تأملات آباء الكنيسة حول التوبة
آباء الكنيسة
أقوال في التوبة إسحق السرياني
إسحَق السريانيّ (700†) راهب في نينَوى، بالقرب من الموصل في العراق الحاليّ وقدّيس في الكنائس الأرثوذكسيّة
“مَن يَعتَرِف بِخَطاياه… هو أَعظَمُ مِمَّنْ يُقيمُ المَوتى بِصلواتِهِ. مَن يَنوحُ ساعَةً على روحِهِ هو أَعظَمُ مِمَّنْ يَحْتَضِنُ العالَمَ مِن خِلالِ تَأَمُّلِهِ. مَن أُعطي له أَنْ يَرى حَقيقَةَ نَفْسِه هو أَعظَمُ مِمَّنْ أُعطي له أَنْ يَرى المَلائِكَة”.
(إسحق السِّرياني 700†)
“كُلُّ مَن ٱعترَفَ بخطاياهُ بصِدقٍ يَعْبُرُ من الموتِ إِلى الحياة. ويَذوقُ مُسبَقًا طَعْمَ القِيامَةِ مُحقِّقًا عمَلاً أَكثَرَ أَهمِّيَّةً من إِقامَةِ الموتى”.
(إسحق السِّرياني 700†)
أقوال في الإِعتراف القديس كيرلس الأورشليمي الأسقف ومعلم الكنيسة (315- 386)
“إنْ وُجِدَ هنا مَن هو عَبدٌ للخطيئة، فلْيستعِدَّ لأَنْ يَصيرَ بالإيمانِ ٱبنًا حقيقيًّا بالتَّبَنِّي الَّذي يتِمُّ بالوِلادةِ الثَّانية. بِها يَتَحَرَّرُ مِن عُبوديّةِ الخطايا، وهي أسوأُ العُبوديّات، لِيَصيرَ عَبدًا سَعيدًا للمسيح، فيجدَ نفسَه أهلا لميراثِ الحياةِ الأبدية”.
(القديس كيرلس الأورشليمي الأسقف ومعلم الكنيسة 315- 386)
“بالإيمانِ إِخلَعُوا عنكم الإنسانَ القديَم الَّذي يَسيرُ مُفسِدًا وراءَ رغَباتِ الضَّلال، وٱلبَسُوا الإنسانَ الجديدَ الذي يَتَجَدَّدُ كلّما ٱزدادَ مَعرِفَةً لخالِقِه (أفسس 4: 24)”.
(القديس كيرلس الأورشليمي الأسقف ومعلم الكنيسة 315- 386)
“مَن ظلَّتْ أَشواكُ الخطايا لاصقةً بِهِم مِثلَ جِلدٍ مُتَعَفِّنٍ يَقِفونَ على الشِّمال، لأنّهم لم يَقتربوا من نِعمةِ اللهِ التي توهَبُ في جُرنِ الوِلادةِ الثانية. ولا أَقولُ الوِلادَةَ الثَّانِيَةَ مِن حيثُ الجَسَدُ، بل الوِلادَةَ الرُّوحِيَّةَ الَّتي تُجَدِّدُ النُّفوس. فالأَجسادُ يِلِدُها الأَهلُ المَنظورونَ، والنُّفوسُ تولَدُ ثانِيَةً بالإِيمان”.
(القديس كيرلس الأورشليمي الأسقف ومعلم الكنيسة 315- 386)
“إِنْ ظَنَّ أَحَدٌ مِنَ الحاضِرِين أَنَّه يَقْدِرُ أَنْ يُجَرِّبَ نِعمَةَ اللهِ فهو يَغُشُّ نَفْسَه، ويَجْهَلُ قيمَةَ الأُمور. كُنْ، أَيُّها الإِنسانُ، ذا نَفْسٍ صادِقَةٍ، لا غِشَّ فيها، أَمامَ مَن يَفحَصُ الكُلى والقُلوب (إرميا 17: 10)”.
(القديس كيرلس الأورشليمي الأسقف ومعلم الكنيسة 315- 386)
“الوَقتُ الحاضِرُ هو وَقتُ الإِعترافِ. إِعترِفْ بما ٱرتكبْتَ مِن خَطيئةٍ بالقَولِ أَوِ العَمَلِ في الليلِ أَو في النَّهار. إِعتَرِفْ في الوَقتِ المَقبولِ هذا، وفي يومِ الخلاصِ تَنَلْ الكَنزَ السَّماوِيَّ. (2 قور 5: 6)”.
(القديس كيرلس الأورشليمي الأسقف ومعلم الكنيسة 315- 386)
“طَهِّرْ إِناءَكَ لِيَتَّسِعَ لِنِعمَةٍ أَوفَرَ. فَمَغْفِرَةُ الخَطايا تُعطَى للجَميعِ بالتَّساوي. وأَمَّا شَرِكةُ الرُّوحِ القُدُسِ فتُمنَحُ بِحَسَبِ كَفاءةِ كُلِّ واحِدٍ وإِيمانِهِ”.
(القديس كيرلس الأورشليمي الأسقف ومعلم الكنيسة 315- 386)
“إِنْ كانَ لَكَ شَيءٌ على أَحَدٍ فٱغْفِرْ له (مرقس 11: 25). وبعدَ ذلِكَ تَقَدَّمْ لِتَنالَ مَغْفِرَةَ خَطاياك. فَمِنَ الضَّروريِّ أَنْ تَغْفِرَ أَنتَ أَيضًا لِمَنْ خَطِئَ إِليكَ”.
(القديس كيرلس الأورشليمي الأسقف ومعلم الكنيسة 315- 386)
“مَن كَتَمَ مَعَاصِيَهُ لَم يَنجَحْ، وَمَن ٱعتَرَفَ بِهَا وَأقلَعَ عَنهَا يُرحَمُ”. (أمثال 28: 13)
“إذَا ٱعتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا، فَإنَّ اللهَ أَمينٌ بَارٌّ يَغفِرُ لَنَا خَطَايَانَا”. (1يوحنا 1: 9)
من عظة لأحد الوعاظ في القرن الثاني
(الفصل8، 1-9، 11: Funk 1،152-156)
التوبة الصادقة
لِنَصنَعْ أعمالَ التوبةِ ما دُمْنا مقيمِين على الأرض. نحن مثلُ الطِّينِ في يدِ الصانعِ. فإذا صنعَ الصانعُ إناءً ووجدَه منحرفًا أو معوَجًّا، فإنَّه يُعيدُ صُنعَهُ. أمّا إذا صوَّرَه وألقاه في التنّورِ، فلا يَقدِرُ بعدَ ذلك أن يُعدِّلَ فيه شيئًا. كذلك نحن، ما دُمْنا في هذا العالم، لنَتُبْ بكلِّ قلبِنا عن الخطايا التي نحملُها في جسدِنا، فيمنحَنا اللهُ الخلاصَ ما زالَ أمامَنا زمنٌ للتوبة (إرميا 18: 1-6).
أمَّا بعدَ أن نخرجَ من هذا العالمِ فلن نَقدِرَ أن نعترفَ بخطايانا أو أن نتوبَ عنها. ولهذا، أيّها الإخوة، ستنالون الحياةَ الأبديّةَ إذا عمِلْتُم بمشيئةِ الآب، وإذا بَقِيَتْ أجسادُكم طاهرةً، وحفِظْتم وصايا الله. قال الربُّ في الإنجيل: “إن لم تكونوا أُمَناءَ على القليل، فمَن يأتمنُكم على الكثير؟ أقولُ لكم: مَن كانَ أمينًا على القليلِ سيكونُ أمينًا على الكثير” (لوقا 16: 10-11). هذا الكلامُ يَعني: إِحفظوا جسدَكم عفيفًا، وحافظوا على الوسمِ فيكم بلا عيب، لتنالوا الحياة.
ولا يقُلْ أحدٌ منكم إنَّه لن تكونَ هناك دينونةٌ للجسدِ ولا قيامة. إِعترفوا وقولوا: أين نِلْتُمُ الخلاصَ؟ وأين نِلْتُمُ المقدرةَ على البصر؟ أليسَ في الجسدِ الذي به تَحيَوْن؟ ومن ثَمَّ، يَليقُ بنا أن نحافظَ على الجسدِ على أنَّه هيكلُ الله (1قور3: 16-17)، (1قور6: 19-20). دُعِيتُم في الجسدِ، فستنالون الخلاصَ في الجسد. كانَ المسيحُ الرَّبُّ أوّلاً روحًا، فصارَ جسدًا ودعانا. وكذلك سننالُ نحن مكافأَتنا في الجسد (فيلبي 3: 20-21).
لنُحِبَّ إذًا بعضُنا بعضًا حتى نبلغَ جميعًا ملكوتَ الله. ما زالَ أمامَنا زمنٌ للشفاء لِنُسَلِّمْ أنفسَنا إلى الطبيبِ الإلهيّ، وَلْنُعطِه مكافأَتَه. أيّةُ مكافأة؟ توبةٌ صادقةٌ في القلب. فهو عالمٌ مُسبَقًا بكلِّ شيءٍ، ويعرفُ كلَّ ما يجولُ في قلبِنا. فَلْنَرفَعْ إليه الحمدَ لا باللسانِ فقط، بل من القلبِ، ليستقبلَنا مثلَ أبنائِه. قالَ الرَّبُّ: “هؤلاءِ هم إخوتي، همُ الذين يصنعونَ مشيئةَ أبي” (لوقا 8: 21).
التوبة البابا فرنسيس
“إِنْ كانَ قلبُكم ليسَ تائِبًا ولا تُصغونَ إلى الرَّبِّ ولا تَتَقَبَّلونَ التأديبَ ولا تَثِقونَ بِه، فهذا يَعني أَنَّكم لا تَملكون قلبًا تائبًا”.
الإعتراف والتناول في أقوال القديس يوحنا بوسكو (1815- 1888)
“جناحان إِثنان نطير بهما إلى السماء: الإِعتراف والتناول”.
“إِعترف للكاهن فإن الإعتراف فعل تواضع من الأفعال المَرضيّة لدى الربّ”.
“العمل الأكثر فاعلية للإنتصار على التجارب، والشيء الذي يجعلنا أكثر متأكدين بأن نثبُت على عمل الخير هو التناول”.
