Liturgical Logo

المسيح حَمَل الله الفادي نقيض خبث البشر وناقض إثمهم وبطشهم

الأب بيتر مدروس

( صموئيل الأول 3 :3-19، 1 قور 6 :13-20، يو 1 :35-42)

في القراءة الأولى ، من سِفر صموئيل الأوّل (الذي تشير إليه السّبعينيّة والفولغاتا الشّائعة باسم “الملوك الأوّل) يدعو الله لخمته تعالى الصبيّ صموئيل وهو مقيم لدى الكاهن “عالي”. والنّصّ مؤثّر يدلّ على قوّة صوت الله الحيّ الذي لا يُرى ولكن يُسمَع كما قال المزمور الكنعاني وردّد بعده داود النبيّ : “صوت الربّ يجلجل حولاً ، صوت الرب يدوّي جلالاً”! ولا عجب أن يدعو الرب “صموئيل” الذي يعني اسمه – من ناحية علميّة لغويّة – “اسم الله” كما نقول في العامّيّة “اسم الله عليه”. أمّا الكاهن “عالي” فلنا ، معشر العرب، معه ذكريات. ولا يورد المرء هنا بقيّة سيرته وحياة أسرته. حَسبُنا أي كفانا أنّ اسمه المركّب من ثلاثة أحرف في العبريّة – من غير ألف- قد يكون المصدر لاسم “علي” المعروف في العالم العربيّ. أمّا في فلسطين ، فهو يُشير إلى مستوطنة مستعمرة في الطّريق إلى نابلس.
روحانيًّا ، “عالي” هو الوسيلة الإنسانية والإطار البشريّ الكهنوتيّ الذي استخدمه الرّبّ ليدعو صموئيل المنذور نبيًّا. الله يدعونا عن طريق وعظ الكهنة. وإن كان مع الأسف أحيانًا قوم منهم “يقولون ولا يعملون” (كما لحظ الرب يسوع لدى نفر من “الكتبة والفرّيسيّين الجالسين على كرسي موسى”) ، فمع ذلك على المؤمنين أن “يسمعوا أقوالهم ولا يفعلوا أفعالهم”، وهكذا “نَفُضّها سيرة” كما يقول أهل مصر “أم الدّنيا”. ولا يعود العلمانيّون يتذرّعون لقصورهم بقصور كهنة ولخطاياهم بخطايا كهنة ، مع الاحترام للكهنوت.
ومرارًا يقول كاهن لأحد الفتيان أو إحدى الفتيات كلمة تكون فعلاً من الله نداء. وطوبى لمن يلبّي الدعوة وإن لن تتّصف بالسّهولة.

“أما تعلمون أنّ جسدكم هو هيكل روح القدس ؟” (1 قور 6 : 13 ب – 20)
يوضح رسول الأمم الإناء المختار بولس لبشر كانوا في العصور القديمة مضرب الأمثال في النجاسة والانحراف أنّ “الجسد ليس للدّعارة” ، ولعلّ الرّسول كان يلمّح إلى “العالم السّفلي” إن لم يرد المرء أن يقول “السّافل” – بعيدًا عن القرّاء الكرام! قورنثوس ، وما أدرانا ما قورنثوس! “الدّعارة” بالمعنى “المهنيّ” التكنولوجيّ كانت متوفّرة فيها بأرقى درجة (!) وأغلى سِعر (بكسر السّين والميزانيّة!). وتألقت بين الغواني امرأة دُعيت “لائيس” كانت تطلب أجرة غالية لخدمات وصفها الزبائن بالمتميّزة وعرف عنها القاصي والدّاني! (الله يستر!) لذا ، نشأ في المدينة وسائر العالم الإغريقيّ الرومانيّ مَثَل على قياس “الهَمَل” : “لا يستطيع كلّ واحد أن يذهب إلى قورنثوس!” أي قليل الإمكانيات المادّية وإن كان كثير الفحولة. وفي أحد الأيّام يبدو أنّ الخطيب الشّهير ديموسثينيس كاد يقع في حبائل “لائيس” المذكورة أعلاه. ويبدو غريبًا أن كانت تُنادى الأنثى المذكورة باسمها ، إذ من عادة بنات الهوى أن يُغفلن اسماءهنّ الحقيقيّة ، بسبب ترسّبات من حياء قليلة باقية! ولكن ديموسثينيس غلب الشّهوة بالعقل والخلق الرّفيع الذي منع عنه عمى البصيرة ورفض التّجربة وهتف : “لن اشتري النّدم بثمن هكذا باهظ!”
بعد هذا التّنبيه الرّسوليّ حول الدعارة، يعلن مار بولس أنّ “جسد المؤمنين هيكل روح القدس”. وللعبارة تفسيران لا يتناقضان بل يتكاملان بحيث أن لا مانع من الأخذ بهما معًا : جسد كلّ واحد وواحدة منكم هيكل روح القدس ، بعد تحرّره من عبوديّة الخطيئة وبعد غسله بدم الرب يسوع ونضحه بماء المعمودية والميرون وتقدّسه بجسد المسيح نفسه. أو: مجموع أفرادكم المعنويّ هو هيكل روح القدس. ولكن السّياق يحبّذ التّأويل الأوّل أي جسم كلّ مسيحيّة ومسيحيّ. وعليه ، حتّى بعد الوفاة ، وحتّى من غير غُسل (مثلاً في حالة الاستشهاد) ، يكون ذلك الجثمان طاهرًا، كما يحلو للعرب أن يكتبوا في الصّحف.

