Liturgical Logo

المتمرّد على الكنيسة ليس بصائب بل هو كالوثنيّ وجابي الضّرائب!

الأب بيتر مدروس

(متّى 18: 18 :15-20 ، حزقيال 33: 7-9)
“إن لم يسمع أخوك (المخطىء) من الكنيسة، فليكن عندك كالوثنيّ أو العشّار” (متّى 18: 17). هذا الحكم السّيّديّ يقع على المسيحيّ – أو الذي يقول أنه مسيحيّ – الذي لا يقبل النصيحة من الكنيسة والإرشاد بعد أن أساء إلتّصرّف وظلم أخاه. بأولى حجّة، يكون المنشقّ عن الكنيسة والمخالف لتعاليمها، والرافض لسلطة رسلها وخلفائهم البابوات وسائر الأساقفة في حكم الوثنيين وجباة الضرائب من العبرانيين، عملاء الاحتلال الروماني الجشعين المبتزّين المختلسين! كلام الرب واضح قاس قاطع كالسّيف!

ولكن أيّة كنيسة معنيّة هنا ، الكنيسة التي يجب الإصغاء لتوبيخها والخضوع لتعليماتها وتعاليمها؟ لا يوجد مئة جواب. المقصودة في الكلام السيّديّ هي “الكنيسة الواحدة المقدّسة الجامعة الرسوليّة”، “المبنيّة على صخر بطرس”، والتي انقسمت إلى كاثوليكية وارثوذكسية. هذا هو الواقع التاريخيّ الذي لا مجال لإنكاره ولا لتشويهه ولا للّف حوله والدوران. و”الكنيسة” التي يذكرها الرب يسوع والتي يجب أن “نستمع لها” استماعنا لسمعان الصخر – ليست أيًّا من الجماعات المسيحيّة الاحتجاجيّة الشقيقة التي ما نشأت إلاّ بعد سنة 1517، في ألمانيا، وما تزال تتفرّع وتتشتّت وتتفتّت كالفطريّات – خصوصًا في الولايات المتحدة الأمريكيّة، بحيث أمست لا تُعدّ ولا تُحصى، ولا يُعرف لمعظمها لا أصل ولا مرجعيّة. يقول المرء هذا الكلام بمحبّة وبحزن شديدين – وبرغبة في التقارب المسكونيّ، ولكن ليس على حساب الحقّ وليس في خدمة البلبلة والتشرذم. وصدق قدس الأب اليسوعي الإسباني الالمعيّ خيسوس أورتال Hortal إذ كتب: “إن الحركة البروتستنتيّة التي أرادت، على الأقلّ عند بعض روّادها، أن تُصلح الكنيسة وتجدّدها، سرعان ما أضحت أكبر عامل مأساوي لأكثر الانشقاقات” (من كتابه “وستكون رعيّة واحدة”).

