عظة الأحد الثالث للفصح (ج)

الأب لويس حزبون

يصف يوحنا الإنجيلي رواية الصيد العجائبي في نهاية خدمة يسوع الرسولية، كي يقوّي إيمان التلاميذ ويشدد عزيمتهم في دعوتهم كصيادي بشر للقيام بالرسالة وبالعمل الكنسي. ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الإنجيلي.
اولا: وقائع النص الانجيلي (يوحنا 21: 1-14)
1وتَراءَى يسوعُ بَعدَئِذٍ لِلتَّلاميذِ مَرَّةً أُخْرى. وكانَ ذلكَ على شاطئِ بُحَيرَةِ طَبَرِيَّة. وتراءى لَهم على هذا النَّحْو.” تشير عبارة “تَراءَى” في اليونانية ἐφανέρωσεν الذي تُرجم في العربية “أظهر” يعني صار ظاهرًا، أو “أعلن عن نفسه” كما وعد يسوع لتلاميذه أن يذهبوا إلى الجليل كي يلتقوا به هناك (متى 28: 7). وعليه فإن هذه الظهورات هي إعلان يسوع عن نفسه لتلاميذه وغيرهم ليتأكدوا من قيامته. وقد وردت عبارة ” اِلتَّلاميذِ “سبع مرات في هذا النص الإنجيلي، دلالة على أهمية التلاميذ في المشاركة في رسالة الكنيسة. اما عبارة” بُحَيرَةِ طَبَرِيَّة” فتشير إلى احدى تسميات البحيرة، وذلك نسبة الى مدينة طبرية التي تأسست سنة 20م على ساحلها الغربي على اسم الإمبراطور الروماني طيباريوس (يوحنا 9: 1)، وقد استخدم الإنجيلي يوحنا الاسم الشائع وقت كتابته للسفر. وكانت تسمى قديماً بأسماء متنوعة، مثل “بحر كناره” (عدد 34: 11) و”كنورت”(يشوع 12: 3) نسبة إلى مدينة كيناريت التي كانت على ساحلها في الزمن القديم ((يشوع 19: 35)، وسميت هكذا لأنها على شكل كِنّاره؛ وهي معروفة أيضا بسهل “جينسارات” (متى14: 34)، ثم سُميت “بحيرة جناسرت” (أي بساتين الأمير) لقربها من إقليم جِناسر (1 المكابي11: 67) المشهور بالحدائق الملكية المحيطة بقصر الحاكم الروماني هيرودس على شواطئ الشمال الغربي من البحيرة (متى 14: 34) 4). ويطلق على البحيرة ايضا اسم ” بحر الجليل” (متى 4: 18) لوقوعها في الطرف الشرقي لإقليم الجليل. والمسيحيون يُسمُّونها “بحيرة يسوع”، لانَّ يسوع عاش حياته العلنية على ضفافها (متى6: 45). وأطلق سترابو (46 ق. م. – 24م) في موسوعته (التاريخ الجغرافي) على البحيرة طبرية اسم “طريخيا” أي المملح وذلك لوجود مكان لتمليح الأسماك، كما يؤكد ما جاء في كتاب ياقوت “قال لي من شاهد هذا الموقع انه يصاد منها نوع من أفضل السمك، يملح ويحمل إلى البلدان”. وأما في زمن پليني الأكبر المؤرّخ الروماني (23-97م) فسُميت باسم بحيرة “ترشيحه” نسبة إلى المدينة التي كانت في الطرف الجنوبي للبحيرة. وللبحيرة شكل بيضوي غير منتظم ويشبه القيثارة أو الكمثرى. ويبلغ أقصى طول لها من الشمال إلى الجنوب 21كم، وأقصى عرض لها من الشرق إلى الغرب 13كم؛ أما مساحته فهي 165كم2، وعمقها تقريباً 49م. وتقع أعمق أجزاء البحيرة على مستوى 254م تحت سطح البحر الأبيض المتوسط، وكتلة مياها نحو 4،236م3. وتبعد البحيرة مسافة 50كم عن البحر الأبيض المتوسط. وهي بحيرة عذبة تستمد مياهها من نهر الأردن. اما شاطئ البحيرة الفاصل بين البحر والأرض، فهو رمز العالم المتلاطم بالأمواج، وبين الأرض الصلبة.
