عظة الأحد الثاني للفصح (ج)
الأب بيتر مدروس
كان المسيحيّون الأوّلون من أصل عبريّ “يجتمعون تحت رواق سليمان”: هذا قبل القطيعة مع اليهود التي ستبدأ عند دمار الهيكل سنة 70 للحساب الميلادي وتكتمل سنة 90 م في أثناء مؤتمر “يبنيه” حيث تبرأ العبرانيون نهائيًّا من ال “مينيم” (حرفيًّا “الأشكال”) أي المسيحيّين وصاغوا “على شرفهم” “بركة” جديدة أي لعنة زادوها على البركات الثماني عشرة أي تسابيح الله، وكأنّ معشر اليهود لا يعرفون أن يسبّحوا الله من غير أن يلعنوا المسيحيّين، وما أشبه الأمس باليوم!
“جرت معجزات على أيدي الرسل”! ونحن اليوم، في القدس وبغداد ودمشق وطرابلس الغرب واليمن وباكستان …نرجو معجزات كبيرة!
“ظِلُّ بطرس” يشفي المرضى بقوّة المسيح القائم من بين الأموات. فلا مانع من تقبيل يد الكاهن التي تحمل كأس القربان، وقد تألّق كثير من رؤساء الدول الغربيين بتقبيل أيدي السيدات بما فيهنّ الممثّلات! “سامحونا!”
“كثيرون كانوا ينضمّون إلى الربّ بالإيمان” بحيث أنّهم لا يعتنقون فقط ديانة جديدة بل يعانقون المسيح الحيّ!
“يوم الرب” والضيقات الشديدة (رؤيا 1 : 9 وتابع)
ثلاث كلمات لخّصت واقع مسيحيي آسيا الصغرى ولعلّها اليوم توجز وضعنا في باكستان والشرق الأوسط وبعض دول أفريقيا والاضطهاد المبطّن في الغرب نفسه ولا سيّما فرنسا وألمانيا وبلجيكا : الضيقة والملكوت والثبات. فشدائدنا تبني فينا الملكوت شريطة أن نتحلى بالثبات، “ومن صبر إلى المنتهى نال الخلاص”.
“كنتُ أنا يوحنا في جزيرة بطموس … فاختطفني الروح يوم الرّبّ”. يعتقد مفسّرون أنّ ذلك كان أيّ يوم من الأسبوع على أساس أن كل يوم هو للرب. ولكن التقليد والمفردات المسيحية في اليونانية حدّدت “الأحد” كيوم للرب ، كيرياكيه من كيريوس اي الرب، اليوم الرباني Κυριακήوفي الارمنيّة جيراجي Կիրակի. ونجد التمسك بالسبت عند إخوتنا السبتيين، ومخالفة الأحد عند بدعة “شهود يهوه” (التي انبثقت من السبتية وخرجت عن المسيحية) إذ يقوم دعاتها بجولات على بيوت البشر المسيحيين ايام الآحاد لمنعهم بطريقة غير مباشرة من الذهاب إلى الكنيسة أو لتشجيع كسل بعض القوم فيأتيهم حسب توهمهم “كلام الله” إلى حدّهم بدل أن يكلّفوا أنفسهم عناء المسير أو السفر إلى الكنيسة!
“الانغلاق الرّسوليّ” الحكيم ومغفرة الخطايا (يو 20 : 19-31)
مَثَلنا كمَثَل الرّسل والتّلاميذ الأوّلين، بشر ضعفاء يخشون الشّرّ والأشرار. “والذي لا يخاف لا يخيف”، وكما أن الجُبن رذيلة فكذلك الجرأة الزائدة التي ترمي الإنسان في المخاطر والمهالك. فلنغلقنّ أبوابنا “إلى أن يعبر الغضب”! نعم، “كان التلاميذ في دار غُلّقت ابوابها” والعبارة في صيغة المبالغة اقوى من “أغلقت ابوابها”. قام يسوع القائم من بين الأموات بينهم وقال “السلام عليكم”، سلام عبري يهودي آراميّ. ولكنّ يسوع السلام يعطي السلام الحقيقيّ الداخلي بمغفرة الخطايا : “من غفرتم لهم خطاياهم تُغفَر لهم، ومن أمسكتم عنهم المغفرة تُمسَك عنهم”: فلا يدّ من الاستماع إلى الخاطىء نفسه – لا إلى حماته ولا إلى غريمه، ليتأكد الرسل وخلفاؤهم الأساقفة والكهنة من خطيئته ومن توبته.
ويوصي قداسة البابا فرنسيس في إحدى رسالاته “اسم الله هو الرحمة” أن يكون المعرّفون من أساقفة وكهنة مليئين بالشفقة والتفهم والمراعاة لمشاعر التائبات والتائبين وعدم الإثقال عليهم بما ليس ضروريًّا. وينصح التائبين ألاّ يصيبهم يأس ولا إحباط مهما كثرت معاصيهم.
خاتمة
هذا الفصل العشرون من الإنجيل كما أوحى الله به وألهمه إلى الرسول الحبيب يوحنا غنيّ بالمعاني والمفاهيم والعِبَر الروحانية والراعويّة ويضيق بها هنا المقام. فلنسألنّ الرب المسيح الحيّ أن يجعلنا، مع الشدائد، أهلاً للتطويبة : “طوبى للذين آمنوا ولم يرَوا”!