إحياء ابن أرملة نائين وقرية نين (لوقا 7: 11-17)
الأب لويس حزبون
بعد عظة يسوع الكبرى يصف لوقا الإنجيلي معجزتين من اعمال القوة الإلهية في يسوع المسيح. يصف لوقا الإنجيلي مواجهة السيد المسيح للمرض المؤدي الى الموت مع شفاء عبد قائد المئة في كفرناحوم، ثم مواجهته للموت مع احياء ابن ارملة في نائين. ومن بين الاناجيل الأربعة، انفرد لوقا بذكر معجزة إحياء ابن الارملة، وذلك ليمهّد عمل ما تنَّبا عليه اشعيا النبي” العُمْيانُ يُبصِرونَ، العُرْجُ يَمشُونَ مَشيْاً سَوِيّاً، البُرصُ يَبَرأُونَ والصُّمُّ يَسمَعون، المَوتى يَقومونَ، الفُقَراءُ يُبَشَّرون” (لوقا 7: 22) هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يُطبّق لوقا الانجيلي على يسوع بعض ملامح إيليا وسيرته (1ملوك 17: 1010-24). ومن هنا تكمن اهمية البحث في وقائع النص الانجيلي وتطبيقاته.
أولا: وقائع النص الإنجيلي (لوقا 7: 11-17)
11وذَهَبَ بَعدَئِذً إِلى مَدينَةٍ يُقالُ لَها نائين، وتَلاميذُه يَسيرونَ معَه، وجَمعٌ كَثير. تشير عبارة “نائين” الى مدينة واقعة الى الجنوب الشرقي من الناصرة، وتبعد نحو (40) كلم عن كفرناحوم على السهل في الجزء الجنوبي من الجليل الأدنى.
12فلَمَّا اقَتَرَبَ مٍن بابِ المَدينة، إِذا مَيْتٌ مَحْمول، وهو ابنٌ وَحيدٌ لأُمِّه وهي أَرمَلَة. وكانَ يَصحَبُها جَمعٌ كثيرٌ مِنَ المَدينة”: تشير عبارة “ابنٌ وَحيدٌ” الى معيلها الوحيد بعد موت زوجها. وفي ذلك الزمان كان وضع المرأة صعباً لا سيما في غياب الزوج او على الأقل ابن يحميها قانونياً. ويرمز ابن ارملة نائين الى ابن ارملة صرفت في علاقتها مع إيليا النبي إذ قالت له ارملة صرفت: “حَي الرَّب؟ إلهِكَ! أنَّه لَيسَ عِنْدي رَغيفٌ إلاَّ مِلء راحَةٍ دَقيقًا في الجَرَّةِ ويسيراً مِنَ الزَّيتِ في القارورَة، وها أَنا اجمعُ عودَينِ مِنَ الحَطَبِ لأدخُلَ وأُعِدَّه لي ولاَبني ونأكُلَه ثمَّ نَموت “(1ملوك 17: 12). أما عبارة “أَرمَلَة” فتشير الى انها فقدت زوجها. وهي وحيدة بلا زوج ولا ابن ولا سند ولا مال، وقد لا يكون امامها إلا تسول طعامها. يؤكد كتاب الابكريفا “معجزات يسوع” بان اسم الارملة هو باريا بنت يوئيل واسم زوجها سالم وابنها يونان. اما عبارة “يَصحَبُها جَمعٌ كثيرٌ” تشير الى كثرة الناس الذين شاركوا في الجنازة مما يدل على الشفقة والرغبة في مواساة هذه المرأة المتألمة. إن إكرام الميت أمر هام في التقليد اليهودي، فكان موكب الجنازة الذي يسير فيه اقرباء الميت يخترق المدينة للدفن خارجها. وكان يستمر حداد العائلة على المتوفي لمدة ثلاثين يوما.
