُ عصيراً يُغذِّيها ويُقوِّيها. نعم، بدونِ صليب نحنُ أصلاب، قاحِلو النَّفس، جافُّو القلب، وبالصَّليبِ نشعُرُ بلَذَّةٍ وسعادَةٍ وعُذوبةٍ. فتلكَ هي بدايةُ السَّماء”.

“إنَّ الأشواكَ تدُرُّ بَلسَماً، والصَّليبُ يَقْطُرُ حلاوة، لكن لا بُدَّ من فركِ الأشواكِ باليَد، وضَمِّ الصَّليبِ إلى الصَّدر، حتى نَحصُلَ على ذاكَ البَلسَم ونَذوقَ تِلكَ الحلاوة”.

“إنَّ إشارةَ الصَّليبِ هي مُخيفةٌ للشيطان لأنَّنا بِها ننتصِرُ عليه… فيجبُ علينا أن نرسُمَ إشارةَ الصَّليبِ بٱحترامٍ بليغ. فنبتدىء بالرأس الذي هو العضوُ الأوَّل دلالةً على أنَّ الخَلقَ هو صُنْعةُ الآب، ثُمَّ نأتي إلى القلب دلالةً على أنَّ الحُبَّ بالفِداءِ هو هِبَةُ الإبن، ثُمَّ ننتهي بالكتفين دلالةً على أنَّ القوَّةَ هي موهِبَةُ الرُّوحِ القُدُس. فكلُّ شيءٍ يُذكِّرُنا بالصَّليب ونحنُ أنفُسُنا مصنوعونَ على شكلِ صليب”.

“آهٍ! أيُّ إلهامٍ نجِدُه في المصلوب، الَّذي لم يَطلُب مِنَّا أَنْ نَفعَلَ شيئًا لم يَقُم بِه هوَ أَوَّلا!”.

“إنَّ المضادَّات تضعُنا تحتَ الصَّليب والصَّليب يضعُنا على بابِ السَّماء”.

“يا يسوعي، ها إنِّي أَضُمُّ آلامي إلى آلامِكَ، وأوجاعي إلى أوجاعِكَ. ٱمنحني النِّعمة كي أكونَ سعيدًا في كُلِّ حالٍ شِئتَ أنتَ أَنْ أَكونَ فيه. ها إنِّي أُمَجِّدُ ٱسمَكَ القُدُّس وكُلَّ ما سيحصلُ معي من أَجلِكَ”.

“إِنْ كُنَّا نُحِبُّ الله، فيجبُ أَنْ نُحِبَّ صُلبانَ الحياة، ونَرغَبُ بها، ونَبكي عليها. وسنكونُ سُعداءَ لو أُتيحَ لنا أَنْ نتألَّمَ لأنَّنا نُحِبُّ ذاكَ الَّذي أَرادَ فِعلاً أَنْ يتألَّمَ مِن أَجلِنا”.

“طوبى للَّذي يَسيرُ بشجاعَةٍ على خُطى مُعلِّمِه الحامِلِ صَليبَه، لأنَّنا بذلِكَ فقط نَستطيعُ أَنْ نَحصُلَ على سَعادَةِ الوصولِ إِلى السَّماء”.

“كان بإمكانِ يسوع أن يُخلِّصَنا فقط بإشارةٍ من عيونِه أَمامَ أبيه، ولكنَّه أَرادَ أَنْ يكونَ رَجُلَ أَوجاعٍ ، كُلَّ الأوجاع”.

“أُنظُروا كم كَلَّفَ مخَلِّصي ثمنًا لكي يَشفي الجُرحَ العميق الَّذي سبَّبَته خطاياي لإلهي الحبيب”.

“إنَّ الصُّلبانَ التي تتحَوَّلُ إلى لهيبِ محبَّة، هي مِثلُ حُزمَةٍ منَ الشَّوك نُلقيها في النَّار فتُحَوُّلها النَّارُ إلى رماد. الشَّوكُ قاسٍ، ولكن الرَّمادُ ناعِم”.

“إِنَّ ثِقَلَ الصَّليبِ أَسقَطَ يسوعَ على الأَرض، إلاَّ أنَّه ما لبِثَ أَنْ نَهَضَ تَحتَ وقْعِ ضرباتٍ شَرِسة بالأَيدي والأَرْجُل. ومعَ ذلكَ، فهُنا ومِن دونِ أَنْ نُبْعِدَ تفكيرَنا عن كُلِّ هذِه الآلام، مِنَ المُناسِب أَنْ نُصلِّي من أَجلِ الأَشخاصِ الَّذينَ شاركوا في هذِه الأَعمالِ الأَثيمة”.

“يَجبُ أَنْ نَجعَلَ اللهَ دائِمًا نُصبَ أَعيُنِنا، ويسوعَ المسيحَ في أَعمالِنا، مُقدِّمينَ أَنفُسَنا تَضحيةً له”.

“أُنظُروا إليه، مُسَمَّرًا على الصَّليب، مُمَدَّدًا عليه، مِن دونِ أَنْ تَخْرُجَ مِن فَمِه أَيَّةُ كلمةِ سُوء. أَليسَ هذا عَمَلُ حُبٍّ يَليقُ بإلَهٍ هو الحُبُّ بعينه؟!”.

