تأملات آباء الكنيسة حول المعمودية
آباء الكنيسة
أقوال في المعمودية القديس غريغوريوس النازيانزي الأسقف (330- 389)
أرسلت
“أضاءَ المسيحُ، فلْنَأخُذْ من نورِه. ٱعتمدَ المسيحُ، فَلْننـزِلْ معه إلى جرنِ المعموديّةِ، حتى نصعدَ معه أيضًا”.
(القديس غريغوريوس النازيانزي الأسقف 330- 389)
“كانَ يوحنا يُعَمِّدُ، فأقبلَ إليه يسوع. لعلَّه جاءَ يَعْتَمِدُ ليقدِّسَ المعمدانَ نفسَه، مَن على يدِه قبِلَ المعموديّةَ. لكنَّه جاءَ يعتمدُ أيضًا، ومن غيرِ شَكٍّ، ليَدفِنَ في الماءِ آدمَ القديمَ بكاملِه. وقدَّسَ مياهَ الأردنِّ قبلَ أن يُقدِّسَنا ومن أجلِ تقديسِنا. وبما أنّه روحٌ وجسدٌ فقد بدأَ عملَه بالرُّوحِ والماءِ”.
(القديس غريغوريوس النازيانزي الأسقف 330- 389)
“صَعِدَ يسوعُ من الماء، فأصعدَ معَه الكونَ كلَّه إلى العُلى. ورأى السَّماواتِ تَنشَقُّ وتَنْفَتِحُ، وكانَ آدمُ قد أَغلَقَها دونَ نَفْسِه ودونَ نَسلِه مِن بعدِه، كما أُغلِقَ الفِردَوسُ بسيفٍ من نار”.
(القديس غريغوريوس النازيانزي الأسقف 330- 389)
“تطهَّرُوا وكونُوا طاهرِين. لأنَّ اللهَ لا يُسَرُّ بشيءٍ مثلَ مَسَرَّتِه بتوبةِ الإنسانِ وخلاصِه. من أجلِه كانَتِ الكتُبُ والأسرارُ كُلُّها. كونوا مِثلَ المَصابيحِ للعالَم، وقُوَّةً مانِحَةً الحياةَ لجميعِ النَّاس. كونوا أَنوارًا كامِلَةً أَمامَ النورِ الأكبر، مُشِعِّين ببهاءِ نورِ مَن هو في السَّماء، ومُستمِدِّين مِنَ الثَّالوثِ القُدُّوس نورًا أنقَى وأبهَى، مِنَ الثَّالوثِ القُدُّوسِ الَّذي قَبِلْتُم منه حتَّى الآن، بصورةٍ محدودةٍ، شعاعًا واحدًا من الإلهِ الواحد، في يسوعَ المسيحِ ربِّنا، له المجدُ والسلطانُ إلى دهر الدُّهور. آمين”.
(القديس غريغوريوس النازيانزي الأسقف 330- 389)
المعمودية في قول القديس سمعان اللاهوتي الجديد (949- 1022)
“إِنَّ مَن لَم يَكُنْ واعِيًا أَنَّه قَد لَبِسَ المسيحَ في المَعمودِيَّةِ يُبْطِلُ نِعْمَتَها”.
العماد المعمودية القديس ايرونيموس الكاهن (347- 420)
في المزمور الحادي والأربعين إلى المعمدين جديدًا ((CCL 78، 542-544
أَعبُرُ إلى مكان الخباء العَجيب
“كَمَا يَشتَاقُ الأيِّلُ إلَى مَجَارِي المِيَاهِ، كَذَلِكَ تَشتَاقُ نَفسِي إلَيكَ، يَا الله” (مزمور 41: 2). تشتاقُ تلك الأيائلُ إلى المياهِ. كذلك تشتاقُ أيائلُنا الذين خرجوا من مصرَ ومن هذا العالمِ فأماتوا الفرعونَ في مياهِه وأغرقوا جيوشَه في جُرنِ المعمودية. قتلوا الشيطانَ، وهم الآنَ يشتاقون إلى ينابيعِ الكنيسة: إلى الآبِ والإِبنِ والرُّوحِ القدس.
أنَّ الآبَ هو الينبوع، يقولُ ذلكَ إرميا النبي: “تَرَكُونِي أنَا يَنبُوعَ المِيَاهِ الحَيَّةِ، وَحَفَرُوا لأنفُسِهِم آبَارًا، آبَارًا مُشَقَّقَةً لا تُمسِكُ المِيَاهَ” (إرميا 2: 13). وعن الإِبنِ نقرأُ في مكانٍ آخَرَ: “لَقَد تَرَكْتَ يَنبُوعَ الحِكمَةِ” (باروك 3: 12). وعن الرُّوحِ القُدُس: إنَّ الَّذي “يَشرَبُ مِنَ المَاءِ الَّذِي أُعطِيهِ أنَا إيَّاهُ يَصِيرُ فِيهِ عَينُ مَاءٍ يَتَفَجَّرُ حَيَاةً أبَدِيَّةً” (يوحنا 4: 14). ولمّا قالَ الإنجيليُّ هذا الكلامَ أضافَ مبيِّنًا أنّ المخلِّصَ كانَ يتكلَّمُ على الرُّوحِ القُدُس. فمِن الجلِيِّ إذًا أنَّ ينابيعَ الكنيسةِ الثلاثةَ هم سرُّ الثالوثِ الأقدس.
