الفرق بين الإدانة والمغفرة
الأب بيتر مدروس
(صموئيل (الملوك) الأول 12: 7—10، غلاطية 2: 16-21، لوقا 7: 36 ت)
إدانة خطيئَي داود لا تأييد
إن كان ناثان النبيّ “يأكل من مائدة السلطان” أي الملك داود، فإنه كنبيّ حقيقيّ لا “يضرب بسيفه”. لا “يختم له” على الخير والشّرّ ولا “يفتي” حسب تعليماته! يلوم النبي العاهل على الزنى ببتشابع واغتيال زوجها المسكين أوريا الحثّيّ. الـتأنيب قاس عادل : احتقرتَ شريعة الرب! “صنعتَ الشّرّ! زنيتَ مع زوجة الحثّيّ وقتلتَ زوجها”. وما قال النبيّ باسم الله، حاشى وكلاّ، الفعلين السابقين وغيرهما في صيغة الأمر: ” خُذ زوجة الحثي”، “أقتل زوجها”. وهكذا، روى الكتاب المقدّس الإثمين الكبيرين وثانيهما جريمة نكراء بتفاصيلهما الشنيعة – وهي تفاصيل لا نجدها في مصادر أخرى. وكان الكتّاب الملهمون في غنى عن ذكرها. ولو لم يصدّقوا لحذفوها أو “غمغموها” أو “طبطبوا عليها”. وما أوردوا تلك المنكرات لانحراف فيهم- لا سمح الله- ولا تلذّذاً بالمعاصي ولا تشدّقًا بالعنتريّات ولا توهّمًا عندهم بامتيازات للإمبراطور حتّى فوق شريعة الله. “وهكذا يصدق كلام الله كمصباح يضيء في الظلمة” يشجب الضلال ويدين الإثم ولا يؤيّده وهو لا “يحابي الوجوه” بما فيها العظماء. وفعلاً، ما وردت في الكتاب المقدّس أية مبادرة إلهيّة تدعو – والعياذ بالله- إلى الشرّ أو الفسق أو الزنى. وما سمحت بتلك الموبقات لأحد، مهما علت مراتبه. بل كلّما ارتفع قدر امرىء اجتماعيًّا، كثرت مسؤوليّاته وثقلت أحماله. وهذ شأن داود هنا.
ويكمل النبي ناثان بعد اللوم والنقد والتأنيب والتوبيخ على الخطيئتين البشعتين: “لكن الله غفر لك”. يعني : أنت مذنب. فلا غفران حيث لا خطيئة.
ومن الأمثلة المؤسفة التي تدهور إليها نفر من المنشقّين عن الكنيسة في العصور الحديثة قيام رجال على سبيل المثال من هولندا (أمثال يوهان من ليدن الذي لقّب نفسه “أمير صهيون” واتّخذ ست عشرة زوجة) ومن الولايات المتحدة مثل جوزف سميث (الذي سيسبقه إلى أكثر من عشرين) وبريغهام ينغ خليفته (خمس وعشرين) ومنةكريا “مون” (بلا عدد) وادّعوا المسيحية، ووهبوا لأنفسهم باسم الله امتيازات ولكن في الأمور الدنيويّة الجسديّة. ويا ليتها كانت في “مواهب الروح” كما يحث رسول الأمم الإناء المختار بولس. وما كان أقلّ منهم “نشاطًا” تشارلز تاز راسل مؤسس ما سيُعرف لاحقًا ب”شهود يهوه”. وما تردّد أي منهم أن يصف نفسه بالنبيّ. ويعجب المرء لأتباع “مسيحيين” لهم وقد نسوا المثال الأعلى السيّد المسيح البتول ابن العذراء الذي ما استطاع أحد “ان يثبت عليه خطيئة” والذي عند بئر يعقوب ” استغرب تلاميذه أنه كان يخاطب امرأة”!
نجّنا يا رب من عمى البصيرة! مع الكينسة حقّ إذ تطلب منّا دومًا أن نفحص ضمائرنا كلّ يوم وأن نعترف باستمرار، حتى لو تكرّرت خطايانا. فأوّل ما هو مطلوب وجُلّ الواجب أن نبقى نعترف أنّ الخطأ خطأ والإثم إثم. الطامة الكبرى عندما نبدأ بتبرير أي تقديم الأعذار للآثام، وفي نهاية المطاف تصبح شيئا “بسيطًا” ثم “شيئا عاديًّا”. ولسوء الحظّ يبدو أن مرض حسبان الخطيئة شيئًا طبيعيّاً تسرّب حتّى إلى نفر من الإكليروس. وقد نبّه قداسة البابا فرنسيس: “رحمة الله لا تعني أن نتمادى في الخطيئة!”
ما معنى تبرير؟ (غلاطية 2 : 16-21)
هكذا، يجب أن ننتبه، كما أسلفنا، في موضوع “التبرير”. في المسيحية، خصوصًا بعد كتابات مار بولس، لا “تبرير” للخطيئة ولا للخطأة بمعنى التماس الأعذار وإيجادها لهم، أو بمعنى “فتوى بصلاح الخطيئة”. لا تبرير أي لا تأييد ، لا موافقة، لا تفسير ودّي إيجابي يخفّف الذنوب أو يلغيها ،بمعنى أن فاعلها كان مُجبَرًا أو غير عارف أو غير قاصد. وقالت العرب : “عذر أقبح من ذَنب”! بل “التبرير” (كما في القراءة الثانية) يعني : التقديس أي التخليص من الخطيئة، ونقل الخاطىء بقوّة فداء المسيح من الشرّ إلى الخير ومن الخطيئة (المعترف بها) إلى البرارة ومن النقمة إلى النعمة.
امرأة خاطئة تعترف وتنال المغفرة والبرارة (لوقا 7: 36 ت)
خاطئة “معروفة في البلد” لا يتشرّف أحد بذكر اسمها. ويكفي القليل عندنا كي يذيع الخبر، حتى قبل أن يحدث! فالناس “لا شغلة ولا عملة” و “بكلّ شيء – وببعض- متشاغلون”! ويا ويلك أيتها البنت والمرأة في مجتمعاتنا، أمّا الرجُل فصاحب امتيازات و “بيطلع لو”! المرأة المشار إليها أعلاه من “إيّاهنّ” (صيغة لا يعرفها سيبويه ولا الكسائي!) وها هي تخترق بيت الفريسي الطاهر “الأبرص”: لا حاضور ولا دستور! “متعوّدة” على قلّة الذّوق وعلى التهوّج! مبذّرة “دهدورة” (مثل بعض الزوجات والحموات، بلا مؤاخذة): تكسر إناء ناردين ثمين ما تعبت في شرائه أو حصلت عليه مقابل خدمات لها…
تكسر في الواقع حاجز الخطيئة أولاً. تحطّم جدار الخجل المغلوط من التوبة. لا تخجل أن تتوب بل تستحيي من خطيئتها. ثم تكسر أنف الفريسي الذي يأنف أن يراها في بيته. تكسر رياء رجال كثيرين يحتقرون الخاطئة ويسترقّون النظر إليها. تكسر تقاليد “الطهرانية الذكورية العبرية” حيث المجلس للرجال والعزوة للرجال والكلمة للرجال والرجم للنساء.
خاتمة
إذا ندمنا عن خطايانا، وتبنا وبكينا ومسحنا أقدام يسوع بدموعنا، ربّما استطعنا يومًا أن نهتف مثل مار بولس: “ما عدتُ أنا الحيّ بل المسيح يحيا فيّ”. آمين!