إعلان الوحدة الثلاثية في الله أكبر مصداقيّة لوحي الإنجيل الطّاهر ! (متّى 28: 19)

الأب بيتر مدروس

أحد الثّالوث الأقدس للسنة ب
تتراكم الاعتراضات على “الثّالوث الأقدس” في العالم اليهوديّ والعربيّ واستفسارات أخرى تأتي منّا نحن المسيحيّين. وينصح المرء هنا بقراءة الكتاب المقدّس بتمعّن انطلاقًا من سِفر التكوين، كي “نقرأ المكتوب من عنوانه” ونكتشف من أوّل فصل وأوّل صفحة وأوّل آيات (1 : 1-3) حقيقة “الله وكلمته وروحه” : : هذا هو ثالوثنا المسيحيّ. .وهنالك العديد من الكتب والمؤلّفات والمقالات التي تفسّر، وذلك، في اللسان العربي، منذ أواخر القرن السابع الميلادي. ويذكر المرء هنا على سبيل المثال لا الحصر مقالة يحيى بن عدي ، في العصور الغابرة ، وكتاب الأب هنري بولاد “منطق الثالوث” في أيّامنا. ولكن كم منّا يقرأ ونحن كما قالت العرب “أمّة أمّيّة لا تكتب ولا تجسب” وحتّى نحن أهل الكتاب “لا نعرف الكتاب إلاّ أماني” ، فانتحر عندنا الكُتّاب لكثرة ديونهم وانكمش المفكّرون وأغلقنا المطابع والصحف ومثل “أوروشالم” “قتلنا الأنبياء ورجمنا المرسلين” وصلبنا “ربّ المجد”!

إيضاحات من الكتاب المقدس ومن آباء الكنيسة ولا سيّما العرب
ليس “الابن” في الثالوث نجلا فيزيولوجيا أي ليس “ابنًا” بحسب الطبيعة البشرية بتزواج وتوالد. بل هو “الكلمة” ، كلمة الله (يو 1 : 1). وليس “روح القدس” كيانا مستقلاً عن الله بل هو روح الله نفسه الذي هو “القُدس” أي القداسة بمطلق ذاتها. وهكذا ردّد المفكرون المسيحيون الأولون بالعربية للعالم اليهودي والإسلامي أنّ “ثالوثنا” ليس “ثلاثية” بل أنه وحدة ثلاثية في الله (تشير إليها بامتياز وتألق الكلمة اللاتينية “ترينيتاس –ترينا أونيتاس- trina unitas في الإنكليزية تراين يونيتي Trine unity) وهي الوحدة الثلاثية الجوهرية الكيانية في الله مع كلمته وروحه تعالى. بحيث أنّ عندنا “إلهًا واحدًا ربًّا واحدًا” هو نفسه الخالق الأوحد.
ليست هذه الأفكار فذلكات ولا تفلسفًا بل هي واردة في صُلب نص الإنجيل الطّاهر – بعد العهد القديم : “عمّدوا جميع الأمم باسم ( لا “بأسماء”) الأب والابن وروح القدس”. وليس ضروريًّا نصّ يوحنا الأولى 5: 7 لأنّه يبدو متأخّرًا دخيلاً ولكن معناه ومحتواه ومضمونه موجود في الكتاب المقدس كلّه ، من سِفر التكوين إلى الرؤيا وفي الإنجيل المقدس . وحسبنا ما كتبه رسول الأمم الإناء المختار بولس في ىخر ىية من رسالته الثانية إلى القورنثيين: “نعمة ربّنا يسوع المسيح ومحبة الله (أسم يسوع سبق اسم الله، ولا عجب فهو يحويه “يهوشواع” يسوع : يهوه الرب يخلّص) وشركة روح القدس معكم أجمعين!” ( 2 قور 13: 13).
وفي الحوار الأخويّ الودّيّ مع العالم الإسلاميّ يستفسر المرء عن “إحدى موافقات عمر” أي عبارة “فتبارك الله أحسن الخالِقِين”.

هذه ليست عظة بل محاضرة “دفاعيّة”!
إثبات الثالوث الأقدس كوحدة ثلاثية في الإله الواحد الأحد عمل بوصية رسول الأمم الإناء المختار بولس أن تكون “عبادتنا عقلية” منطقيّة λογική λατρεία (رومية 12: 1). إعلاننا للثالوث وكرازتنا به ودفاعنا عن فكره ومنطقه تتميم لكلمات السيّد له المجد : “تلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الأب والابن وروح القدس”. هو سعي رسوليّ إلى المحافظة على إيمان المسيحيين والمسيحيات ومنعهم من “االارتداد” اي ترك المسيح والمسيحية والإنجيل والكنيسة. إصرارنا على هذا الإيضاح هو عمل تربويّ ضروريّ بما أنّ عقيدة الثالوث غير سهلة والتخلي عنها هيّن جدًّا، مع إمكانية اعتناق أغرب المذاهب، كما يرى المرء عند بعض شبيبة الغرب الذين انحرفوا إلى البوذية والكونفوشية وعالم “الجورو” الهنود وسواهم، وقد تذرّع دعاة تلك المجموعات ببطلان “الثالوث”…

خاتمة
الله إله واحد هو المحبة هو القداسة. وحدة من غير وحشة. ثالوث من غير تعدّديّة كيان ولا تضارب أعمال. ساعدنا الله على إدراك شيء من جوهره فندرك الإنسان بشكل أفضل ، كما كتب القديس العبقري اوغسطينوس :”أعرفك وأعرف ذاتي!” فالله المبدأ ومن عرفه عرف الخليقة ومن أحبّه أحبّ الخلق أجمعين. والله “أسرة” تقدّس الاسرة : في السماء الأب والابن وروح القدس وعلى الأرض يسوع ومريم ويسوف لا كآلهة ولا كمعبودات! الإله الواحد يعني الترابط والتناسق والتناغم ، يعني الأصل الواحد والهدف الواحد وهذا سبب إضافي للوفاق بين البشر : “اليس إله واحد لجميعنا ؟ فلماذا يؤذي الواحد منّا الآخر؟”.