“الطريقة الأولى للتربية الحسنة هي: الإعتراف بشكلٍ جيِّد والتناول بطريقة لائقة”.
“تناول القربان عَامود أحد قُطبَي العالم. أمَّا الثَّاني فهو إِكرامُ مَريمَ العَذراء”.
“لنُرضي مريمَ أُمِّ المعونة. علينا أن نكرّم ٱبنها بالوسائل التالية: الإقتراب من الأسرار المقدّسة وقبول القربان ما أمكن، وإنْ لم يكن قبولَه بواسطة السرّ فبالشوق، والمشاركة في القداس، وزيارة يسوع القرباني، والقيام بأعمال الرَّحمة إكرامًا ليسوع، لأنها تُرضي الرَّبّ”.
الإعتراف والبابا فرنسيس
“ليسَ كُرسيّ الإعتراف قاعةَ جَلْد. إنَّ اللهَ لا ينتظرُني لكي يلطِمَني، بل لِيَستَقبِلَني بِعَطْف”.
(البابا فرنسيس)
“فَلْنَضَعْ مُجَدَّدًا سِرَّ المُصالحة في المِحور، لأنَّه يسمَحُ لنا بلمْسِ عظَمَةِ الرَّحمَة. وسيكونُ بالنِّسبَةِ لِكُلِّ تائِبٍ مَصدَرًا للسَّلامِ الدَّاخِلِيِّ الحقيقيّ”.
(البابا فرنسيس)
“يسوع، في كرسيِّ الإعتراف ليس آلةً تَغسِلُ نُفوسَنا من خَطاياها. إنَّ الإعتراف لقاءٌ مع يسوع. هو يَنتَظِرُنا ويَتَقَبَّلُنا كما نَحنُ”.
(البابا فرنسيس)
“الرَّبُّ لا يتعب أبدًا مِنَ المغفِرة، إِنَّما نحنُ الَّذينَ نتعَبُ من طلبِ المغفِرة”.
(البابا فرنسيس)
“ما مِن أَحدٍ كمريم قد عَرَفَ عُمقَ سِرِّ اللهِ الَّذي صارَ إنسانًا. إنَّ كُلَّ شيءٍ في حياتِها قد طُبِعَ بحضورِ الرَّحمةِ الَّتي صارَتْ بَشَرًا. إنَّ أُمَّ المَصلوبِ القائِمِ مِنَ الموتِ قد دَخَلَتْ مَعبَدَ الرَّحمَةِ الإِلهيَّةِ لأنَّها شارَكَتْ بعُمقٍ في سِرِّ محبَّتِه”.
(البابا فرنسيس)
التوبة في قول القديس إسحَق السريانيّ الأُسقُف (700†)
“المعموديَّةُ هي الوِلادَةُ الأُولى مِنَ الله. والتَّوبَةُ هي الوِلادَةُ الثَّانية. كذلِكَ الأَمرُ الذي نِلنا عُربونَه بالإيمانِ بالتَّوبَةِ نأخُذُ موهبَتَه”.
“التَّوبَةُ هي بابُ الرَّحمَةِ المفتوحِ للَّذينَ يُريدونَه. وبِغيرِ هذا الباب لا يدْخُلُ أَحدٌ إِلى الحياةِ لأَنَّ الكُلَّ أَخطئوا كما قالَ الرَّسول: وبالنِّعمَةِ نَتَبَرَّرُ مَجَّانًا. فالتَّوبَةُ هي النِّعمَةُ الثَّانيةُ وهي تَتَولَّدُ في القَلبِ منَ الإيمانِ والمَخافَةِ. بِرُّ المَسيحِ يَعْتِقُنا من بِرِّ العدالَةِ، وبالإيمانِ بٱسمِه نَخْلُصُ بالنِّعمَةِ مجَّانًا بالتَّوبَةِ”.
سُئِلَ القِدِّيسُ اسحق ما هي التَّوبَة ؟ فأَجابَ: “هي القَلبُ المُنْسَحِقُ المُتواضِع وإِماتَةُ الذَّاتِ إِرادِيًّا عَنِ الأَشياءِ الدَّاخِلِيَّةِ والخارِجِيَّة”.
التوبة في كتابات القديس سمعان اللاهوتي الجديد (949-1022)
“إن رحمةَ اللهِ العظمى تأتي إلى نجدة الضعف البشري. فليست المعمودية فحسب ، بل والتوبة أيضاً تسترد الرجاء في الحياة الآتية. هكذا الذين دنّسوا هبة الحياة الفائقة الطبيعة، إذ يدينون أنفسهم بأنفسهم يتلقون غفران زلاتهم”.
“التوبة هي الباب الذي يقود من حيّز الظلمات إلى حيّز النور. والله نور، وهو يبث ضوءه للمتحدين به نسبة إلى مدى تطهرهم”.
التوبة في قول القديس باسيليوس الكبير
“التَّوبةُ هي الخلاص، أمَّا غيابُ الفَهْمِ فهوَ موتُ التَّوبة”.
التوبة في كتابات القديس يوحنا الذهبي الفم
“هذه الحياة في الحقيقة إنما هي مكرسة للتوبة، للنوح والنحيب… لذلك، من الضروري للمرء أن يتوب، لا ليوم واحد أو يومين فحسب، بل طوال حياته أيضًا.. هل اقترفت خطيئة؟ إذن أدخل الكنيسة وتب عن خطيئتك. فهنا يوجد الطبيب لا القاضي، وهنا لا يخضع المرء لدعوى بل يحصل على غفران الخطايا.. فلنطبق إذن على أنفسنا طب التوبة الخلاصي، ولنقبل من الله التوبة التي تشفينا. إذ لسنا نحن من يقربونها له، بل هو يمنحنا إياها”.
التوبة في قول القديس مكاريوس الكبير (300- 390)
“كما أنَّ الماءَ إذا تُسلَّطُ على النَّارِ تُطْفِؤها وتغسِلُ كُلَّ ما أكلَتْه، كذلِكَ أيضًا التوبة التي وَهَبَها الرَّبُّ بيسوعَ تَغْسِلُ جميعَ الخطايا والأوجاع والشَّهوات التي للنَّفْسِ والجسَدِ مَعًا”.
التوبة والطوباويّ غيريك ديغني (حوالى 1080 – 1157)، راهب سِستِرسيانيّ
العظة الأولى عن يوحنّا المعمدان
«فَقَد جاءَكُم يوحَنَّا سالِكًا طريقَ البِرّ… فكانَ السِّراجَ المُوقَدَ المُنير(يو 5: 35)»
يبعث هذا السراج الذي ينير العالم فرحًا جديدًا في نفسي، فقد عرفت بفضله “النور الذي يشرق في الظلمات ولم تدركه الظلمات (يو 1: 5). يمكننا أن نُعجب بك، يا يوحنّا، أنتَ يا أكبر القدّيسين؛ ولكن من المستحيل أن نقتدي بقداستك. بما أنّك تسرع في تهيئة شعب مثالي للربّ، شعب يضمّ جباة الضرائب والخطأة، فمن الضروري أن تتوجّه إليهم عبر طريقة يمكنكم فهمها، لا عبر حياتك. اقترح عليهم نموذج كمال غير مرتكز على نمط حياتك، بل متكيّف مع الضعف البشري.
“فأثمروا إذًا ثمرًا يدلّ على توبتكم” (مت 3: 8). أمّا نحن يا إخوتي، فإنّنا نمجّد أنفسنا بالكلام أكثر منه بالعمل. أمّا يوحنا الذي عاش حياة أروع ممّا يمكن أن يفهمه البشر، فقد عدّل لغته لتتناسب مع ذكائهم وقال: “اثمروا ثمرًا يدلّ على توبتكم!”، ها أنا أكلّمكم حسب طريقة البشر بسبب ضعف الجسد. إن كنتم ما تزالون عاجزين عن فعل الخير بالملء، فليكن في داخلكم على الأقلّ توبة حقيقية عن الشرّ. إن كنتم ما تزالون عاجزين عن إنتاج ثمار العدالة المثاليّة، فليكن كمالكم الآن مقتصرًا على إنتاج ثمار التوبة.
التوبة والطّوباويّ بولس السادس، بابا روما من 1963 إلى 1978
القانون الرّسوليّ Paenitemini عن الصّوم والقطاعة
ملح التّوبة
على كلّ مسيحي أن يتبع المعلّم من خلال التخلّي عن ذاته وحمل صليبه والمشاركة في آلام الرَّبِّ يسوعَ المسيح (راجع متى 16: 24). هكذا، عندما يتجلّى في صورة موته، يصبح قادرًا أن يتأمّل في مجد قيامته. سيتبع المعلّم أيضًا، لا مِن خلال العيش في سبيل نفسه، إنّما في سبيل الذي أحبّه وبذل نفسه لأجله، وكذلك من أجل إخوته، متمّمًا ” في جسده (أي) ما نقص من شدائد المسيح في سبيل جسده الذي هو الكنيسة” (راجع غلاطية 2: 20؛ كول1: 24).
بالإضافة إلى ذلك، إنَّ توبة كلّ مسيحي لها أيضًا علاقة وثيقة وخاصّة بكلّ جماعة الكنيسة، كون الكنيسة مرتبطة بطريقة وثيقة بالرَّبِّ يسوع لمسيح. في الواقع، لا يتلقّى المسيحي نعمة الندامة الأساسيّة، أي التغيير وتجدّد الإنسان بأكمله، في قلب الكنيسة فقط، إنَّما من خلال المعموديّة؛ لكنّ هذه النعمة تتجدّد وتتعزّز من خلال سرّ التوبة لدى أعضاء جسد المسيح الذين وقعوا في الخطيئة. “إن الذين يتقرّبون من سرّ التوبة، ينالون فيه من خلال رحمة الله، غفران الخطيئة التي خطئوا بها إليه، وفي الوقت عينه، يتصالحون مع الكنيسة التي جرحتها خطئيتهم، والتي بالمحبة، والمثال، والصلوات تعمل على اهتدائهم” (المجمع الفاتيكاني الثاني: نور الأمم Lumen Gentium 11). في الكنيسة أخيرًا من خلال هذا السرّ، يشارك عمل التوبة المتواضع المفروض على كلّ تائب، وبطريقة متميّزة، في كفارة الرَّبِّ يسوعَ المسيح اللامتناهية.
