الأحد الأول من زمن المجيء (أ. مدروس)
الأب بيتر مدروس
يتنبّأ إرميا ابن “عناتوت” (اليوم عناتا شمال شرقي القدس في فلسطين) عن نبت صالح لداود “يجري الحكم والعدل في الأرض”. وما تمّت هذه النبوّة ولن تتمّ إلاّ بالمسيح الملك الذي أتى وسوف يعود وهو “الرب بِرّنا”.
وفي الكنعانيّة تعني لفظة “صيدق” – مثل اليونانيّة “ذيكايوسينه” δικαοισυνη – أوّلاً العدالة وثانياً الصلاح والبِرّ والقداسة، بما أنّ العدل يقضي بأن “نُعطي كلّ ذي حقّ حقّه” انطلاقاً من حقّ الله ثمّ حقّ القريب وآخراً حقّنا لأنفسنا على أنفسنا من غير أنانية ولا كبرياء ولا غرور.
وبمنطق إلهيّ من الوحي والإلهام ، وحكمة إنسانيّة تعلّمها إرميا من خبرته الأليمة بالقهر والظّلم والنفي واغتصاب الأرض وقمع البشر واستعبادهم – يكتب النبيّ: “تسكن أورشالم في الدّعة” وكأننا به يردّد ما أوحى به الله إلى المقدسيّ اليبوسيّ أشعيا: “ويكون عمل العدل سلاماً وفعل العدل راحة ودعة (ونزيد الدعة من الوداعة!) … ويسكن شعبي في بهاء السلام ” أو واحة السلام (أش 32 : 17 – 18 أ). فلا فائدة من الكلام العبريّ المستمرّ عن “السلام” و “الأمن” من غير عدالة. وكما قالت جمعيّة الأمم المتّحدة – مجابهة “اللّمَم الملحد”- أنّ من حقّ الشعوب تقرير مصيرها. ولن يضيع حقّ له مُطالب ولو بعد خمس وستّين سنة أو ألف سنة.
المسيح هو الملك العادل القدّيس القدّوس: لا يقبل ظلماً ولا يؤيّد جورا. وهذا ما تردّده الكنيسة الرسوليّة في فلسطين داحضة “الصهيونيّة المسيحيّة” التي تبرّر بفكرتَي “الشعب المختار” و”أرض الميعاد” هضم الحقوق الأساسيّة لشعب مسكين أعزل تشرّد أكثر من سبعين بالمئة من أبنائه منذ نحو ستّة عقود.
التأكيد المُذهل لألوهيّة المسيح ( 1 تس 3 : 11 )
يكتب رسول الأمم الإناء المختار بولس – سابقاً الفرّيسيّ شاؤول- إلى التسالونقيّين في شمال اليونان – ما يمكن نقله حرفيّا كالتالي: “عسى الله أبونا ويسوع ربّنا يمهّد طريقنا إليكم”. يستخدم مار بولس صيغة المفرد “يمهّد κατευθυναι ” بدل الجمع κατευθυναιεν “يمهّدان” (إذ لا وجود للمثنّى في اليونانية الشّائعة بخلاف الكلاسيكيّة). يعني “بالعربيّ الفصيح: الله ويسوع واحد ، كما قال السيّد له المجد:”أنا والأب واحد”!
ويعيد بولس الرسول الكرّة في الرسالة الثّانية إلى أهل تسالونقي المقدونيّة (2 تس 2 : 16 – 17): “عسى ربّنا يسوع المسيح نفسه، والله أبونا … (نلحظ ان اسم يسوع يسبق هنا اسم الله كما في أفسس 5 : 5 ، و 2 قورنثوس 13 : 13) …” “عسى ربّنا يسوع والله … أن يعزّي قلوبكم (ورد المفرد في الفعل اليوناني الأصليّ παρακαλεσαι ) ويثبّتها في كلّ عمل صالح من عمل وقول”.
العبرة من قداسة المسيح الرب الملك العادل: سيرتنا نحن في البِرّ!
يخاطبنا رسول الأمم اليوم مثل الأمس: “نسألكم ونناشدكم الرب يسوع: قد تعلّمتم منّا أيّ سيرة يجب أن تسيروا لإرضاء الله، وهي السيّرة التي تسيرونها اليوم (إن شاء الله ، مار بولس متفائل جدّاً !)، فتقدّموا فيها شيئاً فشيئا “!