2كان قدِ اجتَمَعَ سِمْعانُ بُطرُس وتوما الَّذي يُقالُ له التَّوأَم ونَتَنائيل وهو مِن قانا الجَليل وَابنا زَبَدى وآخَرانِ مِن تَلاميذِه.” تشير الآية ان عدد التلاميذ سبعة وهو الرقم الذي يشير “الى كمال الأزمنة” كما علق القديس أوغسطينوس. وربما كما يقول البعض أن القانون الروماني يتطلب سبعة شهود للشهادة. عل كل حال لقد مرَّ هؤلاء التلاميذ بحالة الشك، وكانوا بحاجة إلى مسيرة إيمانية طويلة كي يفهموا أنهم بعيدون عنه؛ فبطرس أنكر سيده (متى 26: 72)؛ وتوما شَكَّ بإيمانه بمعلمه (يوحنا 20: 25)، ونثنائيل شكَّ بأن يخرج من الناصرة شيء فيه صالح (يوحنا 1: 46)، وابنا زبدى أرادا أن يجلس واحد عن يمينه والآخر عن شماله في مجده الأرضي (مرقس 10: 37)، وطلبا ناراً تنزل على من رفض المسيح (لوقا 9: 55). قد بقي اثنان مجهولا الاسم، فربما هما فيلبس من بيت صيدا وأندراوس من كفرناحوم. وهؤلاء التلاميذ السبع هم من بين التلاميذ الاولين في إنجيل يوحنّا الذين بدأ يسوع بإظهارِ نفسِه لهم (يوحنا 1: 35 -51). اما عبارة “َابنا زَبَدى” قد استُعلمت هنا للمرة الأولى؛ وهذه التسمية غير مألوفة في أنجيل يوحنا. اما هذان الاثنان المجهولان الهوية فهما أنا وأنت، إذ لنا مكان أيضاً للمضي في تلك السفينة.
” 3فقالَ لَهم سِمعانُ بُطرُس: ((أَنا ذاهِبٌ لِلصَّيد)). فقالوا له: ((ونَحنُ نَذهَبُ معَكَ)). فخَرَجوا ورَكِبوا السَّفينَة، ولكِنَّهم لم يُصيبوا في تِلكَ اللَّيلَةِ شَيئاً” : تشير عبارة “أَنا ذاهِبٌ لِلصَّيد” الى عودة بطرس الى الحياة العادية السابقة لمزاولة مهنته في الصيد وكأن المغامرة التي عاشها هو والتلاميذ مع يسوع قد انتهت؛ خرج التلاميذ لصيد ليس كنوعٍ من الترفيه، وإنما للعمل، حتى يجدوا ما يسد احتياجاتهم المادية؛ أما عبارة “لم يُصيبوا في تِلكَ اللَّيلَةِ شَيئاً ” فتشير الى الإخفاق في الصيد بسبب غياب يسوع عن حياتهم ،فبدونه لا صيد مثمر؛ فالليلة تشير للظلام ورمزياً لغياب المسيح. وغياب المسيح يشير لهُ رمزياً أيضا بغياب السمك إذ ان السمكة باليونانية ιχθύς) ) وتحمل هذه الحروف أوائل حروف العبارة ησοῦς Χριστός, Θεοῦ Υἱός, Σωτήρ وتعنى يسوع المسيح ابن الله المخلص. لذلك اتخذت السمكة رمزاً للمسيحيين في أوائل عصور المسيحية.
4″فلَمَّا كانَ الفَجْر، وقَفَ يسوعُ على الشَّاطِئ، لكِنَّ التَّلاميذَ لم يَعرِفوا أَنَّه يسوع.”: تشير عبارة “الفَجْر” الى نور المسيح، شمس البر وهو النور الذي يبدد ظلمة الفشل؛ وهو الصباح الذي يظهر فجأة كي يزيل سلطان الظلام، “وقد جاءهم السيد في الصباح أي عند نهاية الأزمنة ” كما يعلق القديس أوغسطينوس. إنه نور العالم. أما عبارة ” وقَفَ يسوعُ على الشَّاطِئ” فتشير الى قيامة المسيح، العالم الجديد الذي يجب ان يأتي الرسل اليه. أما عبارة “الشَّاطِئ” فتشير الى الأرض الثابتة وهي تلميح الى ثبات القيامة بعكس البحر حيث كان التلاميذ، فالبحر رمز الشك والشر. وتلمِّح الآية ان يسوع نفسه هو الذي جاء الى تلاميذه، لان منه تأتي المبادرة. ولكن التلاميذ لم يعرفوه.

5فقالَ لَهم: ((أَيُّها الفِتْيان، أَمعَكُم شَيءٌ مِنَ السَّمَك؟ ((أَجابوه: ((لا)): تشير عبارة “الفتيان” باليونانية ( Παιδία,) الى علاقة قوية مع عاطفة وحنو نحو المتحدث إليهم ؛ هكذا تحدث السيد المسيح مع تلاميذه بروح الأبوة نحو أبناءٍ أعزاءٍ لديه ، إذ اصبحوا أبناء للَّه يتمتعون بالبنوة الإلهية. أمّا عبارة “أَمعَكُم شَيءٌ مِنَ السَّمَك؟” فتشير الى مبادرة يسوع إذ معه يصبح الصيد وافراً، فتعمّ البركة، وتفيض شباك الصيد بالخيرات.
