تأملات آباء الكنيسة حول الإفخارستيا
آباء الكنيسة
الإِفخارِستِيَّا )القديسة الأُم تريزا دي كلكُتَّا 1910- 1997)
فكرة روحية
“يَجِبُ أَنْ تَدورَ حياتُنا حَوْلَ الإِفخارِستِيَّا. حَوِّلوا عيونَكُم صَوْبَه. هوَ النُّور. ضَعوا قلوبَكُم بِجانِبِ قلبِهِ الأَقدَسْ، أُطْلُبوا مِنهُ نِعمَةَ مَعرِفَتِه، والمَحَبَّةَ لِكي تُحِبُّوهُ، والشَّجاعَةَ لِكي تَخْدُموهُ، وٱبحَثوا عَنهُ بِشَوْقٍ كبيرٍ”.
)القديسة الأُم تريزا دي كلكُتَّا 1910- 1997)
)القديسة الأُم تريزا دي كلكُتَّا 1910- 1997)
فكرة روحية
“إِنَّ القُربانَ الأَقدَسِ هو غِذائي الرُّوحي الَّذي يُبْقيني على الحياة. فبدونِه لَما كُنتُ أَستَطيعُ أَنْ أَصمُدَ يومًا واحِدًا ولا ساعَةً واحِدَةً من حياتي”.
(القديسة الأُم تريزا دي كلكُتَّا 1910- 1997)
فكرة روحية
“أين تجدون فَرَحَ الحبّ؟ في الإفخارستيّا، في المناولة المقدسة. لقد جَعَلَ الرّبُّ يسوع ذاته “خُبْزَ الحَيَاة” لكي يعطينا الحياة. ليل نهار، إنَّه هنا”.
(القديسة الأُم تريزا دي كلكُتَّا 1910- 1997)
فكرة روحية
“إن كنتم ترغبون حقًّا أن تنموا في الحبّ، عودوا إلى الإفخارستيّا، عودوا إلى هذه العبادة”.
)القديسة الأُم تريزا دي كلكُتَّا 1910- 1997)
فكرة روحية
“في جمعيّتنا، (مرسلات المحبَّة) كانت لدينا عادة القيام بساعة سجود مرّة في الأسبوع؛ ثمّ، عام 1973، قرَّرنا القيام بساعة سجود يوميًّا. لدينا الكثير من العمل؛ وفي كلّ مكان، بيوتنا الّتي تستقبل المرضى والمنازعين المحتاجين مليئة. ولكن منذ أن ٱبتدأنا بالسجود اليوميّ، أصبح حبُّنا للرَّبِّ يسوع أكثر حميميّة، وحبُّنا لكلِّ واحدٍ أكثر ٱنتباهًا، وحبُّنا للفقراء أكثر رحمَةً…”.
(القديسة الأُم تريزا دي كلكُتَّا 1910- 1997)
فكرة روحية
“أُنظروا إلى بيت القربان وٱعرفوا ما يعنيه الآن هذا الحبّ. هل لديّ الوَعي لذلك؟ هل إنّ قلبي نقيٌّ كفايةً لكي أرى فيه الرَّبَّ يسوع؟ لكي يسهل عليّ وعليكم رؤية الرَّبِّ يسوع، جعل هو ذاته “خُبْزَ الحَياة”، لكي نستطيع الحصول على الحياة، حياة سلام، وحياة فرح. جِدوا الرَّبَّ يسوعَ وستجدون السلام”.
(القديسة الأُم تريزا دي كلكُتَّا 1910- 1997)
فكرة روحية
“كم يُخاطِبُنا الرَّبُّ يسوع بحنان عندما يَهَب ذاته لأحبّائه في المناولة المقدّسة: “جَسَدي طَعامٌ حَقّ وَدمي شَرابٌ حَقّ. مَن أَكَلَ جَسدي وشَرِبَ دَمي ثَبَتَ فِيَّ وثَبَتُّ فيه”. ماذا يمكن لِربّي يسوع أن يعطيني أكثر من جسده طعامًا؟ لا، لا يستطيع الله أن يفعل أكثر من ذلك، ولا أن يُظهِر لي حبًّا أكبر”.
(القديسة الأُم تريزا دي كلكُتَّا 1910- 1997)
فكرة روحية
“المناولة المقدّسة، بمعنى الكلمة، هي ٱتّحاد الرَّبِّ يسوع الحميم بنفسنا وجسدِنا. إن كنّا نريد أن تكون لنا الحياة بشكل أوفر، علينا أن نحيا من جسد ربّنا. لقد فهم القدّيسون هذا الأمر جيّدًا لدرجة أنّهم كانوا يقضون ساعات في التحضير، وأكثر من ذلك أيضًا في فعل الشكر. مَن يمكنه أن يشرح ذلك؟ لقد هتف القدّيس بولس: “ما أَبْعدَ غَورَ غِنى اللهِ وحِكمَتِه وعِلمِه! وما أَعسَرَ إِدراكَ أَحكامِه وتَبيُّنَ طُرُقِه! فمَنِ الَّذي عَرَفَ فِكْرَ الرَّبّ أَو مَنِ الَّذي كانَ لَه مُشيرًا؟ (رو 11: 33-34)”.
(القديسة الأُم تريزا دي كلكُتَّا 1910- 1997)
فكرة روحية
“عندما تستقبلون الرَّبَّ يسوع المسيح في قلبكم بعد المشاركة في الخبز الحيّ، تذكّروا ما يمكن أن تكون سيّدتنا مريم العذراء قد شعرت به عندما ظلّلها الرُّوح القدس وعندما قبلت جَسَدَ الرَّبِّ يسوعَ المسيح، هي “الـمُمتَلِئَة نِعْمَةً” (لو 1: 26). لقد كان الرُّوح قويًّا فيها لدرجة أنّها “قَامَت مَريمُ فمَضَت مُسرِعَةً” (لو 1: 39) لتَخدُم”.
…………………
الإِفخارِستِيَّا بقول القديس توما الأكويني
“إِنَّ مَفْعولَ الإِفخارِستِيَّا الحقيقيِّ هو ٱرتِدادُ الإِنسانِ إِلى الله”.
…………………
الإفخارستيا في أقوال بودوان دو فورد (نحو 1190)، كاهن سِستِرسياني
“بالنسبة إلى الَّذينَ يؤمنونَ بالمسيح، فإنّه هو الغذاءُ والشرابُ والخبزُ والخَمرُ. هو الخبزُ الَّذي يُقوِّي ويُسند… وهو الشَّرابُ والخمرُ التي تُفرح… كلُّ ما فينا من القُوَّة والثَّبات والفَرَح والسعادة هو لإتمام وصايا الله، وٱحتمال الآلام والطاعة والدفاع عن العدل، كلُّ ذلك يأتي من قوَّة هذا الخبز وفرح هذه الخمر. طوبى للذين يعملون بقُوَّة وفرح!”.
“إذا كان المسيح الخبز والشراب الذي يضمن في الوقت الحاضر قوّة وفرح الأبرار، فما عساه يكون بالأحرى في السماء، حين يعطي نفسه للأبرار بلا حدود؟”.
“إِنّ هذا الغذاء الذي يبقى للحياة الأبديّة يُدعى خبز السماء، الخبز الحقيقيّ، خبز الله، خبز الحياة…خبز الله لتمييزه عن الخبز الذي يعدّه ويصنعه الخبّاز…؛ خبز الحياة لتُمييزه عن الخبز الفاني الذي ليس هو الحياة ولا يمنحها، بل بالكاد يحفظها، بصعوبة ولفترة وجيزة. أمّا هذا الخبز، فهو بذاته الحياة ومانح الحياة وحافظ الحياة التي لا تدين للموت بشيء”.
…………………
الإفخارستيا في أقوال القديس يوحنا فيانيه (1786- 1859)
الشركة الإفخارستيّة
تعالوا إلى الشركة، تعالوا إلى يسوع، تعالوا كي تعيشوا فيه، بهدف العيش من أجله.
كل كائنات الخليقة يحتاجون أن يُغذّوا أنفسهم كي يعيشوا؛ من أجل ذلك جعل الإله الصالح الأشجار والنباتات تنمو؛ إنها مائدة جميلة مزوّدة جيّداً حيث تأتي جميع الحيوانات كي يأخذ كل منهم الطعام الذي يلائمه. غير أن النفس تحتاج إلى أن تتغذّى أيضاً… عندما أراد الله أن يعطي غذاءً لنفسنا، كي يسندها ( يقوّيها) في رحلة الحياة، ألقى نظره على الخليقة ولم يجد أي شيء جدير بها. وهكذ حوّل نظره إلى ذاته وقرّر أن يعطيها نفسه… آه، يا نفسي، كم عظيمة أنت، من لحظة التي فيها الله وحده يستطيع أن يفي بمطالبك (يرضيك).
“إن كل ما تسألون الآب باسمي يعطيكموه” لم نفكّر أبداً في أن نطلب من الله ابنه. لكن ما لا يستطيع الإنسان قوله أو إدراكه، وما لم يجرؤ أبداً في أن يرغب فيه، فإن الله، بحبّه، قاله، فكّر فيه وأتمّه. هل جرؤنا يوماً أن نطلب من الله أن يُميت ابنه من أجلنا، وأن يعطينا جسده كي نأكله، وأن نشرب دمه؟ لو لم يكن كل ذلك حقيقي، لكان الإنسان قد استطاع أن يتصوّر أشياء لا يستطيع الله أن يفعلها؛ لكان قد ذهب أبعد من الله في كشف حبّه. وهذا ليس ممكناً.
عندما يأتي ربنا كي يسكن في النفس، يكون سعيداً، ويملئ النفس بالفرح وبالسعادة، وينقل إليها تلك المحبّة السخيّة بأن تفعل كل شيء وتحتمل كل شيء من أجل أن ترضيه.
لا تقولوا بأنكم لا تستحقّونه. إنها حقيقة: أنتم لا تستحقّونه، لكنّكم بحاجة إليه.
لو خطر في فكر ربنا أن نكون مستحقّون، لما كان قد أسّس سر محبّته، لأنه لا يوجد في العالم من يستحقّه، لكنّه فكّر في حاجاتنا، وكلّنا بحاجة له.
لا تقولوا أنكم تجتازون مآسي عديدة (بؤس كبير)… أفضّل بالأحرى أن أسمعكم تقولون بأنكم مرضى جداً وأنكم، لهذا، لا تريدون العلاج…
إن المحنة الكبرى هي أننا لا نأبه بأن نلجأ إلى هذا الغذاء الإلهي كي نستطيع اجتياز صحراء الحياة. نظير شخص يموت من الجوع إلى جانب مائدة مزوّدة بشكل جيّد.