إلى هؤلاءِ تشتاقُ نفسُ المؤمن، إلى هؤلاءِ تشتاقُ نفسُ المعمَّدِ، فتقول: “ظَمِئَتْ نَفسِي إلَى اللهِ إلَى الإلَهِ الحَيِّ” (مزمور 41: 3). شوقُها إلى اللهِ ليسَ رغبةً عابرة، بل هو شوقٌ مضطرم، وعطشٌ مُحرِق. قبلَ المعموديةِ كانوا يُكَلِّمون بعضُهم بعضًا ويقولون: “مَتَى آتِي وَأحضُرُ أمَامَ الله”؟ (مزمور 41: 3). وها قد تَّم الآن ما كانوا يطلبون. جاؤوا ووقفوا في حضرةِ الله؛ وقفوا أمامَ المذبحِ وأمامَ سرِّ المخلِّص.
وبعدَ أن قَبِلوا جَسَدَ المسيحِ ووُلدوا جديدًا في مياهِ المعموديةِ قالوا: “أَعبُرُ وأَقصُدُ مكانَ الخِباءِ العَجيبِ إلى بيتِ الله” (آية 5). بيتُ الله هو الكنيسة، هذا هو الخِباءُ العجيب، لأنَّ فيه “صوتَ التهليلِ والإِعترافَ وحمدَ المعيِّدِين” (آية 5)
أنتم الَّذينَ لبِسْتُمُ المسيحَ، وسِرْتُم في موكبِنا، ومثلَ السَّمكِ الصغيرِ أُخِذْتُم في الشُّصِّ، فنُجِّيْتُم بكلمةِ الله من مهاوي هذا الدهر، قولوا الآن: تغيَّرَتْ فينا طبيعةُ الأشياء. السمكُ الذي يُخرَجُ من البحرِ يموت. وقد أخرَجَنا الرُّسُلُ مِن بحرِ هذا العالمِ وٱصطادونا لِنَحيا، بعد أن كنَّا أمواتًا. لمّا كنّا في العالمِ كانَتْ أنظارُنا متّجهةً إِلى الأَسفَل، وسيرتُنا منغمسةً في الوحل. فلمّا ٱنتُشِلْنا من الأمواجِ بدَأْنا نَرى الشَّمس، بدَأْنا نَرى النُّورَ الحَقيقي، وفي فَرَحِنا العارمِ نقولُ لأنفسِنا: “إِرتَجِي الله فَإِنِّي سَأَعُودُ أَحمَدُهُ، وَهُوَ خَلاصُ وَجهِي وإلَهِي” (آية 6).
التجربة بعد المعمودية القدّيس غريغوريوس النازيانزيّ (330 – 390)
عظة
“إِذا هاجَمَكَ بَعدَ المَعمودِيَّةِ المُضْطَهِد، مُجَرِّب النُّور، فَلَدَيكَ طَريقَةٌ للإِنتصارِ عليه. سيُهاجِمُكَ طبعًا، لأَنَّه هاجَمَ الكَلِمَة، إِلهي، مَخدوعًا بالمَظهَرِ الإِنساني الَّذي كان يَسرقُ مِنه النُّورَ غيرِ المَخلوق. لا تَخفْ مِنَ المَعرَكة. حارِبْه بمياهِ المَعمودِيَّة، حارِبْه بالرُّوحِ القُدُسِ الَّذي فيه تَنطَفِئْ كُلَّ الحيلِ المُشتَعِلَةِ الَّتي يَرميها الشِّرِّير”. (أفسس 6: 17).
“إِذا عَرَضَ أَمامَكَ الحاجَةَ الَّتي تُرهِقُكَ، فهو لَم يَمتَنِعْ عَن فِعل هذا مَعَ يسوع، إِذا ذَكَّرَكَ بِأَنَّكَ جائِع، لا تَبدُ وكَأَنَّكَ تَتَجاهَلْ ٱقتراحاتِه. عَلِّمه ما لا يَعرِفه؛ قاوِمْه بِكَلِمَةِ الحياة، بهذا الخُبزِ الحَقيقي المُرسَلِ مِنَ السَّماء، والَّذي يَمنَحُ الحَياةَ للعالَم”.