6فقالَ لَهم: ((أَلقُوا الشَّبَكةَ إِلى يَمينِ السَّفينة تَجِدوا)). فأَلقَوها، فإِذا هُم لا يَقدِرونَ على جَذبِها، لِما فيها مِن سَمَكٍ كَثير.” تشير عبارة القوا” الى حركة عادية للصيد غير ان يسوع انجز العمل الذي بدأه التلاميذ كي يجعله أكثر فاعلية. وفي هذا الصدد يقول أوريجانوس العلاّمة “إنّ كلمة الرب تتضمن قوة تكفي من يسمعها حتى دون أن يفهمها”. اما عبارة “الشَّبَكةَ” فتشير الى شبكة يستخدمها الصيادون في بحيرة طبرية على شكل الجرس، لها أثقال من الرصاص مربوطة بأطرافها. وتُلقى الشبكة مسطحة مفرودة على المياه، فتقوم أثقال الرصاص بسحبها الى الأسفل فتغطِّي السمك تحتها حيث يجذب الصيادون بعد ذلك حبلا يسحبون به الشبكة حول السمك. إنَّ طاعة التلاميذ لكلمة يسوع أتت بنتائج فاقت جميع توقعاتهم. اما عبارة ” فإِذا هُم لا يَقدِرونَ على جَذبِها” فتشير إلى النجاح الذي يصيبه التلاميذ المتَّكلين على كلمة الله ونعمته لا على جهدهم الشخصي فقط.
” 7فقالَ التَّلميذُ الَّذي أَحبَّه يسوعُ لِبُطُرس: ((إِنَّه الرَّبّ)). فلَمَّا سَمِعَ سِمْعانُ بُطرُس أَنَّه الرَّبّ، اِئتَزَرَ بِثَوبِه، لأَنَّه كانَ عُرْياناً، وأَلْقى بِنَفْسِه في البُحَيرة. “: تشير عبارة “التَّلميذُ الَّذي أَحبَّه يسوع” الى التلميذ الحقيقي وهو أول من عرف الرب من خلال ” الصيد العجيب” (يوحنا 20: 2-10) وهو يوحنا الإنجيلي. لقد عرف يوحنا الرب، وذلك ان الرب صنع معجزة شبيهة (لوقا 5: 1-11) وهذا ما حدث يوم القيامة (يوحنا 20: 8) فهو الوسيط بين بطرس ويسوع. ونبّه بطرس، فألقى بطرس عندئذٍ بنفسه في المياه. أن وجود التلميذ الحبيب الى جانب بطرس يربط هذه النص بباقي الانجيل. أما عبارة أَحبَّه يسوعُ” فلا تشير الى اسم هذا التلميذ، إنما الى يوحنا الحبيب صاحب الانجيل الرابع، ولكن الكاتب لا يفصح عن اسمه ليجعل كل واحد مستعداً ان يصبح ذاك التلميذ الذي يحبّ يسوع ويُحبّه يسوع (يوحنا 19: 26-27)؛ فهو رمز للتلميذ المُخلِص الأمين الحبيب القريب من القلب؛ اما عبارة ” إِنَّه الرَّبّ” تشير الى معرفة يوحنا الحبيب ليسوع ولم يعرفه الآخرون، لان “لم يروا بذات النظرة” كما يعلق القديس ايرونيموس. ويقول الرب “طوبى لأَطهارِ القُلوب فإِنَّهم يُشاهِدونَ الله” (متى 5: 8)؛ أما عبارة “ثوب” باليونانية ἐπενδύτην فتشير الى سترة الصيّاد أو الثوب الخارجي، وهو أشبه بمعطف للرجال في عصرنا الحالي. أما عبارة “اِئتَزَرَ بِثَوبِه، لأَنَّه كانَ عُرْياناً” فتشير الى شقاء الانسان وضعفه وخجله بعد الخطيئة الأولى (التكوين 3: 7). اما عبارة “أَلْقى بِنَفْسِه في البُحَيرة” فتشير انه لم يغرق بطرس كما حدث في المرة الأولى لمّا سار على المياه بناء على طلب يسوع (متى 14: 30). وعلّق القديس يوحنا الذهبي الفم على هذه العبارة بقوله ” أن بطرس الرسول اتسم بالحماس والغيرة المتقدة، واتسم يوحنا بالهدوء، لذلك تعرف يوحنا بهدوء على شخص المسيح أولًا، لكن بطرس هو الذي جاء إليه أولًا حيث ألقى نفسه في البحر وسبح إليه، ولم ينتظر أن يأتي مع التلاميذ بالسفينة”.
” 8وأَقبَلَ التَّلاميذُ الآخَرونَ بِالسَّفينَة، يجُرُّونَ الشَّبَكَة بِما فيها مِنَ السَّمَك، ولَم يَكونوا إِلاَّ على بُعدِ نَحوِ مائَتَيْ ذِراعٍ مِنَ البَرّ. “: تشير عبارة “نحوِ مائَتَيْ ذِراعٍ” الى نحو 900 متر تقريباً بحيث ان كل ذراع يساوي 45سم.