التوبة والقدّيس رومانُس المرنِّم (؟ – نحو 560)، مؤلِّف أناشيد
نشيد بعنوان “نينوى”، § 4-17
«لأَنَّهم تابوا بِإِنذارِ يُونان، وههُنا أَعظَمُ مِن يُونان»
لنتأمل فيما حدث لسكان نينوى… لنسمع ما فعلوا. بعد الإعلان المخيف الذي أطلقه يونان أمام هذا الشعب الجشع والسكّير… أسرع السكان كعمّال ماهرين الى وضع أسس صلبة لمدينتهم، هذه الأسس الّتي كانت قد زعزعتها أعمالهم الشريرة، فكان الأساس المتين الذي ٱختاروه هو… التوبة.
بعد أن غسلوا دناسة مدينتهم بفيضٍ من الدموع، زيّنوها بصلاتهم، فنالت نينوى التّائبة رضى الرّبِّ الرَّحوم. لأنَّها وهبت جمال قلبها لِمَن هو “فاحِص القُلوبِ والكُلى” (مز 7: 10)… لقد رجعت نينوى إلى مَن يُحِبَّها، مُبلّلة بزيت الأعمال الحسنة، ومُعطّرة برائحة الصوم… فٱحتضن توبتها.
إنّ مَلِكها، رجل حكيم…، فقد أحضر الحيوانات والقطعان كمن يبغي تقدمتها كمهر، وهو يقول: “أقَدِّمُ لكَ كلَّ شيء، يا إلهي ومخلِّصي: صالِح فقط وأحِلَّ رضاك على التي زنت، على التي خانت… طهارتك: لأنَّها الآن بملءِ حبِّها، تقدِّمُ لكَ كهديّة توبتها…
“إذا كنتُ، أنا الملك ذا سلطان، قد خطئت، فٱضربني لوحدي وأشفق على الآخرين. أمّا إذا كنّا قد سقطنا كلّنا، فٱسمع صوت الجميع… وليحِلَّ عونَكَ علينا فيضمحلّ كلَّ خوف. لم يعد يخيفنا شيء إذا قبلت ما سنقدِّمُه، أي توبتنا”.
“إنّ نينوى، المتمردة، ترتمي تحت قدميكَ، وأنا، الملك الحقير وخادمك الحقير، بما أنِّي لم أعد أستحقّ العرش سأجلس على الرماد (راجع يو 3: 6) ولأني شتمت التاج فسأرشّ الرّماد على رأسي. وبما أنّي لا أستحق الأرجوان فقد ٱرتديت مِسحًا ورفعت صراخ النّدب. فلا تحتقرني إذًا بل ألقِ نظرك علينا، يا مخلّصي. وٱقبل توبتنا”…
“يا ٱبن الله الأوحد، أنتَ مَن يفعل ما يريده محبِّيك. إِحمهم برحمتِكَ… كما رحمت أهل نينوى في الماضي، إِرفع اليوم الحكم عمَّن ينشدون إِجلالاً لكَ. وهبني الغُفران مكافأة لاعترافي… ليس لدي أعمال تليق بمجدِكَ، يا مخلِّصي. فخلّصني أقلّه من أجلِ كلماتِ ندامتي، أنتَ مَن يَحِلُّ التوبَة”.
التوبة والمغفِرة في قول القديسِ كيرلُّس الأورشليميّ الأسقف ومعلم الكنيسة
(315-386)
“اللهُ يُحِبُّ البَشَر، إلى حَدٍّ ليسَ بالقليل. لا تقُل إذًا: إِنِّي ٱرتكَبْتُ الدَّعارةَ والزِّنى، وٱقترَفتُ آثامًا كبيرةً بَدَلَ المرَّةِ مرَّاتٍ عديدة، فهل يغْفِرُ لي وينسى ذُنوبي؟ إسمَعْ ما يقولُه صاحِبُ المزامير: “ما أَعظَمَ جودتَكَ الَّتي ٱدخَرْتَها للمُتَّقينَ لكَ (مزمور 30: 20). إِنَّ عددَ خطاياكَ المُتراكِمة لا يُمكِنُ أَنْ تطغى على رَحمَةِ الله. وجِراحَكَ لا يُمكِنُ أَنْ تعلو خبرَةَ الطبيبِ الأعلى”. (عظة 2، 6، ص 27).
(القديس كيرلس الأورشليمي الأُسقُف ومعلِّمُ الكنيسة 315- 386)
(أشعيا 1: 18-19)
(ميخا 7: 18-19)
المصالحة المسامحة الغفران القديسة الأم تريزا من كلكتا (1910 – 1997)، مؤسِّسة الأخوات مرسلات المحبّة
ما مِن حُبٍّ أعظم
سرّ المصالحة: «أَلحَقَّ أَقولُ لَكُم: ما رَبطتُم في ٱلأَرضِ رُبِطَ في ٱلسَّماء، وَما حَلَلتُم في ٱلأَرضِ حُلَّ في ٱلسَّماء»
في يوم من الأيّام، توجّه إليّ صحافي بسؤال غريب: “هل تعترفين؟ فأجبته: “نعم، أعترف كلّ أسبوع”. لكنّه أردف قائلاً: “إن كان عليك الاعتراف، فهذا يعني أنّ الله أكثر من متشدّد”.
عندها، قلت له: “قد يُخطِئ ابنك. ماذا يحصل عندما يقول لك: ‘أنا آسف، يا أبي!” ماذا تفعل؟ تأخذ ابنك في أحضانك وتقبّله. لماذا؟ إنّها طريقتك لتعبّر له عن حبِّكَ. الله يفعل الشيء نفسه. فهو يحبَّك بحنان”. إن خطئنا أو إن ٱرتكبنا أيّ خطأ، فليساعدنا ذلك لنتقرّب من الله. لنقل له بتواضع: “أعرف أنّه ما كان يفترض بي أن أتصرَّف بهذه الطريقة، لكنّني أقدِّمُ لك هذا السّقوط”.
إذا خطئنا أو إن ٱرتكبنا أيّ خطأ، فلنذهب إليه ولنقل له: “أنا نادم، أنا تائب”. الله هو أبٌ رحوم. رحمَتُه أكبر من خطايانا. وسوف يسامِحُنا.
هو سِرُّ مصالحتنا من رسائل القديس لاون الكبير البابا (461†)
(الرسالة 28 الى فلافيانس 3- 4 : PL 54، 763-767)
هو سِرُّ مصالحتنا
تنازلَ الجلالُ فظهرَ في تواضعِنا، والقَويُّ أخذَ ضعفَنا، والخالدُ أخذَ طبيعتَنا المائتة. ولكي يُؤَدَّى الثمنُ المفروضُ على طبيعتِنا الخاطئة، اتَّحدَتِ الطبيعةُ التي لا يمَسُّها تبديلٌ أو ضَعفٌ بطبيعتِنا الخاضعةِ للآلام. وقدَّمَ العلاجَ المناسبَ لنا، وهو الوسيطُ الوحيدُ بينَ اللهِ والناس، الإنسانُ يسوعُ المسيحُ نفسُه (1طيم 2: 4)-5)، الذي من حيثُ إنَّه إنسانٌ استطاعَ أن يموت، ومن حيثُ إنَّه إلهٌ لم يكُن للموتِ عليه من سلطان (رومة 6: 9).
إلهٌ حقٌّ وإنسانٌ حقٌّ، وُلِدَ وٱتخذَ طبيعةَ الإنسانِ بتمامِها وكمالِها. كاملٌ فيما هو لله وكاملٌ فيما هو لنا. وما هو لنا هو طبيعتُنا البشريَّةُ التي منحَنا إيّاها الخالقُ منذ البدء، والتي تعهّدَ بإصلاحِها.
كلُّ ما أحدثَه فيها إبليسُ المخادِع، وكلُّ ما قَبِلَ الإنسانُ المخدوعُ في ذاتِه، لم يَكُنْ له أثَرٌ في المخلِّص. وهو لمَّا شاركَنا في ضَعفِنا البشريِّ، لم يُصبِحْ بذلك شريكًا في آثامِنا (2قور 5: 21)، (عبرانيين 4: 15)، (1بطرس 2: 22)
ٱتخذَ صورةَ العبد (فيلبي 2: 7)، ولم يتَّخِذْ وصمةَ الخطيئة: رَفَعَ الإنسانَ ولم يَحُطَّ من قَدَرِ الله. لأنَّ ذاك التفانِيَ الذي غدا به غيرُ المنظورِ منظورًا، والذي به أرادَ الخالِقُ وسيِّدُ كلِّ الخليقةِ أن يكونَ واحدًا مِنَّا نحن الخاضعين للموت، كان تنازُلَ رحمةٍ لا عجزٍ من حيث القدرة. ومن ثَمَّ، الذي خلقَ الإنسانَ وهو في صورةِ الله، هو نفسُه صار إنسانًا في صورةِ العبد (فيلبي 2: 7).
دخلَ إذًا ابنُ الله في ضَعَةِ هذا العالم، منحدِرًا مِن عرشِه السماويِّ، من غيرِ أن ينقطعَ عن مجدِ الآب، حين وُلِدَ بحسَبِ نظامٍ جديد وولادةٍ جديدة.
نقول “نظامٌ جديد”، لأنّه أصبحَ غيرَ منظورٍ من حيث إنَّه إله، ومنظورًا من حيثُ إنَّه إنسان. لا يُدرِكُه العقل، وتُدرِكُه العيون. قديمٌ قبلَ الزَّمن، وصارَ له بدايةٌ في الزَّمن. سيِّدُ الكلِّ، وٱتخذَ صورةَ العبد، وحَجَبَ عن الأنظارِ عظمةَ جلالِه. إلهٌ فوقَ كُلِّ ألم، ولم يأنَفْ أن يكونَ إنسانًا قابلاً للألم. ومعَ كونِه خالدًا خضعَ لشريعةِ الموت.
إلهٌ حقٌّ وإنسانٌ حقٌّ، ولا ٱنتقاصَ في هذه الوَحدة، لأنَّهما متماسكان معًا، أي تواضعُ الإنسانِ ورفعةُ اللاهوت.
