قبل سعادة البقاء فرح العطاء

الأب بيتر مدروس

(حكمة 1: 13- 25، 2 قورنثوس 8: 7- 15)
خلود الرّوح (حكمة 1: 13 وتابع)
يتفلسف مبدعون منهم أتباع “اليوم السّابع” وشهود يهوه ومشايعوهم معلنين أنّ “النّفس تموت” بمعنى الرّوح ومؤكّدين أنّ الأشرار سوف “يُفنَون”. صحيح أنّ كلمة “نفس” تعني أحيانًا “كائن حيّ” –حتّى الحيوان، ولكن خصوصًا بني آدم: “النّفس التي تخطأ هي الّتي تموت” أي “الإنسان الّذي يخطأ” لا والده ولا جدّه ولا ابنه ولا حفيده (عن حزقيال 18). ولكنّ “الرّوح” خالدة، كما ورد في سِفر الجامعة قوهيليت (12: 7): “يعود التّراب إلى الأرض حيث كان، وتعود الرّوح إلى الله الّذي أعطاها”.
ولا يجد المرء في أيّ موضع من الكتب المقدّسة “فناء” الأِشرار في الآخرة بل عذابًا مؤبّدًا. وهنا يحرّف “شهود يهوه”(وهم بدعة يهوديّة الاتّجاه صهيونيّة الأسماء والأهداف) الآية المقدّسة في متّى 25: 46: “يذهب هؤلاء إلى العذاب الأبديّ” ويبدّلون “العذاب” (بما أنّه لا يوافقهم) إلى “قطع أبديّ”، مع أنّ الكلمة الأصليّة اليونانيّة هي ” κόλασιςكولاسيس” وتعني: “عذاب، عقاب” ( 2 مكابيّين 4: 38،فيلون الإسكندريّ الشّرائع 1، 55، يوسيفوس فلافيوس العاديّات اليهوديّة 1، 60…).
وهذا التّعليم الفظيع الخطير لا أخلاقيّ – أي فناء الخطأة- إذ يشجّعهم بشكل غير مباشر ولكن أكيد على الاسترسال في الآثام بقولهم: ” لا بأس علينا إذا خطئنا! لا نريد أن نقوم في الآخرة، فنحن بهذه الدّنيا ومتاعها مكتفون!” وهكذا، تكتمل دائرة الإثم والتّحريض على الشّرّ بتعليم آخر يهوهيّ يهوديّ لا أخلاقيّ وهو “بطلان الوصايا العشر” (“يمكنكم أن تحيوا إلى الأبد في الفردوس على الأرض”، ص 206، رقم 10).
“ليتوفّر سخاؤكم في عمل البِرّ” ( 2 قور 8: 7 وتابع)
صحيح أنّ أحوال معظم العرب المسيحيّين في الشّرق عسيرة. ولكن، طالما أتيحت لنا الفرصة ، فلنحسن إلى الكلّ ولا سيّما أهل بيت الإيمان” (غلاطية 6: 10). ولنذكرنّ القول السّيّديّ المأثور: “هنالك فرح في العطاء أكثر منه في الأخذ” (أعمال 20: 35). وقداسة الحبر الأعظم فرنسيس هو بابا “الفرح” والعطاء، فكلّ رسائله تحوي الفرح: “فرح الإنجيل” و “فرح الحبّ” و “افرحوا وابتهجوا”، وهذا الفرح هو نتيجة “رحمة الله”.
قال أبو الطّيّب المتنبّي:
“لكلّ امرىء من دهره ما تعوّدا وعادة سيف الدّولة الطّعن في العدى”
بصرف النّظر أنّ بيننا مثل “الحمداني” نفرًا كثيرًا، لنا من دهرنا ما تعوّدنا في شأن الأخذ والعطاء. وقد يكون الإكليروس ولا سيّما الكاثوليكيّ قد عوّدنا أن يعطينا كلّ شيء بحيث أمسى صعبًا علينا أن نقدّم ونتبرّع ونتطوّع، كما كان يتندرّ قدس الأب الرّاحل ألفريد عطيّة ابن لبنان البارّ وأحد كهنة بطريركيّتنا اللاّتينيّة: “البطريرك بطريركنا، والكنيسة كنيستنا والمدرسة مدرستنا، ولكن المصاريف ليست علينا”.
خاتمة: لنعطينّ باتّزان وفطنة
طمأننا الرّسول (لئلاّ نصاب بنوبة قلبيّة ولا بارتفاع في الحرارة والضّغط والسّكّري!):” لا أعني أن تكونوا في عُسر ليكون غيركم في يُسر” (وكان الوالد الغالي، رحم الله روحه، يقول: “إنفع صاحبك بشيء لا يضرّك”. ويستمرّ رسول الأمم الإناء المختار:”بل أعني أن تكون بينكم مساواة، فإذا سدّت اليوم سعتكم ما بهم من عوز، سدّت سعتهم عوزكم غدًا… كما ورد في الكتاب: “المُكثر لم يفضل عنه، والمُقلّ لم ينقصه شيء”!