“مِثل” موسى، أكثر من موسى، أفضل من موسى ! (تث 18: 15، مرقس 1: 21 ت)
الأب بيتر مدروس
القراءة الأولى من سِفر تثنية الاشتراع (18: 15 ت) تتنبأ مرّتَين عن “نبيّ مِثل موسى” الّذي يُعلن للشّعب العبريّ: “يُقيم لك الرّبّ إلهك نبيّا، من بينكم، من إخوتك مِثلي، له تسمعون”( آ 15) وفي الآية 18 تتكلّم العزّة الرّبانيّة الّتي يبدو أنها استجابت: “سأقيم لهم نبيّاَ من وسط إخوتهم، مِثلك (يا موسى)، وأجعل كلامي في فمه، فيخاطبهم بكلّ ما آمره به”. فسّر أمير الرّسل، البابا الأوّل بطرس، هذه النبوءة بأنّها تتحدّث عن المسيح (أعمال 3 : 20 – 23 ). أمّا أوّل الشهداء اسطفانوس فإنّه أكّد أيضاَ هذا التأويل المشيحاني المتجسّد في يسوع النّاصريّ (أعمال الرّسل 7 : 37). وأدركت الجموع أنّ يسوع هو النبيّ المسيح الّذي تنبأ عنه موسى (يوحنّا 6: 14، ثمّ 7: 40). النبيّ الموعود به سيُقام “لك” يا موسى و”لهم” أي للشعب العبريّ.
“النبيّ” المشار إليه هو من بني يعقوب أي من الشّعب اليهوديّ لا من شعب آخر، كما يبدي لنا سياق سِفر تثنية الاشتراع نفسه، في الفصل السّابق 17 الآية 15: “أقِم عليك ملِكاَ ، الّذي يختاره الرّب إلهك، من بين إخوتك تقيم عليك ملكاَ، ولا يحِلّ لك أن تُقيم عليك ملكاَ رجُلا غريباَ ليس باخيك”. فالنبيّ مِثل الملك يجب أن يكون من اليهود لا من بني قيدار أو سواهم.
والسيّد المسيح مشترع “مِثل” موسى إذ “ما أتى لينقض الشّريعة بل ليكملها” (عن متّى 5 : 17). و”كلام الله في فمه” لأنّه هو ذاته “كلمة الله” (عن يوحنّا 1: 1).
نحن، معشر المؤمنين بيسوع نبيّاَ كإنسان ومسيحا وملكا وكاهنا ونذيراَ لجميع الأمم ومخلّصاَ لكلّ الشّعوب، متّحدة طبيعته البشرية “بكلّ ملء اللاهوت الّذي يسكنها جسديّاَ” (عن قولسّي 2 : 9) – نحن قوم العهد الجديد وأهل الكلمة وأهل الكتاب أي الإنجيل الّذي يميّزنا عن العهد القديم، نحن نتبع شريعة المحبّة الّتي سنّها السيّد المسيح جالباَ الكمال للشّريعة الموسويّة. علينا أن نضع المسيح الكلمة وكلمة المسيح مركزاَ لحياتنا ومحوراَ لكياننا، بحيث نبقى بنعمته تعالى شعباَ ملوكيّا كهنوتيّاَ نبويّاَ بعد أن مُسحنا بزيت الموعوظين في المعمودية والميرون في التثبيت (والكهنوت).
“ما لنا ولك يا يسوع النّاصريّ؟” (مرقس 1 : 21 ت)
في قراءة الإنجيل الطّاهر لهذا الأحد، نسمع هذه الجُملة من الشّياطين مخاطبة يسوع وهي تخاف أن يطردها، ولسان حالها القول العاميّ “ما لنا وما لك؟” بالضبط كما وصل إلينا في النص اليوناني الذي ينقل الاصل الآراميّ. وقد يشبّه قوم هذه الجملة بآية قالها السيّد له المجد لوالدته منها السّلام في عرس قانا الجليل: “ما لي ولك ايتها المرأة؟” أي ايّتها السيّدة. قطعاَ لا تعني كلمات يسوع تبرّؤا من والدته – حاشى وكلاّ. ومحال أن يكون قد قصد: “لا علاقة لي بكِ!” – وهو أفضل الأبناء على الإطلاق والمطيع للسيدة العذراء والقديس يوسف خطّيبها العفيف ومربّيه الحكيم. العبارة في قانا (عن يوحنا 2: 1 – 11) تأتي في سياق مختلف تماماَ عن سياق طرد أرواح شرّيرة! الكلام في قانا من أحبّ الأبناء وأكثرهم محبّة إلى أحنّ الأمهّات وأسماهنّ حكمة! ويأتي كلام يسوع في إطار “مناورة” مقدّسة تفيدنا نحن أكثر ما افادت السيدة العذراء وأهل العرس. يتظاهر يسوع (كما سيتظاهر على طريق عماوس – في لوقا 24) باللامبالاة وعدم الاعتناء بهموم البشر اي اهل العرس الذين نفذت عندهم الخمر فكادت فرحتهم تنقلب حُزناَ وإحراجاَ! وكأنّ السيّد المسيح يقول لوالدته الطّهور: “ما لنا وما لهم؟” عليهم هم حلّ مشكلتهم. ونعلم من باقي السياق في يوحنّا 2 أن السيد المسيح قام بالمعجزة الأولى إكراماَ لوالدته (وهذا يُسمّى شفاعة!).
الرّوح الرّبانيّة الرحمانية تحملنا على الانتماء إلى السيّد المسيح والتمسّك به، والروح الشيطانية تبعدنا عنه وتجعلنا نقول “ما لنا وما له”، لنحذفه من حياتنا وحساباتنا كما يفعل بعض الغربيين المعادين للمسيحية مطالبين بإزالة الصليب والمغارة والشعارات المسيحية (ولا يمانعون في وضع غيرها!) الروح الربانية تقول لنا :”الحياة لي هي المسيح!” ، وأن فيه “الحياة “.
أعانتنا نعمة المخلّص المسيح كلمة الله كي “تأخذ محبّته بمجامع قلوبنا” ونكفر بالشيطان وبأعماله وأضاليله ونتعلّق بالمسيح حياتنا!