(القدّيس غريغوريوس النازيانزيّ الأُسقُف ومُعلِّمُ الكنيسة 330 – 390)
“إذا نَصَبَ لكَ فَخَّ الفَراغ، فقد ٱستَخدَمَه مَعَ المسيح، عِندَما جَعَلَه يَصعَدُ إِلى شُرفَةِ الهَيكَلِ وقالَ له: “أَلْقِ بِنَفْسِكَ مِن ههُنا إِلى الأَسفَل” لكي يُظهِرَ له أُلوهِيَّتَه. إِنتبهْ أَلاّ تَقَعَ لِمُجَرَّدِ رَغبَتِكَ في الإِرتفاع”.
(القدّيس غريغوريوس النازيانزيّ الأُسقُف ومُعلِّمُ الكنيسة 330 – 390)
“إِنْ جَرَّبَكَ بالطُّموح، مُظهِرًا لكَ مِن خِلالِ رؤيا سَريعَة، كُلَّ مَمالِكِ الأَرضِ وكَأَنَّها تَخْضَعُ لِسُلطَتِه، وإِذا طَلَبَ مِنكَ العِبادَة، أُرذُله: فهو ليسَ سِوى أَخٍ بائِس. قُلْ له، واثِقًا بالخَتمِ الإِلهي: “أَنا كَذلِكَ صورَةُ الله؛ لَم أَقَعْ مِثلَكَ مِن أَعلى مَجدي بِسَبَبِ كِبريائي! أَنا لَبِستُ المَسيح؛ لقد أَصبَحتُ مَسيحًا آخَرَ بِمَعمودِيَّتي؛ فعليكَ أَنتَ أَنْ تَعبُدَني”. حينَها، سيَبْتَعِدُ عَنكَ، أَنا مُتَأَكِّدٌ مِن ذلك، مَهزومًا ومُهانًا بِهذِه الكَلِمات”.
(القدّيس غريغوريوس النازيانزيّ الأُسقُف ومُعلِّمُ الكنيسة 330 – 390)
هذِه الكلماتُ الصَّادِرَةُ عَن شَخصٍ مُضاءٍ بالمَسيح، سيَشعُرُ بِها كما لو كانَت تَنْبُعُ مِنَ المَسيح، النُّورُ الأَعظَم. هذِه هي المَنافِعُ الَّتي تَحمِلُها مياهُ المَعمودِيَّةِ للَّذينَ يَعرِفونَ قُوَّتَها.
من عظة في ظُهورِ الرَّبِّ منسوبة إلى القديس هيبوليتس هيبوليتس الروماني الكاهن الشهيد (170-235)
من الماء والروح
جاءَ يسوعُ إلى يوحنا، وقبِلَ منه المعمودية. يا لَلأمرِ المدهشِ! نهرُ اللانهايةِ الذي يفرِّحُ مدينةَ اللهِ يُغسَلُ ببعضِ قَطَراتٍ من الماء. الينبوعُ الذي لا يُدرَكُ له غورٌ والذي يَهَبُ جميعَ الناسِ الحياةَ، ولا حدَّ له، تَغمُرُه مياهٌ ضئيلَةٌ عابرة.
الحاضرُ في كلِّ مكانٍ والذي لا يَغِيبُ أبدًا عن مكان، مَن الملائكةُ لا تُدركُه، والناسُ لا يرَوْنَه، ها هو يُقبِلُ طوعًا إلى المعموديَّةِ، “فتنفتحُ السماواتُ، ويُسمَعُ صوتٌ من السماواتِ يقول: هذا هو ٱبني الحبيبُ الذي عنه رضِيْتُ (متى 3: 17).
المحبوبُ وَلدَ الحبَّ، والنُّورُ اللاماديُّ وَلدَ النُّورَ الَّذي لا يُدرَكُ. هذا هو المدعُوُّ ٱبنَ يوسف، وهو ٱبني الوحيدُ بِحَسَبِ الطَّبيعَةِ الإلهِيَّة.
“هذا هو ٱبني الحبيب”، يجوعُ وهو مُطعِمُ الألوفِ المؤلَّفة. يَتعبُ وهو راحةُ المُتعَبِين. ليسَ له مكانٌ يضعُ فيه رأسَه وهو حافظُ الكلِّ بيدِه. يتألَّمُ وهو الذي يَشفِي كلَّ ألَمٍ. يُضرَبُ ويُهانُ وهو مانحُ العالمِ حريَّتَه. يُطعَنُ في جنبِه وهو مُصلِحُ جَنبِ آدم.
أرجوكم، إِفهَموا جيّدًا ما أقولُ: أُريدُ الرُّجوعَ إلى ينبوعِ الحياةِ والتأمُّلَ في الينبوعِ المتفجِّرِ علاجًا لكلِّ إنسان.
اللهُ الآبُ الذي لا يموتُ أَرسلَ إلى العالمِ ٱبنَه كلمتَه الذي لا يموتُ. أرسلَه إلى الناسِ ليَغسِلَهم بالماءِ والرُّوح. وحتّى يَلِدَ فينا ثانيةً النفسَ والجسدَ لحياةٍ لا تفنَى، أفاضَ فينا روحَ الحياة، وألبسَنا سلاحًا لا يَفسَدُ.