الشركة الإفخارستيّة
أي فرح للمسيحي المؤمن، الّذي، مرتفعاً بنفسه (صاعداً)، بفضل المائدة المقدّسة، يذهب وقلبه ممتلئ من السماء بكلّيته… يا له من بيت سعيد، ذلك البيت الذي يعيش في أمثال أولئك المسيحيّين… أي إجلال يجب تقديمه إليهم، خلال النهار. أن يكون في البيت بيت ثان للقربان الأقدس حيث سكن الله حقيقيّاً بالجسد والنفس!…
– ربمّا، ستقولون لي أيضاً: حيث أن هذه السعادة هي بهذه العظمة، لماذا، إذاً، تعطينا وصيّة تناول القربان الأقدس مرّة واحدة في السنة؟
– لم توضع هذه الوصيّة للأبرار من المسيحيّين، بل هي موجودة من أجل المسيحيّين الجبناء وغير المبالين تجاه خلاص نفسهم المسكينة. في بداية الكنيسة، كان أكبر عقاب يمكن فرضه على المسيحيين هو حرمانهم من تلك السعادة؛ في كل مرّة كان لديهم فرح المشاركة في ذبيحة القداس المقدّسة، كانت تتاح لهم فرحة التناول. يا إلهي! كيف يمكن أن يبقى بعض المسيحيين ثلاثة وأربعة وخمسة وستة شهور دون تقديم هذا الغذاء السماويّ إلى نفوسهم المسكينة؟ يدعونها تموت جوعاً!… يا إلهي!، أية علّة وأي عمى هو هذا!… أن يكون لديهم علاجات عديدة لشفائها وغذاء واحد خصوصيّ لحفظها صحيحة!…
الكنيسة، بالنظر إلى عدد المسيحيين الذين قد فقدوا رؤية خلاص نفوسهم المسكينة، وأملاً في أن الخوف من الخطيئة قد يجعلهم يفتحون عيونهم، أعطتهم وصية تفرض عليهم التناول ثلاث مرات في السنة، في عيد الميلاد وعيد الفصح وعيد العنصرة. لكن فيما بعد، بالنظر إلى ازدياد عدم إدراك المسيحيين لمحنتهم، انتهت الكنيسة إلى عدم إجبارهم بعد ذلك إلى الاقتراب من ربهم، ما عدا مرة واحدة في السنة. يا إلهي!، أي محنة وأي عمى هذا في أن يُجبر المسيحيّ بأن يبحث عن سعادته عن طريق القوانين!
…………………
الإفخارستيا في قول الطوباوي يوحنا أنطون فارينا (1803-1888)
“تَعالَوا إِلى تَناوِلِ القُربان، إِلى التَّناوُلِ اليَومي. فَفي الإِفخارستيا طاقَةُ بَذْلٍ وعَطاء، بلا حدودٍ إِلى دَرَجَةِ البُطولَةِ في المَحَبَّة”.
…………………
الإفخارستيا في أقوال القديس يوستينوس الشهيد (100- 165)
“لا يجوزُ لأَحدٍ الإِشتراكُ في الإِفخارستيا، ما لم يؤمِنْ أنَّ ما نُعلِّمُه هو حقٌّ. وما لم يغتسِلْ بغُسلِ الولادةِ الثانيةِ لمغفرةِ الخطايا، فينالَ بذلك الحياةَ، كما قالَ يسوعُ المسيح”.
(القديس يوستينوس الشهيد 100- 165)
“نحنُ لا نتناولُ هذه الأُمورَ كما نأخذُ الخبزَ العادِيَّ أو الشَّرابَ العاديَّ. نحن نؤمنُ أنَّ يسوعَ المسيحَ مخلِّصَنا صارَ بقوِّةِ الكلمةِ بَشرًا، إنسانًا من جسدٍ ودمٍ، من أجلِ خلاصِنا. وقد تَعَلَّمْنا أَيضًا أنَّ الغِذاءَ الَّذي نُصلِّي عليه بالصَّلاةِ المُتضمِّنةِ كلامَ يسوعَ نفسَه، ونَرفَعُ الشُّكرَ فيها إلى الله، إِنَّما هو غِذاءٌ يَتَحَوَّلُ إلى دَمِنا وجَسَدِنا، وهو جَسَدُ ودَمُ يَسوعَ نَفْسِه الَّذي صارَ إنسانًا”.
(القديس يوستينوس الشهيد 100- 165)
“نحن نُحيِي هذه الذكرى دائِمًا فيما بينَنا. نَجتمعُ معًا ونُساعدُ المُحتاجين، ونَحنُ دائِمًا واحد. وفي جميعِ القرابينِ الَّتي نُقَرِّبُها نُسَبِّحُ خالقَ الكُلِّ بٱبنِه يسوعَ المسيحِ وبالرُّوحِ القُدُس”.
(القديس يوستينوس الشهيد 100- 165)
“وفي يومِ الشمسِ، كما يُقال، يجتمعُ الجميع، ساكنُو المدنِ أو القرى، في مكانٍ واحد، فيَقرؤُون كرازةَ الرُّسلِ أو كتاباتِ الأنبياء، بقدرِ ما يَسمَحُ الوقتُ بذلك. ثُمَّ عندما يتوقَّفُ القارئ، يوجِّهُ المترئِّسُ بعضَ كلماتِ الحثِّ والإرشادِ للتمثُّلِ بهذه الأُمورِ العظيمة. ثُمَّ نَقِفُ جَميعًا ونَرفَعُ الصَّلوات. وكما قُلْنا، عندما نتوقَّفُ عن الصَّلاةِ يُحضَرُ الخبزُ والخمرُ والماء. فيرسِلُ المترئِّسُ بحرارةٍ صلاةَ الإِبتهالِ والشُّكرِ، فيهتِفُ الشَّعب: آمين. وما تمَّتْ عليه صلاةُ الشُّكرِ يُوزَّعُ على كُلِّ واحدٍ من الحاضرين، ويُرسَلُ إلى الغائبين بوساطةِ الشَّمامَسَة”.
(القديس يوستينوس الشهيد 100- 165)
…………………
الإفخارستيا في أقوال الكاردينال نغوين فان توان (1928-2002)
• الإفخارستية تصنع المسيحيين؛ والمسيحيون يصنعون الإفخارستية. الإفخارستية تؤسس الكنيسة؛ والكنيسة تحتفل بالإفخارستية.
• مَن يُراقب مِنَ الخارج يتعجّب ويتساءل: “بما أن الكاهن كل يوم يُعيد ويكرر الشيء نفسه، فلماذا يستمر المسيحيون في التجمّع لحضور هذه القداديس؟” من ناحية، إنَّ ما يقولونه صحيح؛ فأَيما شخصٍ يُقدّس وأينما يُحتفل بالقداس، فهو دائمًا ذبيحة الصليب الواحدة. ولكن هي قوّة السر المقدّس التي تجذب الناس، أي المسيح نفسه الذي يُقدّم الذبيحة وليس الكاهن.
• يدعي البعض أنهم لا يحضرون القداس إلاَّ إذا شعروا أنهم أهلٌ لذلك. وهكذا فقط يكونون صادقين مع الله بحسب زعمهم. هذا الكلام غير دقيق. فهؤلاء الأشخاص في الحقيقة يحضرون القداس لإرضاء أنفسهم.
• لو كنتَ واعيًا على قيمة القداس، لَشاركتَ به مهما كان بعيدا عنك ومهما كانت الصعوبة لكي تصل إليه.وكلما كانت التضحية المطلوبة أكبر، كلما بات أوضح أنك تحب الله.
• هل عرفتَ من قبلُ شخصا أضحى أكثر فقرا من الآخرين لمجرّد أنه أمضى زمنا كثيرا من عمره في حضور القداس؟
• يمكن لأشخاص يحضرون معا الذبيح الإفخارستية أن يختلفوا بمشاعرهم الواحد عن الآخر اختلافا واضحا. وما الغريب في ذلك؟ هكذا كان الوضع تحت أقدام الصليب يكفي أن نستحضر جميع الذين كانوا هناك.
• لو سألتني:”ماهي أفضل طريقة لإرضاء الله؟” لَأجبتك:”شارك بالقداس”. لا يوجد أبدا صلاةٌ أو اجتماعٌ أو احتفالٌ يمكن مقارنته مع صلاة الرب وتضحيته على الصليب.
• القديسون هم الذين يستمرون في عيش القداس على طول النهار.
• تطيبُ لنا الدردشة لساعات؛ وحول الأكل والشرب يمر الوقت في الحديث ولا ندري كيف مَرّ. البعض يُمضون الليل في لعب القمار ولا يشعرون بالملل. إذن لماذا هذه العجلة عندما تحين ساعة القداس؟
قال الأب شيفرييه “لأنه يمثّل المسيح في القداس، فالكاهن هو أجمل بيت قربانtabernacolo وهو أروع شعاع يحمل القربانة ostensorio وهو اعجبُ شمعدان وأعظم من أعظم كنيسة على الأرض. الكاهن الفاتر روحيًّا لا يجذب أحدا ولو كان في كاتدرائية، أما الكاهن القديس ولو كانت كنيسته غرفة بسيطة في مكان بعيد فهو الذي يستقطب الجماهير من كل مكان”.
• العائلة المغرمة بالقربان الأقدس هي عائلة مقدّسة.
• يقدّم الكاهن الذبيحة بمعيّة الرب: وعندما يوزع الكاهن المناولة فإنه يُعطي نفسه مع الرب ليكون طعاما للجميع. وهذا يعني أنه دائما في خدمة الآخرين بشكل كامل.
• كل حياة الرب كانت متوجّهة إلى الجلجلة. أما حياتك أنت فيجب أن تكون مُوجّهة نحو الإفخارستية.
• أنت تمتلك الفرصة، في كل مرة تقدم القداس، لأن تفتح يديك على وُسعهما وأن تُسمّرهما على الصليب مع يسوع، وأن تشرب معه الكأس المرة. لا يوجد مكانٌ على الصليب للمتفرّجين.
• يُعجبني التعبير عن القداس في اللغة الفياتنامية (Lam le) وتعني (عمل القداس). في القداس يكون كل المشاركين متّحدين بالمسيح وإذن هم يشاركون عمليًّا بتقدمته الأزلية.
• تريد أنترفع للهِ مجدا؟
تريد أن تقدم لله تسبحة شكر؟
تريد أن ترفع الصلاة إلى الله؟
تريد أن تخلّص البشرية؟
إذن،شارك بالقداس.
لأن الرب صنع هذا كلّه.
• سراج بلا زيت لا يُنير. سيارة بلا بنزين لا تمشي. ونفسُ الرسول تفقد حرارتها وقوتها بدون تناول القربانة المقدسة:”إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فلن تكون فيكم الحياة”(يو6، 53).
• كما أن الشمس تتوهّج وترسل أشعتها في كل مكان، كذلك الإفخارستية فهي النور وهي النبع الذي منه تندفق الحياة الروحية للبشرية، ومنه أيضا ينبع السلام والاتفاق بين الشعوب.” الخبز الذي أعطيه هو جسدي ليحيا العالم”(يو6، 51).
• نحن متّحدون في جسد المسيح السري من خلال الإفخارستية. الاحتفال بالإفخرستية بدون محبة هو أبشع تناقض على الإطلاق.
• لو أعوزك كل شيء ولو خسرتَ كل شيء ولكن لديك القربان الأقدس، فأنت في الحقيقة تملك كلّ شيء، لأن لديك ربُّ السماء حاضرٌ على الأرض.
• لو كنت وحيدا في أحد الأماكن النائية أو كنت قابعًا في غياهب السجن، أطلق عنان فكرك نحو هياكل العالم حيث يسوع يُقدّم الذبيحة.وحّد نفسك مع ذبيحة القداس، وتناول المناولة الروحية. حينئذٍ سيفيض قلبك بالتعزية وسيمتليء بالشجاعة.