13فلَمَّا رآها الرَّبّ أَخذَتُه الشَّفَقَةُ علَيها، فقالَ لَها: لا تَبكي! ” : تشير عبارة “رآها” الى نظرة يسوع الذي تدخّل هنا دون ان يطلب منه أحدٌ ذلك. اما عبارة “الرَّبّ” فتشير الى لقب يُطلقه لوقا على يسوع نحو (20) مرة وهو يدل على مُلك يسوع الخفي ودوره في الملكوت. في حين في انجيل متى ومرقس ورد مرة وحيدة يسمي فيها يسوع نفسه ” الرب” (متى 21: 3، ومرقس 11: 3) وبهذا اللقب سمّى المسيحيون الاولون المسيح الذي قام من بين الأموات، في حين ان العهد الجديد جعل هذا اللقب لله وللمسيح الملك. يسوع هو الرب، سيد الحياة والموت. اما عبارة “أَخذَتُه الشَّفَقَةُ علَيها” فتشير الى حنان السيد المسيح في علاقته مع الذين يعرفون الحزن والتعاسة. انه يتحنن وتتحرك أحشاؤه. فالشفقة هي من الكلمات الجوهرية في انجيل لوقا. ليسوع السلطان أن يعطي الآمل في وسط المأساة.
14ثُمَّ دَنا مِنَ النَّعْش، فلَمَسَه فوقَفَ حامِلوه. فقالَ: “يا فتى، أقولُ لَكَ: قُمْ!” : تشير عبارة “لَمَسَه” الى ان الجثمان كان يوضع على مَحْملٍ، بدون نعش. اما عبارة “قُمْ” فتشير في معناه الأصلي باليونانية ἐγέρθητι أنهض” (لوقا 1/ 69) “وأيقظ” Ἀνάστα (اعمال الرسل 12/ 7)، للتعبير عن قيامة الأموات كما جاء في سفر دانيال ” كثيرٌ مِنَ الرَّاقِدينَ في أَرضِ التُّرابِ يَستَيقِظون، بَعضهم لِلحَياةِ الأَبَدِيَّة، وبَعضُهم لِلعارِ والرَّذلِ الأَبَدِيّ”(دانيال 12: 2). ويستعمل لوقا الإنجيلي هذا الفعل “قام” ἐγείρω، للدلالة على القيامة العامة في اليوم الأخير (لوقا 20: 37)، وللدلالة على إقامة يسوع للموتى (لوقا 7: 22، 8: 54) وعلى قيامة الرب يسوع المسيح (لوقا 9: 22). وكثيرا ما يستعمل هذ الفعل في البلاغ الفصحي القديم كما أعلنه بطرس الرسول للشعب في هيكل اورشليم عن قيامة السيد المسيح ” أَقامَه اللهُ مِن بَينِ الأَموات، ونَحنُ شُهودٌ على ذلك” (اعمال الرسل 3: 15).
15فجَلَسَ المَيتُ وأَخَذَ يَتَكَلَّم، فسَلَّمَه إِلى أُمِّه. تشير عبارة “سَلَّمَه إِلى أُمِّه” الى معجزة إيليا لما أحيا ابن ارملة صرفت. تطبّق الرواية على يسوع بعض ملامح ايليا النبي وسيرته. كما قام ايليا النبي ومضى الى صرفت ووصل الى باب المدينة فاذا هناك أمراة ارملة وأحيا ابنها كذلك يسوع “لَمَّا اقَتَرَبَ مٍن بابِ المَدينة، إِذا مَيْتٌ مَحْمول، وهو ابنٌ وَحيدٌ لأُمِّه وهي أَرمَلَة واحياه وسلمه الى أمه “(1 ملوك 17/10). ويهتم يسوع في اعلاء شأن المرأة التي كانت آنذاك مسحوقة وفاقدة لمعظم حقوقها المشروعة. يسوع يريد المرأة ان تكون مساوية للرجل في كرامتها وحقوقها. كما سلم يسوع الابن الى أمه في نائين كذلك سلم الفتى المصاب بالصرع الى أسفل جبل تابور “سلمه الى ابيه” (لوقا 9: 42). يؤكد كتاب الابكريفا “معجزات يسوع” بان لدى بقيامته من الموت قال الشاب “انا أؤمن بك، يا ربي يسوع المسيح، ابن الله الحي، مخلص العالم، انت الذي أحييتني من الموت حتى أعلن اسمك بين الشعوب”. والشاب لم يرجع الى البيت بل تبع يسوع وأصبح أحد تلاميذه”