فإذا صارَ الإنسانُ خالدًا، سيكونُ أيضًا إلهًا. وإذا صارَ إلهًا بالولادةِ الثانيةِ في جُرنِ المعموديّة، من الواضحِ أنَّه سيكونُ أيضًا بعدَ القيامةِ من بينِ الأمواتِ وريثًا معَ المسيح.
ولهذا أُنادي بصوتِ المنادي: هلمُّوا، يا جميعَ الشعوبِ، إلى الخلودِ الذي تمنحُه المعموديّةُ. هذا هو الماءُ المقترِنُ بالرُّوحِ، به يرتوي الفردوسُ، والأرضُ تُخصِبُ، والنباتُ ينمو، والحيوانُ يَلِدُ الحياة. وحتى أُوجِزَ كلَّ شيءٍ بكلمة: به أُعِيدَ الإنسانُ إلى الحياةِ بالولادةِ الثانية، وفيه اعتمدَ المسيحُ، وفيه حلَّ الرُّوحُ القدسُ في صورةِ حمامة.
فمَن ينـزِلْ بإيمانٍ في جرنِ الميلادِ الثاني يَكفُرْ بالشيطانِ ويُقبِلْ إلى المسيح، ويَعترِفْ أنَّ المسيحَ هو الله. يَخرُجُ من العبوديّةِ، ويدخُلُ نظامَ التبنّي. ويُشرِقُ بعدَ المعموديّةِ مثلَ الشمسِ تنبعثُ منه أشعَّةُ البِرِّ الساطعة. وما هو أهمُّ من كلِّ شيء، فإنَّه يَصِيرُ ٱبنًا للهِ ووريثًا مع المسيح.
له معَ روحِه القدُّوسِ الصالحِ والمُحيِي المجدُ والقُدرةُ الآنَ وكلَّ أوانٍ، وإلى دَهرِ الدُّهور. آمين.
في المعمودية القديس أمبروزيوس الأسقف ومعلَّمُ الكنيسة (339- 397)
في الأسرار (2)
(رقم 8- 11: SC 25 مكرر، 158- 160)
الوِلادةُ مِنَ الماءِ والرُّوحِ القُدُس
ماذا رأيْتَ عندَ جُرنِ المعموديّة؟ رأيْتَ ماءً، ورأيْتَ غيرَ ذلك أيضًا. رأيْتَ الشمامسةَ يخدُمون، ورأيْتَ رئيسَ الكهنةِ يَسألُ ويكرِّسُ بالزَّيت. سبقَ الرَّسولُ وعلَّمَك “أنَّنَا لا نَهدِفُ إلَى مَا يُرَى، بَل إلَى مَا لا يُرَى، فَالَّذِي يُرَى إنَّمَا هُوَ إلَى حِينٍ، وَأمَّا مَا لا يُرَى فَهُوَ لِلأبَدِ” (2 قورنتس 4: 18)، وفي مكانٍ آخَرَ قالَ إنَّ “مَا لا يَظهَرُ مِن صِفَاتِهِ، أي قُدرَتُهُ الأزَلِيَّةُ وَأُلُوهَتُهُ، ظَاهِرًا لِلبَصَائِرِ في مَخلُوقَاتِهِ”(روما 1: 20). ولهذا قالَ الربُّ نفسُه: “إنْ لم تصدِّقوني، فصدِّقوا الأعمالَ التي أعملُها” (ر. يوحنا 10: 38). آمِنْ إذًا بأنَّ الحضرةَ الإلهيّةَ قائمةٌ هناك. إذا آمنْتَ بعملِ الله ألا تؤمنُ بحضورِه؟ كيف يتِمُّ العملُ لو لم يسبِقْ الحضور؟
إنّه لَسِرٌّ قَديمٌ، أَشارَ إِليه الكِتابُ مُنذُ بدايَةِ الكَون. لمّا خَلَقَ اللهُ السَّماءَ والأَرضَ في البدء، “كانَتْ روحُ اللهِ تَرِفُّ على وجهِ المياه” (تكوين 1: 2). فما كانَ يرِفُّ على وجهِ المياهِ ألم يكُنْ يعمل؟ بل كانَ يعملُ عندَ خلقِ العالمَ، كما يَقولُ لكَ النَّبِيّ: “بِكَلِمَةِ الرَّبِّ صُنِعَتْ السَّمَاوَاتُ، وَبِرُوحِ فَمِهِ صُنِعَ كُلُّ جَيْشِهَا” (مزمور 32: 6). كِلا الأمرَيْن مؤيَّدٌ بكلامِ الأنبياء: أنّه كانَ يرِفُّ وأنّه كانَ يعملُ. موسى قالَ إنّه كانَ يرِفُّ، وداودُ يشهدُ أنّه كانَ يعمل.