” 9فلَمَّا نَزَلوا إِلى البَرّ أَبَصروا جَمْراً مُتَّقِداً علَيه سَمَكٌ، وخُبزاً.”: تشير عبارة “خُبز” الى علامة للعشاء الذي تناوله يسوع وتلاميذه في العشاء الأخير. وكما أخذ يسوع زمام المبادرة في العشاء الأخير كذلك قام هو نفسه هنا بالخدمة في تحضير الطعام.
“10فقالَ لَهم يسوع: ((هاتوا مِن ذلِك السَّمَكِ الَّذي أَصَبتُموه الآن)): تشير عبارة “أصَبتُموه” الى رفع يسوع من قدر التلاميذ مع انه لولاه لما استطاعوا شيئا كما صرّح يوما “لأَنَّكُم بِمَعزِلٍ عَنِّي لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا شيئاً” (يوحنا 15: 5).
11″فصَعِدَ سِمْعانُ بُطرُس إِلى السَّفينَة، وجذَبَ الشَّبَكَةَ إِلى البَرّ، وقدِ امتلأَت بِمِائَةٍ وثَلاثٍ وخَمسينَ سَمَكةً مِنَ السَّمَكِ الكَبير، ولم تَتَمزَّقِ الشَّبَكةُ معَ هذا العَدَدِ الكَثير. ” تشير عبارة “السَّفينَة” الى الكنيسة. وهنا نجد الكنيسة غير مقسومة بين مسيحيين جاؤوا من العالم اليهودي وآخرون من العالم الوثني، بل صارت رعية واحدة لراع ٍ واحد كما تنبّبا يسوع ” فيَكونُ هُناكَ رَعِيَّةٌ واحِدة وراعٍ واحِد”(يوحنا 10: 16)؛ اما عبارة “وجذَبَ الشَّبَكَةَ” فتشير الى دور بطرس في رئاسة الكنيسة (يوحنا 13: 23، 18: 16)؛ والقديس أوغسطينوس يعلق على هذه العبارة بقوله: “أن جذب الشبكة إلى الشاطئ يشير إلى تحقيق الدينونة في اليوم الأخير.” اما عبارة “لم تَتَمزَّقِ الشَّبَكةُ” فتشير الى الكنيسة، فالتلاميذ الذين يعملون بناء على كلام المسيح القائم من الموت، يباشرون العمل فيجمعون الناس من كل مكان في جماعة واحدة. ويختلف يوحنا عن لوقا فيشير الى ان الشبكة لم تتمزق، إذ نحن في العالم الجديد، حيث لا موضع للشر والانقسام (رؤيا:21: 1). ها هو المسيح يجمع الناس من كل جنس في جماعة واحدة؛ أما عبارة “ِمِائَةٍ وثَلاثٍ وخَمسينَ سَمَكةً” فتشير الى “الامتلاء” بحسب العلاّمة ايرونيموس، لان علماء الطبيعة الاقدمين لاحظوا ان هناك 153 صنفاً للسمك، وعليه فان شبكة الرسل عليها ان تجمع جميع الأسر البشرية في الكنيسة الواحدة (متى 13: 47-50). اما القديس أوغسطينوس فلاحظ أن المجموع 153 هي حصيلة جَمعِ كل الأرقام من 1 إلى 17. وهكذا نكون امام الرقم 17 المكوّن من (7) و (10) أي (10) رمز كلمات الله العشر، و(7) رمز الكمال رجال العهد الجديد السبع. اما البابا غريغوريوس يعلق على رقم (17) يقول ” أن كل عمل في العهد القديم يرتبط بالوصايا، وأنه يكمل في العهد الجديد بالروح القدس الذي يقدم سبع نعم ” روحُ الحِكمَةِ والفَهْم روح المَشورَةِ والقُوَّة روحُ المعرفةِ وتَقوى الرَّبّ” (اشعيا 11: 2-3). وهناك اجتهادات تفسيرية أخرى لرقم (153) فهو مكوّن من (3) و (50) و (100)، فالرقم(3) رمز الانتصار وتحقيق القيامة “في اليوم الثالث”، وفيه رمزيّة الثالوث: الآب والابن والروح القدس. والرقم (50) هو رقم سنة اليوبيل في العهد القديم، أي سنة الحرية، أما في العهد الجديد فهو يوم العنصرة وحلول الروح القدس. واما الرقم (100) فهو قطيع المسيح الذي لا يُعد ولا يحصى، ولا يهلك أحد من هذا القطيع، وهنا نذكر ال 100 خروف (متى 18: 12) والبحث عن الخروف الضال. وهناك تفسير آخر عن طريق القيمة العددية للأحرف العبرية، فلكل حرف في هذه اللغة قيمة عددية: تبدأ مع حرف الألف وقيمته (1) وتنتهي مع حرف التاء آخر حروف الأبجدية العبرية وقيمته (400)، وعليه فإن عبارة “أبناء الله” وفي العبرية בני לוהים” بنَي لوهيم” تساوي القيمة العددية 153 بحيث ان: ب = 2، ن = 50، ي =10، ل = 30، و = 6، هـ = 5، ي = 10، م = 40. اما عبارة “السَّمَكِ الكَبير” فتشير الى المؤمنين الذين يُحسبون عظماء في ملكوت الله.