فكما أنَّ الرَّحمَةَ في الله لا تُحِدثُ تبديلاً في طبيعتِه الإلهيَّةِ، كذلك كرامةُ اللاهوتِ في الإنسانِ لا تُذِيبُ طبيعتَه البشريَّةَ. يَعملُ بحسَبِ كلِّ طبيعة، مع مشاركةِ الطَّبيعةِ الأُخرى في ما هو خاصُّ بكلٍّ منهما: يعملُ الكلمةُ بحسَبِ ما يناسبُ الكلمة، ويعملُ الجسدُ بحسَبِ ما يناسبُ الجسد.
تسطعُ إحداهما بالآيات، وتُثقَلُ الأُخرى بالإهانات. وكما أنَّ الكلمةَ لم يَكُفَّ عن أن يكونَ مساويًا للآب، كذلك لا يتوقّفُ لحظةً عن أن يكونَ إنسانًا بكاملِ طبيعةِ جنسِنا البشريِّ.
والقولُ الذي يجبُ أن يُقالَ دائمًا هو هو نفسُه، وهو قولٌ واحد: إنَّه ٱبنُ اللهِ حقًّا وٱبنُ الإنسانِ حقًّا. اللهُ من حيث إنَّ الكلمةَ كانَ منذُ البدء، والكلمةُ كانَ لدى الله، والكلمةُ كانَ الله. وإنسانٌ من حيثُ إنَّ الكلمةَ صارَ بشرًا وسكنَ بينَنا (يوحنا 1: 1 و14).
“الوَقتُ الحاضِرُ هو وَقتُ الإِعترافِ. إِعترِفْ بما ٱرتكبْتَ مِن خَطيئةٍ بالقَولِ أَوِ العَمَلِ في الليلِ أَو في النَّهار. إِعتَرِفْ في الوَقتِ المَقبولِ هذا، وفي يومِ الخلاصِ تَنَلْ الكَنزَ السَّماوِيَّ. (2 قور 5: 6)
(القديسِ كيرلُّس الأورشليميّ الأسقف ومعلم الكنيسة 315-386)
“طَهِّرْ إِناءَكَ لِيَتَّسِعَ لِنِعمَةٍ أَوفَرَ. فَمَغْفِرَةُ الخَطايا تُعطَى للجَميعِ بالتَّساوي. وأَمَّا شَرِكةُ الرُّوحِ القُدُسِ فتُمنَحُ بِحَسَبِ كَفاءةِ كُلِّ واحِدٍ وإِيمانِهِ. إِنْ كانَ سَعيُكَ قَليلاً كانَ كَسْبُكَ قليلاً، وإِنْ عَمِلْتَ كَثيرًا كانَ أَجرُكَ كَبيرًا. إِنَّما سَعيُكَ لِنَفْسِك، فٱنْظُرْ لِنَفْسِكَ ما يُناسِبُها”.
(القديسِ كيرلُّس الأورشليميّ الأسقف ومعلم الكنيسة 315-386)
“إِنْ كانَ لَكَ شَيءٌ على أَحَدٍ فٱغْفِرْ له (مرقس 11: 25). وبعدَ ذلِكَ تَقَدَّمْ لِتَنالَ مَغْفِرَةَ خَطاياك. فَمِنَ الضَّروريِّ أَنْ تَغْفِرَ أَنتَ أَيضًا لِمَنْ خَطِئَ إِليكَ”.
(القديسِ كيرلُّس الأورشليميّ الأسقف ومعلم الكنيسة 315-386)
“مَن كَتَمَ مَعَاصِيَهُ لَم يَنجَحْ، وَمَن ٱعتَرَفَ بِهَا وَأقلَعَ عَنهَا يُرحَم”. (أمثال 28: 13)
“إذَا ٱعتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا، فَإنَّ اللهَ أَمينٌ بَارٌّ يَغفِرُ لَنَا خَطَايَانَا”. (1 يوحنا 1: 9)
المغفرة والقدّيس قيصاريوس (٤٧٠ – ٥٤٣)، راهب وأسقف آرل
العظة 35
اغفر لأخيك من صميم قلبك
أنتم تعرفون إننا نطلب من لله المغفرة قبل الاتحاد به من خلال المناولة حين نصلّي: “اغفر لنا خطايانا كما نحن نغفر لمَن خطئ إلينا”. تحضّروا من الداخل للمغفرة، لأنّكم ستجدون هذه الكلمات في الصلاة. كيف ستقولون هذه الكلمات؟ أتراكم لن تقولوها؟ في النهاية، هذا هو السؤال: “هل ستقولون هذه الكلمات، نعم أم لا؟ أنت تبغض أخاك وتقول: “اغفر لنا كما نحن نغفر؟” قد تقول إنّك تتفادى هذه الكلمات. ولكن في هذه الحال، هل أنت تصلّي؟ انتبهوا جيّدًا يا إخوتي. فبعد قليل، ستصلّون: فاغفروا إذًا من صميم قلبكم!
أُنظر إلى الرّب يسوع المسيح المعلّق على الصليب؛ أصغِ إليه وهو يصلي: “يا أَبَتِ اغفِرْ لَهم، لِأَنَّهُم لا يَعلَمونَ ما يَفعَلون” (لو 23: 34). ستقول بلا شكّ: هو قادر على القيام بذلك، ولكن ليس أنا. أنا إنسان، وهو الله. ألا يمكنك أن تقتدي بالرّب يسوع المسيح؟ لِمَ كتب إذًا بطرس الرّسول: “فقَد تأَلَّمَ المسيحُ أَيضًا مِن أَجلِكم وترَكَ لَكم مِثالاً لِتقتَفوا آثارَه” (1بط 2: 21)؟ ولِمَ كتب لنا الرسول بولس: “اِقتَدوا إِذًا بِاللهِ شأنَ أَبْناءٍ أَحِبَّاء” (أف 5: 1). لِمَ قال الربّ نفسه: “تَتَلمَذوا لي فإِنِّي وَديعٌ مُتواضِعُ القَلْب” (مت 11: 29)؟ نحن نوارب، ونختلق الأعذار، حين ندّعي أنّ ما لا نودّ القيام به مستحيل… يا إخوتي، لا نتّهمنّ الرّب يسوع المسيح بأنّه أعطانا وصايا صعبة للغاية، ويستحيل تحقيقها. لنقل له بكلّ تواضع مع صاحب المزامير: “بَارٌّ أَنتَ يا رَبُّ ومُستَقيمٌ في أَحْكامِكَ” (مز 119[118]: 137).
سر المصالحة والقديسة تريزا الكالكوتيّة (1910 – 1997)، مؤسِّسة الأخوات مرسلات المحبّة
ما من حبٍّ أعظم
سرُّ المُصالحَة: «فَما رَبَطتَهُ في ٱلأَرضِ رُبِطَ في ٱلسَّمَوات. وَما حَلَلتَهُ في ٱلأَرضِ حُلَّ في ٱلسَّمَوات»
يُعتبَرُ الاعتراف فعلاً رائعًا ينبعُ من حبٍّ عظيم. فهو المكان الوحيد الذي يمكنُنا الذهاب إليه كخطأة حاملين خطايانا، وهو المكان الوحيد الذي نخرجُ منه بعد أن ننالَ الغفرانَ ونغتسلَ من خطايانا. وليسَ الاعترافُ سوى التعبيرَ الصادقَ عن فعلِ التواضع. في السابق، كنّا نطلق على الاعتراف اسم التوبة إلاّ أنّهُ في الواقع سرّ المحبّة وسرّ الغفران. عندما تحدث فجوةٌ تفصلني عن الرّب يسوع المسيح، وعندما تتصدّع محبّتي، يمكن لأيّ أمرٍ أن يملأ هذه الفجوة. لذلك، فإنَّ الاعترافَ هو تلك اللحظة التي أسمحُ فيها للرّب يسوع المسيح بأن ينزعَ منّي كلّ ما يسبّب الانقسام والدمار. لا بدّ من أن أعيَ أوّلاً حقيقةَ خطاياي. بالنسبةِ إلى معظمِنا، يداهمُنا خطرُ أن ننسى طبيعتنا الخاطئة وأنّه علينا الاعتراف لأنّنا خطأة. يجب علينا أن نتوجّهَ إلى الله الآب لنعبّرَ له عن مدى ندمنا عن كلّ ما ٱرتكبناه من خطايا جرحتْهُ. ليسَ كرسيّ الاعترافِ مكانًا لتبادل الحوارات التافهة أو للثرثرة، بل هو المكانُ الذي يكمنُ فيه أمرٌ واحدٌ، ألا وهو خطاياي وتوبتي والغفران الذي أنالُه، وكيفيّة التغلّب على التجاربِ وممارسةِ الفضيلة والنموّ في محبّةِ الله.
أهمية الإعتراف والقدّيس قيصاريوس (٤٧٠ – ٥٤٣)، راهب وأسقف آرل
عظات للشعب، العظة 59
«ما رَبطتُم في ٱلأَرضِ رُبِطَ في ٱلسَّماء، وَما حَلَلتُم في ٱلأَرضِ حُلَّ في ٱلسَّماء»
من أجل صالحنا وخلاصنا، تُنذِرنا الكتب المقدّسة كلّها بضرورة الاعتراف بخطايانا، بٱستمرار وتواضع، ليس أمام الله وحسب، بل أيضًا أمام رجل قدّيس يخاف الله. هكذا، نصحنا الرُّوح القدس على لسان الرسول يعقوب بالتالي: “فلْيَعتَرِفْ بَعضُكم لِبَعضٍ بِخَطاياه، ولْيُصَلِّ بَعضُكم لِبَعضٍ كَي تُشفَوا” (يع 5: 16)، كما أنّ صاحب المزامير قال: “أَبَحتُكَ خَطيئَتي وما كَتَمت إِثْمي قُلتُ: أَعْتَرِفُ لِلرَّبِّ بِمَعاصِيَّ وأنتَ رَفَعتَ وِزْرَ خطيئَتي” (مز32[31]: 5).