“عِندَ الموت سيكونُ الصَّليبُ نَبْعَنا الوحيد. فبالموتِ تَتَّحِدُ النَّفْسُ معَ الله”.

“يا أَبتي الحنون، أَنتَ يا ساكِنَ السَّموات، ها إِنِّي أُقَدِّمُ لكَ ٱبنُكَ، مُنْزَلاً عن الصَّليب، ومُلقَيًا بينَ ذِراعيّ أُمِّه العذراءُ القدِّيسة، وقد قَدَّمَتْه لكَ بِدَورِها ضحيَّةً مِن أجلِنا جميعًا”.

“لقد ماتَ يسوعُ المسيحُ مِن أَجلِنا جميعًا، وها هو يَنْتَظِرُنا في السَّماء. إنَّ آلامَ رَبِّنا هي بمثابَةِ نَهرٍ عظيمٍ ينحَدِرُ من جبلٍ كبيرٍ لا يَنْفَذُ أَبدًا”.

“الصَّليبُ هو السُّلَّمُ نحوَ السَّماء. وبالصَّليبِ نصعَدُ إلى السَّماء. الصَّليبُ هو المُفتاحُ الذي يفتحُ بابَ السَّماء. والصَّليبُ هو المِصباحُ الذي يُنيرُ السَّماءَ والأرض”.

“نحن نشتكي عندما ينتابنا الألم؛ بينما لدينا سبب أعظم للشكوى لكوننا لا نتألّم، حيث أنه لا شيء غير الألم يجعلنا أكثر شبهاً بربّنا. كم هو عذب اتحاد نفوسنا بربّنا يسوع المسيح عن طريق محبّة صليبه!”.

“إنَّ ربَّنا هو مِثالُنا: فلنحمِلَ صليبَنا ونتبعه”.
“عندما يُرسل إلينا الإلهُ الصالحُ بعض الصلبان، نُحبط، نشتكي، نتذمّر، وبذلك نكون أعداء لكل ما لا يتّفق مع رغباتنا، نريد أن نجد أنفسنا باستمرار داخلَ صندوقٍ من ريش النعام”.

“لقد قبلتم، في عمّادكم، صليباً لا يجب أن تتخلّوا عنه سوى عند ساعة الموت”.

“هل يمكن أن تكون حياة المسيحي البارّ مُغايرة عن حياةِ إنسان ملازمٍ للصليب مع يسوع؟”.

“لو سألكم شخص ما: “أرغب، بكل سرور، في أن أصبح غنيّاً، فماذا عليّ أن أفعل؟” كنتم ستجاوبونه: “عليك أن تكِد وتتعب في العمل”. حسناً! كذلك من أجل أن تذهبوا إلى السماء، عليكم أن تتألّموا”.

“لا داعي أبداً أن ننظُرَ من أين تأتي الصلبان: إنها تأتي من الله. الله هو الذي يعطينا هذه الوسيلة كي نُثبِتَ له عن محبَّتِنا”.

“إنَّ الصليب هو أحكم الكتب التي يمكننا قراءتها. أولئك الذين لا يعرفون هذا الكتاب هم جاهلون، حتى وإن عرفوا جميع الكتب الأخرى. إنَّ الحكماء الحقيقيّين هم أولئك الذين يحبّون الصليب، ويستشيرونه، ويتعمّقون فيه… كلّما طالت تلمذة الإنسان في مدرسته، كلّما زادت رغبته في البقاء فيها. يمرّ الوقت دون سأَم. يأخذ منها الإنسان كل ما أراد معرفتِه، ولا يشبع أبداً ممّا يتذوَّقُه منها”.

“يُصاب أبناء العالم بالقلق عندما تكون لديهم صلبان يحملونها، بينما يقلق المسيحيّون الحقيقيّون عندما تخلو حياتهم من الصلبان”.

“الخطوةُ الأولى في طريق الصليب هي الوحيدة التي تُكلِّف”.

“كُلُّ شيءٍ يكونُ على ما يرام إذا حَمَلنا صليبَنا بشكلٍ جيّد”.

“يوجد شكلان إثنان من الألم: الألم من جرّاء الحب والألم من دون حب. لقد تألَّم كل القديسين بصبرٍ وبفرحٍ وبمثابرة، لأنهم كانوا يُحِبُّون. بينما نتألّم نحن بغضبٍ وبغيظٍ وبضجر، لكوننا لا نحب. لو كُنَّا نُحِبُّ الله، فسوف نكون سعداء لكوننا قادرين على أن نتألّم حُبّاً بذاك الذي رضي أن يتألّم من أجلنا”.

“هل تعتبرون ذلك قاسياً؟ كلاّ، هناك حاجة لأن نحب عندما نتألّم، وأن نتألّم ونحن نُحِب”.

“إنَّ مَن يقصد أن يُلاقي الصليب، فإنه يسير في اتّجاه عكسيّ للصلبان: من الممكن أن يلقاها، لكنّه يكون راضياً للقائها: يحبّها ويحملها ببسالة. إن الصلبان تربطه بربّنا. تُطهِّرُه. تفصِلُه عن هذا العالم. تُزيلُ العوائق من قلبه وتساعده على اجتياز الحياة كما يُساعِدُ الجِسرُ على ٱجتياز النهر”.

