عظة الأحد الخامس للفصح (ج)

الأب بيتر مدروس

ما فات الوقت للتأمّل ولا للتفكير في قراءات هذا الأحد حسب التقويم اليولياني (الذي ليس شرقياً بل هو غربي منسوب إلى الإمبراطور الرومانيّ يوليوس قيصر). ولكن ينبّه المرء القرّاء الكرام أنّ ما سيرد هنا ليس “عظة” بالمعنى الخشوعي التقوي الخالص فقط ، بل يحوي أيضا تعليقات وتحليلات مستمدّة من الواقع ومن العلم – لا تخالف في شيء تعاليم الكتب المقدّسة التي تقدّمها لنا الكنيسة دوماً بإخلاص.

بولس وبرنابا (أعمال الرسل 14 : 21 – 27)
“رجع بولس وبرنابا إلى لُسترة…” : بولس (باولوس) نقل يوناني لاتيني تقريبيّ لأحرف “شاول” ، مع زيادة ال “وس” الختامية للذكور. ورسول الأمم الإناء المختار غنيّ عن التعريف (على الأقلّ في هذه المقالة!) “برنابا” أي “ابن العزاء” لاوي قبرصيّ اعتنق المسيح ورافق بولس. ويبدو أنّ إحدى المدن القبرصية تحمل اسمه “أيا نابا” ولعلّها تبديل ل “آغيوس برنابا” أي القديس برنابا.
يجب أولاً التمييز بين “رسالة برنابا” المنحولة المعروفة في التاريخ ، وبين ما يسمّى زوراً وبهتاناً ب “إنجيل” برنابا” الذي كُتب في العصور الوسطى – في اللغة الإيطالية ويقول بعضهم الإسبانية – بين القرنين الثالث عشر والسادس عشر الميلاديّين. لا علاقة له لا بالسيد المسيح ولا بالرسل ولا ببرنابا رفيق بولس الرسول. ولا يستشهد به أي من العلماء المسلمين الأقدمين لسبب بسيط جداً هو … عدم وجوده أصلاً إلاّ في مرحلة متأخرة من القرون الوسطى ، وقبل نقله إلى العربية في القرن العشرين (على يد الدكتور خليل سعادة). لذا يرفضه الكاتب الألمعيّ عبّاس محمود العقّاد جملة وتفصيلاً.
وإذا شاء إخوتنا المسلمون أن يعرفوا تفاصيل أخرى ، فحسبهم أن يعلموا أنّ الكتاب المزيّف المذكور يقول : “أنّ نبيّ الإسلام هو هو المسيح المنتظر (في حين أن يسوع هو كريستو” (1 ، 1) ، متخيلاً أن كريستو والمسيح شخصيتان مختلفتان ، مع أنّ كلا اللفظين يعني “مسيح” في العبرية العربية من جهة ، وفي الإيطالية الإسبانية من جهة أخرى) ، وأن هذا الكتاب المزعوم يقول عن جهنم أنها مؤقتة لبعض القوم ، وأنّه لا يقبل إلاّ شريعة الزوجة الواحدة … كلّها وسواها أمور تناقض صراحة النصوص القرآنية.
ومن جهة “منطقية” لا يثق العالم الإسلامي (ولا اليهودي) بالقديس بولس ، فكيف يثق قوم من المسلمين بتلميذه برنابا ؟

“بولس وبرنابا يشدّدان عزائم التّلاميذ”
خصوصاً بكلام الإيمان والرجاء وبإسعاف المحبة. كما بيّن الرسل الأطهار (أعمال الرسل 6 ) : ليست وظيفتهم خدمة الموائد أي العناية بالماديات. ولكن بسبب أوضاع الحرب وحالات الحرب، وتقصير بعض الحكومات ، قامت الكنيسة بخدمات اجتماعية، ولكن هذا ليس الهدف الأول ولا الاساسي من كهنوتنا. الحقّ أن الكنيسة تؤسس بطيب خاطر المدارس والجامعات ، لأن المدارس التي لا تشرف عليها تهمل التربية الدينية المسيحية عادةَ أو لا تقوم بها بإتقان (أو تمنعها في بعض الدول).

” أقاما شيوخًا في كل كنيسة”
“الشيوخ” هنا ليسوا رجالاً كباراً في السنّ بل هم كهنة ، فاللفظة اليونانية الأصلية “برسبيتيروس” (أعطت الإنكليزية priest والإيطاليّةprete والفرنسية PRETRE والألمانية Priester) تقابل العبرية “قشيش” (قسّيس) والارامية “قاش” أي المتقدّم في السنّ – لفظة صارت تعني “كاهن”.

