يونان: النبيّ “الحردان” ورُسُل المسيح صيّادو الإنسان! (يون 3 : 1 -10، مر 1:14 ت)
الأب بيتر مدروس
ينطلق يونان النبيّ رغم أنفه لدعوة أهل نينوى إلى التّوبة. وكان قد فعل كلّ ما في وسعه للهرب من مشيئة الله الخلاصيّة للوثنيّين. انطلق في سفينة من يافا (فلسطين) إلى “ترشيش” (ولعلّها اسبانيا) وبعد خروجه من بطن الحوت توجّه على مضض إلى نينوى! تأفّف “النبيّ” يونان من الرسالة وشكا من بُعد المسافات، ومشقّة السّفر في البحر والبرّ وكان يفضّل، بينه وبين نفسه، أن يُرسَل إلى “جماعته”، أهل قومه العبرانيّين الّذين كان يحسبهم أفضل شعب بل الشّعب الوحيد الصّالح.
فاجأت الحكمة الالهيّة يونان – الذي يعني اسمه “حمامة”، والذي كان يودّ أن يكون “صقراً” غير وديع بل عنيفاً مع ال”جوييم” “المساخيط”! وها هو يُنذر أهل نينوى فيؤمنون بالله ويتوبون بالصّوم ولبس المسوح (التي اشتهرت بها مقاطعة في آسية الصغرى دُعيت على اسمها اليوناني “قيليقية”، موطن رسول الأمم الإناء المختار بولس). “تاب” النينويّون عن طريقهم الشّرير. ونحن نسأل الله أن يتوب أهل العنف في العراق عن عنفهم ويهتدوا إلى “وداعة الحمام” (عن متّى 10 : 16) وقد أدركوا أنّ “من أخذ بالسيف – بالسيف أيضاً يهلك!” (عن متّى 26 : 52(.
تاب أهل نينوى و”تاب الله عليهم”. لا تعني العبارة العربيّة ندامة من الله على شرّ قد يكون تعالى قد فعل – حاشى وكلاّ، بل عودة إلى الرحمة واللطف والشفقة والنعمة الالهيّة لخير البشر التائبين المنسحقين. ويقرأ المرء أنّ الله “رأى أعمالهم (أي التوبة بالصوم والتقشّف والاهتداء والعدول عن السيّئات) فندم الله على الشرّ الذي قال انه يصنعه بهم”. هنا أيضاً، لا تعني “الندامة” الربّانيّة أسفاً على خطيئة – والعياذ بالله – بل عدولاً عن عقاب ورجوعاً إلى ثواب بما أنّ البشر غيّروا موقفهم وبدّلوا سيرتهم. والله حكيم عليم عادل يضع شروطاً معقولة لرضوانه وغفرانه وأسباباً وجيهة لغضبه وسخطه بحيث لا تُفاجئه توبة عباده ولا تُداهمه ندامتهم. ردّد الأنبياء هذه الفكرة التي تعبّر عن العدالة الإلهيّة: لا عقاب بعد التّوبة بل مغفرة ورضى (عن إرميا 18: 7 -8، ثم 26 : 3). من جهة أخرى، الفعل الكنعانيّ العبريّ المُستخدَم مأخوذ من جذر “نحم” أي حنّ وشفق ، شعر بالحسرة والحزن. وفي مواضع أخرى من العهد القديم (منها عدد 23 : 19، صموئيل (ملوك) الأوّل 15 : 29) نجد الفكر اللاهوتي الحصريّ من غير أساليب تصويريّة شعبية: “ليس الله إنساناً ليندم”.
في سِفر يونان (4 : 1) نقرأ أنّ الله عفا عن أهل نينوى ورحمهم، “وساء الأمر يونان مساءة شديدة وغضب!” الفعل العبريّ “ييحار لو” يُشبه العربيّ الدارج “انحرّ” أي امتعض و”زعل”! وتمنّى لنفسه الموت! يفضّل أن يرحل عن هذه الدّنيا على أن يرى الرب يرأف بالوثنيين! يصل يونان إلى قمّة “الحرد والنّكد” وهو يكاد ينفجّر من الغيظ، لا لشيء سوى لأنّ إله العبرانيين (الذي كان يونان يحسبه حكراً لشعب واحد أسمى من الجوييم “الحيوانيين الأنجاس”) أشفق على “مساخيط الأمم”! ضيق الآفاق والتعصّب الدّيني والقبليّ والنّعرة والتمييز والنظرة الثيوقراطيّة العدوانيّة الفوقيّة أعمت بصيرة “النبيّ”. وكان الله معه حليماً، فناقشه أوّلاً: “أيحقّ غضبك؟” وبعدها أيبس الله يقطينة كان يستظلّ يونان تحتها وأقنع الله يونان أنّه تعالى يُشفق على نينوى أكثر من حزن يونان على اليقطينة!
صيّادو بشر
تقذف السّمكة يونان إلى عرض البحر، وكان في زمن يسوع صيّادون يرمون شباكهم للصيد. يُنادي يسوع بعضهم ( الاشقّاء يعقوب ويوحنا ، وأندراوس وبطرس) ويُعطيهم رسالة يقبلونها وتنضج في قلوبهم بحلول روح القدس كما ترتّل الكنيسة البيزنطيّة الشقيقة: “مُبارك أنت ايّها المسيح إلهنا، يا مَن أظهرتَ الصيّادين غزيري الحكمة إذ سكبتَ عليهم روح القدس وبهم المسكونة قد اقتنصتَ، يا محبّ البشر المجد لك!”