“إن الجزء الأكبر من البشر يدير ظهره للصلبان ويهرب من وجهها. لكن، كُلَّما ٱزداد هروب الإنسان منها، كلَّما ٱزداد تعقّبها له”.
“علينا أن نركض خلف الصليب كما يركض البخيل خلف المال”.

“يبدو لنا أنه، حيث أننا نحب الإله الصالح بعض الشيءً، فلا يجب أن يكون لدينا أي شيء من التناقضات، وألاَّ يجلب أيُّ شيءٍ لنا الألم… سبب هذا الافتراض هو أننا لا نُدرِك قيمة سعادة الصلبان”.

“لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن للمسيحي ألاّ يُحِبَّ الصليب، بل أن يهرب منه! ألا يعني هذا، في ذات الوقت، هروباً من الذي أراد أن يُعلَّقَ عليه وأن يموتَ من أجلنا؟”.

“الصليبُ هو المصباحُ الذي ينير السماء والأرض”.

“من الضروري أن نطلب نعمة محبة الصلبان: وعندها تصبح الصلبان حلوة”.

“الصليب، هل هو الذي يُبدِّدُ السَّلام؟ كلاَّ بل هو الذي يُعطي السَّلام للعالَم، هو الذي يجبُ أن نَحمِلَه في قلوبِنا. فسبب كل ما يحصل معنا من تعاساتٍ هو أنَّنا لا نُحِبُّ الصَّليب”.

“لقد ٱختبرتُ هذا بنفسي: لقد افتري علي، لقد تعرّضت كثيراً للمعارضة، لقد شُوّش علي بما يكفي. آه، لقد كان لديّ بعض الصلبان… لقد كان لديّ منها أكثر ممّا كان باستطاعتي أن أحمل! فأخذتُ أطلبُ نعمة محبّة الصلبان… وصرتُ ساعَتَها سعيداً. وأنا أقولها جدّيّاً: ليس هناك سعادة سِواها…”.

“عندما تُحِبَّ الصلبان، لا يبقى لديك منها شيءٌ أبداً، وعندما ترفضها، تظلّ محطّماً من جَرَّائِها”.

“الهروب من الصلبان يعني الرغبة في البقاء في الحزن؛ الرغبة فيها تعني عدم الشعور بالمرارة”.

“الصلبان! الصليب! هل تفقدنا السلام؟ حقيقة الأمر أنها هي التي تمنحُ السلامَ للعالم؛ هي التي علينا أن نحملها في القلب. إنَّ بؤسَنا كله يتأتّى من حقيقة أننا لا نحبّها. الخوف من الصلبان هو الذي يزيد الصلبان عدداً. إنَّ صليباً يتم حمله ببساطة ودون الرجوع إلى محبّة الذات، لا يظلّ صليباً، ولا ألماً. لأنَّ الذَّات البشرية غالباً ما تُبالِغ في الشعور بالألم”.

“إنَّ الصليب هو هبة يمنحُها الإلهُ الصالح لأصدقائِه”.

“إنَّ الشيءَ الذي يجعلنا لا نُحِبَّ الله هو أننا لم نصل بعد إلى تلك الدرجة التي نَسْعَدُ فيها بكُلِّ ما يُكَلِّفُنا”.

“إنَّ المرَضَ الذي يطول أَمَدُه مفيدٌ للمسيحي إذا عَرِفَ كيفَ يَنتَهِزُه”.

“من الضروري أن نكون قد وصلنا إلى درجة معيّنة من الكمال كي نحتملَ المرضَ بصبر”.

“ليس لدينا الشجاعةَ الكافية لحمل صليبِنا الشخصي! نحن مُلامون إذاً، لأننا متى حَمِلناه، فإنَّ الصليب يعتني بنا، ولا نستطيعَ الهروبَ منه”.
…………………

حِكمَةُ الصَّليبِ القديسِ يوحنا فَمُ الذَّهَب الأُسقُف ومُعَلِّمُ الكنيسة (349- 407)