16فاستَولى الخَوفُ علَيهم جَميعاً فمَجدَّوا الله قائلين:( (قامَ فينا نَبِيٌّ عَظيم، وافتَقَدَ اللهُ شَعبَه!)) تشير عبارة “مَجدَّوا الله” الى عبارة مألوفة في أنجيل لوقا إذ ان النا س الحاضرين “يمجدون الله” على أثر ظهور الله واجتراح المعجزات (لوقا 5: 25-26) فتكون ردة الفعل التسبيح وإنشاد المديح ” يسبِّحونه” (لوقا 18: 43). اما عبارة ” قامَ فينا نَبِيٌّ عَظيم” فتشير الى النبيان إيليا واليشاع الوحيدين اللذين ينسب العهد القديم اليهما إحياء ميت. أذ احيا إيليا ابن ارملة صرفت (1 ملوك 17: 17-24) وكذلك أحيا اليشاع النبي ابن الشونميّة (2 ملوك 4: 18-37) وقد احيت اليشاع النبي رجلا ميتا حالما لمس جثمانه عظام اليشاع في قبره (2 ملوك 13: 20-21). ظن الناس ان يسوع نبي، لآنه كأنبياء العهد القديم، نادى برسالة الله بكل جرأة وشجاعة، وكان يقيم الموتى من الأموات كما فعل أيليا واليشاع النبيين. انه نبي كما اعتقد الناس لكنه يفوق ذلك بكونه الله ذاته. أما عبارة “افتَقَدَ اللهُ شَعبَه” فتشير الى تدخل الله بنعمته كما افتقد الله سارة زوجة ابراهيم (تكوين 21: 1) او تشير الى عقاب الله كما قال الرب لموسى النبي ” هُوَذا مَلاكي يَسيرُ أَمامَكَ، وفي يَومِ عِقابي أُعاقِبُ الشعب بِخَطيئَتِه “(خروج 32: 34). وينفرد لوقا باستعمال هذه الاستعارة (لوقا 1: 78، 7: 16).
17وانَتَشَرَ هذا الكَلامُ في شَأنِه في اليَهودِيَّةِ كُلِّها وفي جَميعِ النَّواحي المُجاوِرَة” : تشير عبارة “اليَهودِيَّةِ” الى أرض يهوذا بما فيها الجليل. أما عبارة “النَّواحي المُجاوِرَة” فتشير الى العالم الوثني. لم تنحصر شهرة يسوع في شعب واحد ولا في ارض واحدة بل انتشرت في العالم اليهودي والوثني.
ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي (لوقا 7: 11-17)
بعد دراسة وقائع النص الإنجيلي (لوقا 6: 39-45) نستنتج انه يتمحور حول مواجهة يسوع للموت من خلال ابن ارملة نائين. ومن هنا نبحث في نقطتين: واقع الموت وكيف نواجه؟ وكيف واجهه السيد المسيح؟ وأين تمّت معجزة احياء الن ارملة نائين؟
أولاً: واقع الموت وكيف نواجه
لم يتردد لوقا الإنجيلي ان يصف خبرة واقع الموت الأليم في معجزة احياء ابن ارملة نائين التي فقدت ابنها الوحيد. فقد واجهت خبرة الموت بفقدان ابنها الشاب الوحيد وما يجرّه من مراسيم مظاهر الحداد: حزن عميق وبكاء الأم، وحمل الشاب الميت في النعش، والسير في موكب جنائزي مع أمه وكثير من المدينة (لوقا 7: 11-13).