“12فقالَ لهم يسوع: ((تَعالَوا افْطُروا!)) ولَم يَجرُؤْ أَحَدٌ مِنَ التَّلاميذِ أَن يَسأَلَه: مَن أَنتَ؟ لِعِلمِهم أَنَّه الرَّبّ. “: تشير عبارة “تَعالَوا افْطُروا” الى عشاء الرب الذي هو أكثر من طعام مادي. فالرب يسوع هو صاحب الدعوة: “هلمّوا افْطُروا!”؛ يدعو الرب لمشاركته في الوليمة الافخارستيا المعدة، لا سيّما وأن “السمك موضوع على الجمر والخبز معدّ” (يوحنا 21 / 9)؛ وما القربان إلاّ جمرة غافرة مطهِّرة توزّع لغفران الخطايا والحياة الأبدية.
“13فدَنا يسوع فأَخَذَ الخُبزَ وناوَلَهم، وفعَلَ مِثلَ ذلك في السَّمَك”: تشير عبارة “أَخَذَ الخُبزَ وناوَلَهم” الى عشاء الرب الذي يدعو اليه التلاميذ لتناول الافخارستيا. فالتلاميذ يُدعون ويشاركون في الطعام الذي يقدمه لهم المسيح القائم من الموت” (يوحنا 6: 1-13).
14″تِلكَ المَرَّةُ الثَّالِثَةُ الَّتي تَراءَى فيها يسوعُ لِتَلاميذِه بعدَ قِيامَتِه مِن بَينِ الأَموات. تشير عبارة “المَرَّةُ الثَّالِثَةُ” الى الظهور السابع للسيد المسيح بعد قيامته، والثالث للتلاميذ، وقد تمّ ذلك في اليوم الثالث من قيامته. فقد ظهر لتلاميذه للمرة الأولى لعشرة منهم (يوحنا 20: 19)، والمرة الثانية لإحدى عشر (يوحنا 20: 26)، وفي المرة الثالثة لسبعة منهم (يوحنا 21: 2). وكانت هناك ظهورات أخرى لأشخاص محددين مثل مريم المجدلية (يوحنا 20: 14) ومثل تلميذي عماوس (لوقا 24: 16).
ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي (يوحنا 21: 1-14)
انطلاقا من هذه الملاحظات الوجيزة حول وقائع النص الإنجيلي (يوحنا 21: 1-14) يمكن ان نستنتج انه يتمحور حول الصيد العجائبي ودعوة الرسل للرسالة التي يكلفهم بها يسوع القائم من الموت لتأسيس الكنيسة. وهذه الرسالة تتضمن مبادرة يسوع ومعرفته وتأسيس كنيسة قربانية ومرسلة
(1) مبادرة يسوع:
معظم احداث انجيل يوحنا حصلت في اورشليم وفي الهيكل، أما بعد قيامته فتمت الاحداث حول بحيرة طبرية في الجليل. فبعد أحداث الفصح، رجع التلاميذ الى الجليل لمزاولة مهنتهم في الصيد ليَعتاشوا منها وكأنّهم أضاعوا ثلاث سنوات من عمرِهم سُدى، لأنّهم فقدوا كُلَّ رجاء بخلاصِ يسوع. فأخذ بطرس المبادرة ودعا التلاميذ الى الصيد في بحيرة طبرية، لكنهم لم يصيبوا في تلك الليلة شيئا من السمك. فيما هم راجعون، عند الصباح وأياديهم فارغة، أتى يسوع إليهم ” وقف على الشَّاطِئ، وقال لهم ” أَيُّها الفِتْيان، أَمعَكُم شَيءٌ مِنَ السَّمَك”؛ فلم يعرف التلاميذ انه يسوع؛ وهذا ما نراه يَتَكَرَّر دائمًا في كلّ ظُهورٍ للمسيح القائم، لا يَعرِفونَه إلاّ من خِلالِ آية أو مَوقِفٍ مألوف عندَه لكي تبدّد الظلمة من قلوبهم وعن عيونهم؛ كما حدث مع مريم المجدلية عند القبر (يوحنا 20: 14)، وتلميذي عمّاوس عند كسر الخبز (لوقا 24: 16)؛ إنّ عدم معرفة يسوع القائم من الموت يدلُّ على التغيير أو التحوُّل الذي حصل في شخص يسوع بالقيامة. التلاميذ بحاجة الى آية لكي يعرفوه. فمريم المجدلية