إنّ خطايانا تجرحنا على الدوام؛ وبالطريقة نفسها، يجدر بنا أن نلجأ دائمًا إلى علاج الاعتراف. في الواقع، إن كان الله يرغب في أن نعترف بخطايانا، ليس لأنّه شخصيًّا لا يعرفها، بل لأنّ الشرّير يودّ أن يجد ما يتّهمنا به أمام محكمة الديّان الأبديّ؛ لهذا السبب، يريدنا أن نفكّر بالأحرى في إيجاد عذر لها بدل أن نتحمّل وزرها. غير أنّ إلهنا، لأنّه صالح ورحوم، يريد منّا أن نعترف بها في هذا العالم لئلاّ تشكّل حجر عثرة لنا في العالم الآخر. فإن ٱعترفنا بها، يكون هو رحومًا غفورًا؛ وإذا بحنا بها، يغفر لنا… ونحن يا إخوتي، نحن فعلاً أطبّاء روحكم؛ نسعى جاهدين كي نشفي روحكم.
أَهَمِّيَّةُ الإِعترافِ في أَقوالِ القديسِ أمبروزيوس (339- 397)
“إِعتَرِفْ للرَّبِّ الَّذي يَغْفِرُ لَكَ خَطاياكَ. لا تَتَرَدَّدْ في أَنْ تَرُدَّ إِليهِ مالَكَ (أُترُكْ كُلَّ شَيء) لأَنَّه هو أَيضًا وَهَبَكَ ما له… تَأَمَّلْ مَحَبَّةَ اللهِ الَّتي وَهَبَتِ الإِنسانَ السُّلطانَ ليَأْخُذَ الحياة”.
توبوا إلى الله من رسالة القديس كليمنضوس الأول البابا، عاش في الفترة (30- 102) إلى أهل قورنتوس
(الفصل 7، 4-8، 3؛ 8، 5-9،1؛ 13،1-4؛ 19،2: Funk 1، 71- 73 و77- 78 و87)
توبوا إلى الله
لِنُحدِّقْ بنظرِنا في دمِ المسيح، وَلْنَعرِفْ كم هو ثمينٌ في نظرِ اللهِ الآب. وقد أراقَه من أجلِ خلاصِنا فنالَ للعالمِ أجمعَ نعمةَ التَّوبَة.
لِنَنظُرْ إلى جميعِ العصورِ، فنرى أنَّ اللهَ منحَ فُرصةً للتَّوبَةِ في كلِّ جيلٍ وزمانٍ لكلِّ مَن أرادَ أن يتوبَ إليه. كانَ نوحُ أوّلَ نذيرٍ للتوبة، فخَلُصَ مَن سَمِعَ له. وتَنَبَّأَ يونانُ بدمارِ نينوى. ولكنَّ أهلَ نينوى تابوا عن خطاياهم وأرضَوْا اللهَ بصلواتهِم، فنالوا الخلاص، مع أَنَّهُم غُرباءُ عن الله.
تَكلَّمَ جَميعُ خدَّامِ اللهِ بإلهامِ الرُّوحِ القُدُسِ عن التَّوبَة. وتَكلَّمَ ربُّ الكائِناتِ كُلِّها بِقَسَمٍ عَنِ التَّوبَةِ قال: “حَيٌّ أنَا يَقُولُ الرَّبُّ، لَيسَ هَوَايَ أن يَمُوتَ الشِّرِّيرُ، بَل أن يَرجِعَ عَن طَرِيقِهِ فَيَحيَا” (حزقيال 18: 23، 32، 33: 11). ثُمَّ أضافَ كلامًا كُلُّه رأفةٌ قال: “عُدْ يا إسرائيلُ عن عَثرَتِكَ. قُلْ لبني شعبي: لو ٱرتفعَتْ خطاياكم من الأرضِ إلى السَّماء، وكانَتْ حَمراءَ كالقِرمِزّ، وأكثرَ سَوادًا مِنَ المُسوح، ثُمَّ عُدْتم إِلَّي وقُلْتم مِن كُلِّ قَلبِكُم: يا أبتاه، لاستَجَبْتُ لكم وعامَلْتُكم مِثلَ شَعبي المُقَدَّس” (هوشع 14: 2؛ أشعيا 1: 18، مزمور 103: 8-12، حكمة 11: 24-25، 27).
أَرادَ اللهُ أَن يَكونَ جَميعُ أَحِبَّائِه مُشارِكِين في التَّوبَة، فأيَّدَ كلامَه بِمَشيئتِه القَديرَة. ولهذا فَلْنُصغِ إلى مشيئتِه العَلِيّةِ والمَجيدة، وَلْنَبتهِلْ ضارعِين إلى رحمتِه ورأفتِه، وَلْنَعُدْ إِلى مَراحِمِه ولْنَتُبْ إليه، نابذِين عنّا الأعمالَ الباطِلَةَ والخُصومةَ والحَسَد، وكُلُّها أعمالٌ تَقودُ إلى المَوت.
ولْنَتواضَعْ في روحِنا، أيُّها الإِخوة، طارحِين جانِبًا كلَّ عجرفةٍ وكبرياءٍ وحماقةٍ وغضَبٍ، وَلْنَعمَلْ بحسبِ ما كُتِب: “لا يفتخرَنَّ الحكيمُ بحكمتِه، ولا القَوِيُّ بِقُوَّتِه، ولا الغنيُّ بغناه، بل مَن يَفتَخِرُ فَلْيَفتَخِرْ بالرَّبّ، جادًّا في طلبِه وفي عملِ البِرِّ والعدل” (إرميا 9: 23- 24؛ 1قورنتس1: 31 وتابع). ولْنَتذكَّرْ كلامَ سيّدِنا يسوعَ المَسيحِ الَّذي عَلَّمَنا الحِلمَ وطولَ الأناة.
فقد قال: “إِرحموا تُرحَموا. إِغفِرُوا يُغفَرْ لكم. وبقدرِ ما تُعطُون يُعطَى لكم. وكما تَدِينون تُدانون. وإذا عامَلْتُم النَّاسَ بالحِلمِ عاملوكم بالحِلم؛ وبالكيلِ الَّذي تَكِيلون به يُكالُ لكم” (متى 5: 7؛ 6: 14؛ 7: 1 و2 و12 وتابع).
لِنَثبُتْ على هذه الوصايا والتَّعاليمِ فنسيرَ دائِمًا بِكُلِّ تواضعٍ في الطَّاعَةِ لكلامِه المُقَدَّسِ. يقولُ الرَّبّ: “إلَى هَذَا أنظُرُ، إلَى المِسكِيِن المُنسَحِقِ الرُّوحِ، المُرتَعِدِ مِن كَلِمَتِي” (أشعيا 66: 2).
بعد أن ٱختبَرْنا آياتِ اللهِ العديدةَ والجليلة، لِنعُدْ إلى غَايَةِ السَّلامِ التي تسلَّمْناها منذ البداية، ولْنُحدِّقْ بنظرِنا في المسيحِ يسوع خالقِ الكونِ وأبيه، ولْنَتمسَّكْ بِثَباتٍ بِمواهِبِ السَّلامِ العَظيمَةِ والسَّنِيَّةِ وبِكُلِّ إِحساناتِه علينا (عبرانيين 12: 2-3).
صالَح المَسيحُ العالَمَ مَعَ اللهِ بِدَمِهِ القديس أمبروزيوس الأسقف في المزامير
(مزمور 48، 14-15: CSEL 64، 368-370)
صالَح المَسيحُ العالَمَ مَعَ اللهِ بِدَمِهِ
المسيحُ الذي صالحَ العالمَ مع الله، لم يكُنْ هو نَفْسُه بحاجةٍ إلى المُصالحة. فعَن أَيَّةِ خَطيئةٍ يُكفِّرُ هو الذي لم يعرِفِ الخطيئة؟ (عبرانيين 5: 14)، (2قور 5: 21). لمّا طَلَبَ اليهودُ منه دِرهمَيْن، فريضةَ الشَّريعةِ على الخَطيئة، قالَ لبُطرس: “مَا رَأيُكَ، يَا سِمعَانُ؟ مِمَّن يَأخُذُ مُلُوكُ الأرضِ الخَرَاجَ أو الحِزيَةَ؟ أمِن بَنِيهِم أم مِن الغُرَبَاءِ؟ فَقَالَ: مِنَ الغُرَبَاءِ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: فَالبَنُونَ مُعفَوْنَ إذًا. وَلَكِنْ لا أُريدُ أن نَكُونَ لَهُم حَجَرَ عَثرَةٍ، فَٱذهَبْ إلَى البَحرِ وَألقِ الشِّصَّ، وأَمسِكْ أوَّلَ سَمَكَةٍ تَخرُجُ، وٱفتَحْ فَاهَا تَجِدْ فِيهِ إستَارًا، فَخُذْهُ وَأدِّهُ لَهُم عَنِّي وعَنكَ” (متى 17: 25- 27).
فهو يُبَيِّنُ أنّه يَجِبُ أَلاَّ يَدفَعَ عن نَفْسِه فريضةَ الخَطايا. لأَنَّه لم يَكُنْ عَبدًا للخَطيئة، فهو ٱبنُ الله البعيدُ عن كُلِّ خَطيئةٍ وضَلال. الإِبنُ هو الَّذي يُحَرِّرُ، والعَبدُ هو الَّذي يَرزَحُ في الخَطيئة. الإِبنُ هو الإِنسانُ الحُرُّ بينَ جميعِ النَّاسِ، والَّذي ليسَ بحاجةٍ لأن يُعطِيَ أيَّ ثمنٍ فداءً عن نَفْسِه (رومة 3: 25). بل ثَمَنُ دَمِه كافٍ لِيَفِيَض ويَفدِيَ جميعَ خَطايا العالم. ولهذا فَدى الآخَرينَ هو الَّذي لم يكن بحاجةٍ إلى فِداءِ.
وأقولُ أَكثَرَ مِن ذلِك. ليس فقط يسوعُ المسيحُ غيرَ مُلزَمٍ بتَقديمِ أيِّ ثَمَنٍ فِداءً عن نَفْسِه أَو أَيَّةِ كَفَّارةٍ عن خَطيئة، بل يَنطَبِقُ ذلِكَ على كُلِّ إِنسان. فليسَ على النَّاسِ أَيضًا أَن يُقَدِّموا كَفَّارةً عَن خَطاياهم: لأَنَّ المَسيحَ هو الكفّارةُ عن الجَميعِ، وهو فداءُ الجَميع (رومة 3: 25)، (عبرانيين 9: 28).
