تأملات آباء الكنيسة حول التطويبات
آباء الكنيسة
التطويبات والطوباويّ غيريك ديغني (حوالى 1080 – 1157)، راهب سِستِرسيانيّ
عظة بمناسبة عيد جميع القدّيسين
“طوبى لِفُقَراءِ ٱلرّوح، فَإِنَّ لَهُم مَلَكوتَ ٱلسَّمَوات” نعم، طوبى للذين يرفضون الأثقال التافهة، رغم ثقلها، في هذا العالم. هؤلاء الذين يرفضون أن يصبحوا أثرياء، إلاّ من خلال ٱمتلاك خالق العالم نفسه، لشخصه فقط. أولئكَ الذينَ لا شيءَ عندَهم وهم يملكونَ كلَّ شيء (راجع 2قورنتس 6: 10). ألا يملكون كلّ شيء، أولئك الذين يملكون مَن يحوي كلّ شيء ويدبّر كلّ شيء، أولئك الذين يعتَبرون الله نصيبهم وميراثهم؟ (راجع عدد 18: 20). ما مِن شيءٍ يُعوِز مُتَّقي الرّب (مزمور 34[33]: 10)، فالله يعطيهم كلّ ما يعلم بأنّهم يحتاجون إليه. وسوف يبذلُ حياتَه من أجلهم، لكي يكتمل فرحُهم… لذا أيّها الإخوة، فلنَغتبط لأنّنا فقراء بالرّب يسوع المسيح، ولنَبذُل جهدنا لنكون متواضعينَ معه. حقًّا، ما من شيء بغيض وتعيس أكثر من فقير مُتفاخر… “فلَيسَ ملكوتُ اللهِ أكلاً وشُربًا، بل بِرٌّ وسلامٌ وفرحٌ في الروحِ القُدُس” (رومة 14: 17). فإن كنّا نشعر بأنّ هذا كلّه فينا، لِمَ لا نعلن بثقة أنّ ملكوت الله بينَنا؟ (راجع لوقا 17: 21). والحال أنّ كلّ ما هو فينا هو حقًّا لنا، ولا يمكن لأحدٍ أن يَنتَزعَه منّا. لذا، عندما أعلن الرّب عن فرح فقراء الرُّوح، كان مُحقًّا حين قال: “إنّ لهم مَلكوتَ السموات” وليس “سيكون لهم ملكوتُ السموات”. إنّه لهم ليس فقط لأجل حقٍّ شرعي، بل لأجل الوعد الأكيد، والإختبار المسبق للسعادة الكاملة. ليس فقط لأنّ الملكوت معدٌّ لهم منذ إنشاء العالم (متى 25: 34)، بل أيضًا لأنّهم بدأوا بٱمتلاكِه. إنّهم يملكون هذا الكنز السماوي في آنيةٍ من خَزَف (راجع 2قورنتس 4: 7 )؛ إنّهم منذ الآن يحملون الله في أجسادهم وفي قلوبهم.
…………………
التطويبات لاون الثالث عشر، بابا روما من 1878 حتّى 1903
الرّسالة العامّة: الأشياء الجديدة، Rerum novarum، العدد 20
«طوبى لَكُم أَيُّها الفُقَراء، فإِنَّ لَكُم مَلَكوتَ الله»
يتعلّم المعوزين من الكنيسة، بحسب حكم الله ذاته، أنّ الفقر ليس هوانًا وأنّه لا يجب الخجل من الواجب بأن يُكسب الخبز بالعمل. هذا ما أكّده يسوع المسيح ربّنا بمثله، إذ “افتَقَرَ لأَجْلِكُم وهو الغَنِيُّ” (2 قور 8: 9) من أجل خلاص البشر. بكونه ابن الله والله نفسه، أراد أن يكون بعيون العالم ابن النجّار؛ أخذ به الأمر إلى حدّ أنّه أمضى قسمًا كبيرًا من حياته يعمل ليكسب عيشه: “أَلَيسَ هذا النَّجَّارَ ابنَ مَريَم” (مر 6: 3).
كلُّ مَن يضع نُصبَ نظره النموذج الإلهيّ، يفهم بسهولة ماذا سنقول: إنّ كرامة الإنسان الحقيقيّة وامتيازه موجودة في هذه الآداب، أي في فضيلته؛ الفضيلة هي ميراث القانون المشترك، وهي في متناول الجميع، صغارًا وكبارًا، فقراء وأغنياء؛ وحدهم الفضيلة والاستحقاقات، أينما وجدوا، ينالوا مكافأة الطوبى الأبديّة. وبالأكثر فإنّ قلب الله يظهر وكأنّه منحنيًا أكثر على المعوزين. لقد سمّى الرّبُّ يسوع المسيح الفقراء طوباويّين؛ إنّه يدعو المتألّمين طالبًا منهم أن يأتوا إليه ليعزّيهم (راجع مت 11: 28)؛ إنّه يقبّل بمحبّة أكثر حنانًا الصغار والمضطهَدين.
من المؤكّد أنّ هذه العقائد أُعدّت جيِّدًا لكي تجعل النّفس المتعالية بالغنى متواضعة ومتعاطفة أكثر، كي ترفع شجاعة أولئك الّذين يتألّمون وتلهمهم الثقة. إنّها تقلّل المسافة الّتي تضعها الكبرياء بطيبة؛ فننال وبدون صعوبة ٱمتداد يد العون من كلّ جهة وتتوحّد الإرادات في مودّة واحدة.