عرفته من صوته (يوحنا 20: 16) وتلميذا عمّاوس عرفاه عند كسر الخبز (لوقا 24: 30، 35)؛ وأما التلاميذ في رواية الصيد العجيب فلا حضور يسوع الجسديّ ولا كلمته سمَحا بمعرفتِه إنما هي “آية” الصيد العجيب، فعرف التلاميذ انه الرب يسوع الذي امرهم، “أَلقُوا الشَّبَكةَ إِلى يَمينِ السَّفينة تَجِدوا” (يوحنا 21: 6) وعرفوا انه الرب يسوع القائم الذي اعدّ الطعام لهم بيديه (يوحنا 21: 12)؛ويوحنا الحبيب هو اول من انفتحت عينيه وفهم مغزى الحدث كما حصل امام القبر الفارغ (يوحنا 20: 8) فقالَ لِبُطُرس: ((إِنَّه الرَّبّ)). (يوحنا 21: 7). لم يتراءى يسوع للرسل كي يتمتعوا بمشاهدته، بل ليُسيِّرهم في طريق الايمان الَّذِي يَشُوبُهُ الشَّكُّ بِالقِيَامَة ويدعوهم لحمل رسالة التبشير باسمه
(2) معرفة يسوع
اقترب يسوع من تلاميذه بصمت، ودخل في حياتهم وفي اهتماماتهم، وهم في البداية لم يعرفوه ثم أخذوا يَعرِفُونه من خلال وفرة السمك في الصيد مُتَذَكِّرِينَ الصَّيدَ الأَوَّل الَّذِي مِن خِلالِهِ دَعَاهُم لِيَكُونُوا صَيَّادِي النَّاس (لوقا 5: 1-11). وان الصيد العجيب إعادة الصلة بالماضي في بداية رسالته العلنية. ” ولَم يَجرُؤْ أَحَدٌ مِنَ التَّلاميذِ أَن يَسأَلَه: مَن أَنتَ؟ لِعِلمِهم أَنَّه الرَّبّ (يوحنا 21: 12)، لأن إيمانهم تحول الآن إلى معرفة؛ ويُبيّن لنا يوحنّا الإنجيليّ تكملة بين حضور يسوع الأرضيّ، الزمني (يوحنا 2/ 11؛ 17/ 6)، وحضوره المُمَجَّد بعد القيامة (يوحنا 21: 12).
فالصيد العجيب يجسد صورة القيامة. فيسوع حيٌّ بعد الموت وقد دعا تلاميذه الى الطعام، وأخذ يخدمهم ويهتم بهم. “13 فأَخَذَ الخُبزَ وناوَلَهم، وفعَلَ مِثلَ ذلك في السَّمَك” (يوحنا 21: 13) وكأننا في وليمة افخارستيا، وأمام هذا المشهد بدِّد شكَّهم ولم يَدَع لهم المجال أن يَسألوا من هو كما جاء في الانجيل “لم يجرؤ أحد منهم ان يقول: من أنت؟ لعلمهم انه الرب”. عرفوه كما عرفه التلميذ الذي يحبه يسوع. وفرحوا بوجوده وبمقاسمته الطعام المادي والروحي أي الافخارستيا.
أراد يوحنا في مشهد تناول يسوع الفطور مع تلاميذه ان يبيّن لهم أنه يسوع القائم من بين الأموات هو كائن حقيقي وشخصي، لا شبح من الاشباح. يسوع بينهم وهم يعرفون انه أصبح من عالم آخر، لقد بددت نعمة إيمان الفصح كل مقاومة في قلوبهم. تغيّرت حياة الرسل عندما أدركوا من هو يسوع. فعلى سبيل المثال تغيّرت شخصية بطرس من مندفع الى صخرة. وكذلك تغيّرت علاقته بيسوع. فقد غفر له الرب، وأدرك الآن مغزى كلمات يسوع عن موته وقيامته. وتغيّر عمل التلاميذ من صياد سمك الى “صيادي بشر”. وكان هذا الظهور للتلاميذ، هو الأخير، في إنجيل يوحنّا، قبل تكليفهم برسالة الانجيل.
(3) رسالة التلاميذ لتأسيس الكنيسة
يمثل الصيد العجيب رسالة الى الرسل التي يكلفهم بها يسوع القائم من الموت، فيسوع دعا التلاميذ لان يكونوا “صيادي بشر” (متى 4: 18-22)؛ وتكمن هذه الرسالة بحسب انجيل يوحنا في تأسيس كنيسة قربانيه ومرسلة.
