ماذا يعني السهر، ومن أيّ شيء يجب أن نحذر؟
البطريرك بيتسابالا
(مرقس ١٣، ٣٣–٣٧)
نبدأ اليوم سنة ليتورجيّة جديدة. وسوف يُرافقنا خلالها إنجيل القدّيس مرقس. نبدأ بهذا المقطع الإنجيلي (مرقس ١٣، ٣٣–٣٧)، الّذي تُدوّي فيه مرارا الدعوة إلى السهر والحذر.
ماذا يعني السهر، ومن أيّ شيء يجب أن نحذر؟
كي يَسهُل علينا الدخول في هذه الخبرة، يروي لنا يسوع مثلاً قصيراً عن رجل يُغادر بلده في رحلة طويلة، ويترك بيته في رعاية الخدم، ويُكلّف كلّا منهم القيام بمهمّة خاصّة. فيُكلّف البواب بمهمّة السهر، ويمتدّ هذا التكليف، فيما بعد، إلى الجميع. يجب عليهم السهر كي لا يجدهم نائمين عند عودته لا سيما وأنهم لا يعلمون زمنها.
من المثير للاهتمام أن تُعطى مهمّة السهر إلى البوّاب. ونجد ما يشبه هذا المثل في لوقا ١٢، ٣٦، حيث يُكلّف البواب بمهمة السهر، تحديداً من أجل أن يفتح الباب لسيّده عندما يعود، فيتمكن من الدخول إلى بيته.
الإعتبار الأوّل هو أنّ السهر لا يعني القيام بشيء خاص أو بمجموعة أفعال مُحدّدة، وإنّما هو موقف وأسلوب حياة: إنّه انتظار شخص ما بهدف اللقاء معه.
أمّا النوم، على العكس من ذلك، فيعني أننا لا ننتظر أيّ شخص. عندما يحدث ذلك، يُغلق الأفق على المكان والزمان، وتتقوقع حياتنا حول ذاتها.
ولذلك، ليس من قبيل الصدفة أن تبدأ السنة الليتورجيّة تحديداً بزمن المجيء، وبهذه النظرة على المستقبل: من المهم أن نبدأ من هنا وأن نكون مدركين الهدف الذي نسير إليه، وإلى أين يأخذنا الربّ وأين ينتظرنا.
بهذه النظرة إلى الهدف يكون للطريق معنى، ويمكن الاستمرار في الحياة بطريقة جديدة: يمكننا النظر إلى أمور العالم ليس كشيء مطلق، يحقق كل طموحات الإنسان، وليس كشيء ثانوي ليس له أيّة قيمة.
يتجنّب يسوع، في المقطع الإنجيلي، كلا الموقفين: يؤكّد تأكيدا قاطعا أنّ الزمن هو عبارة عن شوقٌ للقاء، ولكنّه يقول أيضاً أنّ هذا اللقاء لايمكن أن يتمّ إذا لم نعش الحياة في اليقظة والانتظار.
من الممكن البقاء في العالم بأسلوب جديد. صحيح أنّ اكتمال المواعيد سوف يتحقق في النهاية، ولكنّه صحيح أيضاً أنّنا نتذوّق منذ الآن ما نؤمن به وما نحن سائرون نحوه.
صحيح أن الملكوت هو أمر مستقبلي، ومع ذلك فإنّ الملكوت الّذي ننتظره هو بالفعل في وسطنا منذ الآن.
هذه الأرض، وهذه الحياة الّتي نعيش فيها، هي انتظار لملكوت المستقبل، وهكذا فكل شيء يأخذ معنىً جديدا.
ولكن كيف يمكننا الحفاظ على هذه النظرة إلى المستقبل؟ كيف يمكن ألا تحتل أمور العالم نظرتنا، وكلّ قلوبنا؟
إنّه ممكن فقط من خلال نظرة متجذّرة في الماضي، وممكن فقط إذا وُجد في القلب ذاكرة تتذكرمَنْ نحن، ومن
أين نأتي ومَنْ قد أعطانا الحياة.
ولا يمكن تحقيق ذلك إلاّ إذا كنّا مُدركين للعطيّة الّتي تلقّيناها؛ وهذه الذاكرة هي الّتي تلد الترقّب، ومن لا يتذكّر، لا يمكنه أن يتوقع شيئا.
ولهذا، هناك مرادف لمصطلح السهر في الإيمان المسيحي، وهو الاحتفال.
والاحتفال يعني بالضبط الحفاظ سويّاً في هذه اللحظة المحدّدة، على الذكرى والترقّب، على الوعد والإنجاز. الاحتفال هو العيش في التاريخ محتفظين بالذكرى الّتي تجعلنا نعيش وبالهدف الّذي نسير نحوه؛ ونتيجة اجتياز هذه الخبرة، وتغذية هذا الإدراك تحديداً، فإن الهدف يقترب منا ونحن نقترب منه.
هذا الأسلوب في الحياة يجعل المسيحي شاهداً. شاهداً لما نحن سائرون نحوه ومؤمنون به، وشاهداً لأسلوب جديد للعيش، لا تكون الحياة، بموجبه، كلّ شيء. إنّ الحياة الأرضيّة ليست كلّ شيء، ومن الممكن فقدانها، بشرط عدم فقدان اللقاء بالربّ.
إنّ الشاهد هو “البوّاب” الّذي يتحدّث عنه يسوع: هو البوّاب الّذي يحرس الباب ويُبقيه مفتوحاً ويرى، في مأساة الحياة وخارجها، الربّ الّذي يدخل. وليس من قبيل المصادفة أن يموت الشاهد الأوّل، وهو أوّل شهيد للكنيسة، القديس اسطفانوس، وهو يقول “أرى السموات مفتوحة” (راجع أعمال ٧: ٥٦): يبقى اسطفانوس يقظاً ومتنبّهاً للربّ الآتي، الرب الأمين، الّذي يقيم في وسط الحياة، وينتظره ما وراءها.
لنبدأ زمن المجيء بالنظرة ذاتها.
+ بييرباتيستا