Liturgical Logo

“إنّ محبّة المسيح تحثّنا”

الأب بيتر مدروس

يكتب رسول الأمم الإناء المختار بولس في رسالته القانونيّة الثّانية إلى القورنثيين ( 4 : 15): “إنّ محبّة المسيح تحثّنا ” أو ” تأخذ بمجامع قلوبنا”. ولكن ماذا يعني “المضاف إليه” في هذه الآية :”المسيح” ، أهو إشارة إلى الفاعل أي محبّة المسيح لنا ، أم المفعول محبّتنا نحن للمسيح؟ يرى قدس الأب اليسوعيّ الرّاحل ستانيسلاس ليونيه أنّ المضاف إليه المذكور في عبارة “محبّة المسيح” هو في نفس الوقت إشارة إلى الفاعل والمفعول أي إلى محبّة الرب يسوع لنا وإلى محبّتنا نحن له ، بحيث أنّ المضاف إليه هنا هو “روحاني سرّيّ أثيل ” يسمو على كلّ تحديد !
أمّا الفعل اليوناني “سنينخيه” συνεχει فإنّه غنيّ بالمعاني والمدلولات. هو مركّب من حرف “سينن” أي “مع” و فعل “إيخيه” أي “مَلَكَ”، بمعنى أن محبّة المسيح تملِكُنا وتملِك علينا وتحتوينا وتضغطنا وتضمّنا وتحثّنا . طبعاً، المقصود هو محبة السيّد المسيح لنا ومحبّتنا نحن للمسيح كنتيجة أو ثمرة لمحبّته هو – له المجد – لنا. وكانت تلك الآية شعاراً لمثلّث الرحمات البطريرك اللاتيني المقدسيّ لويس برلسينا.
ويلحظ المرء مرّة أخرى هنا تهرّب بعض البِدّع الغربيّة أمريكيّة الصّنع يهوديّة المنبع والأهداف – تهرّبها من مركزيّة شخصيّة السيّد المسيح. فعلاً، في “ترجمة العالم الجديد” (على الأقلّ في النصّ الانكليزي والفرنسي) لبدعة “شهود يهوه” اليهوديّة التي تدّعي المسيحيّة أو تتوهّم الانتماء إليها ، اختار ناقلو بروكلين أن يقدّموا الآية هكذا: “إنّ محبّة المسيح (لنا) تأخذ بمجامع قلوبنا” أو “تضغط علينا” أو “تجبرنا”، بحيث أنّ لا التزام “منّا” بالمحبّة للمسيح بل تأتي المحبّة فقط منه هو، ولا انتماء منّا للمسيح بل المبادرة منه هو والعمل – بحيث أنّ “محبة المسيح لنا” هي حبّ من طرف واحد، والحب من طرف واحد لا يجدي نفعاً ولا يبني علاقة ولا يؤسّس أسرة!
أمّا الفعل الفرنسي “كونترين” contraint (الذي ينقل اليوناني “سينيخيه” ) في “ترجمة العالم الجديد” (على الأقلّ في النصّ الفرنسي) فيعطي انطباعاً أنّ حبّ المسيح لنا – ولسان حالهم أنّ هذا الحب ما طلبناه ولا تمنّيناه – يحرجنا ويجبرنا ويضيّق علينا ونحن عليه مكرهون! وهكذا يَصدق في هذه البدعة الأمريكيّة اليهوديّة وسواها قول القديس العبقري الراهب الدومنكاني توما الأكويني علاّمة عصره وابن الكنيسة الأمين: ” تتلخّص كلّ البِدّع في تقليلها من قدر السيّد المسيح” – إمّا مباشرة بالطعن به (وإنكار إلوهيّته الكاملة أو فدائه الشامل ) أو بشكل غير مباشر عن طريق الاستهانة بوالدته الطهور وإنكار بتوليّتها الدائمة ووجاهتها وكونها أمّ البشرية بأسرها، وانتقالها المجيد إلى الأخدار السماويّة نفساً وجسدا، وأيضاً عن طريق التنكّر للخلافة الرسولية في الكنيسة والتشنيع بقداسة الحبر الأعظم وإنكار الكهنوت والدرجة الأسقفيّة والقدح بالكنيسة المقدّسة الجامعة الرّسوليّة. وفعلاً تختفي كلمة “كنيسة” من “ترجمة العالم الجديد” (مع أنّ اللفظة اليونانيّة المعروفة إلى أيّامنا هي “اكليسيا” (εκκλησια لتحلّ محلّها كلمة “جماعة” التي تذكّر بالجماعات اليهوديّة أكثر منها بكنيسة المسيح التي هي “بيت الله الحيّ وهي عمود الحقّ وركنه” (عن تيموثاوس الأولى 3 : 15). وتلقى هذه الكلمات أيضا تحريفاً عند تلك البدعة التي تنقلها كما يلي:”الجماعة التي هي بيت الله الحي وهي عمود للحق وركن له” أي أحد الأعمدة والأركان فقط لا العمود ولا الركن.
نعم، إنّ محبّة المسيح تأخذ بمجامع قلوبنا وتضمّنا وتحتوينا من غير أن تحرجنا ولا أن تضيّق علينا، في حركة حبّ إلهيّ “قويّ كالموت” بل أقوى من الموت. وبعد استشهاد السيّد المسيح وقيامته من أجلنا، لا يجوز “للأحياء أن يحيوا لأنفسهم بل من أجل الذي مات وقام من أجلهم”.