يوجّه لوقا الإنجيلي أنظارنا الى الموت الذي يضع نهاية لحياة كل إنسان. فهو ضرورة محتومة، وقضاء إلهي (سيراخ 41: 4) وقدر مشترك لجميع الناس كما صرّح داود النبي: “أَنا ذاهِبٌ في طَريقِ أَهلِ الأَرضَ كُلِّهم ” (1 ملوك 2: 2). وعليه فان الانسان يشعر بأن الحياة التي طالما اشتهاها ليست سوى ظل ونفخة وعدم كما جاء في تصريح صاحب المزامير ” يا رَبِّ، أَعلِمْني أجَلي وما طولُ أَيَّامي فأَعرِفَ ما أَشَدَّ زَوالي. إِنَّكَ جَعَلتَ أَيَّامي أَشْباراً وعُمْري أَمامَكَ هَباءً. ما الإِنْسانُ القائِمُ إِلاَّ هَباء. وما الإنسانُ السَّائِر إِلاَّ ظِلّ وما الخَيراتُ الَّتي يُكَدً سُها إِلاَّ هَباء” (مزمور 39: 5-7). الحياة باطلة كما يصرّح سفر الجامعة ” باطلُ الأَباطيل، يَقولُ الجامِعة باطلُ الأَباطيل كل شيَءٍ باطِل”(جامعة 1: 1) إذ “كُلُ شيَءٍ مِنَ التُراب كلّ شيَءٍ إلى التُّرابِ يَعود” الجامعة 3: 20). إذ يوضع الجسد في حفرة تحت الأرض كأنه موضع صمت (مزمور 115: 17) ويسلم إلى التراب (أيوب 17: 16)، والدود (إشعيا 14: 11). فبعد الموت لا يَعد للإنسان وجود كما جاء في صلاة صاحب المزامير ” إِصرفْ طَرْفَكَ عنِّي فأتَنَفَّس قَبلَ أن أَمضِيَ فلا أَكون” (مزمور 39: 14).
اما كيف يواجه الانسان واقع الموت فانه يرى في الموت قوة معادية. فالحياة صراع ضد قوى الموت. فالإنسان معرضٌ للموت وحبائله كما صرّح صاحب المزامير ” ْأَمْواجُ المَوتِ غَمَرَتني وحَبائِلُ مَثْوى الأَمواتِ حاطَتْني وشِباكُ المَوتِ اْستَبَقَتني” (مزمور 18: 5-6). والموت كحقيقة اليمة تولد أحيانا استسلاماً للواقع كما حدث مع موت شاب ارملة نائين فعبّر داود النبي عن هذه الواقع لدى موت ابنه بقوله: “أَمَّا الأَنَّ وقد مات، أَفَأَستَطيعُ أَنَّ أَردَّه بَعدُ؟ أَنَّا أَصيرُ إِلَيه وهوِ لا يَرجعُ إِلَيَّ ” (2 صموئيل 12: 23).
وعليه فانه ليس ليس بمقدرة أن يخلَص نفسه من الموت. فهو بحاجة الى نعمة الله. فعندما يشعر الإنسان بسلطان الموت عليه، فإنه لا يستطيع إلا أن يصرخ نحو الله (مزمور 6: 5). ويعرف أن القدرة الإلهية أقوى من الموت. فإن كان باراً فإنه يتشجع على أمل أن الله ” لن تَترُكَ في مَثْوى الأَمْواتِ نَفْسي ولَن تَدَعَ صَفِيَّكَ يَرى الهوة ” (مزمور 16: 10)، ” اللهَ يَفتدي نَفْسي مِن يَدِ مَثْوى الأَمواتِ ” (مزمور 49: 16). الله وحده ينقذ البشر من الموت على يد ابنه يسوع المسيح. ويشكَل هذا الاعتقاد الخطوة الأولى في طريق الرجاء. فبدون المسيح، كانت البشرية غارقة في ظلال الموت (متى 4 : 16، لو 1: 79.