وأَيُّ إِنسانٍ يُمكِنُ أَنْ يَكونَ دَمُه قادِرًا على فِدائِه، بعدَ أَن أَراقَ المَسيحُ دَمَه مِن أَجلِ فِداءِ الجَميع؟ وهل مِن مقارنةٍ بين دَمِ المَسيحِ ودَمِ أَيِّ إِنسان؟ بل هل يوجدُ إِنسانٌ يَقدِرُ أَنْ يُقَدِّمَ كَفَّارَةً عَن خَطاياه بَعدَ الكَفَّارةِ الَّتي بِها قَدَّمَ المَسيحُ نَفْسَه، وهو وحدَه الَّذي صالحَ العالَمَ مع اللهِ بِدَمِه؟ أَيُّ قُربانٍ أَسمى، (عبرانيين 9: 11- 14) وأَيَّةُ ذَبيحَةٍ أَعظَمُ (عبرانيين 10: 4، 11)، وأَيُّ شَفيعٍ أَفضَلُ مِنَ الَّذي جَعَلَ نَفْسَه ٱبتِهالاً وصَلاةً مِن أَجلِ خَطايا الجَميع، وبَذَلَ نَفْسَه مِن أَجلِ فِدائِنا؟ (عبرانيين 5: 7-10).
فليس المَطلوبُ إِذًا كَفَّارَةً أَو فِداءً مِن قِبَلِ الأَفراد، لأَنَّ دَمَ المَسيحِ هو الثَّمَنُ المؤدَّى عَنِ الجَميع، بِهِ فَدانا الرَّبُّ يَسوعُ، وهو وَحدَه صالَحَ الآب. وقَد تَأَلَّمَ إِلى أَقصى حُدودِ الأَلمِ، بَعدَ أَنْ أَخَذَ عليه عاهاتِنا، هو الَّذي قال: “تَعَالَوا إِلَيَّ، أَيُّها المُرهَقُونَ المُثقَلُونَ، وَأنَا أريحُكُم” (متى 11: 28).
ضرورة التوبة المستمرة والقدّيس بِرنَاردُس (1091 – 1153)، راهب سِستِرسيانيّ وملفان الكنيسة
العظة الثانية لليوم الأوّل من الصوم
«إِرجعوا إِلَيَّ بكُلِّ قُلوبِكم» (يوء 2: 12)
قال الربّ: “إِرجعوا إِلَيَّ بكُلِّ قُلوبِكم”. أيّها الإخوة، لو قال: “إِرجعوا إِلَيَّ” ولم يضف شيئًا، لكان من الممكن أن نجيبه: لك ذلك، ولك أن تملي علينا أشياء أخرى. لكن، إن فهمت جيّدًا، فالرّب قد كلّمنا هنا عن توبة روحيّة لا تتمّ في يوم واحد، بل من الممكن أن تأخذ حياةً بأكملها لكي تتم!.
انتبه إذًا لما تحبّ وما تخشى وما يفرحك ويحزنك، وسترى أحيانًا أنّك، تحت الزيّ الرهباني، ستبقى إنسانًا من هذا العالم. وبالنتيجة، فإنّ القلب هو كلّه في هذه المشاعر الأربعة ومنها كما أعتقد، أنّه يجب الاستماع إلى هذه الكلمات: “إِرجعوا إِلَيَّ بكُلِّ قُلوبِكم”. فليتحوّل حبّك بحيث لا تحبّ سوى الربّ، أو بالأحرى لا تحبّ إلاّ الله. فليتحوّل خوفك إليه أيضًا لأنّ كلّ خوف يجعلنا نخاف من شيء خارجه وليس منه هو سيّئ. فليتحوّل فرحك وحزنك إليه، فلا تحزن ولا تفرح إلاّ به. إن حزنت على خطاياك أو خطايا القريب، فذلك خير ما تفعل، ويكون حزنك شافيًا. وإن فرحت بِهِبات النعمة، فيكون فرحك مقدّسًا وتستطيع أن تتذوّقه بسلام في الرُّوح القدس. يجب أن تفرح بحبّ الرّب يسوع المسيح وبٱزدهار إخوتك، وأن تتعاطف مع أحزانهم، بحسب هذا الكلام: “إِفرَحوا مع الفَرِحين وٱبْكوا مع الباكين” (رو 12: 15).
طُرُقُ التَّوبَةِ الخَمس القديس يوحنا فم الذهب الأسقف
(عظة في إبليس المجرِّب 2،6: PG 49، 263-264)
طُرُقُ التَّوبَةِ الخَمس
أَتُريدونَ أَيضًا أَنْ أَذكُرَ لَكُم طُرُقَ التَّوبَة؟ إِنَّها عَديدةٌ، ومُتَنَوِّعَةٌ ومُختَلِفَة. وكُلُّها تَقودُ إِلى السَّماء:
1) الطَّريقُ الأولى هي الإِعترافُ بالخطايا وٱستنكارُها. “قُلْ أَنتَ أَوَّلاً خطاياكَ لكي تُبَرِّرَ نَفْسَكَ” (أشعيا 43: 25- 26). ولهذا قال النَّبِيُّ: “قُلْتُ أعتَرِفُ لِلرَّبِّ بِمَعَاصِيَّ، وَأنتَ رَفَعْتَ وِزرَ خَطِيئَتِي” (مز 32: 5). فٱعترِفْ أنتَ أيضًا بخطاياك. هذا كافٍ أمامَ الرَّبِّ لِيَغفِرَ لكَ. فمَن يَعترِفْ بِما خَطِئَ لَنْ يَعودَ إلى خطيئتِه بسُهولَة. نَبِّهْ ضَميرَكَ ليكونَ هو المشتكيَ عليكَ الآن، لئلاَّ يَشتَكيَ عليكَ هُناكَ أَمامَ مَحكَمَةِ الرَّبّ (2قور 5: 10).
هذِه إِذًا من أَفضَلِ طُرُقِ التَّوبة. والثَّانِيَةُ لَيسَتْ دونهَا أهميّةً. وهي 2) مَغفِرَةُ خَطايا القَريب، أَي أَلاَّ نَذْكُرَ الإِساءاتِ الَّتي تَلقَّيْناها مِنَ الأَعداء (رومة 12: 19). وأَنْ نُسيطرَ على الغَضب، وأَنْ نَغفِرَ خَطايا إِخوتِنا، فيَغْفِرَ اللهُ لنا خَطايانا الَّتي خَطِئْنا بِها إِليه. هذا نوعٌ آخَرٌ مِنَ التَّكفيرِ عَنِ الخَطايا. قال الرَّبّ: “فَإِنْ تَغفِرُوا لِلنَّاسِ زَلاتِهِم، يَغفِرْ لَكُم أبوكُمُ السَّمَاوِي” (متى 6: 14)، (لوقا 6: 37-38).
هل تُريدُ أَنْ تَتَعَلَّمَ طَريقًا ثالِثَةً للتَّوبَة؟ هي 3) الصَّلاةُ الحارَّةُ والمُتقَنةُ والصَّادِرَةُ مِن صَميمِ القَلب.
وإِذا أَردْتَ أَلاَّ تَجهَلَ الطَّريقَ الرَّابِعَة، فهي 4) الصَّدَقَة. فإِنَّ لها مَفعولاً كَبيرًا ومُثمِرًا (طوبيا 4: 7-11)، (طوبيا 12: 8-9)، (طوبيا 14: 10ب)، (دانيال 4: 22ب)، (يشوع بن سيراخ 3: 30-31).
وأَخيرًا، 5) إِذا تَصَرَّفَ أَحدٌ بِدَعَةٍ وتَواضُعٍ فإِنَّه يَقْتَلِعُ الخَطايا مِن أُصولهِا (ميخا 6: 8)، (أشعيا 57: 5)، (أشعيا 66: 2). وليس التَّواضُعُ أَقَلَّ فَعالِيَةً مِن الطُّرُقِ الَّتي ذَكَرْناها. يَشهَدُ على ذلِكَ العَشَّارُ الَّذي لَمْ يَقدِرْ أَنْ يَذكُرَ بَعضَ الحَسَناتِ لَه، فَقَدَّمَ التَّواضُعَ بَدَلَ كُلِّ شيءٍ، وأَزالَ بِذلِكَ عَن مَنكِبَيْهِ حِمْلَ الخَطايا الثَّقيل (لوقا 19: 1-10).
هذِه هي الطُّرُقُ الخَمسُ للتَّوبَة. أَوَّلاً الإِعتِرافُ بالخَطايا وٱستنكارُها، وثانيًا مَغفِرَةُ خَطايا القَريب، وثالِثًا الصَّلاةُ، ورابِعًا الصَّدَقَةُ، وخامِسًا التَّواضُع.
فلا تَقِفْ مَكتوفَ الأَيدي، بَلْ تَقَدَّمْ كُلَّ يومٍ في هذِه جَميعِها. فهي طُرُقٌ سَهلَة. ولا تَقْدِرُ أَنْ تَتَعَذَّرَ بِفَقْرِكَ. فلو كُنْتَ في حالَةِ عَوَزٍ شَديدٍ، لَنْ يَكونَ عَوَزُكَ أَبدًا مانِعًا يَمنَعُكَ مِن تَهدِئَةِ غَضَبِكَ، ومُمارَسَةِ التَّواضُعِ، والصَّلاةِ بٱستمرار، والإِعتِرافِ بِخَطاياكَ وٱستِنكارِها. ماذا أَقولُ؟ حتَّى في طَريقِ التَّوبَةِ الَّتي تَقتَضي تَوزيعَ المالِ (أي الصَّدَقَة)، حتَّى هُنا فإِنَّ الفَقْرَ لَنْ يَكونَ مانِعًا دونَ العَمَلِ بهذِه الوَصِيَّة. هذا ما بَيَّنَتْه الأَرمَلَةُ الَّتي قَدَّمَتْ الفَلسَيْن (مرقس 12: 41-44)، (لوقا 21: 1-4).