وهذه شهادةٌ أُخرى: لمّا فَسَدَ كُلُّ إنسانٍ بِسَبَبِ الخَطيئة، قالَ الرَّبُّ: ” لَن تَثبُتَ رُوحِي في الإنسَانِ لِلأبَدِ، لأنَّهُ بَشَرٌ” (تكوين 6: 3). وبهذا بيَّنَ الرَّبُّ أنّ النِّعمَةَ تَزولُ بِسَبِبِ نَجاسَةِ الجَسَدِ ووَصمَةِ الخَطيئةِ الجَسيمَة. وإِذ أَرادَ اللهُ أَنْ يُصلِحَ ما وَهَبَ أَرسَلَ الطَّوَفانَ، بعدَ أن أمرَ نُوحَ البارَّ أن يَصعدَ في الفُلْك. ولما تَراجعَ الطَّوَفانُ أَرسلَ نوحُ الغرابَ أَوَّلاً، ثمَّ أَطلَقَ الحَمامةَ، فعادَتْ بِغُصنِ الزَّيتون. رأيْتَ الماء، ورأيْتَ عودَ الزيتون، ورأيْتَ الحَمامة، وما زلْتَ تشكُّ في السِّرِّ بَعدُ؟
بالماءِ يُغسَلُ الجَسَدُ لِتَزولَ كُلُّ وَصمَةٍ جَسَدِيَّة. وفيه تُدفَنُ كُلُّ رَجاسَة. والعودُ أو الخَشَبَةُ هو الَّذي عُلِّقَ عليه الرَّبُّ يسوع، لمّا تألَّمَ من أجلِنا. وبصورةِ الحَمامةِ حَلَّ الرُّوحُ القُدُسُ كما تعلَّمْتَ من العهدِ الجديد، وهو الَّذي يُلهِمُ سلامَ النَّفْسِ وطُمَأْنِينةَ الرُّوح.
في المعمودية القديس أمبروزيوس الأسقف ومعلَّمُ الكنيسة (339- 397)
في الأسرار (1)
(رقم 1- 7: SC 25 مكرر، 156-158)
شرح الطقوس قبل المعمودية
والآن حانَ الوقتُ للكلامِ على ما هو مكتومٌ، ولبيانِ طبيعةِ أسرارِ الخلاص. ولو أرَدْنا أن نشرحَها من قبلُ لِمَن لم يكُنْ مطَّلعًا بعد على أسرارِ الإيمانِ، لكنّا شوّهْنا طبيعتَها وفَهْمَها بدلا من أن نفسِّرَها. ثم إنّه من الأفضلِ أن يُفاضَ نورُ الأسرارِ بصورةٍ كاملةٍ وفي الوقتِ المناسب، بدلا من أن يَتِمَّ ذلك بصورةٍ متردِّدةٍ وناقصة.
إِفتحوا إذًا آذانَكم وتَنَشّقوا رائِحَةَ الحياةِ الأبديّةِ التي أُفِيضَتْ فيكم بقوّةِ الأسرار. هذا ما أشَرْنا إليه لمّا ٱحتفَلْنا برتبةِ فتحِ الآذانِ وقُلْنا هذه الكلمات: “إِفِّتَا أي ٱنفتِحْ” (مرقس 7: 34). ليَعرِفَ كلُّ مَن يتقدَّمُ لقبولِ النعمةِ ما سوف يُسألُ عنه، ويتذكَّرَ بماذا يُجيب. وقد تمّمَ يسوعُ هذا السرَّ، بحسبِ ما نقرأُ في الإنجيل، لمّا شفى الأصمَّ الأبكم (مرقس 7: 31- 37).
ٱنفَتَحَ الآنَ أَمامَكَ قدسُ الأقداس، ودخَلْتَ مَقدِسَ الوِلادَةِ الجَديدَة. أُذكُر ما سُئِلْتَ عنه، وتَمَسَّكْ بما أَجبْتَ. لقد كفرْتَ بالشيطانِ وأعمالِه، وبالعالمِ وملذّاتِه وكُلِّ مُتَعِه. وكلامُكُ الآن ليس محفوظًا في قبرٍ، بل في كتابِ الأحياء.
هناك رأيْتَ اللاوي، هناك رأيْتَ الكاهن، هناك رأيْتَ الكاهنَ الأعظم. لا تتوقَّفْ عند صورةِ الشخص، بل تأمّلْ في نعمةِ الخدمةِ التي يقومُ بها. تكلّمْتَ في حضرةِ الملائكة، كما هو مكتوب: “لأنَّ شَفَتَيْ الكَاهِنِ تَحفَظَانِ المَعرِفَةَ، وَمِن فَمِهِ يَطلُبُونَ التَّعلِيمَ، إذ هُوَ رَسُولُ رَبِّ القُوَّاتِ” (ملاخي 2: 7). فلا يجوزُ أن تخطأَ بعدَ الآنَ، ولا يجوزُ أن تُنكِرَ. الملاكُ هو مَن يُبَشِّرُ بملكوتِ المسيحِ وبالحياةِ الأبديّة. يَجِبُ أَلاَّ تَتَوَقَّفَ عند الصُّورةِ بل عند المهمّة. تأمَّلْ في ما وهبَكَ إيّاه، تأمّلْ في ما يجبُ أن تصنعَ بالهبةِ التي وهبَكَ إيّاها الله، وٱعترِفْ بأهمية ما وُهِبْتَ.