ا) كنيسة قربانية:
بعد الصيد دعا يسوع تلاميذه للوليمة التي أعدّها لهم؛ اخذ يسوع الخبز وناول تلاميذه ومن ثم السمك. في الخبز والسمك تلميح الى الافخارستيا. إن آباءَ الكنيسة، يرون هنا صورة المسيح: “السّمك المشوي، إنه المسيح المتألّم “الخُبزُ الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّماء ” (يوحنا 6: 41)؛ وكذلك في عِلمِ الأيقونات، الخبز والسمك يرمزان إلى العشاءِ الإفخارستييّ. هكذا من خلال هذا النصّ، يوحنّا يُشير إلى قرَّائه إلى أن احتفالاتهم الإفخارستيّة هي امتداد وتأوين لما عاشَه الشهود الأوّلون للقيامة. ويؤكد بولس الرسول هذه التعليم بقوله “فإِنَّكُمَ كُلَّمَا أَكَلتُم هَذا الخُبْز وشَرِبتُم هذِه الكَأس تُعلِنونَ مَوتَ الرَّبِّ إِلى أن يَأتي ” (1 قورنتس 11: 26). ومع ذاك لم تنقطع الكنيسة قط عن الاجتماع للاحتفال بالسر فصحي عن طريق الافخارستيا التي نذكر فيها انتصاره يسوع على الموت وفي الوقت نفسه نرفع فيها ” الشُّكرُ للهِ على عطائِه الَّذي لا يُوصَ”. (2 قورنتس 9: 15). وهذا الجو من الايمان والفرح الفصحى يجب ان يسود كل احتفالاتنا في القداس الإلهي.
أشبع يسوع تلاميذه من الشبكة الفارغة وأشبع الألوف من خمس أرغفة، كذلك يشبع جوع البشرية من خبزه الذي يتحوّل في كلّ ذبيحة إلهيّة. ان كل عمل يتمّ في الكنيسة ينتهي بوليمة المشاركة كعلامة للحضور الإلهي حيث يُحتفل بحضور المسيح السرّي القائم من الأموات فيكسر خبز جسده ويهرق دمه الذي يغذّي الكنيسة ويحييها. فالإفخارستيا تكشف لنا سّر ابن الله وتقودنا إلى الإيمان به كما حدث مع تلميذي عماوس عند كسر الخبز كما جاء في انجيل لوقا “لمَّا جَلَسَ يسوع معَهُما لِلطَّعام أَخذَ الخُبْزَ وبارَكَ ثُمَّ كسَرَهُ وناوَلَهما. فانفَتَحَت أَعيُنُهما وعرَفاه ” (لوقا 24: 30-31).
وأما سؤال يسوع لتلاميذه “أعِندَكم شيء يؤكَل؟” (يوحنا 21: 5) فيترَدَّد في أناجيل القيامة! وكأنه مقدمة لِما تقومُ عليه القيامة وهو الافخارستيا. اليوم، في وسطنا، يعطينا يسوع نفسه لنأكل ويقول لنا “انظروا وتذوقوا ما أطيّب الرب”… خذوا جسدي، اشربوا دمي. أعطيكم القوّة كلّ يوم كي تعبروا من الشكّ إلى الإيمان، كي تخرجوا من القبر، كي تعبروا البحر. أنا لست بشبح. وعليه أعلن يوحنا الحبيب ” ذاكَ الَّذي رَأَيناه وسَمِعناه، نُبَشِّرُكم بِه أَنتم أَيضًا لِتَكونَ لَكَم أَيضًا مُشاركَةٌ معَنا” (1 يوحنا 1: 1-2).
إنه يسأل ليعطي وكأنه يبرِّر عطاءه! عَطِيَّتِه تسبِق عَطِيَّتَنا له، ولَكِنَّه يُريدُ من كلِّ تلميذٍ أن يكونَ مِثله، أن يُعطي على قدرِ طاقتِه، ولكننا لا نستطيع أن نعطي إن لم نأخذ عطيَّته أوّلا وهي جسده! فكلَّ واحدٍ مِنّا مدعوٌّ أن يكونَ قربانٌ يُؤكل مِن أجلِ الملكوت.
ب) كنيسة مرسلة:
تقوم رسالة الكنيسة الأساسية على نقل البشارة “الإنجيل” إلى أقاصي الأرض، كما جاء في تعليم يسوع “كما أَرسَلَني الآب أُرسِلُكم أَنا أَيضاً” (يوحنا 20: 21). وقد حصلت الاعجوبة بعد الفصح وذلك يعني ان ساعة التلاميذ قد دنت ليأخذوا شبكة معلمهم ويلقوها في البحر. فبأمر من يسوع يتوجب عليهم ان يلقوا الشبكة “أَلْقُوا الشَّبَكةَ إِلى يَمِينِ السَّفِينَةِ تَجِدُوا”(يوحنا 21: 6). مِن دون كلمة المسيح تبقى شبكة الرحمةِ فارغة؛ أمَّا مع كلمة المسيح فالشبكة تمتلئ ولا تتمزّق لان الله يحفظ رعيته ويجمع البشر في ملكوت الله. إن لكلمة الرب سلطانا كبيرا، كما قال النبي أشعيا “كما يَنزِلُ المَطَرُ والثَّلجُ مِنَ السَّماء ولا يَرجِعُ إِلى هُناك دونَ أَن يُروِيَ الأَرض ويَجعَلَها تُنتِجُ وتُنبِت لِتُؤتِيَ الزَّارعَ زَرعاً والآكِلَ طَعاماً فكذلك تَكونُ كَلِمَتي الَّتي تَخرُجُ مِن فمي: لا تَرجِعُ إِلَيَّ فارِغة بل تُتِمُّ ما شِئتُ وتَنجَحُ فيما أَرسَلْتُها لَه ” (أشعيا 55: 10-11).