الصَّليبُ هو قِمَّةُ خلاصِنا، الصَّليبُ هو مَصدَرُ عشراتِ الآلافِ من الخيرات، بواسِطَتِهِ صارَ المنبوذونَ والسَّاقِطونَ مقبولينَ في عِدادِ الأَبناء.
بِه لم نَعُدْ بَعدُ مُضلَّلينَ، بل للحقِّ عارِفين. بالصَّليبِ أَصبَحَ الذينَ كانوا فيما مضى يَعبُدونَ الأَخشابَ والأَحجار، يعرِفونَ خالِقَ الكُلّ.
بالصَّليبِ نالَ عَبيدُ الخَطيَّةِ عِتْقَ الحُرِّيَّة بالبِر. بِه صارت الأرضُ سماءً، فهكذا (بالصَّليبِ) تَحَرَّرنا من الضَّلال، وهكذا نِلنا الإرشادَ إلى الحقّ.
هكذا تَمَّمَ اللهُ أَمْرًا يليقُ بٍه تجاه البَشَر. هكذا أَقامَنا من عُمقِ الخَطيَّةِ ورَفَعَنا إلى قِمَّةِ الفَضيلة. هكذا أبادَ ضَلالِ الشَّياطين وهكذا كَشَفَ الخِداع. بالصَّليبِ لم يَعُدْ هناكَ دُخان، ولا دِماءُ حيواناتٍ مُهرَقَة، بل في كُلِّ مكانٍ نَجِدُ الإِحتفالاتِ الرُّوحيَّةِ والتَّسابيحَ والصَّلوات.
بالصَّليبِ هَرَبَتْ قُوَّاتُ الشَّرِّ وَفَرَّ الشَّيطان. بالصَّليبِ تتسابَقُ الطَّبيعَةُ البَشَرِيَّةُ لتَنْضَمَّ إِلى مَحفِلِ الملائكة. بالصَّليبِ صارت البتوليةُ مُستوطنةً على الأرض. فحيثُ أتى المسيحُ من عذراءَ فقد فَتَحَ طريقَ هذه الفضيلةِ أمامَ طبيعةِ البَشَر.
بالصَّليبِ أَنارَنا نحنُ الجالسونَ في الظُّلْمة.
بالصَّليبِ حَرَّرَنا مِنَ الأَسر، وبَعدَ أَنْ كُنَّا بعيدينَ صِرْنا مِنه قَريبين. هكذا بالصَّليبِ خَلَّصَنا، وصارَ لنا هذا الفداءُ بالفِعل.
هكذا بالصَّليبِ بَعدَ أَنْ كُنَّا غُرباءَ صِرْنا مواطنينَ سمائيين.
هكذا بالصَّليبِ بَعدَ أَنْ كُنَّا نُحارٍبُ صارَ لنا السَّلامُ والأَمن. وبالصَّليبِ لم نَعُدْ نخافُ سِهامَ الشَّيطان، فقد وَجَدْنا نبعَ الحياة.
بواسطةِ الصَّليبِ لا نحتاجُ فيما بَعْدُ الزِّينةَ الخارجيَّةَ لأَنَّنا نَتَمَتَّعُ بالعَريس.
وبِه لم نَعُدْ نخافُ الذِّئْبَ فقد عَرَفْنا الرَّاعيَ الصالِح. أنا هو الرَّاعي الصالِح، وبِه لن نَرْهَبَ الطَّاغِيَةَ إِذ صِرْنا في جانِبِ المَلِك. آمين.
…………………

حمل الصليب والبابا بندكتوس السادس عشر بابا روما من 2005 إلى 2013
المقابلة القامّة بتاريخ 21/ 02/ 2007
ها قَد تَرَكنا نَحنُ كُلَّ شَيءٍ وَتَبِعناك، فَماذا يَكونُ مَصيرُنا؟»
في رسالتي عن الصوم، أردت أن أشدد على أهمية الحب الهائل الذي يكنّه الله لنا، حتى يتمكن المسيحيُّون من كل الكنائس، في فترة الصوم، أن يتوقفوا روحيًّا، مع مريم ويوحنا، التلميذ الحبيب، الى جانب ذلك الذي ضحى بحياته على الصليب من أجل خلاص البشرية (راجع يو 19: 26). نعم، يا إخوتي وأخواتي، إنَّ الصليب هو الإعلان المؤكد والمحتم للمحبة والرحمة الإلهية، حتى بالنسبة لنا رجال ونساء هذه الحقبة من التاريخ، الذين غالبًا ما تلهّوا بالاهتمامات والأمور المادية والعابرة. إنّ الله محبّة، ومحبّته سر فرحنا. ولكن لكي نغوص في سرّ المحبّة هذه، ما من دربٍ آخر سوى أن ننسى أنفسنا وأن نعطي ذاتنا كليًّا على درب الصليب. “مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني، فَلْيَزْهَدْ في نَفْسِه ويَحمِلْ صَليبَه ويَتبعْني” (مر 8: 34). لهذا السبب تحُثّنا ليتورجيّة الصوم بشكلٍ أساسي، وهي تدعونا الى التأمل والصلاة، الى أن نُقيّم التكفير والتضحية وأن نتخلَّى عن الخطيئة والشَّرّ وأن نهزم الأنانية واللامبالاة. فالصلاة والصوم والتكفير وأعمال الحسنة مع إخوتنا تصبح إذًا السُّبُل الروحية التي علينا ٱجتيازها لكي تتم عودتنا الى الله، فنكون لبّينا النداءات المستمرّة للعودة الى الإيمان كما تتطلّب ليتورجية تبريك الرّماد. يا إخوتي وأخواتي، فليكن زمن الصوم الذي سنبدأ به تجربة تجدد بمحبّة الرّب يسوع المسيح الرّحوم الذي أهرق دمه على الصليب من أجلنا. فلنضع ذاتنا، بكل مرونة في مدرسته لكي نتعلم أن “نُشارك”، بدورِنا، حبَّه لنا إِلى القريبين منّا، خاصةً الذين يتعذَّبونَ ويعيشونَ حياة بؤس. هذه هي مهمّة كل تلميذ من تلاميذ الرّب يسوع المسيح.
…………………