• تقدمةُ القداس وتناول القربان هما مصدران للتأمل لا ينضبان.كيف يُمكنك أن تتشكى وتقول أنك تظل بلا إحساس تجاههما؟
• كيف نستطيع نحنُ ” المسيحيين المصلين يوم الأحد” أن نُغيّر هذا العالم المادي ونُروحِنه اليوم؟ أن نتغذى على القربان الأقدس، هذا هو السر لحملِ الله إلى العالم وتوجيه العالم إلى الله.
• على الصليب أطلق المسيح ثورته.أما أنت، فعليك أن تبدأ ثورتك على مائدة الإفخارستية ومنها يجب أن تنطلق وتنتشر. هكذا تستطيع أن تجدد البشرية.
• يجب أن تتحد حياتُك بحياة المسيح مثل قطرة الماء التي تمتزج بخمرة القداس.
• ينبغي لحياتك كلها أن تبشّر بموت الرب وتشهد على قيامته.
• يسوع هو الرأس. هو يُقدم ذبيحة القداس بالاتحاد مع جسده السري الذي هو الكنيسة.
• وفي الصلاة الإفخارستية مذكورٌ أن الشعب يقدم الذبيحة:” مع خادمك حبرنا الأعظم ومع أسقفنا…”. فقط في هذه الوحدة، يجد القداس معناه الحقيقي كذبيحة يرضى عنها الله.
• يجعلُ القداسُ الكنيسةَ حاضرةً أمامي، ويسمحُ لي أن أعيش مع الكنيسة. أستمعُ في القداس إلى كلمات المخلّص الإلهي وكلمات الأنبياء والرسل. وأكون متّحدا بقداسة الحبر الأعظم، وأسقفي والسلطة الكنسية والإكليروس والرهبان وكل شعب الله، وبالقديسين الذين سبقونا إلى الأبدية، وبمريم العذراء التي من خلالها ومع يسوع المسيح وفيه، أنا أستطيع أن أقدم كلّ مجد وإكرام للثالوث الأقدس، على انتظار مجيء الرب في المجد. لا شيء يفوق هذه الهبة المعطاة لي، سعادةً ورجاءً!
• تستطيع حياتي كلها أن تكون احتفالا إفخارستيا متواصلا: فلكي أُعبّر عن التوبة، أجد في القداس صلاة “أنا أعترف…” ولكي أجعل الحبَّ يتكلم، فأمامي صلاة “الأبانا”. ولإعلان فرحي صلاة “المجد لله في العلى و الهللويا”. وتستمر التقدمة وصلاة الجماعة وإعلان الإيمان الواحد المشترك بالإله الواحد، في الوحدة مع الجميع من خلال الروح القدس وفي الشركة مع الكنيسة في العالم أجمع.
• إذا أردتَ تقويةَ إيمانك ينبغي أن تتغذى على القربان الأقدس، لأن هذا السر هو “سرُّ الإيمان” وبه تقوي إيمانك.
• الطريقة التي يُحضّر فيها طالب الكهنوت؛ أن يُصبح حبة حِنطة ذهبية اللون، يموت ويُطحن ليصبح خبزةً، ثمّ تتحوّل هذه الخبزة إلى جسد المسيح، وبعد ذلك تُعطى غذاءً لشعب الله.
• ليكن قداسك قداسا احتفاليا ومُرتّلا. وكل يوم أكثر احتفاليةً من اليوم السابق وأكثر تركيزا وتقوى… حتى القداس الأخير في حياتك.
• كل مرة وأنت توزّع المناولة على الناس، تذكّر أنك مع المسيح توزّع أيضا كل حياتك ووقتك وطاقاتك ومواهبك وممتلكاتك؛ أي أنك مثل المسيح تعطي جسدك نفسه ودمك نفسه متحدا مع جسد الرب ودمه لتكون غذاءً لكل شخص بلا استثناء.
• قدم نفسك مثل يسوع كل يوم، وكن دائما على أهبة الاستعداد ” لإعطاء نفسك” لإخوتك وأخواتك، ولِ “يراق دمك من أجل الجميع لمغفرة الخطايا” (متى26، 28).
• في كل يوم وأنت تتلو أو تسمع كلمات التقديس، أبرِمْ عهدا من كل قلبك وكل نفسك، عهدا أبديا بينك وبين الرب يسوع المسيح، بواسطة دمه الممزوج بدمك (1قور11، 23-25).
• تقود الإفخارستية عقولَنا إلى فهم سر ملكوت السموات المقدّس الذي ينتظرنا، وفي نفس الوقت يُدخِلُ شعبَ الله في حضن هذا السر. يجب على الإيمان أن يتمحور حول سر القربان الأقدس في هذه الحياة.من غير الممكن أن يعيش إيمان المسيحي طويلا من دون أن يعيش على الإفخارستية.
• إجعل الرغبة بتناول الإفخارستية مركز حياتك. فهي نقطةُ الجذب لأفكارك، والمحرّك الذي يقود أعمالَك. هكذا تتمكّن من أن تقول مثل يسوع: “ٱشتهيت (الرغبة الشديدة) أن آكُلَ هذا الفصح معكم” (لو22، 15).
• أبيض، ذهبي، أخضر، أحمر، بنفسجي، أسود: كل ألوان بدلات القداس تتغيّر في المناسبات المختلفة، لكن القداس يبقى فريدا ويبقى دائما نفسه.في القداس تحتفل بتذكارات مختلفة: فرح، رجاء، ٱستشهاد، عزاء، ولكن كل مرة تحتفل بالقداس وفي أي مكان تقوم به، قدّمه ” بالمسيح ومع المسيح وفي المسيح”.
• عندما تلبس ثوبك الأسود الرسمي وهو رمزٌ للمحبة التي فيك لهذا العالم، أنت تشهد به على حضور الله في العالم. ولكن في بعض البلدان يُمنع رجال الإكليروس من لبس الثوب، وهكذا لا تتميّز بلبسك عن الآخرين، فكيف تستطيع إذن أن تشهد للرب؟ لا تهتم ولا تنزعج، حتى لو أُجبرت على تغيير ثيابك وعلى تبديل أساليبك فأنت ستُعرف دائمًا كتلميذ للمسيح إذا أحببتَ قريبك (يو 12، 32).
من ناحية ثانية، إن كنتَ لا تحب قريبك حقا، وتتصف بطباع سيّئة، فليس لك أيّ أهمّيّة إن لبست الثوب أو لم تلبسه، وحتى لو تكلّمت بألسنة الملائكة فلن تُقنع أحدًا.
• قال الرب:”حيث اجتمع اثنان أو ثلاثة بٱسمي، أكون في وسطهم” (متى18، 20). “أنا معكم طوال الأيام حتى نهاية العالم” (متى 28، 20) و”اصنعوا هذا لذكري” (1قور11، 24).
تجنّب أن تكون متطرّفا من الناحيتين: الناحية الأولى؛ مع من يخافون الا يكون لله بيتٌ فيُشيدون له الكنائس، والناحية الثانية؛ مع الذين يرفضون بناء الكنائس الجديدة.إليك هذا الخبر المفرح: الله لا يفرض شروطا مادية لتحسين وضعه. وما الشروط إلا اختراع عقول بشرية متزمّتة. الحل الأمثل هو في استعمال ما يتوفّر لدينا أو ما يُلهمنا الله لعمله.
• عندما تواجه قلّة الاحترام ككاهن أو كراهب، وعندما تُضطر بسبب دعوتك كمكرّس إلى حياة زاهدة وإلى تحمّل صعوبات أكبر وحرمانات أكثر، افرح وكن مبتهجا، لأنّ عملك الرسولي هو أفضل الآن، وتظهر دعوتك في أوجِ نُبلها واستحقاقها، وصورة الله فيك تظهر بكامل وضوحها.
لتكن ثقتك كاملة لأنك عندما تُعَلّق على الصليب مع الرب، ستجذب إليه الجميع (يو 12، 32).
• لا تُفكر أن حياتك المكرّسة فقدت معناها لأنك تعيش وحيدا من دون الجماعة، أو لأنك عاجزٌ عن القيام بأعمال المحبة والتعليم المسيحي أو مساعدة المحتاجين.
ماذا فعل الرب على الصليب؟ ماذا يفعل في بيت القربان؟ هو فقط حاضرٌ ، يصلّي ويُضحي. كيف يُمكنك أن تقول أنّ هذا لا معنى له؟ لا تنسَ أن الرب على الصليب فدى البشرية.
• لو مُنعت عليك وسائل الإعلام والمدارس والراديو والتلفزيون (والإنترنت) والوعظ العلني وبناء الكنائس، لا تتشكَّ وتتذمّر لعدم امتلاكك الوسائل لحمل المسيح إلى الغالم. ابقَ هادئا جدا ! فإذا سمح الله أن تُحرمَ من كل شيء فهذا معناه أن لا شيء ضروري لعمل الله.
يمكنك في كل مكان أن تتمثّلَ بمريم لكي تجعل الله حاضرا. أذكر مريم أم يسوع وأمنا، فهي لم تمتلك من الوسائل شيئا.
• تنصح الكنيسة أن يُحتفل بإبراز النذور الرهبانية خلال القداس، لتذكير الرهبان الذين يقدمون حياتهم لله أنهم يقدمونها بوحدة مع ذبيحة الهيكل.
جدد نذورك في كل قداس من كل قلبك وبكل ما في “العهد الجديد الأبدي ” من معنى.
• من الممكن أن تُدمّر جميعُ الكنائس على وجه الأرض ؛لكن حيثما يوجد الكاهن نستطيع الاحتفال بالقداس ونستطيع أن نتناول القربان الأقدس.
بإمكانهم أيضا أن يقضوا على جميع الكهنة، لكننا كمسيحيين سنجلب الله بيننا؛ فحيث اجتمع اثنان منا أو ثلاثة بٱسم الرب، هو سيكون في وسطنا (متى18، 20).
…………………
القديس يوحنّا بولس الثاني (1920-2005)، بابا روما
الرسالة العامّة: “الإفخارستيّا حياة الكنيسة (Ecclesia de Eucharistia) الأعداد 3-5
وُلِدت الكنيسة من سرّ الفصح. لذا، تحتلّ الإفخارستيّا، وهي سرّ فصحي بكلّ معنى الكلمة، مركزًا مرموقًا في قلب الحياة الكنسيّة ونرى ذلك جيّداً منذ الأوصاف الأولى عن الكنيسة التي يعطينا إيّاها سفر أعمال الرسل: “وكانوا يُواظِبونَ على تَعليمِ الرُّسُل والمُشاركة وكَسْرِ الخُبزِ والصَّلَوات” (أع 2: 42). الإفخارستيا يعبَّر عنها بـ “كسر الخبز”. بعد ألفي سنة، ما زلنا نحقّق هذه الصورة الأولى للكنيسة. وفيما نكمّل ذلك بالاحتفال بالإفخارستيا، نتطلّع بأعين النفس إلى الثلاثيّة الفصحية، إلى ما تمَّ مساء يوم الخميس المقدّس، في أثناء العشاء الأخير وما بعده… كان النزاع في جتسماني مدخلاً للنزاع على الصليب يوم الجمعة العظيمة. الساعة المقدسة، ساعة فداء العالم. عندما يُحتفل بالإفخارستيّا بالقرب من قبر يسوع في أورشليم، نعود بشكل شبه ملموس إلى “ساعته”، وساعة الصليب والتمجيد. كلُّ كاهن يحتفل بالقداس يعود بالفكر إلى ذلك المكان وإلى تلك الساعة، تصحبه في الوقت عينه الجماعةُ المسيحيةُ التي تشارك في القدّاس…”هذا سرّ الإيمان!” عندما يلفظ الكاهن أو يرتّل هاتين الكلمتين، يُنشد المؤمنون قائلين: “إنّا نُعلن موتك، أيُّها الرَّبُّ يسوع، ونمجدّ قيامتك، وننتظر مجيئك في المجد”. بهذه الكلمات، أو بغيرها شبيه بها، تشير الكنيسة إلى المسيح في سرّ آلامه، وتعلن أيضًا سرّها الخاصّ: أن الكنيسة تنبع من الإفخارستيا. إذا كنّا نعتقد أنَّ الكنيسة ولدت بموهبة الرُّوحِ القُدُس يوم العنصرة وٱنطلقت في مسيرتها إلى العالم، فمن المؤكّد أن تأسيس الإفخارستيّا في العليّة يشكّل برهةً حاسمةً في تكوينها. أساسُها ومنشأُها هما الثلاثيّة الفصحيّة كلُّها؛ وكأنّ الثلاثية محتواةً ومسبَّقةً ومركّزة إلى الأبد في هبة الإفخارستيّا. ففيها أوكل الرَّبُّ يسوع المسيح إلى الكنيسة التأوين المستديم للسرّ الفصحيّ.
