Liturgical Logo

الأحد الثالث والثلاثون من زمن السنة ب (أ. مدروس)

الأب بيتر مدروس

تستعرض هذه العظة بعض الأقوال غير المسؤولة التي يدلي بها أحيانًا “مسؤولون” يتوهّمون أنّهم أذكى من الكتاب المقدّس (حاشى!) وأصدق من السّيّد المسيح (معاذ الله!) وأحذق من الكنيسة. ينكرون الآخرة جملة وتفصيلا، فهم دهريّون دنيويّون أرضيّون لا “سماء” عندهم (بحيث ينعدم لديهم اللّون الأزرق السّماويّ وتتوشّح حياتهم بالسّواد وقد رمى عليها الموت ظلاله، إذ هو عندهم فناء)، ولا يعتقدون بشقاء أبديّ بعد الوفاة. وإذا سألتَهم أساس موقفهم، أجابوك: “ما من أحد مات ورجع ليخبرنا!” بلى، مات يسوع ورجع! وهنالك في عالم اليوم تجارب عديدة لبشر ماتوا دقائق أو ساعات، حسب الطّبّ، وعادوا، أو، لئلاّ نخطأ في الكلام، كانوا بين الحياة والموت. ورأوا وشاهدوا وشعروا وأخبروا، ناهيكم عن شهادات قدّيسين كثيرين، منهم دون بوسكو الذي ظهر له زميله الإكليريكي المتوفّى “لويجي” عندما صعدت نفسه إلى السماء بعد المطهر.
“أشقى البشر” وأسخف الخيارات! ( 1 قور 15: 19)
كتب بولس الرّسول بحكمة ربّانيّة (لا ربابينيّة) وفلسفة سامية وواقعيّة تسلب الألباب:”بما أنّ هنالك كرازة بأنّ المسيح قام من بين الأموات، فلماذا يقول قوم منكم أنّ لا قيامة للأموات… وإن لم يقم المسيح، فالموتى أيضًا لا يقومون” ( 1 قور 15: 12 ت)، “فلنأكلنّ ونشربنّ (ونتمتّعنّ ونفرحنّ) لأننا غدًا سنموت” (أشعيا 22: 13، 1 قور 15: 32). ولا معنى للتّضحية ولا للحرمان ولا للتّقيّد بالوصايا، إذ على هذا المنوال لا حساب ولا عقاب، لا ثواب ولا دينونة ولا إدانة! كلّ شيء يمرّ مع العمر، والعمر غفلة، ويموت الإنسان وينتهي كلّ شيء. وعليه يكون القائلون “أشقى البشر” لأنّهم حرموا أنفسهم من لذّات ومُتَع – منها محرّم ومنها حلال، ولكن ما الفائدة عندما ينتهي كلّ شيء بالموت؟ ويزيد الشّقاء وتتفاقم السّخافة عندما يحمل هذه الأفكار رجال “كرّسوا حياتهم لله وللكنيسة” بالعزوبيّة اي العفّة الكاملة وحرموا أنفسهم من الزّواج والإنجاب (إلاّ إذا كان عندهم شذوذ أو عُقَد عن المرأة أو كانوا من الجبناء الهاربين من كلّ مسؤوليّة). ويزيد عدم المنطق والشّقاء داخل الرّهبنة حيث يضطرّون لتحمّل رهبان آخرين بالطّاعة والتّقتير والتّوفير في الفقر قد يأتي طوعًا أو كرهًا، ولكن بلا معنى ولا هدف ولا ثواب!
الآخرة أبدية : أسعيدة ستكون أم شقيّة
نكتفي بآيتين من قراءة سفر دانيال لهذا الأحد: “كثيرون (أي الكلّ) من الذين رقدوا في تراب الأرض سيقومون، منهم للحياة الأبدية ومنهم للرّذل والعار المؤبّدين”. وأكّد السيّد له المجد: “يخرج الذين عملوا الصّالحات (فالإيمان وحده لا يكفي) إلى قيامة الحياة، والذين عملوا السّيّئات إلى قيامة الدّينونة” (يوحنا 5: 28- 29). “يذهب هؤلاء إلى العذاب الأبديّ – في اليونانية ” κόλασις كولاسيس” وتحرّفها “ترجمة شهود يهوه”: “القطع) ويذهب الصّدّيقون إلى الحياة الأبديّة” (متّى 25: 46),
دلائل ثلاثة من مار توما الأكويني على وجود الآخرة
1- “لا تأتي رغبة طبيعيّة بلا تتميم ولا بشكل عبثيّ
Desiderium naturale non fit frustra: وعند النّاس نفور من الموت ورغبة جامحة لحياة لا تنتهي. لذا، لا تقدر الطبيعة أن تضعها في قلوبهم وتحرمهم منها، وهي أي الطبيعة التي تعطي كل الرغبات الحياتية المصيرية تلبيتها كالأكل والشرب والحب والإنجاب.
2- لا عدالة في هذه الدّنيا ولا مساواة، فلا بدّ لوجودهما في الآخرة.
3- كلّ الشّعوب في كلّ العصور والأماكن آمنت بالآخرة، بطرق مختلفة، ولكن بنفس الفكرة والرغبة واليقين أنّ العمر ليس نهاية الحياة وأنّ هنالك حياة بعد الموت أو الوفاة.
خاتمة
لا يجوز لأحد، وخصوصًا من “رجال الدّين”، أن يكون رجُل دين أو أن يبقى كذلك إن كان رجُل دنيا يستهتر بالمسيح ويستهين بالكتاب المقدس ويخالف تعليمهما جهرًا! ولا يجوز لأحد أن يشكّك “الأخ الضّعيف الذي مات من أجله المسيح” ( 1 قور 8: 11).