صليب المسيح هو ينبوع جميع البركات من مواعظ القديس لاون الكبير البابا (461†)
(العظة 8 في آلام الرب، 6- 8: PL 54، 340 342)
صليب المسيح هو ينبوع جميع البركات
أمَّا وقد أنارَ الرُّوحُ القدُسُ ذهنَنا، فَلْنَقبَلْ بقلبٍ نقِيٍّ حُرٍّ مجدَ الصليبِ المُشِعِّ في السَّماءِ والأرض، ولنتفحَّصْ بعينِ القلبِ ما قالَهُ الرَّبُّ لمَّا كانَ يتكلَّمُ على آلامِهِ الوشيكةِ: “أتَتِ السَّاعَةُ الَّتِي يُمَجَّدُ فِيهَا ٱبنُ الإنسَانِ” (يوحنا 12: 23). ثُمَّ أضاف: “إنَّ نَفسِي مُضطَرِبَةٌ، فَمَاذَا أقُولُ؟ يَا أبَتِ نَجِّنَي مِن تِلكَ السَّاعَةِ، وَمَا أتَيْتُ إلاَّ لِتِلكَ السَّاعَةِ. يَا أبَتِ، مَجِّدِ ٱسمَكَ” (يوحنا 12: 27- 28). ثُمَّ سُمِعَ صوتُ الآبِ من السَّماءِ يقولُ: “قَد مَجَّدْتُهُ وَسَأُمَجِّدُهُ أيضًا” (يوحنا 12: 28). وأجابَ يسوعُ الحضورَ فقالَ لهم: “لَم يَكُنْ هَذَا الصَّوتُ لأجلِي، بَل لأجلِكُم. اليَومَ دَينُونَةُ هَذَا العَالَمِ، اليَومَ يُطرَدُ سَيِّدُ هَذَا العَالَمِ إلَى الخَارِجِ، وَأنَا إذَا رُفِعْتُ مِنَ الأرضِ جَذَبْتُ إليَّ النَّاسَ أجمَعِينَ” (يوحنا 12: 30- 32).
يا لَقُدرَةِ الصَّليبِ العجيبة. يا لَمَجدِ الآلامِ الذي لا يُوصَفُ، حيثُ ٱجتمعَ محكمةُ الرَّبِّ والحُكمُ على العالمِ وقُدرَةُ الصَّليبِ.
جَذَبْتَ الجميعَ إليكَ، يا ربُّ. وما كانَ يَتِمُّ في هيكلٍ واحدٍ في اليهوديّةِ بطريقةِ الصُّورةِ والرَّمزِ، تحتفلُ به اليومَ تَقوى جميعِ الشُّعوبِ في السِّرِّ الكامِلِ والمعروضِ للجَميعِ.
لرتبةِ اللاويِّين اليومَ مجدٌ أكبرُ، وللشيوخِ كرامةٌ أوفرُ، ومَسحةُ الكهنةِ أكثرُ قداسةً. لأنَّ صليبَكَ هو مصدرُ جميعِ البرَكاتِ، وسببُ جميعِ النِّعمِ، بها يُمنَحُ المؤمنون القوَّةَ في الضَّعفِ، والمجدَ في المهانةِ، والحياةَ في الموتِ. لقد توقَّفَ التعدُّدُ والتنَوُّعُ في الذبائحِ الجسديَّةِ. وجميعُ القرابينِ المختلفةِ حلَّ محلَّها قُربانُ دمِكَ، لأنَّكَ أنتَ الحَمَلُ الحقيقِيُّ الذي تَرفَعُ خطايا العالم. فتُتِمُّ في ذاتِكَ جميعَ الأسرارِ. وبما أنَّ الذَّبيحةَ هي الآنَ واحدةٌ بدلَ جميعِ الذبائحِ القديمةِ، كذلكَ هناكَ ملكوتٌ واحدٌ يجمَعُ جميعَ الشُّعوبِ.
لِنَعترِفْ إذًا، أيُّها الأحبَّاء، بما ٱعترفَ به بصوتٍ جهيرٍ معلِّمُ الأُممِ، بولسُ الرسولُ حيث قالَ: “إنَّهُ لَقَولُ صِدقٍ، جَدِيرٌ بِالتَّصدِيقِ عَلَى الإطلاقِ. وَهُوَ أنَّ المَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إلَى العَالَمِ لِيُخَلِّصَ الخَاطِئِينَ” ( 1 طيموتاوس 1: 15).
ومن ثَمَّ فإنَّ رحمةَ اللهِ لنا عجيبةٌ وتزدادُ عجَبًا في نظَرِنا لأنَّ المسيحَ لم يَأتِ للأبرارِ ولا للقدِّيسين بل للخطأَةِ والكفَّارِ. وبما أنَّه لم يكُنْ بمقدورِ شوكَةَ الموتِ أن تُصيبَ الطبيعةَ الإلهيّةَ، فقد وُلِدَ بحسبِ طبيعتِنا، وتحمَّلَ كلَّ ما يَقدِرُ أن يتحمَّلَه لكي يُقَدِّمَه للهِ من أجلِنا.
كانَ العدوُّ القديمُ يهدِّدُ موتَنا بقوَّةِ موتِه، فقالَ على فمِ هوشع النبيِّ: “يَا مَوتُ سَأكُونُ مَوتَكَ، وَسَأكُونُ شَوكَتَكَ، يَا مَثوَى الأموَاتِ” (هوشع 13: 14). فبمَوتِهِ خضعَ لشريعةِ مَثوَى الأموات. ولكنَّه بقيامتِه فكَّ قيودَ تلك الشريعة. ومن ثَمَّ حدَّ من شريعةِ الموتِ الأبديَّةِ. فبعدَ أن كانَ الموتُ أبديًّا جعلَه أمرًا مُوَقَّتًا. “كَمَا يَمُوتُ جَمِيعُ النَّاسِ فِي آدَمَ، فَكَذَلِكَ سَيَحيَوْنَ جَمِيعًا فِي المَسِيحِ” (1قورنتس 15: 22).
…………………
من مقالات القديس توما الأكويني الكاهن ومعلِّمُ الكنيسة (1225- 1274)
(المقالة 6 في قانون الإيمان)
في الصَّليبِ مِثالٌ لِكُلِّ فَضيلَة

