الخطيّة: شلل وعبوديّة (عن أشعيا 43: 18 وتابع، مرقس 2: 1 – 12)
الأب بيتر مدروس
في الفصل الثّالث والاربعين من سِفر أشعيا ، يعلن الله لقوم العهد القديم أنهم وحدهم شهوده تعالى وأن ليس بينهم غريب (في الآيتين 10 و 12) بخلاف الوثنيين شهود معبوداتهم الكاذبة غير الموجودة أصلا. وقد استغلّت إحدى الفئات الأمريكية المعادية للمسيحية هاتين الآيتين وأعلنت في مؤتمر لها في كولومبوس (ولاية أوهايو ) سنة 1931 أن أتباعها “شهود يهوه” انطلاقا من هذا النص، مع العلم أنه كان موجّها لليهود وفقط لليهود قبل المسيح بعدّة قرون. وفعلا ، المسيحي الحقيقي شاهد للمسيح (عن أعمال الرسل 1: 8) في حين أن تلك الفئة وسواها وقفت في هذه التسمية وهذا التعريف عند العهد القديم كأنّ المخلّص يسوع ما أتى. وهي تنكر أساس الشهادة المسيحية بألوهية المسيح الكاملة (عن قولسي 2 : 9) وقيامته المجيدة (عن قورنثوس الأولى 15: 14). وفي حين لا يفتخر المسيحي الحقيقي إلاّ بالصليب (عن غلاطية 6: 14) “تتكهرب” منه تلك الفئات عبريّة الجذور والأهداف بحيث أنها “تُفرغ ببراعة الكلام صليب المسيح” الذي هو لها – كما كان لليهود والوثنيين وما زال – جهالة وحجر عثرة (عن قورنثوس الأولى 1: 17 وتابع، ثم 2: 2).
يستمرّ النبيّ الأورشالميّ أشعيا في الفصل نفسه (الأيات 18 وتابع) في نقل النبوّات السيّدية عن الوقت اللاحق لزمانه أي خروج جديد من العبودية الفرعونية. وتتم فينا هذه النبوّات عندما تحوّل نعمة الله جفافنا رقّة وصحراء الجفاء واحة محبة ووفاء، وقساوة الحجر عند البشر إلى طلاوة الفؤاد في الحب والوداد وقحط الحقد والكراهية والبخل والأنانية إلى جنّة الإحسان والفضل والأريحيّة!
ولا يجوز استغلال تلك الأيات – التي تمّت قبل السيد المسيح – ولا إدراك “الطريق في الصحراء والأنهار في البيداء” كأنّها تحقّقت في كيان عبريّ عنصريّ عسكريّ مبنيّ على الاحتلال والاغتصاب ومصادرة الأراضي وهدم المنازل. لا يمدح الله سرقة ولا قتلا ولا سيطرة عسكرية على بلاد ولا قمع لمواطنين واستبدالهم بمستوطنين . وقد قالت العزة الالهية في سِفر أشعيا: “سيكون ثمر العدل سلاما ويسكن شعبي واحة السلام” (32: 18). وكانت هذه الآية الكريمة شِعار أحد بطاركة المدينة المقدسة اللاتين العرب.
وفي هذا المقام من واجبنا الرسوليّ تفنيد – أي دحض – الأضاليل “، والتقويم في البِر” (عن تيموثاوس الثانية 3: 16) آملين أن “نكون مستعدّين لكل عمل صالح”، فنوضح خطأ التفسير “الصهيوني” المدّعي المسيحية (وهو إلى المشيحانية اليهودية أقرب) والذي يفسّر “لصالح” الكيان العبريّ السياسي العسكري (منذ سنة 1948) بعض نبوّات العهد القديم وشيئا من نصوص العهد الجديد. وكان الكاتب جوش مكدويل (وأحسبه من الفئات الرافضة لتعميد الأطفال) قد “كرّس” الفصل الخامس من كتابه “ثقتي في التوراة والإنجيل” ليبيّن تمام عدد من النبوات في الكيان العبري الحديث (تحت عنوان “الكتاب المقدّس صادق في نبوّاته”). وما إن واجه الكتاب نقدا من الواعين في عالمنا المسيحي العربي حتّى أخفي الكتاب من الأسواق أو على الأقلّ غُيّر عنوانه وفي فترة أخيرة حُذف الفصل المشار إليه.
عبارة غريبة في أشعيا 43: 23 وتابع
يقول الرب الإله للشعب اليهوديّ (في زمن أشعيا): ” أنتَ استعبدتَني بخطاياك!” إنها أكثر العبارات جسارة في العهد القديم (شتولميلر). والسّياق هو في الواقع تهكّم إلهيّ مقدّس من قوم موسى إذ انقلبت الأدوار رأسا على عقب فتحوّل العبد البشريّ سيّدا: ” (يا شعب) لم تأتني (أنا الإله) بحَمَل محرقاتك ولم تكرمني بذبائحك وأنا لم أستعبدك بتقدمة ولا أسأمتُك ببخور! لم تشترِ لي بالفضّة قصب طيب ولم تروِني من شحم ذبائحك! بل أنت استعبدتني (!) بخطاياك وأسأمتني بآثامك!”
“يا بُنيّ مغفورة لك خطاياك” (مرقس 2: 5)
في أشعيا 43: 25 يستدرك الرب: “أنا ، أنا الماحي معاصيك”. وها إنّ يسوع الناصريّ يعلن للمخلّع المدلّى من فوق السطح: “غُفرت لك خطاياك!” ولا عجب ، فيسوع هو في الكنعانيّة “يهو شواع” ودُعي كذلك لأنّه “يخلّص شعبه من خطاياهم” كما أنبأ المَلَك حارس يسوع العفيف وخطّيب البتول الشريف يوسف ابن داود. وهذا تحقيق وتجسيد لما ورد في المزامير عن الله: “عند الرب الرحمة ولديه وافر الفداء وهو (تعالى) يفتدي شعبه من جميع آثامهم” (عن مزمور 130 (129): 7 -8).
السيد المسيح يشفينا من المرض ومن الخطيئة كما جعل المشلول يسير وخلّصه من مرضه المزمن. فلنطلب من يسوع أن يخلّصنا من شلل العناد والكفر والشهوانية والخمول والكسل في الروحانيات والتواني عن الخير والعجز عن الفضيلة والتقصير في الواجب، بما أنه يجسّد الإله الذي “يغفر جميع آثامنا ويشفي جميع أمراضنا” (عن مزمور103 (102): 3).