…………………
الإفخارستيا في قول القديس أغناطيوس الأنطاكي
“في الإِفخارستيا نَكْسِرُ خُبزًا واحِدًا هو الدَّواءُ الَّذي يَكفَلُ لنا الخُلود، والتِّرياقُ الَّذي يَحولُ دونَ موتِنا، بل يُتيحُ لنا أَنْ نحيا في يسوعَ المسيحِ دائِمًا”.
“إِنِّي أجوعُ إلى خُبْزِ الله، الَّذي هو جَسَدُ يسوعَ المسيح، المولودِ من ذُرِّيَّةِ داود، وإِنِّي أَعطشُ إِلى دَمِ ذاكَ الَّذي هو المَحَبَّةُ الخالِدَة”.
“الطَّعامُ الفاني لَمْ يَعُدْ له لَذَّةٌ، ولا مَباهِجُ هذا العالَم. أُريدُ خُبزَ الله، أَي جَسَدَ يسوعَ المسيح، المَولودِ مِن نَسلِ داود. وأريدُ دَمَه شَرابًا، فهو المَحَبَّةُ الَّتي لا تَفنَى”.
…………………
أقوال بعض القديسين والطوباويين في الإفخارستيا
الإِفخارستيا هي كَنزُ الكنيسةِ الَّذي لا يَنْضُب. فإِنَّ هذا الحَدَث، عشاءَ ليلةِ خَميسِ الأسرار، يَختلفُ كُلِّيًّا عن أَيِّ حَدَثٍ آخَرَ مِن نَفْسِ النَّوعِ عاشَه يَسوعُ من قَبل. إِنَّ جَوَّ هذا العشاءِ هو جَوٌّ فِصحيٌّ كما يُظهِرُه لنا الإِنجيل. يَسوعُ يُبَدِّلُ الحَمَلَ القَديمَ بِجَسَدِه ودَمِه. وكَلِماتُ السَّيِّدِ المسيحِ (هذا هو ….) تَحِلُّ مَحَلَ كَلماتِ العَهدِ في الكِتابِ المُقَدَّس “أخَذَ موسى الدَّم…” (خروج 14: 8). أمَّا الكلماتُ الأكثرُ أَهَمِّيَّةً وهي: “إِصنعوا هذا لِذكري”. ففي هذِه الليلة، أَسَّسَ يَسوعُ سِرَّ القُربانِ الأَقدَسِ .. وسِرِّ الكَهَنوت.. حينَ قالَ لهم: إِصنعوا هذا لِذكري.. مَن سيَصنَع؟ طَبعًا الكاهِن بإشتراكِنا بالذَّبيحَةِ الإِلهِيَّة… تَجمَعُنا مَحَبَّةٌ حقيقِيَّةٌ.. هي مَحبَّةُ المَسيح..
إنَّ موضوعَ حُضورِ اللهِ بينَ شعبِه ليسَ غَريبًا في العهدِ القديم. اللهُ سامي لَكِنَّه في نَفْسِ الوقتِ قَريبٌ جِدًّا “أَنتَ قَريب يا رَبّ” (مز 118 ، 151). وعلاماتُ هذا الحضورِ مُتَعَدِّدَة: الغمام، العُلّيقة المشتعلة، عامودُ النَّار، وخاصة تابوت العهد. أمَّا قِمَّةُ حُضورِ اللهِ بَينَ شعبِه فهي المسيح. هو عمانوئيل (أي اللهُ معنا). مِن جِهَتِه يَسوع يؤكد لنا ذلك: “هاءنذا معكم طوال الأيام الى إنقضاء الدهر” (متى 28: 20).
سِرُّ الإِفخارستيا… هو حُضورُ السَّيِّدِ المَسيحِ بَينَنا ومَعنا وفينا ومن أَجلنا.. هو حُضورٌ حيٌّ، حَقيقِيٌّ، طَقسي (أي عن طريقِ علامات). القُدَّاسُ الإِلهي هو الإِجتماعُ حَولَ “المَسيحِ الحيّ” وحَيٌّ الَّذي يَجمَعنا.
والآنَ، سنعرضُ بَعضًا مِن أَقوالِ القديسينَ والطُّوباويينَ الذينَ أشادوا بِسِرِّ الإِفخارستيا وبقيمتِها في حياة الكنيسَةِ وحياتِهِم.
الديداكيه في الإفخارستيا
الإفخارستيا في كتيّبٍ قديم بٱسم “تعاليم الرُّسُل الاثني عشر”
هو كتاب أثريّ يرجع تاريخ كتابته إلى القرن الأوّل للميلاد
كانت مِن الأَقوالِ الّتي تُردَّدُ عِندَ كَسرِ الخُبز: “كما أَنَّ هذا الخُبزَ جُمِعَ مِنَ الحِنطَةِ على الجِبال، في هذا الرَّغيفِ الواحِد، هكذا لِتُجمَعْ كَنيسَتُكَ من أَقصى المَسكونَةِ إلى أَحضانِ مَلكوتِكَ” (ديداكي 9، 4).
“أَمَّا يومُ الرَّبّ kiriaki (الأَحد) فهو خاصَّةٌ للرَّبّ. فٱجتَمِعوا فيه لِتَكسِروا الخُبزَ، وتُصَلُّوا الإِفخارستيا، بعدما تَعتَرِفونَ بِخَطاياكُم، لِتَكونَ ذَبيحَتُكُم طاهِرة”.
“أُشكروا اللهَ أوّلاً عندَ تناولِ الكأسِ وقولوا: “نشكرُك يا أبانا من أجلِ كرمةِ داودَ فتاكَ المقدَّسة، التي أظهَرْتَها لنا بيسوعَ المسيحِ فتاك، لكَ المجدُ إلى الأبد”.
“وعندَ كسرِ الخبز: “نشكرُك يا أبانا من أجلِ الحياةِ والمعرفةِ التي أظهَرْتَها لنا بيسوعَ فتاك، لكَ المَجدُ إلى الأبد. كما كان هذا الخبزُ متناثرًا على الجبالِ، ثم جُمِعَ في واحد، إِجمَعْ كنيستَك من أقاصي الأرضِ في ملكوتِك الواحد. لأنَّ لكَ المجدَ والقدرةَ بيسوعَ المسيحِ إلى الأبد”.
“لا يأكلْ أحـدٌ أو يشرَبْ من الإفخارسـتيا إلاَّ الـذين تعمّـدوا بٱسمِ الرَّبِّ. هذا معنى كلامِ الرَّبِّ: “لا تُعطُوا الكلابَ ما هو مقدَّس” (متى 7: 6).
“مَن كانَ قدّيسًا فَلْيتقدَّمْ. وإلاَّ فَلْيتُبْ. مارانَتَا. آمين”.
“حين تَجتَمِعونَ في يومِ الرَّبِّ، ٱكسِروا الخبزَ وٱشكُروا، بعد أن تكونوا قد ٱعترَفْتم بخطاياكم، لتكونَ ذبيحتُكم طاهِرة. كُلُّ مَن كانَ على خلافٍ مع رفيقِه لا يجتمِعْ معكم قبلَ أن يتصالَحَ لئلا يدنِّسَ ذبيحتَكم. قالَ الرَّبُّ: “في كلِّ مكانٍ وزمانٍ تُقرَّبُ لي ذبيحةٌ طاهِرةٌ، لأَنِّي أَنا إلهٌ كبير، يقولُ الرَّبّ، وٱسمي عجيبٌ في الأُمم” (ملاخي 1: 11) .
من التعاليم الأورشليمية
“بما أنّه هو الذي تلفّظَ بهذا الكلامِ وقالَ على الخبزِ: “هذا هو جسدي”، فمَن يَجرؤُ بعدَ ذلك أن يَشُكَّ ويتردَّدَ؟ ولما أكّدَ هو نفسُه وقال: “هذا هو دمي”، فمن يشكُّ فيقولَ إنّه ليسَ دمَه؟”.
“فَلْنَتقدَّمْ إذًا، وَلْنَأخُذِ الجَسَدَ والدَّمَ ونَحنُ مُقتَنِعونَ بأنّهما جَسَدُ المَسيحِ ودَمُه. فالجَسَدُ يُعطى لكَ بصورةِ الخُبز، والدَّمُ يُعطَى لكَ بصورةِ الخَمر، حتَّى إذا أخذْتَ جَسَدَ المَسيحَ ودمَه، أصبحْتَ وكأنّك جَسَدٌ واحِدٌ ودَمٌ واحِدٌ مع المَسيح. هكذا نُصبحُ نَحنُ “حاملِي المَسيح”، بعدَ أن ٱنتشرَ جَسَدُه ودمُه في أعضائِنا. وهكذا نُصبحُ، على حَدِّ تعبيِر الطوباويِّ بطرس، “شركاءَ في الطبيعةِ الإلهيّة”.
“كانَ في العهدِ القديمِ أيضًا خبزُ التَّقدِمَة. إلاَّ أنّه أُلغِيَ الآن مع نهايةِ العهدِ القديم. أمّا في العهدِ الجديدِ فيوجَدُ خبزُ السَّماءِ وكأسُ الخلاصِ المُقَدِّسان للنَّفسِ والجَسَد. فكما أنَّ الخبزَ ضروريٌّ للجَسَد، كذلكَ الكَلِمَةُ ضَروريةٌ للنَّفس”.
“لا تنظُرْ إذًا إلى الخُبزِ والخَمرِ في الإفخارستيا، وكأنّهما عناصِرُ طَبيعِيَّةٌ فقط، إذ هما جَسَدُ المَسيحِ ودمُه، كما أكَّدَ ذلك الرَّبُّ نفسُه. قد تُوحِي إليكَ الحواسُّ غيرَ ذلك، ولكنَّ الإيمانَ يؤكِّدُ لك ذلك ويثبِّتُه”.