ما الضَّرورةُ في أَنْ يَتَأَلَّمَ كَلِمَةُ اللهِ مِن أَجلنا؟ إِنَّها ضَرورةٌ كُبرى. وذلك لسببَيْن: أَوَّلاً، ليُقَدِّمَ علاجًا للخطيئة. وثانيًا، ليُقَدِّمَ لنا مِثالاً نقتدي به. أَمَّا العِلاج، فلأَنَّنا نَجِدُ في الآمِ المَسيحِ عِلاجًا لِجميعِ الشُّرورِ الَّتي سَبَّبَتْها الخَطيئة.
وليسَتِ الفائدةُ بأقلَّ من حيثُ المِثالُ. لأَنَّ آلامَ المسيحِ كافيةٌ لِتَطْبعَ بصورَتِها حياتَنا كُلَّها. فمَن أرادَ أَن يَسيرَ سيرةً كامِلة، يَكفيه أَن يَحْتَقِرَ ما ٱحتقَرَهُ المَسيحُ على الصَّليب، وأن يَرْغَبَ في ما رَغِب. ففي الصَّليبِ مِثالٌ لكُلِّ فَضيلة.
أَتُريدُ مِثالاً في المَحَبَّة؟ “لَيسَ لأحَدٍ حُبٌّ أَعظَمُ مِن أَن يَبذِلَ نَفسَهُ فِي سَبِيلِ أَحِبَّائِهِ” (يوحنا 15: 13). هذا ما فعلَهُ المَسيحُ على الصَّليب. فإِنْ بَذَلَ هو نفسَه عنَّا على الصَّليب، يَجْبُ أَلاَّ يَصعُبَ علينا أن نصبِرَ على أيّةِ إساءةٍ من أجلِه (1يو 3: 16).
أَتريدُ مثالاً في الصَّبْر؟ فمِثَالُهُ الأَكملُ في الصَّليب. الصَّبْرُ كبيٌر بأمرَيْن: إِمَّا بالصَّبْرِ على آلامٍ كبيرَة، وإِمَّا بالصَّبرِ على آلامٍ كانَ يقدرُ أن يَتَجَنَّبَها المَرءُ ولم يَتَجَنَّبْها. وقد تَحَمَّلَ المَسيحُ على الصَّليبِ آلامًا كبيرةً وصَبَرَ عليها، ولهذا قالَ الكتاب :”تألَّمَ وَلَم يُهَدِّدْ أحَدًا” (1بطرس 2: 23)، “ومِثلَ حَمَلٍ سِيقَ إلى الذَّبحِ ولم يَفتَحْ فاه” (أشعيا 53: 5)، (أعمال 8: 32). كانَ صَبْرُ المسيحِ إذًا على الصَّليبِ كبيرًا: “فَلْنَخُضْ بِثَبَاتٍ ذَلِكَ الصِّرَاعَ المَعرُوضَ عَلَينَا، مُحَدِّقِينَ إلَى مُبدِئِ إيمَانِنَا وَمُتَمِّمِهِ يَسُوعَ الَّذِي فِي سَبِيلِ الفَرَحِ المَعرُوضِ عَلَيهِ تَحَمَّلَ الصَّلِيبَ مُستَخِفًّا بِالعَارِ” (عبرانيون 12: 2).
أَتُريدُ مِثالاً في التَّواضُع؟ أُنْظُر إِلى المَسيحِ مصلُوبًا، فقد أَرادَ اللهُ أن يُحكَمَ عليه وأن يموتَ في عهدِ بيلاطس البنطي (أشعيا 53: 10).
أَتُريدُ مِثالاً في الطَّاعة؟ إِتبَعْ مَنْ صارَ مُطيعًا للآبِ حتى الموت (فيلبي 2: 8)، (عبرانيين 5: 8): “فَكَمَا أَنَّهُ بِمَعصِيَةِ إِنسَانٍ وَاحِدٍ جُعِلَتْ جَمَاعَةُ النَّاسِ خَاطِئَةً، فَكَذَلِكَ بِطَاعَةِ وَاحِدٍ تُجعَلُ جَمَاعَةُ النَّاسِ بَارَّةً” (رومة 5: 19).
أَتُريدُ مِثالاً في ٱزْدِراءِ الأَرضيَّات؟ إِتبَعْ مَنْ هو مَلِكُ الملوكِ ورَبُّ الأَربابِ الذي “ٱستَكَنَّتْ فِيهِ جَمِيعُ كُنُوزِ الحِكمَةِ وَالمَعرِفَةِ” (قولسي 2: 3)، (2قور 2: 9). وها هو على الصَّليبِ عُريانًا مُهانًا، بُصِقَ عليه، وضُرِبَ، وكُلِّلَ بالشَّوكِ، وأُسقِيَ خَلاًّ ومُرًّا.
فلا تَهْتَمَّ باللِّباسِ وبالغنى (متى 6: 25)، “لأَنَّهُم ٱقتَسَمُوا ثِيَابِي” بينَهم (مزمور 22: 19)، (يوحنا 19: 24). ولا بالمَجد، لأَنِّي طَعِمْتُ السُّخرِيَةَ والضَّربَ (أشعيا 53: 4). ولا بالمناصب، لأَنهم “ضَفَرُوا إكليلاً من الشَّوكِ ووضَعُوه على رأسي” (مرقس 15: 17). ولا بالمسرَّاتِ لأَنّهم “سَقَوْنِي فِي عَطَشِي خَلاًّ” (مزمور 69: 22)، (متى 27: 34، 48)، (يو 19: 28-30).
…………………
قوة الصليب – أثناسيوس الرسولي
(295- 373)