دَخَلْتَ مياهَ المعموديةِ، حيثُ قابَلْتَ خصمَك وكفرْتَ به بفمِك. فٱنظرْ الآن إلى الشَّرق: مَن كفرَ بالشيطانِ حوَّلَ نظرَه إلى المسيح، ليقابلَه ويراه وجهًا إلى وجه.
من عظة في ظُهورِ الرَّبِّ منسوبة إلى القديس هيبوليتس هيبوليتس الروماني الكاهن الشهيد (170-235)
من الماء والروح
جاءَ يسوعُ إلى يوحنا، وقبِلَ منه المعمودية. يا لَلأمرِ المدهشِ! نهرُ اللانهايةِ الذي يفرِّحُ مدينةَ اللهِ يُغسَلُ ببعضِ قَطَراتٍ من الماء. الينبوعُ الذي لا يُدرَكُ له غورٌ والذي يَهَبُ جميعَ الناسِ الحياةَ، ولا حدَّ له، تَغمُرُه مياهٌ ضئيلَةٌ عابرة.
الحاضرُ في كلِّ مكانٍ والذي لا يَغِيبُ أبدًا عن مكان، مَن الملائكةُ لا تُدركُه، والناسُ لا يرَوْنَه، ها هو يُقبِلُ طوعًا إلى المعموديَّةِ، “فتنفتحُ السماواتُ، ويُسمَعُ صوتٌ من السماواتِ يقول: هذا هو ٱبني الحبيبُ الذي عنه رضِيْتُ (متى 3: 17).
المحبوبُ وَلدَ الحبَّ، والنُّورُ اللاماديُّ وَلدَ النُّورَ الَّذي لا يُدرَكُ. هذا هو المدعُوُّ ٱبنَ يوسف، وهو ٱبني الوحيدُ بِحَسَبِ الطَّبيعَةِ الإلهِيَّة.
“هذا هو ٱبني الحبيب”، يجوعُ وهو مُطعِمُ الألوفِ المؤلَّفة. يَتعبُ وهو راحةُ المُتعَبِين. ليسَ له مكانٌ يضعُ فيه رأسَه وهو حافظُ الكلِّ بيدِه. يتألَّمُ وهو الذي يَشفِي كلَّ ألَمٍ. يُضرَبُ ويُهانُ وهو مانحُ العالمِ حريَّتَه. يُطعَنُ في جنبِه وهو مُصلِحُ جَنبِ آدم.
أرجوكم، إِفهَموا جيّدًا ما أقولُ: أُريدُ الرُّجوعَ إلى ينبوعِ الحياةِ والتأمُّلَ في الينبوعِ المتفجِّرِ علاجًا لكلِّ إنسان.
اللهُ الآبُ الذي لا يموتُ أَرسلَ إلى العالمِ ٱبنَه كلمتَه الذي لا يموتُ. أرسلَه إلى الناسِ ليَغسِلَهم بالماءِ والرُّوح. وحتّى يَلِدَ فينا ثانيةً النفسَ والجسدَ لحياةٍ لا تفنَى، أفاضَ فينا روحَ الحياة، وألبسَنا سلاحًا لا يَفسَدُ.
فإذا صارَ الإنسانُ خالدًا، سيكونُ أيضًا إلهًا. وإذا صارَ إلهًا بالولادةِ الثانيةِ في جُرنِ المعموديّة، من الواضحِ أنَّه سيكونُ أيضًا بعدَ القيامةِ من بينِ الأمواتِ وريثًا معَ المسيح.
ولهذا أُنادي بصوتِ المنادي: هلمُّوا، يا جميعَ الشعوبِ، إلى الخلودِ الذي تمنحُه المعموديّةُ. هذا هو الماءُ المقترِنُ بالرُّوحِ، به يرتوي الفردوسُ، والأرضُ تُخصِبُ، والنباتُ ينمو، والحيوانُ يَلِدُ الحياة. وحتى أُوجِزَ كلَّ شيءٍ بكلمة: به أُعِيدَ الإنسانُ إلى الحياةِ بالولادةِ الثانية، وفيه اعتمدَ المسيحُ، وفيه حلَّ الرُّوحُ القدسُ في صورةِ حمامة.
فمَن ينـزِلْ بإيمانٍ في جرنِ الميلادِ الثاني يَكفُرْ بالشيطانِ ويُقبِلْ إلى المسيح، ويَعترِفْ أنَّ المسيحَ هو الله. يَخرُجُ من العبوديّةِ، ويدخُلُ نظامَ التبنّي. ويُشرِقُ بعدَ المعموديّةِ مثلَ الشمسِ تنبعثُ منه أشعَّةُ البِرِّ الساطعة. وما هو أهمُّ من كلِّ شيء، فإنَّه يَصِيرُ ٱبنًا للهِ ووريثًا مع المسيح.