“تَعَلَّمْ هذا وتأكَّدْ بإيمانِكَ أنَّ ما يبدو لكَ خبزًا ليسَ بِخُبز، ولو كانَ كذلك في المَذاق، بل هو جَسَدُ المَسيح؛ وأنّ ما يبدو لكَ خَمرًا ليسَ بِخَمر، ولو كانَ كذلك في المَذاق، بل هو دَمُ المَسيح. ثبِّتْ قلبَكَ إذًا بتناولِ هذا الخُبزِ على أنّه خبزٌ روحيٌّ، ولْتملأْ البَهجَةُ أساريرَ وَجْهِكَ”.
القديس يوستينوس الشهيد (100- 165)
“لا يجوزُ لأَحدٍ الإِشتراكُ في الإِفخارستيا، ما لم يؤمِنْ أنَّ ما نُعلِّمُه هو حقٌّ. وما لم يغتسِلْ بغُسلِ الولادةِ الثانيةِ لمغفرةِ الخطايا، فينالَ بذلك الحياةَ، كما قالَ يسوعُ المسيح”.
“نَحنُ لا نَتَناولُ هذه الأُمورَ كما نأخُذُ الخُبزَ العادِيَّ أَو الشَّرابَ العاديَّ. نَحنُ نؤمنُ أنَّ يسوعَ المسيحَ مُخَلِّصَنا صارَ بِقُوِّةِ الكَلِمَةِ بَشرًا، إِنسانًا مِن جَسَدٍ ودمٍ، مِن أَجلِ خلاصِنا. وقد تَعَلَّمْنا أَيضًا أَنَّ الغِذاءَ الَّذي نُصَلِّي عليه بالصَّلاةِ المُتضمِّنةِ كلامَ يسوعَ نفسَه، ونَرفَعُ الشُّكرَ فيها إِلى الله، إِنَّما هو غِذاءٌ يَتَحَوَّلُ إِلى دَمِنا وجَسَدِنا، وهو جَسَدُ ودَمُ يَسوعَ نَفْسِه الَّذي صارَ إنسانًا”.
“نحن نُحيِي هذِه الذِّكرى دائِمًا فيما بينَنا. نَجتمعُ معًا ونُساعدُ المُحتاجين، ونَحنُ دائِمًا واحد. وفي جميعِ القرابينِ الَّتي نُقَرِّبُها نُسَبِّحُ خالقَ الكُلِّ بٱبنِه يسوعَ المسيحِ وبالرُّوحِ القُدُس”.
“وفي يومِ الشمسِ، كما يُقال، يجتمعُ الجميع، ساكنُو المدنِ أو القرى، في مكانٍ واحد، فيَقرؤُون كرازةَ الرُّسلِ أو كتاباتِ الأنبياء، بقدرِ ما يَسمَحُ الوقتُ بذلك. ثُمَّ عندما يتوقَّفُ القارئ، يوجِّهُ المترئِّسُ بعضَ كلماتِ الحثِّ والإرشادِ للتمثُّلِ بهذه الأُمورِ العظيمة. ثُمَّ نَقِفُ جَميعًا ونَرفَعُ الصَّلوات. وكما قُلْنا، عندما نتوقَّفُ عن الصَّلاةِ يُحضَرُ الخبزُ والخمرُ والماء. فيرسِلُ المترئِّسُ بحرارةٍ صلاةَ الإِبتهالِ والشُّكرِ، فيهتِفُ الشَّعب: آمين. وما تمَّتْ عليه صلاةُ الشُّكرِ يُوزَّعُ على كُلِّ واحدٍ من الحاضرين، ويُرسَلُ إلى الغائبين بوساطةِ الشَّمامِسَة”.
القديس أغناطيوس الأنطاكي الأُسقُف الشَّهيد (107†)
لقد عَرَّف القدّيس إغناطيوس الأنطاكيّ (؟ – 107) عن المسيحيّين قائلًا “إنّهم الّذين توصَّلوا إلى الرَّجاءِ الجديد” ووصفهم قائلًا إنّهم “يحيون وفق يوم الأحد”. وفي هذا الإطار تساءل أسقف أنطاكيا: “كيف يمكننا أن نحيا بدون الرَّبِّ يسوعَ المسيح الّذي ٱنتظره الأنبياء؟ كيف بإمكاننا العيش من دونه؟”. ومن هنا نسمع في كلمات القدّيس إغناطيوس صدى تأكيدات الشهداء الّذين قالوا: “لا نستطيع العيش من دون يوم الأحد” ومن هنا أيضًا تنبع صلاتنا القائلة: “اجعلنا يا ربّ، نحن المسيحيّين اليوم أن نعيَ أهميّة الاحتفال بيوم الأحد وأن نعرفَ كيفَ ننتقي من المشاركة في الإفخارستيا الخطوة اللازمة لالتزامٍ جديد في التبشير بالمسيح “سلامنا” (أف 2: 14).
“في الإِفخارستيا نَكْسِرُ خُبزًا واحِدًا هو الدَّواءُ الَّذي يَكفَلُ لنا الخُلود، والتِّرياقُ الَّذي يَحولُ دونَ موتِنا، بل يُتيحُ لنا أَنْ نحيا في يسوعَ المسيحِ دائِمًا”.
” الإفخارسيتا هي كدواءٍ للخلود وترياقاً لعدم الموت”.
“إِجتهدوا إِذًا في أن تشتركوا في إفخارستيا واحدة. هناك جسدٌ واحدٌ لربِّنا يسوعَ المسيح، وكأسٌ واحدةٌ لدمِه الواحد، ومذبحٌ واحد؛ كما أنَّ هناك أسقفًا واحدًا مع جماعةِ الكهنةِ والشمامسةِ شركائي في الخدمة. فما تصنعونه إِصنَعُوه بحسبِ مشيئةِ الله”.
“إِنِّي أجوعُ إلى خُبْزِ الله، الَّذي هو جَسَدُ يسوعَ المسيح، المولودِ من ذُرِّيَّةِ داود، وإِنِّي أَعطشُ إِلى دَمِ ذاكَ الَّذي هو المَحَبَّةُ الخالِدَة”.
“الطَّعامُ الفاني لَمْ يَعُدْ له لَذَّةٌ، ولا مَباهِجُ هذا العالَم. أُريدُ خُبزَ الله، أَي جَسَدَ يسوعَ المسيح، المَولودِ مِن نَسلِ داود. وأريدُ دَمَه شَرابًا، فهو المَحَبَّةُ الَّتي لا تَفنَى”.
“أَرجوكُم إِذًا، لا أَنا بَل محبَّةُ يَسوعَ المَسيح، أَنْ تَتَناولوا غِذاءَ المَسيحِ فقط، وأَنْ تَبْتَعِدوا عَنِ الأَعشابِ الغَريبَةِ أَيِّ الهرطقات”.
القديس إيرناوس الأُسقُف الشَّهيد (135- 203)
“إِنْ لم يكُنْ خلاصٌ للجسد، لم يفتَدِنا الرَّبُّ إِذًا بدَمهِ، وليسَ كأسُ الإفخارستيا مشاركةً في دمِه، ولا الخبزُ الذي نَكسِرُه هو مشاركةٌ في جسدِه (1قور 10: 16) ليسَ الدمُ إلا شيئًا من الشَّرَايينِ واللحمِ وسائرِ مادّةِ الجسد. وقد صارَ كلمةُ اللهِ حقًّا جسدًا مثلَ هذا، ففَدانا بدمِه، كما قالَ الرَّسُول: “فَكَانَ لَنَا فِيهِ الفِدَاءُ بِدَمِهِ، أي الصَّفحُ عَنِ الزَّلاتِ” (أفسس 1: 7).
“قالَ يسوع إِنَّ تِلكَ الكأسَ المخلُوقةَ هي دَمُهُ المُرَاقُ، بها يتغذَّى دَمُنا، وإِنَّ ذاكَ الخُبزَ المخلُوقَ هُوَ جَسَدُهُ الذي يُغذِّي أَجسادَنا”.
“عندما نُعِدُّ الكأسَ، ونَكسِرُ الخبزَ، وتَحِلُّ عليهما كلمةُ الله، فيصيران إِفخارستيا أي دمَ المسيح وجسَدَه، وبهما يَتَغَذَّى ويَتَقَوَّى جَسدُنا وجَوهَرُ كِيانِنا، كيف يُنكِرُ البعضُ أنَّ الجسدَ لا يَقدِرُ أَنْ يَستَقبِلَ هِبَةَ اللهِ الَّتي هي الحياةُ الأبديَّةُ، وقد تَغَذَّى بِدَمِ المسيحِ وجَسَدِه، وصارَ عُضوًا من أعضائِه؟”.
“إِنَّ جِذعَ الكرمةِ يُغْرَزُ في الأَرض فيؤتِي ثَمرَهُ في حينهِ، وَحبَّةَ الحِنطةِ تَقعُ في الأَرضِ وتَمُوتُ فتُنبِتُ حَبَّاتٍ كثيرةً، برُوحِ الله الَّذي يَسَعُ الكُلَّ، ثم يصيران بِحكمةِ الله لخدمةِ الإنسان. وَبحلولِ كلِمةَ اللهِ عليهما يَصيران إِفخارستيا، أَي جَسَدَ المَسيحِ وَدَمَه. كذلك أَجسادُنا التي تَتَغَذَّى بجسدِ المسيحِ ودمِه، فإنّها وإن دُفِنَتْ في الأَرضِ وماتَتْ فيها، فستقُومُ في حينِها، بِقُوّةِ كلِمةِ اللهِ الذي يَهَبُها القيامة. تقومُ لمَجدِ اللهِ الآبِ الذي يَمنحُ المائِتَ اللاموت، ويُنعِمُ على الفاسِدِ باللافساد (1قور 15: 53-54)، لأَنَّ قُوةَ اللهِ بالضُّعفِ تَكْمُل (2قور 12: 9)”.
“بهذه القرابين نُظْهِرُ إكرامنَا ومحبَّتَنا لله مَلِكِنا”.
“يَجبُ إِذًا أَنْ نُقَـدِّمَ القرابِينَ أمـامَ الله، وأَنْ نَكونَ في كُلِّ شـيءٍ شاكرينَ للهِ صانِعِنا”.
“يَجِبُ أَنْ نُقَرِّبَ له بواكيرَ خلائِقِه، بِنِيَّةٍ صافيةٍ وإِيمانٍ لا مُراءاةَ فيه، وبِرَجاءٍ ثابِتٍ، ومَحبَّةٍ مُتَّقِدَة”.
“نُقَدِّمُ له مِمَّا هو له، ونَعِظُ بالوَحدةِ والشَّرِكةِ، ونَعتَرِفُ بقيامةِ الجَسَدِ والرُّوح. فكما أنَّ الخُبزَ الأرضيَّ، لا يبقى بعدَ الإِبتهالِ إلى اللهِ والصَّلاةِ عليه خُبزًا عادِيًّا، بل يَصيرُ إفخارستيا، ويَصيرُ مُركَّبًا مِن عُنصُرَيْن، أَحدُهما أَرضيٌّ والثَّاني سَماويّ، كذلِكَ أَجسادُنا، لا تبقى بعدَ أن تَتَغَذَّى بالإفخارستيا مُعَرَّضَةً للفَسادِ فقط، بل يُحيِيها رجاءُ القيامةِ أيضًا”.