“هوذا حَمَل الله” (يو 1 : 35 – 42)
مرّت على المعمدان “بلايا” وهو يرى ويسمع اعترافات خلق من اليهود والجند الرّومانيّين كثير. وأحيانًا كان يُدرك أبعد من الاعتراف وأبلغ من السّكوت. وانفجر وكأنّه قنبلة : “يا أولاد الأفاعي، من علّمكم الهرب من الغضب الآتي؟” اليوم لا يقدر أيّ واعظ – ولا الحبر الأعظم – أن يتكلّم هكذا ! ومرارًا يجبرنا المؤمنون الأحبّاء على الصّمت وعلى إغلاق عيوننا وآذاننا وأفواهنا – إلاّ عند أطبّاء الأسنان والأنف والأذن والحنجرة، وعندما يطلب منّا طبيب الأسرة أن نُريه لساننا لا لنتكلّم بل ليلحظ فيه شكل هضمنا أو ما في جسمنا من جراثيم ، أجلّكم الله!
يشهد المعمدان الآثام ويفرح بالتّوبة. وفجأة يلحظ بين الحضور إنسانًا فريدًا ما تردّد في أن “يضع رأسه بين الرّؤوس” وكأنّه من الأثمة “المساخيط”! يرى يوحنّا بأمّ عينيه – وسيفركهما لأنه لا يعرف إن كان في حُلم أو في علم ، يرى فعلاً “النبيّ يسوع من ناصرة الجليل”. وفي ذهوله ، تُربط عقدة لسانه الملعلع ويسوده الوجوم برهة ليعود ويصرخ بأعلى صوته ، كما هتفت والدته أليصابات بكلّ قوى حنجرتها العجوز، على تقدّم سنّها ، وقد امتلأت من روح القدس ، وقد امتلأ هو منه من رحم أمّه زوجة زكريا الكاهن : “هوذا حَمَل الله الذي يرفع خطيئة العالم!”
ويغتنم المرء بكلّ براءة، بوداعة الحمام، هذه المناسبة – ليبيّن للمؤمنين أبناء الكنيسة الرّسوليّة وبناتها ولإخوة لنا للعذراء مريم متجاهلين أنّ لا مجال لابن امرأة – مثل يوحنا بن أليصابات – أن يصرخ بروح القدس عن يسوع “هوذا حَمَل الله” إلاّ بعد أن يكون قد تعلّم من والدته أن يهتف : ” مباركة أنتِ في النّساء ومبارك ثمرة بطنك” . ولا يكفي المؤمن “الإنجيليّ” الحقيقيّ أن يعترف بمريم البتول أمًا ليسوع – فبهذا اعترف حتّى التلمود – بل يجب أن يقرّ وإلاّ خالف الإنجيل الطّاهر مخالفة اللّيل للنّهار والدّيجور للنّور بها : “أمّ الرّبّ”! ومن عبارة “أمّ الرّبّ” إلى “والدة الإله” تبقى خطة لغوية بسيطة من مترادفَين يقوم بها كلّ نزيه ومستقيم التفكير سليم النيّة طيّب الطويّة.

خاتمة
براءة يسوع ترفع خبثنا وقداسة يسوع تمحو آثامنا ولطف يسوع يلغي بطشنا ومحبة يسوع تلغي كراهيتنا، كلّ هذا بقدرته الربّانيّة (لا الربابينيّة) وبتعاليمه وهو “الحَمَل الجالس في وسط العرش” السماويّ وعلى سفينة في بحيرة طبريّة، وبفضل استحقاقات آلامه وقيامته وقدوته الصّالحة وبتعاوننا بنعمته مع نعمته! نعم، يحذّرنا الرّسول : “إعملوا لخلاصكم بخوف ورعدة كما أطعتم سالفًا في كلّ حين ، لأن الله نفسه هو الذي يتمّم فيكم الفكر والعمل لرضاه… كونوا اولاد الله البسطاء بغير عيب ، وسط جيل معوجّ فاسد تنيرون فيه ضياء النيّرات في الكون” (فيليبّي 2 : 12 و 15). لا يكفي أن نصرخ “يا رب يا رب” بل يجب أن “نعمل بمشيئة ابينا الذي في السماوات”. قرّعنا المعمدان وما يزال : “أثمروا ثمرًا يليق بالتوبة ، ولا تعلّلوا النفس (يا معشر العبرانيين) بتشدّقكم :”نحن ابناء إبراهيم…” (أو ، مثل الجند الرومان : “نحن الكاثوليك وخصوصًا “اللاتين” أهل رومة وأسرة البابا!) وقد نبّهنا الرّبّ نفسه بأقسى لهجة وأجلى تعبير : “إن لم تتوبوا تهلكوا بأجمعكم كذلك”.