مع المحبّة المسكونيّة توخّي الحقيقة والتمييز بين العقائد والتصرفات

تتألّم الكنيسة، حتّى في فلسطين والاردنّ وسائر الشرق الأوسط – مهد الكنيسة الرسولية – تتألّم من نشوء جماعات دخيلة تغزو شعبنا، مستغلّة فقره أو جهله أو إهمال بعض إكليروسه وفساد بعضهم – مع الاحترام لكرامة الكهنوت، فيتبع هذه الفئات الغريبة نفر من الناس، عن حسن نيّة وعدم معرفة أو عن مصلحة، والمصلحة نوع آخر من الجهل. يتبع قوم تفسيرات مغلوطة للكتاب المقدّس، ويجهلون تمامًا أو يتجاهلون تاريخ الكنيسة، لذلك يتركون الأصيل ويتبعون الدخيل. فكيف تكون هذه الفئات الحديثة المستحدثة المحدثة المبدعة – كيف تكون هي “الكنيسة” الرسوليّة التي ذكرها يسوع، مع أنها نشأت بعد تأسيس الربّ للكنيسة بما لا يقلّ عن ألف وخمسمئة سنة أو بعد تسعة عشر قرنًا؟ كيف تكون تلك الجماعات التي وُلدت – فكرًا وتنظيمًا – في ألمانيا وفرنسا وانكلترا وسويسرا وأمريكا، كيف يمكن أن تكون ، ولو في الأحلام، “الكنيسة” الأولى التي مهدها المدينة المقدّسة، ومقرّها العلّيّة حيث حلّ روح القدس على العذراء القدّيسة والرسل والتلاميذ (أعمال 2 : 1 وتابع)؟ محال أن تكون هذه الجماعات ألمانيّة وأمريكيّة الأصل هي “الكنيسة”، ليس فقط لأنها أتت متأخّرة وقد أنشأها بشر – لا السيّد المسيح الرب – بل أيضًا لأنّ “الكنيسة الرسوليّة” محال أن تعلّم الخطأ، أو أن تضلّ أو أن تضمحلّ لمئات السنين، بحيث تحتاج إلى “مصلحين” لا يأتون إلاّ بعد القرن السادس عشر الميلاديّ يغيّرون إيمانها ويُنقصونه، ذلك مستحيل لأنّ الرب وعد الكنيسة الرسوليّة: “أبواب الجحيم لن تقوى عليها” و “ها أنا معكم كلّ الايّام إلى انقضاء الدهر”.

الأغلاط في التصرّفات في الكنيسة الرسوليّة (والجماعات الأخرى!)لا تدّعي الكنيسة الرسوليّة العصمة عن الخطيئة بل عن الغلط في التعليم لأنها “عمود الحقّ وركنه” لا بقوّتها بل بقداسة المسيح الرب. والغلط أو الخطأ في التصرّف مرفوض في الكنيسة ويبقى فرديًّا لا يؤثّر على العقيدة.

بيّن لنا المعلّم الإلهيّ ضرورة الإصلاح الأخويّ بيننا. ونلحظ أنّ الخطأ في التصرّف أقلّ خطورة من الغلط في التعليم. فخطأ التصرّف يبقى فرديّا مؤقّتا يزول بتوبة الخاطىء أو بوفاته (مثلاً: يكون أحدهم سكّيرًا فيموت ويموت معه سكره)، أمّا الخطأ في التعليم والانحراف في الأفكار فلا يخجل منه حامله (وربّما به يفتخر!) وبسهولة ينتقل إلى الولد وولد الولد. على سبيل المثال: إذا غيّر أحدهم دينه ( لجهله أو لنزوة في نفسه أو لطمع في مال أمريكي أو خليجي) تنشأ أجيال كاملة من المنشقّين الخوارج.

خاتمة

مع أننا بشر ضعفاء ولأننا كذلك، ضَمِن الرب لكنيسته الرسولية الاستمرارية والثبات في الحقيقة لا العصمة عن الخطيئة – احترامًا منه تعالى لحرّيتنا! ومع الحركة المسكونية، “لنعملنّ الحقّ في المحبّة” ولنسعينّ إلى تفاهم ومحبة ودراسة نزيهة للماضي لإعداد مستقبل أفضل، موبّخين الذين ينشقّون لأجل مصلحة أو نزوة أو من باب “النمردة” ، مصحّحين الافكار المعوجّة والتفسيرات المغلوطة للكتاب المقدّس. وهكذا تتم فينا الكلمات الجميلة المؤثرة التي كتبها مار يعقوب الصغير أول اساقفة مدينتنا المقدسة عاصمة المسيحية وعروس عروبتنا: “يا إخوتي، إنّ ضلّ بعضكم عن طريق الحقّ وردّه أحد إليه، فاعلموا أنّ من ردّ خاطئًا عن طريق ضلاله خلّص نفسه من الموت وستر كثيرًا من الخطايا” (يعقوب 5: 19-20).