القديس جاودانسيوس أُسقُف بريشيا – إيطاليا (280- 360)
“إِنَّ الذَّبيحةَ السَّماويَّةَ التي وضعَها المسيحُ هي هبةُ العهدِ الجديدِ المتوارَثَةُ جيلاً بعدَ جِيلٍ، وقد تركَها لنا، في الليلةِ التي أُسلِمَ فيها ليُصلَبَ، عُربونًا لحضورِه بينَنا”.
“هي زادُنا على الطريق، بها نتغذَّى ونتشدَّدُ على دروبِ الحياةِ، إلى أن نصلَ إليه بعدَ خروجِنا من هذا الدَّهر. ولهذا كانَ الرَّبُّ نفسُه يقول: “إذا لم تأكلوا جَسَدي وتَشربوا دَمي، فَلَنْ تكونَ فيكم الحياة” (يوحنا 6: 53).
“أرادَ أن تَبقَى نِعَمُه معنا. أَرادَ أن تُـَقَّدَس بصورةٍ مستمرَّةٍ، بمثالِ آلامِه، النفوسُ التي فَدَاها بدمِه الثمين. لهذا أوصى تلاميذَه الأُمَناءَ، وقد جعلَهم أوّلَ كهنةٍ لكنيستِه، أن يقدِّموا للهِ من غيرِ انقطاعٍ أسرارَ الحياةِ الأبديّةِ، التي يجبُ أن يَحتفلَ بها جميعُ الكهنةِ في كلِّ كنيسةٍ من كنائسِ العالم، إلى أن يأتِيَ الرَّبُّ من السَّماواتِ من جديد”.
“في هذه الذَّبيحة، يُبقِي الكهنةُ أَنْفُسُهم، وجميعُ المؤمنين من الشَّعب، كُلَّ يومٍ تحتَ أَنظارِهم مِثالَ آلامِ المسيح، ويَقتدون بها بأَعمالِهم، ويأخذونها بفمِهم ويحفظونها في قلبِهم، فيُبقُون كذلك ذكرى فدائِنا حيّةً لا تُمحَى”.
“إِنَّ الخبزَ يتكوَّنُ من حبَّاتٍ عديدةٍ من الحنطةِ المطحونةِ والمحوَّلةِ بالماءِ إلى عجين، والمكمّلةِ بالنَّار، فهو صورَةٌ حَقيقِيَّةٌ لِجَسَدِ المَسيح: فنحنُ نَعلَمُ أَنَّ المسيحَ صَنَعَ من شعوبِ الجنسِ البشريِّ كُلِّها جَسَدًا واحِدًا كَمَّلَه بِنارِ الرُّوحِ القُدُس”.
“الخمرةُ التي تَتَحَوَّلُ إلى الدَّم، فإِنَّها تُجْمَعُ من عناقيدَ كثيرةٍ من الكرمةِ التي غرسَها الرَّبُّ، ثم تُعْصَرُ في مَعصرةِ الصَّليبِ، وتختمِرُ بِقُوَّتِها الذَّاتيّةِ في آنيةٍ رَحْبةٍ هي قلوبُ المؤمنين الذين قَبِلُوها بورعٍ وإيمان”.
“ماتَ واحدٌ عن الجميع. وهو نَفْسُه في جميعِ كنائسِ العالمِ ، في سرِّ الخبزِ والخمرِ، يُذبَحُ فيُغَذِّي، ومَن آمنَ به يَحيَا، وهو المكرَّسُ يُقَدِّسُ المُكرِّسِين”.
“هذا هو جَسَدُ الحَملِ، وهذا هو دمُه. هو الخبزُ النازلُ مِنَ السَّماءِ وهو الَّذي يَقول: “الخُبزُ الَّذي سَأُعطِيهِ أنَا هُوَ جَسَدي أَبذِلُهُ لِيَحيَا العَالَمُ” (يوحنا 6: 51). فالخَمرُ يُعبِّرُ حَقًّا عن دَمِه، وقد قالَ على لسانِ الإنجيليّ: “أنَا الكَرمَةُ الحَقِيقِيَّةُ” (يوحنا 15: 1). وبهذا يُصَرِّحُ أَنَّ دَمَه يُمكنُ أَنٍ يَكونَ في كُلِّ خَمرٍ يُقَرَّبُ صورةً عن آلامِه”.
“هو خالِقُ الأَكوانِ وسَيِّدُها، يُخرِجُ من الأرضِ خُبزًا، ثُمَّ يُحَوِّلُ الخُبزَ إِلى جَسَدِه، لأنَّه قديرٌ ولأنَّه وَعَدَ بذلِكَ. وهو الَّذي صَيَّرَ الماءَ خَمرًا، ثُمَّ حَوَّلَ الخَمرَ إِلى دَمِه”.
“لا تَنْظُرْ نَظْرَةً أرضيّةً إِلى ما هو سماوِيٌّ، وإِلى ما “عبرَ” إِليه الرَّبُّ، حينَ حَوَّلَ الخُبزَ والخَمرَ إِلى جَسَدِه ودَمِه”.
“ما تَتَناوَلُه هو جَسَدُ الخُبزِ السَّماويّ، ودَمُ الكَرمَةِ المُقَدَّسة. لمَّا قَدَّمَ الخُبزَ والخَمرَ لِتلاميذِه بَعدَ تَقديسِهِما قال: “هَذَا هُوَ جَسَدِي، وهَذَا هُوَ دَمِي” (متى 26: 26- 27). فَلْنُصدِّقْ مَن آمنَّا به، فإِنَّه الحَقُّ ولا يَعرِفُ الكَذِبَ”.
القديس إفرام السرياني الشمَّاس ومُعَلِّمُ الكَنيسَة (306- 373)
“دعا الخبز جسده الحيّ، وملأه من ذاتِه ومن روحه (…). فمَن يأكله بإيمان إنَّما يأكل النار والروح (…) خذوا، كلوا منه كلّكم وكلوا معه الروح القدس. ذلك حقّاً هو جسدي، فمن يأكل منه يحي إلى الأبد” (27).
القديس كيرلس الأُورشليمي الأُسقُف ومُعَلِّمُ الكَنيسَة (315-386)
“والآن وقد تعلَّمتَ وٱقتَنَعْتَ أنَّ ما يبدو خُبزًا ليس خُبزًا، وإنْ يكُنْ له طعمُ الخُبز، ولكن جسدُ الرَّبّ، وأنَّ ما تبدو خمرًا ليست خمرًا، وإنْ يكُنْ طعمُها كذلِكَ، ولكن دمُ المسيح… ثَبِّتْ إذًا قلبَكَ بتناولِكَ هذا الخُبزُ من أنَّه خبزٌ روحانيٍّ، وٱبهِجْ وَجْه نفسِكَ”. (عظة 4 في الأسرار، 29، ص 402).
“هذا هو جسدي الَّذي يُبْذَلُ لأَجلِكُم”، يُصرِّحُ قائِلاً: “لا تتساءَل هل هذا صحيح، بل تَقَبَّلْ بإيمانٍ كلماتِ الرَّبّ، لأَنَّه هو، الحقُّ، لا يكذِبْ”.
“فلنَشتَرِكْ إذًا، بِكُلِّ ثِقَةٍ، في جسدِ المسيحِ ودَمِه، إِنَّ جَسَدَه يُعطى لكَ تحتَ شَكلِ الخُبْز، ودمَه يُعطى لكَ تحتَ شَكلِ الخَمر. وإِذ أَنتَ تَشتَرِكُ في جسَدِ المسيحِ ودمِه، تُصبِحُ جَسَدًا واحِدًا ودمًا واحِدًا مع المسيح. وهكذا نُصبِحُ “حامِلي المسيح”، بما أَنَّ جسدَه ودمَه ينتَشِرانِ في أعضائِنا. وبهذِه الكيفيَّةِ نُصبِحُ، على حَدِّ تعبيرِ الطوباوي بطرس، “شُركاءُ الطَّبيعةِ الإلهيَّة” (2بطرس 1: 4)”. (عظة 22، 3 ص 399).
“…بما أنَّ يسوعَ صَرَّحَ بذلِكَ وقالَ عن الخُبْزِ “هذا هو جسدي”(متى 26: 26)، فَمَنْ يَتَجاسَرُ ويَشُكُّ بعدَ ذلِك؟ ولَمَّا هو ذاتُه يُؤكِّدُ بكلامٍ قاطِع: “هذا هو دمي” (متى 26: 28)، فَمَنْ الذي يُعارِضُ ويَقولُ إِنَّه ليسَ دمه؟”. (عظة 22، 1 ص 298-299).
“بالخبزِ والخَمرِ تَمَسّكك بعناصر، لأَنَّها، بِحَسَبِ تَصريحِ المعلِّم جَسَدٌ ودَمٌ. ذلكَ حَقًّا ما توحي به إليكَ الحواسّ؛ لكن فَلْيُطَمْئِنكَ الإِيمان”. (24).
“إِذا مَزَجنا معًا قِطعَتَينِ مِنَ الشَّمعِ فإِنَّ كُلاًّ مِنهُما تَبدو مَسبوكَةً تَمامًا في الأُخرى، وهكذا في رأيي مَن يَقبَلْ جَسَدَ المسيحِ مُخلِّصِنا ويَشرَبَ دمَه الكَريم يَصيرُ واحِدًا مَعَه كَما يَقولُ الرَّبُّ نَفْسُه. فإِنَّه يَصيرُ مَسبوكًا ومُمتزِجًا مَعَه بالتَّناوُلِ حتَّى أَنَّه يكونُ في المسيحِ والمسيحُ يَكونُ فيه”.
القديس غريغوريوس النيصي الأُسقُف ومُعَلِّمُ الكَنيسَة (330- 395)
“ما هو هذا الدواء لسم الخطيئة المميت العامِلِ في جَسَدِنا؟ إنَّه بالذات هذا الجسد الممجد الذي ظَهَرَ أَقوى من الموت وصار لنا ينبوعَ الحياة، كما أَنَّ بعض الخمير حسب قول الرسول يُخَمِّرُ العجينَ كُلَّه هكذا الجَسَدُ الذي رفعه الله إلى الخلودِ متى أُدخِلَ في جسدِنا يُغَيِّرُه ويُحَوِّلُه كُلُّه إِلى جوهَرِه الخاص”.
القديس أمبروزيوس الأُسقُف ومُعَلِّمُ الكَنيسَة (339- 397)
“أَكَلَ آباؤنا مِن ذلكَ الخُبزِ (المَنَّ)، ومَعَ ذلِكَ ماتوا جَميعًا في البَرِّيَّةِ. وأَمَّا هذا الطَّعامُ الَّذي تَتَناوَلُه فهو الخُبزُ الحَيُّ النَّازِلُ مِنَ السَّماء (يوحنا 6: 51)، الخُبزُ الَّذي يَمنحُ جَوهَرَ الحَياةِ الأَبَدِيَّة. وكُلُّ مَن أَكَلَه لا يَموتُ إِلى الأَبَد (يوحنا11: 26)، لأَنَّه جَسَدُ المَسيح”.
“فَكِّرْ الآن، ما هو الأَفضَلُ والأَكرم؟ خُبزُ المَلائِكَةِ أَم جَسَدُ المَسيحِ الَّذي هو خُبزُ الحَياة؟ ذلكَ مِنَ السَّماء، وهذا مِمَّا فَوقَ السَّماء. ذلِكَ مِنَ السَّماءِ، وهذا مِن رَبِّ السَّماوات. ذاكَ كانَ يَفسُدُ إِذا حُفِظَ ليومٍ آخَر، وهذا لا يَنالُه الفَسادُ على الإِطلاق، ومَن أَكَلَه بِوَرعٍ وتَقوى فإِنَّه لا يَرى الفَسادَ أَبَدًا”.
