تأملات آباء الكنيسة حول دعوة التلاميذ الأولين
آباء الكنيسة
دعوة التلاميذ الأولين فيلوكسين المَنبِجيّ (؟ – نحو 523)، أسقف في سوريا
العظة رقم 4
«فَتَركا السَّفينَةَ وأَباهُما مِن ذلك الحينِ وتَبِعاه»
كما أنّ العين الصحيحة والنقيّة تتلقّى شعاعَ النورِ الذي يُرسَل إليها، كذلك تتعرّف عينُ الإيمان بحدقةِ البساطة إلى صوت الله ما إن يسمعه الإنسان. حين يشّع النور الساطع من كلمته في نفس الإنسان، يهبُّ لملاقاتها ولتلقّيها مبتهجًا، كما قال ربّنا في إنجيله: “إِنَّ خِرافي تُصْغي إِلى صَوتي وأَنا أَعرِفُها وهي تَتبَعُني” (يو10: 27)…
بهذا النقاء وهذه البساطة تبع الرسل كلام الرّب يسوع المسيح. ولم ينجح العالم عن إيقافهم، ولا ٱستطاعت عادات الإنسان الإمساك بهم، ولا تمكنّت الثروات الكبيرة في الأرض من صدّهم. لقد أحسّت هذه النفوس بالله وعاشت الإيمان. وفي هذه النفوس، لا يستطيع أيّ شيء في العالم أن يتفوّق على كلمة الله. هذه الكلمة تكون ضعيفة في الأرواح الميتة؛ ولأنّها ميتة تضعف فيها الكلمة وتتحوّل تعاليم الرَّبّ من صحيحة إلى عديمة الفعاليّة. إنّ أنشطة الإنسان تنحصر في المكان الذي يعيش فيه؛ فمَن يعيش من أجل العالم يضع جميع أفكاره وحوّاسه في خدمة العالم، في حين أنّ مَن يعيش في سبيل الله يلتزم بوصاياه القويّة في جميع أعماله.
إنّ كلّ مَن دُعي ولم تكن روحه مُثقلة بمحبّة الأمور الدنيويّة، ٱستجاب على الفور إلى الصوت الذي دعاه. إنّ روابط العالم هي حمل ثقيل على العقل والأفكار؛ أمّا أولئك المكبّلون بهذه الروابط، فمن الصعب عليهم سماع صوت الله الذي يدعوهم. لكنّ الرُّسُل، وقبلهم الأبرار والآباء لم يكونوا كذلك؛ فقد أطاعوا كالأحياء، وخرجوا خفيفي الحمل لأنّ شيئًا لم يُثقِلهم في هذا العالم. لا يمكن لشيء أن يربُطَ أو يُعيقَ الرُّوحَ التي تشعر بالله، فهي منفتحة وجاهزة، بحيث يجدها نور الصوت الإلهي دومًا في حالة تتيح تلقّي هذا الصوت في كلّ مرّة يناديها.