فالشبكة تشبه الرسالة التي بقوّةِ طاعة لكلمة المسيح تستطيع اصطيادَ النفوس لتُعيدها الى ربِّها ومُخلِّصها. فالتلاميذ مدعوون ان يتَلمِذوا جَميعَ الأُمَم (متى 28: 19)، كما ترمز الى عدد 153 سمكة التي اصطادوه؛ إذ إن مجموعة السمك (135) التي اصطادها التلاميذ ترمز إلى كلّ أصنافِ البَشَر الذين هم مَدعوون للدخول الى المَلكوت بواسطة بِشارةِ التلاميذ؛ أما السمكة في اللغة اليونانية “ΙΧΘΥC” فهي أول كل حرف لخمس كلمات معناها “يسوع المسيح ابن الله المُخَلِص”. فالتلاميذ عليهم ان يبشّروا الشعوب كي يؤمنوا بالمسيح ابن الله المخلص كما ترمز اليه السمكة. والكنيسة تتابع بشارة الرسل؛ وعليه فإن الكنيسة مَدعُوَّة أن تَفتَحَ أبوابها لكل البشر كي تجمع الشعوب والأمم في الوحدة وتمنحهم ملء النعمة والخلاص!
فالكنيسة مدعوة على مثال مؤسّسها بأن تضم الأشرار والأخيار حيث استعمل كارل راهنر هذا التعبير “كنيسة الخاطئين المقدّسة”. ويمثل عدد السمك (135) ضخامة عمل الغد. اما السفينة فتدُل على الكنيسة، والشبكة تدُل على الرسالة، والصيد الوفير يدُل على الثمار الكثيرة للبشارة. وهنا وَعدٌ بأن شِبكة الكنيسة لم تتمزق بل تبقى قوية متماسكة متينة صَلبة رغم المتاعب والمصاعب. إنها ترمز إلى وحدة الجماعة التي من أجلها صلب المسيح وهي تماما “كالجنود الذين لم يمزقوا القميص بعد صلب يسوع” (يوحنا 23: 19).
وعليه فان الكنيسة “ستبقى واحدة مهما كثُر المؤمنون” كما يصرّح العلامة الاب لاغرانج. ويتوقف نجاح رسالة الكنيسة على حضور الرب القائم من الموت، وعلى كلمته كما صرّح السيد المسيح “لأَنَّكُم بِمَعزِلٍ عَنِّي لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا شيئاً ” (يوحنا 15: 5). فعمل الكنيسة الرسولي يتمّ بكلمة يسوع وحضوره الحيّ الحَاضِر فِي كَنيِسَتِهِ وَمَعَ كَنِيسَتِهِ “فِي البَدءِ كَانِ الكَلِمَة وَالكَلِمَة كَانَ مَعَ الله وَكانَ الكَلِمَة الله (يوحنا 1: 1). ولا تحقّق الكنيسة هدفها إلاّ بنعمة الروح القدّس. فالكنيسة هي العلامة المميزة في عصرنا الحاضر التي يتعرّف فيها الناس على يسوع الحيّ والقائم من الموت.
خلاصة
تتلخص راوية ظهور يسوع على شاطئ البحيرة في ثلاث نقاط: حقيقة ومعجزة وعقيدة. اما الحقيقة فهي قيامة المسيح؛ واما المعجزة فهي معجزة الصيد العجائبي ومن خلالها التعرف على المسيح الحي القائم من بين الأموات. واما العقيدة فهي قدرة المسيح الإلهية على الكون وتأسيسه كنيسة قربانية ومرسلة لنقل البشارة “الإنجيل” إلى أقاصي الأرض التي تبشّر كما جاء في وعظة بطرس الأولى ” فيَسوعُ هذا قد أَقامَه اللّه، ونَحنُ بِأَجمَعِنا شُهودٌ على ذلك”. هذه هي مُهمّة الرُسل الحقيقية ورسالة الكنيسة الأساسية.
ولنختتم بحثنا مع تساؤلنا مع القديس البابا غريغوريوس الكبير عن رموز الصيد العجائبي “إلى ماذا يشير البحر إلا للعصر الحاضر الذي يضطرب بضجيج الظروف وفوضى هذه الحياة الفانية؟ ماذا تعني صلابة الشاطئ إلا استمرارية السلام الأبدي غير المنقطع؟ وحيث أن مخلصنا قد عبر فعلًا إلى ما وراء الجسد الفاني، لذلك وقف بعد قيامته على الشاطئ كمن يتحدث إلى تلاميذه بتصرفاته الخاصة بسرّ قيامته”.

دعاء
أرسل لنا يا ربّ صيّادين قدّيسين يُطيعونَ مشيئتِكَ ويعملونَ بها. ويقودنا إلى شاطئ الأمان والسلام، كم خلال كنيستك الواحدة، المقدسة الجامعة والرسولية. آمين