“عَرَفْتَ الآن ما هو الأَفضَلُ والأَكرم؟ النُّورُ أَفضَلُ مِنَ الظِّلِّ، والحَقيقَةُ أَفضَلُ مِنَ الرَّمْزِ، وجَسَدُ مُبدِعِ كُلِّ شيءٍ أَفضَلُ وأَكرمُ مِنَ المَنِّ النَّازِلِ مِنَ السَّماء”.
“قالَ الرَّبُّ يَسوعُ نَفْسُه: “هذا هو جَسَدي”. قبلَ التَّلفُّظِ بِهذِه الكَلِماتِ كانَ شيئًا آخَر. وبَعدَها، (أَي بَعدَ كَلِماتِ التَّقديسِ) صارَ جَسَدًا. ثُمَّ قال: “هذا هو دَمي”. قَبلَ كَلِماتِ التَّقديسِ كانَ شيئًا آخَر. وبَعدَ كَلِماتِ التَّقديسِ صارَ دَمًا. وأَنتَ تَقولُ: آمين. أَعني: “حَقًّا هو كَذلِك”. فَلْيَعْتَرِفِ العَقلُ إِذًا بِما يَنطِقُ بِهِ الفَم، وليُقِرَّ الوِجدانُ بِما يَسمَعُه عِبرَ الكَلام”.
“المَسيحُ هو حَقًّا في هذا السِّرِّ، لأَنَّ هذا هو جَسَدُ المَسيحِ حَقًّا. وليسَ هو طَعامًا جَسَديًّا بل هو طَعامٌ روحي. ولهذا قالَ الرَّسولُ بولس في الآياتِ الَّتي تَرمُزُ إِليه إِنَّ آباءَنا “أَكَلُوا طَعَامًا رُوحِيًّا، وَشَرِبُوا شَرَابًا رُوحِيًّا” (1 قورنتس 10: 3)”.
“جَسَدُ اللهِ هو جَسَدٌ روحي، وجَسَدُ المَسيحِ هو مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ، لأَنَّ الرَّوحَ هو المَسيح، كما نَقرأ: “إِنَّ الرَّوحَ أَمامَ وَجْهِنا هو المَسيحُ الرَّبّ” (المراثي 4: 20 بِحَسَبِ التَّرجَمَةِ السَّبعينِيَّة). وقالَ القِدِّيسُ بُطرس في رسالَتِه: “ماتَ المَسيحُ مِن أَجلِكُم”.
“إِنَّ هذا الطَّعامَ يُقَوِّي قَلبَنا وهذا الشَّرابَ يُفَرِّحُ قَلبَ الإِنسان (مزمور 104: 15) كما قال النَّبِيِّ”.
القديس يوحنا الذهبيُّ الفم الأُسقُف ومُعَلِّمُ الكَنيسَة (349 – 407)
“إِنَّا نُقَدِّمُ دائِمًا الحَمَلَ نَفْسَه، لا حَمَلاً اليومَ وحَمَلاً آخَرَ في الغَد، بَلْ دائِمًا الحَمَلَ نَفْسَه. لهذا السَّبَبِ، ليسَ هُناكَ دائِمًا إِلاَّ ذَبيحَةً واحِدَةً (…). والآنَ أَيضًا، نُقَدِّمُ الضَّحِيَّةَ الَّتي قُدِّمَتْ قَبلاً والَّتي لَنْ تُستَنْفَدْ أَبَدًا” (15).
“ما هو إِذًا هذا الخُبز؟ إِنَّه جَسَدُ المسيح. ماذا يُصبِحُ الَّذينَ يَتَناوَلونَه؟ جَسَدُ المسيح: لا عِدَّةَ أَجسادٍ، بَلْ جَسَدٌ واحِد. لمّا كانَ الخُبزُ واحِدًا أَحَدًا، مع كونِهِ مُؤلَّفًا مِن بِذراتٍ عَديدَةٍ كائِنةٍ فيه مَعَ أَنَّا لا نَراها، وقَد ٱختَفَتْ فَوارِقها بِسَبَبِ ٱندماجِها الكامِلِ بَعضِها مع بَعض، كذلِكَ نَحنُ، بالطَّريقَةِ نَفْسِها، مُتَّحِدونَ بَعضِنا بِبَعضٍ، وكُلُّنا مُتَّحِدونَ مَعًا بالمسيح” (42).
“جَسَدُ المسيح، لَيسَ أَجسادٌ كَثيرَة، وإِنَّما جَسَدٌ واحِد. فكَما أَنَّ الخُبزَ يُصنَعُ مِن حَبَّاتِ قَمحٍ كَثيرَة، وكُلُّ حَبَّةِ قَمحٍ أُخِذَتْ مِن مَكانٍ مُختَلِف، فكَذلِكَ جَسَدُ المسيحِ هو واحِدٌ بالرُّغمِ مِن ٱختلافاتِنا”.
“إِنَّ كَلِمَةَ المُخَلِّص إِذ يُنطَقُ بِها تَكفي لِتَتِمَّ أَكْلُ ذَبيحَةٍ على مائِدَة ِكُلَّ الكَنائِس، ويُضيف، الخُبزُ يَصيرُ خُبزَ السَّماءِ لأَنَّ الرُّوحَ القُدُسَ يَأتي لِيَحِلَّ عليه”.
“ليسَ الإِنسانُ هو الَّذي يُحَوِّلُ القَرابينَ إِلى جَسَدِ المَسيحِ ودَمِه، بل المَسيحُ نَفْسُه الَّذي صُلِبَ لأَجلِنا. الكاهِنُ، صورَةُ المَسيح، يَنطِقُ بِهذِه الكَلِماتِ ولَكِنَّ الفِعلَ والنِّعمَةَ هُما مِنَ الله. بقول :”هذا هو جَسَدي “. وهذِه الكَلِمَةُ تُحَوِّلُ القَرابين”.
كانَ يُحَرِّضُ القديس يوحنا الذهبيِّ الفم المؤمنينَ، بِكُلِّ ما أُوتِيَ من قُوِّةِ بلاغَةٍ، قائِلاً: “وأَنا أَيضًا، أَرفَعُ الصَّوتَ وأَضْرَعُ وأُصَلِّي وأَتوسَّلُ إِليكم أَلاَّ تَقْتَرِبوا من هذِه المائِدَةِ المقَدَّسَةِ بِضَميرٍ مُلطَّخٍ فاسِد. لأَنَّ مِثلَ هذا الوَضعِ لَنْ يُسمَّى البَتَّة مُناوَلَةً، حتَّى ولو تَناوَلنا أَلفَ مَرَّةٍ جَسَدَ الرَّبِّ، بل بالأَحرى يُسمَّى دَينونَةً وعَذابًا ومَزيدًا مِنَ العُقوبات” (73).
“كثيرٌ من النِّساءِ، بعد ٱحتمالِهِنَّ آلامَ الوِلادة، يُسلِمْنَ أطفالَهُنَّ لغيرِهِنَّ كي يُربِّيَنَّ إيَّاهُم. أمَّا المسيحُ فلا يقدِرُ أن يحتَمِلَ أن يقوتَهم آخرون، بل يُقَدِّمُ لهم جَسَدَه بِكُلِّ طريقةٍ أو أُخرى، ويجْعَلَهُم واحِدًا معه”.
من عِظَةٍ لِمَجهولٍ مِنَ القَرنِ الرَّابِع
“لَقَد أَكَلَ شَعبُكَ إِسرائيلَ خُبزَ الملائِكَةِ في الصَّحراء، فأَعْطِني جَسَدَكَ الكُلِّيَّ القَداسَة. كما شَرِبَ مِنَ المياهِ المُنْبَثِقَةِ مِنَ الصَّخرَة، فٱروِني بِدَمِ جَنْبِكَ الطَّاهِر”.
القديس يرونيموس الكاهن ومُعَلِّمُ الكَنيسَة (347- 420)
“جسدُ الرَّبِّ طعامٌ حقيقيّ، ودمُه شرابٌ حقيقيّ: ذاك هو الخيرُ الحقيقيُّ الذي حُفظ لنا في هذه الدنيا: التَّغذّي من جسدِه وشُرْبُ دمِه، لا في الإفخارستيّا فحسب، بل في قراءةِ الكُتُبِ المقدَّسةِ أيضًا. فكلامُ اللهِ الذي نستقيه من معرفةِ الكُتُبِ المقدَّسةِ هو طعامٌ حقيقيٌّ وشَرابٌ حقيقيّ”.
“أَنتَ كاهِنٌ لا بتقديم ذبائحَ يهودية وإنَّما بالحري على طقس ملكي صادق. فكما أنَّ ملكي صادق، ملك ساليم، قدم خبزًا وخمرًا (تك ١٤: ١٨) هكذا تقدم أنتَ جَسَدَكَ ودَمَكَ، الخبز الحقيقي والخمر الحقيقي. هذا هو ملكي صادقنا الذي وهبنا الذبيحة الإلهية التي لنا. إنه ذاك الذي قال: “مَن يأكل جسدي ويشرب دمي”. (يو ٦: ٥٥)، على طقس ملكي صادق، مُعطيًا إِيَّانا سرائِرَه”.
القديس أغسطينوس الأُسقُف ومُعَلِّمُ الكَنيسَة (354- 430)
“سَمِعْتُ ما يُشبِهُ صوتًا يأتي مِنَ العُلى: أَنا خُبْزُ الأَقوِياء، صِرْ كبيرًا وَكُلْني! لَكِنَّكَ لَنْ تُحَوِّلُني إِليكَ كما لو كُنتُ غِذاءً للجَسَد، إِنَّما أَنتَ الذي ستَتَحَوَّلُ إِلى ما أَنا عليه”.
“أَنا غِذاءُ الكِبارِ. كُنْ كَبيرًا لِتَأْكُلَني. وإِذا طَعِمْتَني لَنْ تُحَوِّلَني إِليكَ مِثلَ طَعامِ الجَسَدِ، بَلْ أَنتَ تَتَحَوَّلُ فِيَّ”.
القديس لاون الكبير البابا ومُعَلِّمُ الكَنيسَة (461†)
“ما يَنجُمُ عن المشاركةِ في جَسَدِ المَسيحِ ودمِه هو أنّنا نَتَحَوَّلُ إلى ما نأخذُه ونَتَغَذَّى به. فنَحمِلُه في كُلِّ شيءٍ وفي كُلِّ مكانٍ، في روحِنا وفي جَسَدِنا، وهو الَّذي مُتْنا ودُفِنَّا وقُمْنا معه”.
“لقد توقَّفَ التَّعدُّدُ والتنَوُّعُ في الذَّبائِحِ الجَسَدِيَّةِ. وجَميعُ القَرابينِ المُختَلفةِ حَلَّ مَحَلَّها قُربانُ دمِكَ، لأَنَّكَ أَنتَ الحَمَلُ الحقيقِيُّ الَّذي تَرفَعُ خَطايا العالَم. فتُتِمُّ في ذاتِكَ جَميعَ الأسرارِ”.