فإِذا تَعَلَّمْنا الطَّريقَةَ لِمُعالَجَةِ جِراحِنا، يَجِبُ أَنْ نَأْخُذَ بِها ونَتَناوَلَ الدَّواء. فَنَسْتَرِدَّ عافِيَتَنا الحَقيقِيَّةَ، ونَجْلِسَ بِثِقَةٍ إِلى المائِدَةِ المُقَدَّسَة، ونَذْهَبَ بِمَجدٍ كَبيرٍ لِمُلاقاةِ المَسيحِ مَلِكِ المَجدِ، ونَنالَ بالتَّأكيدِ الخَيراتِ الأَبَدِيَّةِ، بِنِعْمَةِ رَبِّنا يَسوعَ المَسيحِ ورَحْمَتِهِ ورَأْفَتِهِ.
“إنَّه لأمرٌ ضروريٌّ وحكيمٌ وخلاصيٌّ تذكيرُنا أنَّنا خطأة، وأنّنا مضطرُّون للصلاةِ من أجلِ خطايانا. فعندَما نطلبُ المغفرةَ من الله تتذكَّرُ النفسُ ما فيها من خطايا. فلا يَرْضَ المرءُ بنفسِه وكأنَّه بارٌّ ولا يتكبَّرْ فيزدادَ هلاكًا. عندَما يُؤمَرُ المؤمنُ بالصلاةِ في كلِّ يومٍ بسببِ خطاياه، فهو يُذكَّرُ بأنَّه يَخطأُ في كلِّ يوم”.
(القديس قبريانس الأسقف والشهيد 205- 258)
“إِذا غَسَلتَ، بِمُستوى حياةٍ مُتقنةٍ ومُتنبِّهة، الأَوساخَ التي تراكَمتْ على قلبِكَ، فسوفَ يَشِعُّ فيكَ الجمالُ الإلهيُّ… وفي تأمُّلِكَ لذاتِكَ، سترى في نَفْسِكَ ذاكَ الذي هو رغبةُ قلبِكَ، وتُصبحَ طوباويًّا”.
(القديس غريغوريوس النيصي 335- 395)
سر المصالحة والقديسة تريزا الكالكوتيّة (1910 – 1997)، مؤسِّسة الأخوات مرسلات المحبّة
ما من حبٍّ أعظم
سرُّ المُصالحَة: «فَما رَبَطتَهُ في ٱلأَرضِ رُبِطَ في ٱلسَّمَوات. وَما حَلَلتَهُ في ٱلأَرضِ حُلَّ في ٱلسَّمَوات»
يُعتبَرُ الاعتراف فعلاً رائعًا ينبعُ من حبٍّ عظيم. فهو المكان الوحيد الذي يمكنُنا الذهاب إليه كخطأة حاملين خطايانا، وهو المكان الوحيد الذي نخرجُ منه بعد أن ننالَ الغفرانَ ونغتسلَ من خطايانا. وليسَ الاعترافُ سوى التعبيرَ الصادقَ عن فعلِ التواضع. في السابق، كنّا نطلق على الاعتراف اسم التوبة إلاّ أنّهُ في الواقع سرّ المحبّة وسرّ الغفران. عندما تحدث فجوةٌ تفصلني عن الرّب يسوع المسيح، وعندما تتصدّع محبّتي، يمكن لأيّ أمرٍ أن يملأ هذه الفجوة. لذلك، فإنَّ الاعترافَ هو تلك اللحظة التي أسمحُ فيها للرّب يسوع المسيح بأن ينزعَ منّي كلّ ما يسبّب الانقسام والدمار. لا بدّ من أن أعيَ أوّلاً حقيقةَ خطاياي. بالنسبةِ إلى معظمِنا، يداهمُنا خطرُ أن ننسى طبيعتنا الخاطئة وأنّه علينا الاعتراف لأنّنا خطأة. يجب علينا أن نتوجّهَ إلى الله الآب لنعبّرَ له عن مدى ندمنا عن كلّ ما ٱرتكبناه من خطايا جرحتْهُ. ليسَ كرسيّ الاعترافِ مكانًا لتبادل الحوارات التافهة أو للثرثرة، بل هو المكانُ الذي يكمنُ فيه أمرٌ واحدٌ، ألا وهو خطاياي وتوبتي والغفران الذي أنالُه، وكيفيّة التغلّب على التجاربِ وممارسةِ الفضيلة والنموّ في محبّةِ الله.
في الإِعتراف القديس كيرلس الأورشليمي الأسقف ومعلم الكنيسة (315- 386)
ٱعترفوا لله في الوقت المقبول
إنْ وُجِدَ هنا مَن هو عَبدٌ للخطيئة، فلْيستعِدَّ لأَنْ يَصيرَ بالإيمانِ ٱبنًا حقيقيًّا بالتَّبَنِّي الَّذي يتِمُّ بالوِلادةِ الثَّانية. بِها يَتَحَرَّرُ مِن عُبوديّةِ الخطايا، وهي أسوأُ العُبوديّات، لِيَصيرَ عَبدًا سَعيدًا للمسيح، فيجدَ نفسَه أهلا لميراثِ الحياةِ الأبدية. بالإيمانِ إِخلَعُوا عنكم الإنسانَ القديَم الَّذي يَسيرُ مُفسِدًا وراءَ رغَباتِ الضَّلال، وٱلبَسُوا الإنسانَ الجديدَ الذي يَتَجَدَّدُ كلّما ٱزدادَ مَعرِفَةً لخالِقِه (أفسس 4: 24). بالإيمانِ خُذُوا عرابينَ الرُّوحِ القُدُس، فتُقبَلوا في المَنازلِ الأَبَدِيَّة. إِقبَلُوا وَسمَ السِّرِّ، فبِهِ تَقدِرونَ أَنْ تُميِّزوا بينَ المَعارِفِ وأَنْ تَزدادوا فيها. ٱنضَمُّوا إِلى قَطيعِ المَسيحِ المُتَمَيِّزِ بالعقلِ والقَداسَة، حتى إِذا فَصَلَكُم يومًا عن الآخَرِين ووَضَعَكُم عن يَمينِه نِلْتُمُ الحياةَ المُعَدَّةَ لكم ميراثًا أبديًّا (متى 25: 31).
فمَن ظلَّتْ أَشواكُ الخطايا لاصقةً بِهِم مِثلَ جِلدٍ مُتَعَفِّنٍ يَقِفونَ على الشِّمال، لأنّهم لم يَقتربوا من نِعمةِ اللهِ التي توهَبُ في جُرنِ الوِلادةِ الثانية. ولا أَقولُ الوِلادَةَ الثَّانِيَةَ مِن حيثُ الجَسَدُ، بل الوِلادَةَ الرُّوحِيَّةَ الَّتي تُجَدِّدُ النُّفوس. فالأَجسادُ يِلِدُها الأَهلُ المَنظورونَ، والنُّفوسُ تولَدُ ثانِيَةً بالإِيمان. “لأَنَّ الرُّوحَ يَهُبُّ حيثُ يَشاء” (يوحنا 3: 8). ومِن ثُمَّ إِذا كُنْتَ مُستَحِقًّا سمِعْتَ هذا الكلامَ: “أَحسَنْتَ أَيُّهَا الخَادِمُ الصَّالِحُ الأَمينُ” (متى 25: 23)، ذلكَ حينَ لا يوجَدُ في ضَميِركَ أَيُّ دَنَسٍ أَو خَطيئة.
فإِنْ ظَنَّ أَحَدٌ مِنَ الحاضِرِين أَنَّه يَقْدِرُ أَنْ يُجَرِّبَ نِعمَةَ اللهِ فهو يَغُشُّ نَفْسَه، ويَجْهَلُ قيمَةَ الأُمور. كُنْ، أَيُّها الإِنسانُ، ذا نَفْسٍ صادِقَةٍ، لا غِشَّ فيها، أَمامَ مَن يَفحَصُ الكُلى والقُلوب (إرميا 17: 10).
الوَقتُ الحاضِرُ هو وَقتُ الإِعترافِ. إِعترِفْ بما ٱرتكبْتَ مِن خَطيئةٍ بالقَولِ أَوِ العَمَلِ في الليلِ أَو في النَّهار. إِعتَرِفْ في الوَقتِ المَقبولِ هذا، وفي يومِ الخلاصِ تَنَلْ الكَنزَ السَّماوِيَّ. (2 قور 5: 6)
طَهِّرْ إِناءَكَ لِيَتَّسِعَ لِنِعمَةٍ أَوفَرَ. فَمَغْفِرَةُ الخَطايا تُعطَى للجَميعِ بالتَّساوي. وأَمَّا شَرِكةُ الرُّوحِ القُدُسِ فتُمنَحُ بِحَسَبِ كَفاءةِ كُلِّ واحِدٍ وإِيمانِهِ. إِنْ كانَ سَعيُكَ قَليلاً كانَ كَسْبُكَ قليلاً، وإِنْ عَمِلْتَ كَثيرًا كانَ أَجرُكَ كَبيرًا. إِنَّما سَعيُكَ لِنَفْسِك، فٱنْظُرْ لِنَفْسِكَ ما يُناسِبُها.
إِنْ كانَ لَكَ شَيءٌ على أَحَدٍ فٱغْفِرْ له (مرقس 11: 25). وبعدَ ذلِكَ تَقَدَّمْ لِتَنالَ مَغْفِرَةَ خَطاياك. فَمِنَ الضَّروريِّ أَنْ تَغْفِرَ أَنتَ أَيضًا لِمَنْ خَطِئَ إِليكَ.
