Liturgical Logo

عيد الصّعود السّيّديّ

الأب بيتر مدروس

“أفي هذا الزّمان تعيد يا ربّ المُلك إلى يسرائل؟”
قبل حلول روح القدس على الرّسل والتّلاميذ، كانت عقولهم بطيئة ومداركهم سميكة. وجُلّ ما “تعلّموه” من الجليليّ الخالد عن “مُلك الله”- بسوء فهم رهيب مستمرّ لدى اليهود والمنشقّين عن الكنيسة – كان أنّ ملكوت الله دولة لليهود لا تسيطر فقط على أرض كنعان، ومن النّيل إلى الفرات، بل “تسحق الشّعوب تحتها والأمم (“الجويم” المساخيط!) تحت أقدامها”. ويطرح السّؤال نفسه اليوم أيضًا، بعد مرور سبعين سنة على تأسيس كيان يهوديّ في فلسطين قوامه السّيطرة العسكريّة والتّرهيب والابتزاز والارتفاع على جثث الفلسطينيّين وأنقاض بيوتهم ومؤسساتهم وبعض معابدهم واقتلاعهم من جذورهم وتشريد 75 بالمئة منهم واستبدالهم بمستوطنين يهود (هنالك أصلاً شكّ في يهوديّة كثيرين منهم!). جواب الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسيّة هو صدى إنجيليّ أصيل لكلمات الربّ يسوع للوالي بونطيوس بيلاطوس: “مملكتي ليست من هذا العالم” (يوحنّا 18: 36). ومع الأسف الشّديد، ومنذ القرن السّادس عشر، بسبب التّمرّد على الكنيسة، رمى المنشقّون أنفسهم في أحضان اليهوديّة وأخذوا “الكنيس” ملجأ فعادوا إلى التّفكير المشيحاني العنصريّ الدّنيويّ التّلموديّ الرّبابينيّ الحاخاميّ المترفّع على “الأمم”. وشوّه أولئك “المسيحيّون الصّهاينة” صورة يسوع المسيح جاعلين منه قائد معركة “هرمجدون” على البشر (غير اليهود!) وملكًا دنيويًّا على شاكلة داود وسليمان وعنصريًّا ظالمًا يحلو له “ثيوقراطيًّا” إذلال الجويم! وفات أولئك، وعلى رأسهم البيت الأبيض، أنّ القدس عاصمة المسيح والمسيحيّة.
“لي ستكونون شهودًا” بالآراميّة سهدايا סהדיא (أعمال 1: 8)
قبل أن أنسى: ما قال يسوع، ولا في المنام: “ستكونون شهودًا ليهوه”.فالشّهادة ليهوه في أشعيا 43: 10 – 12 كانت رسالة اليهود قبل المسيح، وفقط اليهود. أمّا نحن فشهود المسيح، حسب أمره ونبوّته، وهو تجسّد كلمة يهوه. وهذا ما تنكره الفئات اليهوديّة المدعوّة “ِشهود يهوه” وما تفرّع منها وانشقّ عنها.
في كلمات السّيّد له المجد تأكيد وتوكيد: “لي ستكونون (يعني بالعربيّة : “كونوا وسوف تكونون!”) شهودًا”، وفي اليونانيّة والعربيّة “الشّاهد” هو “الشّهيد” ، أي “كونوا لي وستكونون شهداء μάρτυρες”.

“في أوروسالم وكلّ اليهوديّة…” (أعمال 1: 8)
يفصل العهد الجديد “أوروسالم” يبوس الكنعانيّة عن أسباط اليهود وأراضيهم. بالفعل: لم تكن يبوس-اوروسالم من أراضي “يهودا” بل مدينة يبوسيّة كنعانيّة عريقة احتلّها داود الملك احتلالاً عسكريًّا (كما حلّ بها حتّى أيّامنا) نحو سنة ألف قبل الميلاد السيّدّي المجيد. ومن أسباب اختياره للمدينة اليبوسيّة عاصمةً كان بالضّبط أنها ليست من الأسباط، لئلاّ يحسد أحدهم الآخر! ونجد هذا الفصل بين “أوروسالم” و مقاطعة يهوذا أيضًا في إنجيل متّى 3: 5 وما يوازيه: “وكان يخرج إلى (يوحنّا المعمدان) أهل أوروسالم وكلّ اليهوديّة”.
إنكار لصعود المسيح!
فرك بعض خصوم المسيحيّة عيونهم سرورًا ويديهم حبورًا عنما طالعوا في بعض الكتب أنّ “خاتمة إنجيل مرقس” زائدة بحيث “يطير صعود المسيح”! ولكن فاتهم أنّ هذا الصّعود الربّانيّ الرّفيع حاضر حتّى في العهد القديم، وبالذّات في سِفر المزامير، كنبوّة واضحة: “صعدتَ (يا ربّ) إلى العلاء وأسرتَ أسرنا وظفرتَ بالناس …عطايا” (مزمور 68 (67): 19. ويستشهد مار بولس بهذه الآية في قراءة اليوم (أفسس 4: 1 وتابع). وورد إنباء بالصّعود في المزمور 110 (109): “قال الربّ لربّي: اجلس عن يميني حتّى أجعل أعداءك موطئًا لقدمَيك”.
أمّا إنجيل يوحنّا الرّسول الحبيب، فيذكر صراحة هذا الصّعود، بشكل نبوّة من السيّد المسيح نفسه: “ما من أحد يصعد إلى السّماء إلاّ الّذي نزل من السّماء: وهو ابن الإنسان” (يوحنّا 3: 13). أمّا السّيّدة العذراء، منها السّلام، فلم “تصعد” بل “نُقلت” إلى الأمجاد السّماويّة نفسًا وجسدًا، كما يليق ب”أمّ الرّبّ”.
خاتمة: عيد مجيد وما هو كلّيًّا سعيد لنا نحن مسيحيّي الشّرق!
سترنا الله من أعظم، فالدّنيا عندنا ليست فقط “على يد عفريت” بل عدّة عفاريت. ولكن “سننال قوّة من العلى”، ونشهد للمسيح وربّما نستشهد من جديد لأجله، كما في تركيا وسورية ولبنان والعراق ومصر وسواها!
“ويسوع سوف يعود”.