“حان الوقت واقترب ملكوت الله” (مرقس ١، ١٤)
البطريرك بيتسابالا
(مرقس ١، ٢١–٢٨ )
لفهم المقطع الإنجيلي لهذا الأحد، لنذكّر المقطع الّذي تمّ إعلانه يوم الأحد الماضي.
ستكون الكلمات الأولى ليسوع في الجليل بمثابة المفتاح لقراءة، ليس فقط حدث اليوم، ولكن مختلف المقاطع التي سوف نقرأها في الآحاد القادمة.
“حان الوقت واقترب ملكوت الله” (مرقس ١، ١٤). هذه هي البشرى السارّة، الإنجيل الّذي يبدأ يسوع في إعلانه. لقد أصبح الربّ قريباً، ولم يعد إلهاً بعيداً. لقد جعل الربّ نفسه قريباً منا كي نتمكّن من حبّه. إنّه يحقّق ترقّب الإنسان ويُتمّم زمن الانتظار. ليست لفتات يسوع وحواراته، في باقي الإنجيل، سوى جوابا لهذا السؤال: كيف يصبح الرب، من خلال يسوع، قريبا منا؟
يمكننا الآن أن نفهم حادثة يسوع في مجمع كفرناحوم. نحن لا نعرف ما قاله هناك، ولكنّنا نعرف أن تعليمه يولد الإنبهار (مرقس ١:٢٢)، لأن أولئك الحاضرين يرون فيه سلطة تختلف عن تلك الّتي لدى الكتبة (مرقس ١:٢٢)، وتعليما جديدا: “ما هذا؟ إنّه لتعليم جديد يُلقى بسلطان” (مرقس ١:٢٧). وبالتالي فإن المستمعين ينبهرون من سلطة يسوع.
ما معني هذا السلطان، ومن أين يأتيه؟ ما الّذي كان سكّان كفرناحوم قد فهموه؟ متى يكون التعليم ذا سلطان؟
يسوع، في تعليمه، هو صاحب سلطان لأنّه لا يتوقّف عند تعليم الشريعة وتفسيرها وحسب؛ كما أنّه لا يتحدّث عن شيء ما خارج ذاته، بل يتحدّث عمّا هو له وعمّا يخصّه.
هناك اختلاف عندما يتحدّث شخص ما عن أمور سمع عنها، أو حتّى عن أمور تعلّمها أو، بدلاً من ذلك، عندما يتحدّث عن نفسه وعما هو موجود في قلبه، وما يصدر عن حياته.
والسبب الثاني هو كون يسوع صاحب حجة يُشير إليها سكّان كفر ناحوم أنفسهم: “حتّى الأرواح النجسة يأمرها فتطيعه” (مرقس ١، ٢٧). إنّ تعليم يسوع موثوق به لأنّه تعليم مُحرِّر. سوف يُوبّخ يسوع الكتبة والفرّيسيّين، مراراً وتكراراً في الإنجيل، لكون تعليمهم قمعيّ ويُلقي أحمالاً ثقيلة على أكتاف الناس. بينما تعليمه ليس كذلك، بل هو يُحرّر ويُعزّز ويُعيد الكرامة، ويُعيد الأمور إلى أصلها.
إنّ تعليمه جديد. ليس لأنّه يقول أشياءً جديدة وحسب، بل لأنّه يُحوّل الحياة، ويجعلها جديدة.
إنّه لا يزيد معرفة مستمعيه بإضافة معرفة أخرى، بل إنّه يُفعّل التوبة والارتداد.
ومع ذلك، فإنّ هذا التعليم هو دمار بالنسبة للبعض (مرقس ١، ٢٤). إنّه دمار لأولئك الّذين يقهرون الإنسان ويقمعونه، ويُحطّون من قيمته، مثل الروح النجس الّذي كان مُستولياً على الرجل الموجود في المجمع. إنّه دمار حتّى بالنسبة لإولئك الّذين يرفضون الدخول في ديناميكيّة التغيير والتحوّل الّتي ينشرها يسوع. إنّه دمار لأولئك الّذين يرون سلطتهم وقوّتهم مُهدّدتين.
سنرى لاحقاً، في الفصل ١١، أنّ هذا السلطان بالذات يواجه تحدّياً. بالفعل، بعد طرد البائعين في الهيكل، سوف يسأله شيوخ الشعب: “بأيّ سلطان تعمل هذه الأعمال؟ بل من أولاك ذاك السلطان لتعمل هذه الأعمال؟” (مرقس ١١، ٢٨). لن يُجيبهم يسوع مباشرة. سوف يدعوهم أن يردّوا بدورهم على سؤال يخص مصدر سلطة يوحنا المعمدان. سألهم من أين جاءت، أمن السماء أم من البشر؟ (مرقس ١١، ٣٠–٣٣).
ومن المهم أن نلاحظ أن الروح النجس لا يقول أي شيء خاطئ، أو أيّ شيء غير مستقيم، ولكنّه يعلن هويّة يسوع بشكل صحيح، بأنّه حقّاً “قدّوس الله” (مرقس ١، ٢٤).
بالنسبة لإعلان الإيمان الذي يقوم به الروح النجس، فإن ما ينقص هو الإيمان ذاته، وهو التواضع اللازم لقبوله كقدّوس الله. يشعر الروح النجس أنّ يسوع عقبة، عقبة أمام سلطته على الإنسان، ولا يريد أن يكون له أيّ صلة به (مرقس ١، ٢٤).
إن ما ينقص هذا الإقرار، قبل كل شيء، هو الصليب: سوف يكون الإقرار “حقيقيّاً” فقط تحت الصليب، كما سوف يفعل قائد المائة عندما يرى يسوع يموت: “كان هذا الرجل حقّاً ابن الله” (مرقس ١٥، ٣٩).
+ بييرباتيستا