النعمة المجانية
البطريرك بيتسابالا
رأينا في الأحد الماضي بداية حياة يسوع العلنية وفق إنجيل لوقا، وهي بداية اتخذت طابع التعزية (لوقا ٤: ١٤– ٢١). وقد تمت هذه التعزية، التي أعلن عنها الأنبياء وانتظرتها جميع الشعوب، في حياة الرب يسوع وفي تكريس الآب له ليعلن للجميع كلام النعمة.
لدينا اليوم البرهان على أن هذه التعزية حقيقية ومضمونة وموثوق بها وهي للجميع.
نستشف ذلك من حقيقة أن يسوع عازم على التضحية بنفسه.
يروي نص إنجيل اليوم (لوقا ٤: ٢١– ٣٠)، وهو استمرار لنص الأحد الماضي، رد فعل الشعب على ما أعلنه يسوع في المجمع. يسوع في الناصرة بين الأقارب والمعارف، ولهم يعلن، للمرة الأولى، أن من خلاله قد تم وعد الله لشعبه.
غير أن يسوع في تلك اللحظة يتعرض للرفض والنبذ، ليس من قبل أشخاص بعيدين عنه أو من أعداء أو عبدة الأوثان ولكن من أقرب الناس إليه ومن أقربائه وأهل بيته.
وكأني بيسوع يقول إن ذلك مكتوب أيضاً في الوحي، أي أن رسالة النعمة تكون دائماً مصحوبة، وبشكل لا يُفسّر، بالرفض والمقاومة، وخاصة من قبل هؤلاء الذين يُدعوْن أولاً للإصغاء إليها والترحيب بها. أن يُنبذ المرء هو جزء من النعمة، لأنها النعمة الحقيقية والوحيدة ولأن خبرة الرفض المأساوية تؤكد أن هذه النعمة هي للجميع ولا تُكرِه أحداً.
وحيثما يتم الرفض، يتم التأكيد أن هذه النعمة مضمونة لأنها تذهب إلى ما وراء الرفض بل تمرّ عبره، تماماً كما مرّ يسوع من بين أهل الناصرة الذين اجتمعوا حوله ليلقوه عن الجبل (لوقا ٤: ٣٠). لا تعتمد النعمة على استقبالنا لها ولكنها تُعطى دائماً، وإلا فلن تكون نعمة.
علينا طرح سؤال يتعلق بهذا الرفض. لماذا لا يقبل أهل بلد يسوع هذه النعمة؟ لماذا تتم عملية المعارضة فوراً وتؤدي إلى خطط مميتة؟ لماذا ينتقلون، وبشكل سريع، من الإعجاب إلى عدم الفهم؟
لا يوجد أي دافع جدّي يبرّر موقف أهل الناصرة ما عدا كونه مرضاً في القلب يعارض كل أمر جديد وكل هبة ثمينة ممكنة. وكلما أصبحت الهبة قريبة ومجانية، زاد انغلاق القلب. غير أن النعمة المجانية فقط هي التي تستطيع أن تشفي هذا الألم وهذا المرض.
لم يستطع الناصريون، على غرار الفريسيين وغيرهم في الإنجيل، إدراك التجديد والجدّة في شخص يسوع. إن فكرة المسيح المنتظر تغلّبت على حقيقة الشخص الواقف أمامهم. بهذه الطريقة لم يسمحوا للروح القدس أن يريهم الحياة بطريقة جديدة تماماً. لاستقبال يسوع ورؤيته على حقيقته، من الضروري أن نصبح صغاراً وفقراء. فلهؤلاء يُعلن الخبر السار (لوقا ٤: ١٨، مَسحني لأُبشر الفقراء). هؤلاء هم فقراء الإنجيل، القادرون على إفساح المجال للتجديد من دون أفكار مُسبَقة. إنهم الصغار والفقراء المتميزون لأنهم يقبلون الشفاء. هم أهل قرى الجليل الذين استقبلوا يسوع على عكس أهل الناصرة.
إن موقف أهل الناصرة يثير الصدمة في نفوسنا.
إلا أنه ينبغي علينا توخي الحذر، ذلك لأن هذا الأمر يُمثّل ما في قلب الإنسان وكل واحد منا. إنه يمثّل أمراً يصعب علينا بسببه أن نشعر بالسعادة. إننا نفضّل ألف مرة أن نستحق ونسعى وراء الأشياء والحصول عليها من أن نستقبل أية هبة.
لقد جاء يسوع بالتحديد من أجل هذا الأمر، من أجل شفاء خطيئة الإنسان التي حالت دون الإيمان بحب الآب. ولهذا، من الضروري أن يدفع يسوع بنفسه ثمن النعمة التي يهبنا إياها، مُظهراً بذلك قيمة حياتنا في نظره.
+بييرباتيستا