” مكتوب في الكتب هكذا.
أن نفوسنا إذا كانت مرتبطة بناموس الله فلن تقوى علينا قوات الظلمة
وإن ٱبتعدنا عن الله فهي تتسلَّط علينا.
فأنت أيها الانسان
الذي تريد أن تخلُص، عَلِّم ذاتَك أن تَسبَحَ في لُجةِ غناءِ وحكمةِ الله، أُبسط يديك على مثال الصليب لتعبر البحر العظيم، الذي هو هذا الدهر
أعني عدم الإيمان، الزنى، النميمة، محبة الفضة التي هي أصل لكل الشرور،
أمَّا علامةُ الصليب فهى مبسوطة على كل الخليقة….
هوذا موسى رئيس الأنبياء لمَّا بسط يديه قهر عماليق،
ودانيال نجا من جب الأُسود
ويونان من بطن الحوت،
والقديسة ثكلة عندما ألقوها للسباع تخلَّصت بمثال الصليب،
وسوسنة من يد الشيخين،
ويهوديت من يد الوفرنيس
والثلاثة الفتية القديسين من أتون النار المتقدة.
هؤلاء كلهم خلصوا بمثال الصليب
وقيل أيضًا
ليكن مستقرَّك في موضع واحد الذي هو البيعة.
لتتغذى بكلام الكتب
ومن الخبز السمائي
ومن دم المسيح
وتتغذى كل حين من كلام الكتب”.

…………………

عظة أثناسيوس الرسولي
(295- 373)
قول القديس يوحنا الذهبي الفم في يوم الجمعة العظيمة
(349- 407)

في يوم الجمعة العظيم: “الصّليب هو، بالنّسبة إلينا، نبعُ خيرات لا تُحصى: إنّه هو الّذي ينشلنا من الخطايا ويُنير لنا الظّلام ويُقرِّبَنا إلى الله. لقد دمّرَ الصّليبُ العداوة، أوقف الحرب، صالَحَ مَعَ الرَّبِّ الّذين كانوا غُرباءَ عنه وأَدخَلَهُم في عائلتِه. الصّليبُ يحملُ لنا الأَمنَ والسَّلام. إنَّه كنزُ كلِّ الخيرات… بالصّليبِ، لم نَعد أرامل، فقد ٱستقبلنا العريس… لهذه الأسباب نحن نحتفل بالعيد، نُعيّد لذكرى الصّليب”.
…………………

مجدُ الصَّليب من خطب القديس أندراوس أسقف كريتا (660- 740)
(الخطبة 10 في ارتفاع الصليب المقدس: PG
97، 1018- 1019 و1022- 1023)
مَجدُ الَمسيحِ ورِفْعَتُه هو الصَّليب