له معَ روحِه القدُّوسِ الصالحِ والمُحيِي المجدُ والقُدرةُ الآنَ وكلَّ أوانٍ، وإلى دَهرِ الدُّهور. آمين.
من مواعظ القديس مكسيمس أسقف طورينو (420†) (العظة 100، في عيد ظهور الرَّبّ)
أسرار عماد الرب
يقولُ الكتابُ المقدَّسُ إنَّ الرَّبَّ جاءَ إلى الأردنِّ ليعتمدَ. وقد أرادَ أن يُكرَّسَ للأسرارِ السماويّةِ في هذا النهر.
ومن المنطقيِّ والمعقولِ أن يَلِيَ هذا العيدُ عيدَ ميلادِ الرَّبِّ، وفي الزَّمنِ نفسِه ولو مع فارقِ السنين بيَن الحادِثتَيْن. ويمكنُ أن نسمِّيَ هذا العيدَ أيضًا بعيدِ الميلاد.
في عيدِ الميلادِ وُلِدَ للبشريّة، واليومَ وُلِدَ جديدًا بالأسرار. هناك وُلِدَ من بتول، واليومَ ولِدَ بحسبِ السِّرِّ. هناك ولِدَ إنسانًا فٱحتضنَتْه أُمُّه مريم. واليومَ وُلِدَ بحسبِ السِّرِّ فٱحتضَنَه صوتُ اللهِ الآبِ الذي قال: “هَذَا هُوَ ٱبنِي الحَبِيبُ الَّذِي عَنهُ رَضِيْتُ: فَلَهُ ٱسمَعُوا”. أُمُّه ٱستقبلَتْهُ في حضنِها عندَ ميلادِه، والآبُ يَشْهَدُ له الآنَ شهادةً بَنويّة. قدَّمَتْه أُمُّه للمجوسِ ليَسجدوا له، وقدَّمَه الآبُ للشعوبِ لِيَعبُدوه.
جاءَ الرَّبُّ يسوعُ المسيحُ إذًا ليعتمدَ، وأرادَ أن يُغسَلَ جسدُه القدُّوسُ في الماء.
قد يقولُ قائلٌ: لماذا يريدُ أن يَعتمدَ وهو القدُّوس؟ إِسمَعْ هذا: يعتمدُ يسوعُ لا ليُقدَّسَ بالمياهِ، بل ليُقدِّسَ المياهَ، فيُطهَّرَ بطهارتِه كُلُّ ما تمَسُّه المياهُ. فتَقديسُ المسيحِ هو تَقديسٌ أَعظمُ لعُنصُرِ الماء.
بمعموديّةِ المسيحِ أصبحَ الماءُ كُلُّه طاهِرًا من أجلِ معموديّتِنا. وأصبحَ الينبوعُ كُلُّه طاهرًا، لِيَتَطَهَّرَ به فيما بعدُ الشُّعوبُ التي سوف تُقبِلُ إلى غُسلِ المعموديّة. تَقَدَّمَ المسيحُ أوَّلاً إلى المعموديّةِ، لتَسيرَ الشُّعوبُ المسيحيّةُ من بعدِه إليها بثقةٍ وإيمان.
وهنا أُحاوِلُ التَّعَمُّقَ في فهمِ السِّرِّ: تَقَدَّمَ عمودُ النارِ في البَحرِ الأَحمرِ ليَسيرَ خلفَه بنو العبرانيين بشجاعة. تَقَدَّمَ عمودُ النارِ أَوَّلاً في الماءِ ليُعِدَّ الطَّريقَ للسَّائِرين بعدَه. وكانَ ذلك كما يقولُ الرَّسولُ رمزًا لسِرِّ المعموديّةِ. وكانَ نوعًا ما معموديّةً حقيقيّةً، فالغمامةُ كانَتْ تُظَلِّلُ الناسَ، بينما كانَ الماءُ يَحمِلُهم.
وقد صَنَعَ المسيحُ الرَّبُّ ذلك كُلَّه في الماضي كما يفعلُ الآن: كما تَقَدَّمَ بني العبرانيّين في صورةِ عمودٍ من نار، يَتَقَدَّمُ الآنَ بالمعموديّةِ الشُّعوبَ المسيحيّةَ بصورةِ جسدِه. أقولُ، ذلك هو العَمودُ نفسُه الذي وهبَ النُّورَ لِعيونِ تابعِيه، والآنَ يَمنَحُ النُّورَ لِقُلوبِ المؤمنين. ثبَّتَ قديمًا في البَحرِ طَريقًا، والآنَ ثبَّتَ خُطَى المؤمنِين في غُسلِ المعموديّةِ.
