الفرح وسط الشّدائد والمجد وسط الذلّ، والموت المتفجّر حياة: سرّ المسيح والمسيحيّين!

الأب بيتر مدروس

(صفنيا 3 : 14 -17؛ فيليبّي 4 : 4 -7)
يدعو صفنيا – أحد الأنبياء الصغار الثلاثة عشر – مدينة أورشالم إلى الفرح لأنّ الربّ “في وسطها” مخلّص. أمّا رسول الأمم الإناء المختار بولس فإنّه يحثّ المؤمنات والمؤمنين على “الفرح في الربّ كلّ حين” وألاّ “يكونوا في همّ البتّة .”
“تسقط” علينا هذه الآيات في هذه الحقبة العصيبة وكأنّها غير ملائمة ولا مناسبة! فوضع القدس وسائر فلسطين عامّة ، وأوضاع المسيحيين ولا سيّما المحليين الفلسطينيين فيها ، من أسوأ ما يكون منذ سبعة عقود. وعندما يفكّر المرء في أحوال سائر المواطنين – ومنهم المسيحيين – في كلّ من سوريا ومصر والعراق وقطاع غزّة ومواضع أخرى من العالم العربيّ والشرقيّ، ناهيكم عن الاضطهادات الدامية التي تستهدف المسيحيين في نيجيريا مثلاً ، يسأل المرء العناية الربّانية والعزّة الإلهيّة، كما تعوّد على الشكوى والسؤال الاستنكاريّ معشر العبرانيين المنفيّين :”طُلب منّا أن نجود بالغناء وأن نبقى سعداء! ولكن كيف ننشد أناشيد ربّنا في أرض غربتنا؟” (مزمور 137 ( 136 ): 3-4).

المسيح الرّبّ قاهر الخطيئة والشّرّ والكرب!
أعطانا الرب يسوع نفسه المثال بالقول والفعل، موصياً كلّ من أراد أن يتبعه أن يحمل صليبه. ويقول أحد معلّمي الحياة الروحانيّة: “إنّ الله الّذي يرسل الصّلبان يهيّء لها الأكتاف، وما من أحد يضاهيه تعالى في العدالة والتكافوء وفنّ النّسَب (جمع نسبة)، (أي يكون التحمّل على مستوى الصليب الثقيل)، بحيث يُصبح “النير لطيفاً والثقل خفيفا”.
وتطلعنا الرسالة إلى العبرانيين – التي صدمت الفكر الدنيوي اليهودي وما تزال- على أنّ ال”ماشياح” المنتظر الآتي أي يسوع، سلك طريقا “غريبة” في نيل السعادة، وهي الأشواك والموت: “(لنحدق) إلى مبدىء إيماننا ومتمّمه، يسوع الّذي، في سبيل الفرح المعروض عليه، تحمّل الصّليب، مُستهيناً بالعار” (12 : 2).
ويصف مار بولس ( 2 قوؤنثوس 1 : 8-11) شدّة مرّت عليه كبيرة في آسيا (ولعلّنا نقدر أن نقول قوله عن أنفسنا في كلّ القارّات) اذ “فاقت الحدّ حتّى أنّه يئس تقريباً من البقاء على قيد الحياة”. والفعل اليوناني εξαπορηθηναι ” ايكسابوريثينيه” تعني منفذاً ” للحياة أو مخَرجا. وفعلاً، يخيّل إلينا أحياناً بل مراراً ، أنّ فسحة عيش ضيّقة ما عادت متروكة لنا نحن المسيحيّين، حتّى في “الغرب”، حيث تتعرّض أفرادنا وجماعاتنا ورموزنا ومقدّساتنا للسخرية والاعتداء والتنكيل، “وما من تلميذ أعظم من معلّمه” (متّى 10 : 24).

فرح السكنى الإلهيّة بيننا والخلاص لنا!
نفرح، على ما نعاني من مصائب، لأنّ “الله معنا” عمانوئيل (عن أشعيا 7 : 14) ولأن “الكلمة صار جسدا ونصب خيمته بيننا” (يوحنّا 1 : 14) فصار منّا وفينا. نفرح لأنّ الرب يسوع يسكن بيننا في القربان الأقدس، “ونعيمه بين بني البشر” (أمثال 8 : 31) ونعيمنا بوجوده! نفرح لأنّ خطايانا غُفرت ولأنّ “كلّ خطايا البشر تُغفَر لهم”، ما خلا الكفر بروح القدس (متّى 12 : 31) أي نَسْب أعمال الله إلى الشيطان ونسب أعمال الشيطان – حاشى وكلاّ – إلى الله. نفرح كما يقول المزمور:”طوبى لمن سُترت خطيئته وغُفرت معصيته”(مزمور 32 (31) : 1). نفرح وسط الحروب والقذائف والقنابل لأنه “لو هُدم بيتنا هذا على الأرض – وهو أشبه بالخيمة – فلنا في السماوات بناء ما صنعته الأيدي، لا يزول” (عن 2 قورنثوس 5 : 1 ). ومع وعينا لضعفنا، يعيد كلّ منّا مع المترنّم التائب: ” يا رب، أردد لي بهجة خلاصك وبروح كريم اعضدني!” (مزمور 51 (40) : 14).