نَحتَفِلُ بعيدِ الصَّليبِ المُقَدَّسِ الَّذي بَدَّدَ الظَّلامَ ونَشَرَ النُّورَ. نَحتَفِلُ بعيدِ الصَّليبِ المُقَدَّسِ، ومَعَ المَصلوبِ نَرتَفِعُ إِلى الأَعالي، فَنَترُكُ الأَرضَ الدُّنيا مَعَ الخَطيئةِ، ونَسمُو إِلى العُلَى. إِنَّ ٱمتلاكَ الصَّليبِ أَمرٌ عظيمٌ، مَن ٱمتلكَه ٱمتلَكَ كنـزًا. وأَدعوه حَقًّا كَنـزًا، لأَنَّه إِسمًا وفِعلاً أَجملُ مِن جَميعِ الخَيراتِ. إِذ فيه ومنه وبِه جَوهَرُ خلاصِنا الَّذي أُعِيدَ إلينا كما في حالتِنا الأولى.
لو لَمْ يَكُنِ الصَّليبُ، لمَا صُلِبَ المَسيحُ. لو لَمْ يَكُنِ الصَّليبُ، لَما سُمِّرَتِ الحَياةُ على الخَشَبةِ بالمَساميرِ. ولو لَمْ تَكُنِ المَساميُر، لَما تَدَفَّقَتْ يَنابيعُ الأَبَدِيَّةِ، دَمًا وماءً، مِن جَنبِه لِتُطَهِّرَ العالمَ، ولَما أُتلِفَ صَكُّ الخَطيئةِ، ولَما ثُبِّتْنا في الحُرِّيَّةِ، ولَما نَعِمْنا بِشَجَرَةِ الحَياةِ، ولَما ٱنْفَتَحَ الفِردَوسُ. لو لَمْ يَكُنِ الصَّليبُ، لَما هُزِمَ المَوتُ ولَما جُرِّدَ الجَحيمُ مِن سُلطانِه.
فالصَّليبُ إِذًا هو أَمرٌ عَظيمٌ وثَمينٌ جِدًّا. هو أَمرٌ عَظيمٌ، لأَنَّ خَيراتٍ كَثيرةً جاءَتْ مَعَه، كَثيرةً وذاتَ ٱستِحقاقٍ بقدرِ ٱستِحقاقِ عَجائبِ المَسيحِ وآلامِه. وهو أَمرٌ ثَمينٌ، لأَنَّ الصَّليبَ هو آلامُ اللهِ ونَصرُه. آلامُه، لأَنَّه بِها قَبِلَ المَوتَ طَوعًا. ونَصرُه، لأَنَّ الشَّيطانَ وَجَدَ فيها عِقابَه، والمَوتَ هُزِمَ به، وأَبوابَ الجَحيمِ تَحَطَّمَتْ، وصارَ الصَّليبُ خلاصًا يَشمَلُ الكَونَ كُلَّه.
هذا هو مَجدُ المَسيحِ، وهذِه هي رِفْعَةُ المَسيحِ. هكذا نَفْهَمُ أَنَّه صليبٌ مَحبوبٌ، وهو نِهايةُ الآلامِ الَّتي تَحَمَّلَها المَسيحُ مِن أَجلِنا. إِنَّ الصَّليبَ هو مَجدُ المَسيحِ، فٱسمَعْه يقول: “الآنَ مُجِّدَ ٱبنُ الإنسانِ، ومُجِّدَ اللهُ فيه، وسَيُمَجِّدُهُ اللهُ فِي ذَاتِهِ”(يوحنا 13: 31- 32). وأَيضًا: “مَجِّدْنِي الآنَ عِندَكَ، يَا أبَتِ، بِما كانَ لِيَ مِنَ المَجدِ عِندَكَ، قَبلَ أَنْ يَكونَ العالَمُ” (يوحنا 17: 5). وأَيضًا: “يَا أَبَتِ، مَجِّدْ ٱسمَكَ. فَٱنطَلَقَ صَوتٌ مِنَ السَّماءِ يَقولُ: قَد مَجَّدْتُهُ وسَأُمَجِّدُهُ أَيضًا” (يوحنا 12: 28). وهو يَعني المَجدَ الَّذي كانَ له على الصَّليبِ.
أَمَّا أَنْ يَكونَ الصَّليبُ هو رِفْعَةُ المَسيحِ أَيضًا فٱسمَعْ ما يَقولُ أَيضًا: “وأَنَا إِذَا رُفِعْتُ مِنَ الأَرضِ، جَذَبْتُ إِلَيَّ النَّاسَ أَجمَعِينَ” (يوحنا 12: 32). تَرى إِذًا أَنَّ مَجْدَ المَسيحِ ورِفْعَتَه هو الصَّليبُ.
…………………
محبة الصلبان للقديس يوحنا فيانيه
الصلبان المحبوبة
كل القديسين أحبّوا الصليب؛ لقد وجدوا فيه القوّة والتعزية لهم.
– ولكن، تقولون لي، هل من الضروري وجود شيء ما من الألم في الحياة؟ حيناً ما المرض أو الفقر، وحيناً آخر التجديف والتشهير، أو خسارة ماديّة أو عجز ووهن؟ هل افُتري عليك؟ هل أنت مثقل بالإهانات؟ هذا أفضل لك! هذي علامة جيّدة، لا تقلق، أنت على الطريق الذي يقود إلى السماء.
أتعرفون متى يكون هناك حاجة للبكاء؟ لا أعلم إن كنتم ستدركون ما أقول، لكن ستكون هناك حاجة وعلى وجه التحديد إذا، على العكس، لم يكن لديكم أي ألم، إذا كان الجميع يقدّركم ويحترمكم؛ حينها سيكون الوضع المناسب لحسد أولئك المحظوظون بقضاء حياتهم في الألم، وفي الازدراء وفي الفقر. هل نسيتم إذاً أنه، في عمّادكم، كنتم قد قبلتم صليباً عليكم ألاّ تتخلّوا عنه سوى ساعة الموت، وأنه المفتاح الذي ينفعكم في فتح باب السماء؟ هل نسيتم كلمات المخلص هذه: “يا بنيّ، إذا أردت أن تتبعني، احمل صليبك واتبعني”؟ ليس يوماً واحداً، وليس أسبوعاً واحداً، ولا سنة واحدة، بل كل أيام حياتكم. كان لدى القديسين خوف من قضاء أي لحظة دون ألم، لأنهم كانوا يعتبرون مثل هذا الوقت وقت ضائع. إن الإنسان، بحسب القديسة تريزيا الأفيليّة، موجود في هذا العالم من أجل أن يتألّم ليس إلاّ، وحال توقّفه عن التألّم، عليه أن يتوقّف عن الحياة. ويطلب القديس يوحنّا للصليب من الله، ساكباً الدموع، مكافأة وحيدة على أتعابه، وهي أن يمنحه النعمة بأن يتألّم أكثر كل يوم.
ماذا علينا أن نستنتج من كل هذا؟ الاستنتاج التالي.
أن نأخذ قصداً بأن نكنّ احترام كبير لكل الصلبان المباركة، التي تعني بالنسبة لنا، بالنتيجة، كل ما قد تحمّل ربنا من العذاب من أجلنا.