محبّتنا لله بالقول والفعل والحقّ وإيماننا الفاعل بالمحبّة

الأب بيتر مدروس

محبّتنا لله بالقول والفعل والحقّ وإيماننا الفاعل بالمحبّة

أوصى الله وكليمه موسى شعب العهد القديم أن “يعقدوا كلمات الرب على أيديهم لتكون عصائب بين عيونهم” على جباههم (تثنية 11: 18). وهكذا تكرّرت العبارات الواردة في نداء “شماع يسرايل” أي “إسمع” (تث 6: 4 وتابع) في ضرورة حفظ كلام الله قبل التصرّف والتحرّك فيكون دوما “على رؤوسنا” كما تقول اللهجة العامّية أي لكيما ندين بالسّمع له والطّاعة. واستندت تلك الفريضة على العقيدة “أنّ الرب الهنا اله أحد”. وعلى العبرانيين المتدينين أن يعلنوا مرّتين في النهار هذا النداء كدعاء ودعوة بوحدانية الله – التي يذكرها العالم الاسلامي خمس مرّات في اليوم. وتكررها النقوى المسيحية في كل قداس: “نؤمن باله واحد” وكلمته وروحه لا بثلاثة آلهة. وسرعان ما أخذ معشر اليهود وصية المحافظة على كلمات الله وفسّروها حرفيّا وماديّا فعقدوا على أيديهم وعلى جباههم نص تثنية 6: 4 – 9، ثم 13: 1 – 16. وزادت حماسة جماعة قمران الايات من تثنية 5: 1 حتّى 6: 3.
انزلقت حينا التقوى من الروح إلى الجسد ومن الجوهر الى المنظر ومن الجذور إلى القشور ومن المحافظة المعنوية الاخلاقية الروحانية إلى عقدة وعُصابة على اليدين والجبهة. وسهل التدهور من “العُصابة” إلى “التعصّب”. وما تردّد السيّد المسيح له المجد أن ينتقد القوم المنافقين المرائين الذين كانوا “يطوّلون عصائبهم” ويعرّضونها (عن متّى 23: 5)، في حين أنّ أتقياء العرب كانوا يتوسّمون الخير في “السيماء في وجوه ” المتّقين.
وتؤكّد لنا الرسالة الى أهل رومية (3: 21 وتابع) أن الخلاص لا يأتينا نحن المسيحيين بفرائض خارجية طقسية ما طلبها الرب يسوع منّا – لا ختان ولا غُسل بعد المعمودية ولا تمييز في المأكولات ولا حفظ سبت (عن قولسي 2: 16) ولا كهنوت ذبائح المواشي وسواها من أحكام كانت جدارا وما تزال بين العبرانيين وغيرهم. يجلب لنا الخلاص إيماننا بيسوع مسيحا وسيّدا وربّا – إعلان إيمان يتميّز عن الاعلان اليهودي بوحدانية الله فقط، ولا نقدر أن نعلن عقيدتنا هذه إلاّ بإلهام من روح القدس (عن قورنثوس الاولى 12: 3).
ولكن إعلان الايمان لا يكفي، كما لا يكفي الصراخ “يا رب يا رب” (عن متّى 7: 21). بل يجب أن يتكلل الايمان بالمحبة (عن قورنثوس الاولى 13: 1 – 13)، بما أنّ “من أحبّ يسوع سمع كلامه” و”الذي يريد أن يدخل الحياة عليه أن يحفظ الوصايا” لا عن ظهر القلب بل من القلب. وأكّد رسول الامم الاناء المختار بولس أن “ما له وزنه هو الان الايمان العامل بالمخبة، لا الختان ولا القلف” (غلاطية 5: 6). وكتب أول اسقف لمدينتنا القدس مار يعقوب أن الايمان من غير أعمال ميّت، فحسب قوم رسالته المهلمة الموحى بها من غير قيمة.
أهّلنا الربّ الواحد بقوّة روحه وكلمته أن “نعمل للحق في المحبة” (عن أفسس 4: 15) وأن “يكون إيماننا بالمحبة فعّالا”، لان المسيح كلمة الله لا يرضى بالكلام ولا يطلب منّا براعة الكلام بل التنافس في المحبة التي تدخلنا “ملكوت الله” فنعاين اله الملكوت، نحن الذين “آمنوا به مع أنهم لم يروه”!