ومن هنا نستنتج ان كلمة الله تطلب منا أن نستعد لمواجهة الموت، ما دامنا نحن أيضاً سنرى الموت كما يوضّح صاحب المزامير متسائلاً: ” أَيُّ إِنْسانٍ يَحْيا ولا يَرى الممات؟ وَمَن يُنَجَي نَفسَه من يَدِ مَثْوى الامْوات؟ (مزمور89: 49)
ثانيا: كيف واجه يسوع الموت؟
أراد السيد المسيح أن يتّخذ طبيعتنا المعرضة للموت لكي يحررنا من سلطان الموت. فاضطرب أمام الموت “الآنَ نَفْسي مُضطَرِبة، فماذا أَقول؟ ” (يوحنا 12: 27)، كما ارتعشت نفسه أمام قبر لعازر (يوحنا 11: 33)، وابتهل إلى الآب القادر على إنقاذه من الموت “يا أَبتِ، إِن شِئْتَ فَاصرِفْ عَنِّي هذِه الكَأس ولكِن لا مَشيئَتي، بل مَشيئَتُكَ!” (لوقا 22: 42)، ولكنه في النهاية، قبل هذه الكأس المُرَّة (مرقس 0 1: 38). ولكي يعمل إرادة الأب (مرقس 14: 36)، صار مطيعاً حتى الموت ” (فيلبي 2: 8)، لأنه كان يجب عليه أن “يتمم ” الكتب ” (متى 26: 54).
وعلى الرغم من أن بيلاطس لم يجد فيه ما يستوجب حكم الموت (لوقا 23: 4)، فلقد قبل أن يأخذ جسداً يشبه جسدنا الخاطئ (رومة3: 8) و” ذاكَ الَّذي لم يَعرِفِ الخَطيئَة جَعَله اللهُ خَطيئَةً مِن أَجْلِنا ” (2 قورنتس 5: 21)، كي يتضامن مع شعبه، ومع كل الجنس البشري.
واجه يسوع الموت وانتصر عليه. الموت تقهقر أمام من كان ” القيامة والحياة ” (يوحنا 11: 25)، إذ “بيده مفتاح الموت والجحيم ” (رؤيا 1: 18). فمات سيد الحياة، ولكن بقيامته، تغيرت علاقة البشر بالموت، فالمسيح المنتصر أضاء “الشعب الجالس في ظلال الموت” (لوقا 1: 79).
ما معجزة إحياء ابن ارملة نائين وقيامته “يا فتى، أقولُ لَكَ: قُمْ15 فجَلَسَ المَيتُ وأَخَذَ يَتَكَلَّم”(لوقا 7: 4-5) إلا جزءاً قليلا من إمكانيات يسوع ومن رسالته الحقيقية الشاملة في القيامة. الشاب توفي والجمهور يذهب به الى القبر، ثم تدخل يسوع المخلص بكلمة بسيطة ثم أحيا الشاب، ولكن هذا الشاب سوف يموت في مرحلة لاحقة. اما يسوع فسوف يقوم، وبقيامته سيكشف لنا نمطا جديدا من الحياة القائمة. حياة غير خاضعة للموت، أسلوب حياة جديدة يفوق كل الأطر البشرية. بعد أن كان الموت مصيراً مقلقاً، أضحى إذاً موضوع تطويب “طوبى للأموات الذين يموتون في رضا الرب! فليستريحوا منذ اليوم من المتاعب ” (رؤيا 13: 14). إن موت الأبرار هو دخول في السلام (حكمة 3: 3)، في الراحة الأبدية وفي النور الذي لا نهاية له. الراحة الأبدية أعطهم يا رب، والنور الدائم فليضيء لهم!
ثالثا: وأين تمّت معجزة احياء اين ارملة نائين؟
نائين او نين او نائيم ومعناه “طيب”. وهي قرية تقع على أسفل “جبل الدحى” في الطريق بين الناصرة الى جبل طابور عن طريق العفولة (رقم 65). وفي نائين أحيا السيد المسيح ابن ارملة وسلّمه الى امه معافى (لوقا 7/ 11-17). ينفرد لوقا الانجيلي في سرد هذه الرواية ليمهّد لما يجيب يسوع الرجلين الذين ارسلهما يوحنا المعمدان ليستفسرا عنه:” اِذهَبا فأَخبِرا يوحَنَّا بِما سَمِعتُما ورَأَيتُما: العُمْيانُ يُبصِرونَ، العُرْجُ يَمشُونَ مَشيْاً سَوِيّاً، البُرصُ يَبَرأُونَ والصُّمُّ يَسمَعون، المَوتى يَقومونَ، الفُقَراءُ يُبَشَّرون” (لوقا 7/ 22).
