الأحد الخامس من زمن السنة (ج)
الأب بيتر مدروس
يرى أشعيا في رؤيا البصيرة أكثر منها رؤية البصر قبسًا من مجد الله ثلاثي القداسة. ويسمع بالروح هتاف الملائكة عن العزّة الإلهية: “قدّوس قدّوس قدّوس”. نلحظ أنّ العربيّة تفرد لله صفة “قدّوس”، في حين أنّ سواه يمكن أن يصل في أعلى درجة إلى أن يكون “قدّيسًا” مع أنّ العبريّة تصف الكلّ – الخالق والخليقة – بنعت واحد هو “قادوش”. التكرار الثلاثي عندنا معشر الساميّين إشارة إلى الكمال والتمام، وإعلان قداسة الله ثلاث مرّات يعني قمّة القداسة فيه تعالى. ولا يفوتنا نحن المسيحيّين، شاء من شاء وأبى من أبى خصوصًا من قوم العهد القديم، أن نلمح في التقديس الثلاثي تلميحًا إلى الثالوث الأقدس وهو الواحد في الطبيعة الربانية. ونلحظ أيضا أنّ نصّ رؤيا أشعيا يقول: “لأرض كلّها مملؤة من مجده”. ولكن الليتورجيا ما تردّدت أن تضيف لا على نص الكتاب المقدّس الذي لا يتغير ولا يُحرّف بل على الطقوس: “السماء والأرض مملؤتان من مجدك”. ولا عجب أن تمتلىء السماوات من مجد الباري خصوصا أن “السماوت تنطق بمجد الله والفلك يخبر بما صنعت يداه” مزمور 19 ( 18 ): 1. فلتمجدن الأرض الرب كما تمجّده السماء ولنكررن بلا ملل ولا كلل: “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض” بعد أن صرخنا من صميم قلوبنا: “ليتقدّس اسمك” لا بمعنى أننا – حاشى وكلا – نجعله قدّوسًا بل بمعنى أننا نعلن قداسته كما “نُكبّر” لا بمعنى أننا – والعياذ بالله – نجعل الله كبيرا بل نعترف بعظمته عزّ وعلا!
“أذكّركم بالبشارة التي أعلنتُها لكم” مار بولس إلى القورنثيين
يبدو لنا أن رسول الأمم الإناء المختار يخاطبنا اليوم كلّنا من جميع الشّعوب، حول “إعلان البشارة من جديد”. ما أجمل أن نذكر مجدّدا الإنجيل الطاهر دستورا نحن المسيحيين، وقد تأثر نفر منّا غير قليل بالعقلية العلمانية والمادية، حتّى كاد كثيرون لا يميّزوننا عن الملحدين واللاأدريين! ولا نعتقد مع الأسف أنّ مديح الرسول للقورنثيين يسري علينا كلّنا أو دائما– بصراحة: “ما تزالون على الإنجيل ثابتين!” أين ثباتنا المسيحيّ الإنجيليّ خصوصًا عند الصعوبات؟ أين ثباتنا في بلاد المسيح أمام مغريات الهجرة والمال؟ أين ثباتنا أمام ثوابت الإيمان وتمسّكنا بإرضاء الرب حتّى لو ما أعجب ذلك الناس خصوصا “العظماء” أو بعض الأثرياء الذين يموّلوننا؟ أين ثبات الشاب المسيحي أو الفتاة المسيحية – أو بشكل عام الرجل والمرأة “المسيحيين” – عندما يغيّرون دينهم – هذا إذا كان عند بعضهم دين – في سبيل الزواج أو الطلاق أو العمل في بعض الدول؟
ونعترف هنا بضعفنا وتذبذبنا أمام قداسة الله وثباته. ونحن على يقين من أننا “ننال بالإنجيل الخلاص” وقد قمنا بالخطوة الأولى والخطيرة أي كسر كبريائنا و”نمردتنا” والركوع أمام يسوع كما فعل بطرس الصياد: “ابعد عني يا رب فإنني رجُل خاطيء!”
اعتراف مار بطرس بخطيئته
هذا الاعتراف المؤثّر – قبل اعترافه أو بعده بمشيحانية يسوع الناصري في بانياس – قيصرية فيليبس – يجعلنا بتأثر نحب أمر الرسل ونحن نرى تواضعه وإنسانيته. وما منع ضعف سمعان بن يونا البشري – ما منع الرب يسوع – من أن يعطيه مفايتح الملكوت وأن يجعله صخرا إنسانيا ثابتا – بعد الصخرة العظيمة الإلهية التي هي يسوع نفسه متّى16 :: 18 وتابع.
ولعلّ في إقرار بطرس الرسول بضعفه البشري – بعد الصيد المعجز – سلوى لنا نحن الكاثوليك الذين يتألمون منذ نحو عشرين قرنا من الطعنات التي يوجهها أعداء الكنيسة الكاثوليكية منتقدين بضراوة “الباباوات الفاسدين” كأن غيرهم من أساقفة الكنائس الأخرى ملائكة على عبر العصور. ويقضي العدل واللاهوت السليم أن يعيد المرء الثوابت أن المسيح هو مؤسس الكنيسة ورئيسها الإلهي غير المنظور، في حين أن بطرس وخلفاءه على كرسي روما بشر ضعفاء ما ألهمهم “لا اللحم ولا الدم” ولا سندتهم قوى هذا العالم وإلاّ لانقرض هذا الكرسي الروماني منذ زمن بعيد. والعدل والإنصاف يقضيان طبعّا بلوم الأثيم من الأحبار وانتقاده من جهة، ولكن أيضّا بالإقرار بفضائل البابوات وأفضالهم الفريدة من جهة أخرى. وكفانا أن نذكّر أنّ أوّل خمسين بابا على الاقل كانوا قديسين ( وكان عدد منهم يونانيا أيضا ) وأن أول ثلاثين على الأقل استشهدوا وقد قتلتهم روما الوثنية – التي لا يجوز أن ينسب أحد إليها كنيسة روما “المختارة التي في بابل” عن بطرس الأولى 3: 15 . وحسبنا شخصيات مثل بيوس العاشر وبيوس الثاني عشر ويوحنا الثالث والعشرين وبولس السادس ويوحنا بولس الثاني وبندكتوس السادس عشر وفرنسيس الأوّل حتّى نرى وهج البهاء البطرسي!
خاتمة
لنعترفنّ بخطايانا ليتألق فينا مجد المسيح ، وبما أن “مجد الله هو الإنسان الحيّ” – كما كتب القديس إيريناوس – فإن الرب يتمجّد أكثر “بخاطىء واحد يتوب” لوقا 15.