“مَن كَتَمَ مَعَاصِيَهُ لَم يَنجَحْ، وَمَن ٱعتَرَفَ بِهَا وَأقلَعَ عَنهَا يُرحَمُ”. (أمثال 28: 13)
“إذَا ٱعتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا، فَإنَّ اللهَ أَمينٌ بَارٌّ يَغفِرُ لَنَا خَطَايَانَا”. (1يوحنا 1: 9)
في الإِعتراف القديس كيرلس الأورشليمي الأسقف ومعلم الكنيسة (315-386)
ٱعترفوا لله في الوقت المقبول
إنْ وُجِدَ هنا مَن هو عَبدٌ للخطيئة، فلْيستعِدَّ لأَنْ يَصيرَ بالإيمانِ ٱبنًا حقيقيًّا بالتَّبَنِّي الَّذي يتِمُّ بالوِلادةِ الثَّانية. بِها يَتَحَرَّرُ مِن عُبوديّةِ الخطايا، وهي أسوأُ العُبوديّات، لِيَصيرَ عَبدًا سَعيدًا للمسيح، فيجدَ نفسَه أهلا لميراثِ الحياةِ الأبدية. بالإيمانِ إِخلَعُوا عنكم الإنسانَ القديَم الَّذي يَسيرُ مُفسِدًا وراءَ رغَباتِ الضَّلال، وٱلبَسُوا الإنسانَ الجديدَ الذي يَتَجَدَّدُ كلّما ٱزدادَ مَعرِفَةً لخالِقِه (أفسس 4: 24). بالإيمانِ خُذُوا عرابينَ الرُّوحِ القُدُس، فتُقبَلوا في المَنازلِ الأَبَدِيَّة. إِقبَلُوا وَسمَ السِّرِّ، فبِهِ تَقدِرونَ أَنْ تُميِّزوا بينَ المَعارِفِ وأَنْ تَزدادوا فيها. ٱنضَمُّوا إِلى قَطيعِ المَسيحِ المُتَمَيِّزِ بالعقلِ والقَداسَة، حتى إِذا فَصَلَكُم يومًا عن الآخَرِين ووَضَعَكُم عن يَمينِه نِلْتُمُ الحياةَ المُعَدَّةَ لكم ميراثًا أبديًّا (متى 25: 31).
فمَن ظلَّتْ أَشواكُ الخطايا لاصقةً بِهِم مِثلَ جِلدٍ مُتَعَفِّنٍ يَقِفونَ على الشِّمال، لأنّهم لم يَقتربوا من نِعمةِ اللهِ التي توهَبُ في جُرنِ الوِلادةِ الثانية. ولا أَقولُ الوِلادَةَ الثَّانِيَةَ مِن حيثُ الجَسَدُ، بل الوِلادَةَ الرُّوحِيَّةَ الَّتي تُجَدِّدُ النُّفوس. فالأَجسادُ يِلِدُها الأَهلُ المَنظورونَ، والنُّفوسُ تولَدُ ثانِيَةً بالإِيمان. “لأَنَّ الرُّوحَ يَهُبُّ حيثُ يَشاء” (يوحنا 3: 8). ومِن ثُمَّ إِذا كُنْتَ مُستَحِقًّا سمِعْتَ هذا الكلامَ: “أَحسَنْتَ أَيُّهَا الخَادِمُ الصَّالِحُ الأَمينُ” (متى 25: 23)، ذلكَ حينَ لا يوجَدُ في ضَميِركَ أَيُّ دَنَسٍ أَو خَطيئة.
فإِنْ ظَنَّ أَحَدٌ مِنَ الحاضِرِين أَنَّه يَقْدِرُ أَنْ يُجَرِّبَ نِعمَةَ اللهِ فهو يَغُشُّ نَفْسَه، ويَجْهَلُ قيمَةَ الأُمور. كُنْ، أَيُّها الإِنسانُ، ذا نَفْسٍ صادِقَةٍ، لا غِشَّ فيها، أَمامَ مَن يَفحَصُ الكُلى والقُلوب (إرميا 17: 10).
الوَقتُ الحاضِرُ هو وَقتُ الإِعترافِ. إِعترِفْ بما ٱرتكبْتَ مِن خَطيئةٍ بالقَولِ أَوِ العَمَلِ في الليلِ أَو في النَّهار. إِعتَرِفْ في الوَقتِ المَقبولِ هذا، وفي يومِ الخلاصِ تَنَلْ الكَنزَ السَّماوِيَّ. (2 قور 5: 6)
طَهِّرْ إِناءَكَ لِيَتَّسِعَ لِنِعمَةٍ أَوفَرَ. فَمَغْفِرَةُ الخَطايا تُعطَى للجَميعِ بالتَّساوي. وأَمَّا شَرِكةُ الرُّوحِ القُدُسِ فتُمنَحُ بِحَسَبِ كَفاءةِ كُلِّ واحِدٍ وإِيمانِهِ. إِنْ كانَ سَعيُكَ قَليلاً كانَ كَسْبُكَ قليلاً، وإِنْ عَمِلْتَ كَثيرًا كانَ أَجرُكَ كَبيرًا. إِنَّما سَعيُكَ لِنَفْسِك، فٱنْظُرْ لِنَفْسِكَ ما يُناسِبُها.
إِنْ كانَ لَكَ شَيءٌ على أَحَدٍ فٱغْفِرْ له (مرقس 11: 25). وبعدَ ذلِكَ تَقَدَّمْ لِتَنالَ مَغْفِرَةَ خَطاياك. فَمِنَ الضَّروريِّ أَنْ تَغْفِرَ أَنتَ أَيضًا لِمَنْ خَطِئَ إِليكَ.
ما ربطتم في الأرض ربط في السماء القدّيس قيصاريوس (٤٧٠ – ٥٤٣)، راهب وأسقف آرل
عظات للشعب، العظة 59
«ما رَبطتُم في ٱلأَرضِ رُبِطَ في ٱلسَّماء، وَما حَلَلتُم في ٱلأَرضِ حُلَّ في ٱلسَّماء»
من أجل صالحنا وخلاصنا، تُنذِرنا الكتب المقدّسة كلّها بضرورة الاعتراف بخطايانا، بٱستمرار وتواضع، ليس أمام الله وحسب، بل أيضًا أمام رجل قدّيس يخاف الله. هكذا، نصحنا الرُّوح القدس على لسان الرسول يعقوب بالتالي: “فلْيَعتَرِفْ بَعضُكم لِبَعضٍ بِخَطاياه، ولْيُصَلِّ بَعضُكم لِبَعضٍ كَي تُشفَوا” (يع 5: 16)، كما أنّ صاحب المزامير قال: “أَبَحتُكَ خَطيئَتي وما كَتَمت إِثْمي قُلتُ: أَعْتَرِفُ لِلرَّبِّ بِمَعاصِيَّ وأنتَ رَفَعتَ وِزْرَ خطيئَتي” (مز32[31]: 5).
إنّ خطايانا تجرحنا على الدوام؛ وبالطريقة نفسها، يجدر بنا أن نلجأ دائمًا إلى علاج الاعتراف. في الواقع، إن كان الله يرغب في أن نعترف بخطايانا، ليس لأنّه شخصيًّا لا يعرفها، بل لأنّ الشرّير يودّ أن يجد ما يتّهمنا به أمام محكمة الديّان الأبديّ؛ لهذا السبب، يريدنا أن نفكّر بالأحرى في إيجاد عذر لها بدل أن نتحمّل وزرها. غير أنّ إلهنا، لأنّه صالح ورحوم، يريد منّا أن نعترف بها في هذا العالم لئلاّ تشكّل حجر عثرة لنا في العالم الآخر. فإن ٱعترفنا بها، يكون هو رحومًا غفورًا؛ وإذا بحنا بها، يغفر لنا… ونحن يا إخوتي، نحن فعلاً أطبّاء روحكم؛ نسعى جاهدين كي نشفي روحكم.
“إِذا غَسَلتَ، بِمُستوى حياةٍ مُتقنةٍ ومُتنبِّهة، الأَوساخَ التي تراكَمتْ على قلبِكَ، فسوفَ يَشِعُّ فيكَ الجمالُ الإلهيُّ… وفي تأمُّلِكَ لذاتِكَ، سترى في نَفْسِكَ ذاكَ الذي هو رغبةُ قلبِكَ، وتُصبحَ طوباويًّا” (De beatitudinibus, 6: PG 44,1272AB).
(القديس غريغوريوس النيصي 335- 395)
في التوبة القديس يوحنا فم الذهب (349- 407)
فِكْرَةٌ روحِيَّةٌ
“إِنْ أَخطأَتَ فٱدخُلْ إِلى الكَنيسَةِ وٱندَم لأَنَّ هذا المَكانَ هو مُستَشفى ولَيسَ بِمَحكَمَةٍ وهو لا يَطْلُبُ مُجازاةَ بَلْ يَهَبُ صَفْحَ الخَطايا”.
(القديس يوحنا الذهبي الفم 349- 407)
أقوال في التوبة للقديس يوحنا فيانيه (1786-1859)
“كي تَنالَ سِرَّ التَّوبَة، يلزَمُ ثلاثةُ أُمور: الإيمانُ الذي يكشِفُ لنا عن الله حاضِراً في شخصِ الكاهِن المُعرِّف. الرَّجاءُ الذي يَجعَلُنا نؤمِنُ أنَّ اللهَ يمنَحُنا نِعمَةَ الغُفرانِ حقًّا. المحبَّةُ التي تدفعُنا لِحُبِّ الله، والتي تضعُ في القلبِ التَّائِبِ ندامَةً حقيقيَّةً جَرَّاءَ إهانته لِلّه”.
“ليسَ الخاطِىءُ هو الذي يعودُ إلى الله لكي يطلُبَ الغُفران، بل هو اللهُ الذي يسعى دائِماً وراءَ الخاطِىءِ لِيَجعَلَه يعودُ إليه”.
“إنَّ أخطاءَنا هي ذرَّاتُ رملٍ صغيرة أمامَ جبلِ رحمَةِ اللهِ العظيم”.
“إنَّ رحمةَ اللهِ هي نهرٌ متدفِّقٌ يغمُرُ القلوبَ بمرورِه”.
“لن يُكلِّمَكَ أحدٌ عن الخطايا المغفورة، فقد مُحيَت ولم تعُد موجودة”.
“بعد الإعتراف أُشكِرِ اللهَ والعذراءِ القدِّيسة على النِّعَم التي نِلتَها، وٱطلُب النِّعمَة الضَّروريَّة كي لا تعودَ إلى السُّقوطِ ثانية”.
“هناكَ مَن يقول: “لقَد فَعَلتُ الكَثيرَ مِنَ السَّيِّئات، واللهُ لا يُمكِنُ أَنْ يَغْفِرَ لي”. هذا هو الكُفْرُ العَظيم، أَنْ نَحِدَّ رَحمَةَ اللهِ وهي لا حُدودَ لها”.