ويؤكد كتاب الابكريفا “معجزات يسوع” بان اسم الارملة هو باريا بنت يوئيل واسم زوجها سالم وابنها يونان. ويضيف:” لدى ىقيامته من الموت قال الشاب “انا أؤمن بك، يا ربي يسوع المسيح، ابن الله الحي، مخلص العالم، انت الذي احييتني من الموت حتى أعلن اسمك بين الشعوب”. والشاب لم يرجع الى البيت بل تبع يسوع وأصبح أحد تلاميذه”.
اما المعالم الأثرية لقرية نائين فقد عرف اوسابيوس نائين تلك القرية التي حافظت على التقليد الإنجيلي، ويؤكده ايرونيموس واصفا ان القرية قريبة من جبل طابور. اما “باب المدينة”: الذي ورد في رواية لوقا (لوقا 7/11) فيشير الى الممر الذي يؤدي بين البيوت كما هي العبارة في العرب باب الواد اي الممر الذي يؤدي الى الوادي. اما بيت الارملة فتكلم عنه الاب دياكونو في عام 1137:” في بيت الارملة التي احيا يسوع ابنها من الموت أقيمت كنيسة “ويشير ذلك الى ان السكان القرية حوّلوا بيت الارملة الى كنيسة لكي يُحيوا المعجزة.
في عام 1347 وصف الاخ نقولو دي بوجّينونزو بان الكنيسة كانت جميلة وفي القرن السادس عشر اصبحت في دمار من يشهد على ذلك الاب نونيقاشيو. وتحوَّلت الكنيسة الى جامع مع بناء محراب في الجهة الجنوبية كما شاهدها غرين طولها 18 قدم وعرضها 12 قدم. واما السكان المحليين كانوا يدعون الموقع ” “مكان سيدنا”.
وفي 31 اذار 1881تمكن الاباء الفرنسيسكان من تدشين الكنيسة بمساحة 16X 10م على اساسات كنيسة قديمة تعود الى القرن الرابع ذكرى لمرور يسوع في القرية. لم يبق منها سوى أربع مداميك من جدران يرتفع نحو متراً واحداً وفي جهة الشرق عامود من الرخام الابيض. وهناك لوحتان من الفنان الاسباني يصفان مشهد احياء ابن ارملة نائين.
وعثر في شرق القرية على ناووس (تابوت) قديم الى حيث كانت تتجه الجنازة وهو الان موجود على مدخل الكنيسة ويبلغ طوله 2.31م وعرضه 0.92م وارتفاعه 0.80 سم. وفي داخله ارتفاع قليل من الصخر يستخدم لوضع الرأس. كما وجد في داخله زجاجة خاصة لجمع الدموع.
خلاصة
يُطلق لوقا لقب “الرب” على يسوع أكثر من عشرين مرة، نعم، يا رب، أنت أعظم من كل الأنبياء. شخصيتك مهيبة تفوق المقاييس البشرية، لذلك ندعوك ” الرب” ونؤمن أنك ابن الله ومساوٍ للآب. وفي الوقت نفسه أنت أنسان ينتابك الشعور ذاته امام كل أموات الأرض فتأثرت واختلج قلبك شفقة أمام الم وحزن أرملة نايين. لم تستطع ان تحبس كلمتك او ان تحجب قدرتك امام ام تكلى على فقدان وحيدها، فأردت ان تواسيها وتعزيها بالكلام أولا بقولك لها ” لا تَبكي” ثم بالعمل وذلك بإحياء ابنها من الموت. فقلبت الحزن فرحا والمأتم عرسا والبكاء ابتهاجا والموت حياة، وصمت الناس الى تمجيد لله.
انت تريد ان تجفف دموع الحزانى (رؤيا 21: 4)، انت تريد إقامة الجميع من الموت، لأنك أنت القيامة والحياة، انت إله الاحياء والاموات.
نحن نؤمن اننا نتقدّم رويدا رويدا نحو موتنا، ولكن نؤمن بوعودك، نؤمن بان موتنا لن يكون المشهد الأخير وإنما ما قبل الأخير. واما المشهد الأخير فهو انتقالنا الى الحياة الأبدية الخالدة معك الى الابد.