من كتاب القديس هيلاريوس الأسقف، أُسقُف بواتييه ومعلم الكنيسة في الثالوث الأقدس
(315-367)
هبة الآب المسيح
أَمَرَنا الرَّبُّ بأَنْ نُعِمِّدَ بٱسمِ الآبِ والإِبنِ والرُّوحِ القُدُس، أي بأن نَعتَرِفَ باللهِ الخالقِ وٱبنِه الوَحيدِ، وبالرُّوحِ هبتِه لنا.
واحدٌ هو الله خالقُ الكلّ. واحدٌ هو اللهُ الآبُ الذي منه كلُّ شيء. واحدٌ هو يسوعُ المسيح، الذي به كلُّ شيء. واحدٌ هو الرُّوحُ القُدُسُ، هبةُ اللهِ في الكُلِّ.
فكلُّ شيءٍ مُرتَّبٌ بالقدرةِ والصفاتِ الإلهيَّةِ: القدرةُ واحدةٌ ومنها كلِّ شيء، والبُنُوَّةُ واحدةٌ، وبها كلُّ شيء، والهبةُ واحدةٌ وهي مصدرُ الرَّجاءِ الكامِل. ولا يمكنُ أن يَنقُصَ شيءٌ في كلِّ هذا الكَمالِ في الآبِ والابنِ والرُّوحِ القُدُس: فاللاَّنِهايةُ الأَبَدِيَّةُ في الآب، والمُشاهَدَةُ في صورةِ الإِبن، والحياةُ في هبةِ الله أي الرُّوحِ القُدُس.
قال يسوع: “لا يَزَالُ عِندِي أشيَاءُ كَثِيرَةٌ أقُولُهَا لَكُم، وَلَكِنَّكُم لا تُطِيقُون الآنَ حَمْلَهَا. خَيرٌ لَكُم أن أذهَبَ. فَإذَا ذَهَبْتُ أرسَلْتُ إلَيكُم المُؤَيِّدَ” (يوحنا 16: 12 و7)، (2يو12).
وقالَ أيضًا: “وَأنَا سَأسألُ الآبَ، فَيَهَبُ لَكُم مُؤَيِّدًا آخَرَ، يَكُونُ مَعَكُم لِلأبَدِ. رُوحَ الَحقِّ. هُوَ يُرشِدُكُم إلَى الحَقِّ كُلِّهِ، لأنَّهُ لَن يَتَكَلَّمَ مِن عِندِهِ بَل يَتَكَلَّمُ بِمَا يَسمَعُ وَيُخبِرُكُم بِمَا سَيَحدُثُ. سَيُمَجِّدُنِي لأنَّهُ يَأخُذُ مِمَّا لِي” (يوحنا 14: 15 -17؛ 16: 13- 14).
قِيلَتْ هذه الآياتُ لتفهموا منها أُمورًا كثيرة: إرادةَ الواهِب، وسَبَبُ الهِبَةِ وطَبيعَتُها. فإِنَّنا في ضُعفِنا لا نَقدِرُ أَنْ نَفْهَمَ لا الآبَ ولا الإِبنَ. فيأتي الرُّوحُ القُدُسُ لِيُنيرَ إيمانَنا، وبوساطتِه نُدرِكُ سرَّ تَجَسُّدِ اللهِ الَّذي يَصعُبُ فَهْمُه.
يُقبَلُ الرُّوحُ من أجلِ المعرفة. إنَّ الطبيعةَ البشريّةَ إذا زالَتْ عنها أسبابُ الحياة، بقِيَتْ من غيرِ عمل. إن لم يكُنْ نورٌ أو نهار، لا تَقدرُ العينُ أَنْ تَعمَلَ شيئًا. وإن لم يكُنْ هناك صوتٌ أو كلامٌ فلا عملَ للأُذن. وكذلك الأَنفُ، إِنْ لم تَفُحْ رائِحَةٌ فلا عَمَلَ له. وليسَ الإعتلالُ أَو النَّقصُ في الطَّبيعَة، بل في ظُروفِ الإِستخدام. وكذلك روحُ الإنسانِ، إِنْ لم يَنَلْ بالإِيمانِ هِبَةَ الرُّوح، قد تكونُ فيه المقدرةُ لفهمِ الله، ولكن سيَنقُصُه نورُ المَعرِفةِ الَّذي يُفعِّلُ تِلكَ المَقدِرَةَ فيه.
وهذه الهِبةُ التي تُعطَى في يسوعَ المسيح واحدةٌ للجميع. وهي دائِمًا موجودةٌ لا تَنقُصُ ولا تَغِيبُ. ولكنّها تُعطَى فقط بمِقدارِ ما يأخُذُ الآخِذُ. وتَبقَى في نَفْسِه بمِقدارِ ما يُريدُ لها البَقاءَ فيها. إِنَّها مَعَنا حتَّى نِهايةِ العالَم، وهي عَزاؤُنا وقُوَّتُنا في فَترةِ ٱنتظارِنا. وهي عربونُ ما نَتَرَجَّى في المُستَقبَلِ. هي نورُ العُقول، وبَهاءُ النُّفوس.