” صلّيا وصاما”
الصوم ممارسة من السيّد المسيح نفسه والرسل ، فكيف تجرؤ بدع أمريكية يهودية على رفضها ووصفها ب “شيطانية”؟

“انحدرا إلى أطّالية” (أنطاليا اليوم)
زار هذه المدينة في تركيا عدد من المسيحيين لا حجّاجًا يبحثون عن آثار مار بولس، بل سيّاحًا ملتمسين الاستجمام ، وهم لا يدرون أنّ في المدينة ذكريات رسولية ، كما يجهل نفر من مسيحيّينا غير قليل، ليس فقط إنجيله المقدس وتاريخ كنيسته ، بل أيضا معالم مسيحيّتنا الأثريّة . ولا تعمل مناهجنا المدرسية والجامعية العربية شيئًا (ما خلا لبنان حسب ما أعتقد) لتعليمنا هذا التراث الفريد ، بل تطمسه وتتجاهله…

المزمور 144 (145) : 8 وتابع
ح حنّان هو الربّ …
ط طيّب هو الرب …
ي يا ربّ …
ك كلامهم ليكن …
ل ليُعلموا ابناء البشر …
كما لحظنا ، نقل التعريب العربيّ المقدسيّ المقرّ في طقوس الكنيسة اللاتينية في اللغة العربية منذ سنة 1975 – نقلَ البلاغة العبرية الموجودة في الأصل ، فكلّ آية تبدأ بحرف من الأبجدية الكنعانية الفينيقية العبرية الموجودة في الأصل حسب الترتيب ابجدهوز حطيكلمن …- كما في كلّ هذا المزمور وسواه خصوصًا مزمور 119 (118) المكوّن من 176 آية ، تُستهلّ كلّ ثمانِ منها بحرف ، حسب الترتيب الأبجدي، فالسلسلة الأولى تبدأ ب “ألف” والثانية ب “باء ” وهكذا. لذا دُعي ذلك المزمور “أبجدية الحب الإلهيّ”.

رؤيا 21 : 1 – 5
تعليق سريع وغير مستفيض على اسم “يورشالايم” : لا يعني شيئًا في العبرية وذلك لأنه اسم كنعاني يبوسيّ حرّفه اليهود. الأصل هو “اور شلِم” أي “مدينة سالم” ، وهو معبود كنعاني يبوسيّ. وادّعاء العبرانيّين أنّ “يروشالايم” (مع صيغة المثنّى التي لا سبيل إلى إدراكها ولا تبريرها) يعني “رؤية سلام” ، فهو من باب الشطّ والخلط والخداع التي يتقنن فيها قوم موسى “ولكلّ امرىء من دهره ما تعوّدا”. فعلاً ، إذا أريد القول “يرون سلاما” كان المفروض أن تكون الكلمة “يرؤو شالوم”….
يقولون “سلام سلام” ولا سلام!

يوحنّا 13 : 31 ت
يضيق هنا المقام للخوض في موضوع المحبة سيّدة الوصايا. ولكن لماذا يدعوها السّيّد له المجد “وصيّة جديدة” مع أنها معروفة في العهد القديم : “أحبب قريبك حبّك لنفسك” (لاويين 19 : 18) ؟ الجديد هو أنّ “قريبك” في المسيحية هو كل إنسانة وكلّ إنسان ، كما أوضح الرب في مثل السامري الرحيم (لوقا 10 : 25 وتابع) و”أخي” – بخلاف اليهودية – هو كل إنسان وأختي كل إنسانة. الجديد : “أحبّوا بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم” أي حتى التضحية بالذات ، وإن لزم الأمر أحياناً حتّى الموت! لا التضحية بالآخر (حسب شعار الملحد جان بول سارتر :”الجحيم أو جهنّم هي الآخرون!” L’enfer, c’est les autres” (ولكنّ الحكمة الإلهية المتجسدة في المسيح تهتف: “نعيمي مع بني البشر”).

“أحبّوا بعضكم بعضاً : بهذا يعرف الناس جميعا أنكم تلاميذي”
الآن فهمنا أيها المسيح الرب لماذا “لا يعرف البشر” أننا مسيحيون ، ولا يتعرفون علينا كثيراً من المرات ، كما حصل مع المهاتما غاندي المعجب بك ايها المسيح و”المتحفّظ” بل المستاء من “مسيحييكم”!
أعطنا يا رب أن نجدّد بنعمتك نوعاً ما معجزة التجلّي : أي بدل أن نشوّه وجهك، أن نعكسه وأن يظهر علينا محيّاك ، ولا “يعمي إله هذا الدهر بصائرنا (وبصائر بشر آخرين) ، لئلاّ يروا تألق مجد إنجيل المسيح” (2 قور 4 : 4) ، إسطع بسناء وجهك علينا يا من هو “نور العالم” ومن أنعم علينا وأمرنا أن نصبح نحن أيضاً بشكل معيّن محدود “نور العالم وملح الأرض” (عن متّى 5 : 13 وتابع).
آمين!