“بِفَضلِ الإِفخارستيا، المَسيحيُّ يَكونُ بالفِعلِ ما يَأْكُل! إِنَّ ٱشتِراكَنا بجَسَدِ ودَمِ المَسيحِ لا يَهدِفُ إِلاَّ لأَنْ يَجعَلَنا نُصبِحُ ما نَأْكُلُه”.
القديس كيرلّس الإسكندريّ الأسقُف ومُعَلِّمُ الكَنيسَة (376- 444)
“كان يشير إلى أنَّ الاشتراك في الأسرار المقدّسة “هو حقًّا ٱعترافٌ وتذكيرٌ بأنَّ الرَّبَّ ماتَ ومِن ثمَّ عادَ إلى الحياةِ من أَجلِنا ولصالحنا”.
“كما عندما نضمّ قطعتين من الشمع ونجعلهما تذوبان بواسطة النار، فتصبحان شيئاً واحداً، يحدث ذات الشيء في المشاركة في جسد المسيح ودمه الثمين”.
“عندما نضع القرابين أَمامَ اللهِ نُصَلِّي بإلحاحٍ لكي تَتَحَوَّلَ لنا إِلى بركةٍ روحيَّة، حتى أَنَّنا إِذا تناولنا منها نَتَقَدَّس في أَجسادِنا وأَرواحنا، ثُمَّ يقولُ الكاهِنُ مُشيرًا إلى القرابين: “هذا هو جسدي… هذا هو دمي….” لكي لا تظنَّ أَنَّ ما يَظْهَرُ أَمامَكَ هو مُجَرَّدُ رَمزٍ بل لكي تَعرِفَ جَيِّدًا أَنَّه بِفِعلِ قُدرَةِ اللهِ الضابِطِ الكُلِّ الفائِقَة ِكُلَّ وَصف قَد تَحَوَّلَتْ القرابينُ بالحقيقَةِ إِلى جَسَدِ المسيحِ ودَمِهِ”.
“إِن كانَت مُجَرَّدُ لَمْسَةٍ مِن جَسَدِه المُقَدَّسِ تُحيي جَسَدًا يَتَحَلَّلُ، فَكم فائِدَة نَجني مِنَ الإِفخارستيا المُحيية إِنْ كانَت غِذاءً لنا؟ فهي سَتُحَوِّلُ إِليها أَي إِلى دُنيا الخُلودِ كُلَّ مَن شارَكوا بِها”.
القديس كولومبانس رئيس الدَّير (563- 615)
“أُنظروا مِن أَينَ يَتَدَفَّقُ هذا اليَنبوع: يَأتي مِن حيثُ يَنزِلُ الخُبزُ. لأَنَّ الخُبزَ واليَنبوعَ هو نَفْسُه الإِبنُ الوَحيدُ، ربُّنا وإِلهُنا يسوعُ المسيح. وهو الَّذي يَجِبُ أَنْ نَجوعَ إِليه دائِمًا. ومَعَ أَنَّنا نَأْكُلُه إِذا أَحبَبْنَاه، ونَقبَلُه في نُفوسِنا إِذا رَغِبْنا فيه، يَجِبُ أَنْ نَبقى جائِعين إِليه فَنَبقى راغِبينَ فيه”.
“عَذْبٌ وطَيِّبٌ هو الرَّبُّ. كُلَّما أَكَلْنا وشَرِبْنا، لِنَزْدَدْ دائِمًا جوعًا وعَطَشًا إِليه، لأَنَّه طَعامُنا وشَرابُنا، ولا يُمكِنُ أَنْ نَأْخُذَه أَو أَنْ نَشْرَبَه كُلَّه مَرَّةً واحِدَة. يُؤخذُ ولا يَنْفَدُ، ويُشْرَبُ مِنه ولا يَجِفُّ، لأَنَّ خُبزَنا أَبَدِيٌّ ويَنبوعَنا دائِمٌ، لأَنَّ يَنبوعَنا عَذْبٌ”.
“إِشْرَبْ مِن يَنبوعِ الحَياةِ إِذا عَطِشْتَ. وكُلْ مِن خُبزِ الحَياةِ إِذا جُعْتَ. طُوبى للجِياعِ إلِى هذا الخُبزِ والعِطاشِ إِلى هذا اليَنبوع. كُلَّما أَكلوا وشَرِبوا ٱزدادوا رَغْبَةً في الأكلِ والشُّرْبِ. لأَنَّه في غايَةِ العُذوبَةِ، هو الَّذي يُؤكَلُ ويُشْرَبُ دائِمًا. ويَبقى الجوعُ والعَطَشُ إِليه شَديدًا. يَتَذَوَّقُه الجائِعُ دائِمًا ويَشتَهيه دائِمًا”.
القديس مكسيموس المعترِف ورئيس الرهبان )580- 662(
“قِمَّةُ التَّدبيرِ الإِلهي هو الإِفخارستِيَّا”.
بودوان دو فورد (نحو 1190)، راهب سِستِرسياني وأُسقُف
“بالنسبة إلى الذينَ يؤمنونَ بالمسيح، فإنّه هو الغذاء والشراب والخبز والخمر. هو الخبز الذي يُقوِّي ويُسند… وهو الشَّرابُ والخمرُ التي تُفرح… كلُّ ما فينا من القُوَّة والثَّبات والفَرَح والسعادة هو لإتمام وصايا الله، وٱحتمال الآلام والطاعة والدفاع عن العدل، كلُّ ذلك يأتي من قوَّة هذا الخبز وفرح هذه الخمر. طوبى للذين يعملون بقُوَّة وفرح!”.
“إذا كان المسيح الخبز والشراب الذي يضمن في الوقت الحاضر قوّة وفرح الأبرار، فما عساه يكون بالأحرى في السماء، حين يعطي نفسه للأبرار بلا حدود؟”.
“إِنّ هذا الغذاء الذي يبقى للحياة الأبديّة يُدعى خبز السماء، الخبز الحقيقيّ، خبز الله، خبز الحياة…خبز الله لتمييزه عن الخبز الذي يعدّه ويصنعه الخبّاز…؛ خبز الحياة لتُمييزه عن الخبز الفاني الذي ليس هو الحياة ولا يمنحها، بل بالكاد يحفظها، بصعوبة ولفترة وجيزة. أمّا هذا الخبز، فهو بذاته الحياة ومانح الحياة وحافظ الحياة التي لا تدين للموت بشيء”.
“هو نَفْسُه، بإرادَتِه، كَسَرَ جَسَدَه ووَهَبَه، كَسَرَه بواسِطَةِ الألم”.
“ليس لدينا مَن يَكسِرُ الخُبز، ولا مَن يُطعِمنا، ولا مَن يُصلحنا، لا أَحَدَ سِواك، يا ربَّنا. فَفي كُلِّ تَعزِيَّةً تُرسِلُها إِلينا، نَلتَقِطُ فُتاتَ هذا الخبزِ الّذي تَكسِرُه مِن أَجلِنا ونَتَذَوَّقُ “رحمَتَكَ الصَّالِحَة” (مز109: 21)”.
القديس ألبرتس الكبير الأسقُف ومعلِّمُ الكنيسة (1206- 1280)
“لَقَد خَصَّنا المسيحُ بحُبٍّ عَظيمٍ حتَّى إِنَّه وحَّدنا بِهِ فصارَ واحِدًا مِنَّا إِلى دَرجةِ الدُّخولِ في عُروقِنا”.
“إِصنَعُوا هَذَا لِذِكرِي” (لوقا 22: 19). إنّنا نلاحِظُ في هذا الكلامِ أمرَيْن. الأولُ هو أمرٌ بٱستخدامِ هذا السِّرِّ، يظهَرُ ذلك من قولِه: “اصنَعُوا هَذَا”، والثاني أنَّه ذِكرَى لموتِ الرَّبِّ”.
“قالَ: “إِصنَعُوا هَذَا”. لم يَقدِرْ أن يُعطِيَ أمرًا فيه فائدةٌ أكبرُ وعُذوبةٌ أقوى، وخلاصٌ أشمَلُ، ومحبَّةٌ أعظمُ، وشَبَهٌ أقربُ بالحياةِ الأبديَّةِ. ونُبَيِّنُ هذا بالتفصيلِ”.
“مِن حيثُ الفائدةُ، فهو مفيدٌ لمغفرةِ الخطايا، ومفيدٌ جدًّا لتحقيقِ مِلءِ النِّعمةِ فينا في هذِه الحياةِ. فإنَّ أَبَ أَرواحِنا يُعَلِّمُنا ما هو مفيدٌ لَنا إذا ما قَبِلْنا عملَ تقديسِه فينا. وتقديسُه لنا يَعني تَقدِمَةَ ذاتِه ذبيحةً عنَّا: قدَّمَ نفسَه في السِّرِّ، فقدَّمَ نفسَه للآبِ من أجلِنا، وقدَّمَ نفسَه غذاءً لنا. قال: “أُكَرِّسُ نَفسِي مِن أَجلِهِم” (يوحنا 17: 19). فَالمَسِيحُ “الَّذِي قَرَّبَ نَفسَهُ إلَى اللهِ بِالرُّوحِ القُدُسِ قُربَانًا لا عَيبَ فِيهِ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَنَا مِنَ الأعمَالِ السَّيِّئَةِ لِنَعبُدَ اللهَ الحَيَّ” (عبرانيون 9: 14)”.
“لا نَقدِرُ أَنْ نَعمَلَ شيئًا أكثرَ عُذوبةً. وفي الواقعِ أيُّ شيءٍ أَعذَبُ من الأمرِ الذي فيه أظهرَ اللهُ لنا كلَّ عذوبَتِهِ؟ “قَدَّسْتَ لَهُم مِنَ السَّمَاءِ خُبزًا مُعَدًّا لَم يَتعَبُوا فِيهِ، خُبزًا يُوَفِّرُ كُلَّ لَذَّةٍ وَيُلائِمُ كُلَّ ذَوقٍ. لأنَّ المَادَّةَ الَّتِي مِن عِندِكَ كَانَتْ تُظهِرُ عُذُوبَتَكَ لأبنَائِكَ، وَتَخضَعُ لِشَهوَةِ مُتَنَاوِلِهَا، فَتَتَحَوَّلُ إلَى مَا شَاءَ كُلُّ وَاحِدٍ” (حكمة 16: 20- 21)”.
“لم يَقدِرْ الرَّبَّ أَنْ يأمُرَ بِشَيءٍ خلاصِيٍّ أكثرَ منه. هذا هو في الواقعِ السِّرُّ الذي هو ثمرةُ شجرةِ الحياةِ، الَّذي إذا تناولَهُ أحدٌ بتَقوى وإيمانٍ صادِقٍ، لا يذوقُ الموتَ أبدًا. “هِيَ شَجَرَةُ الحَيَاةِ لِلمُتَعَلِّقِينَ بِهَا. وَمَن تَمَسَّكَ بِهَا فَلَهُ الطُّوبَى” (أمثال 3: 18)، “والَّذِي يَأكُلُنِي سَيَحيَا بِي” (يوحنا 6: 57)”.
“لم يَقدِرْ الرَّبَّ أَنْ يأمُرَ بِشَيءٍ أحَبَّ. فهذا هو السرُّ الذي يَصنَعُ المَحَبَّةَ والوَحدَةَ. إذ إنَّ أكبرَ دليلٍ على المَحَبَّةِ هو أن يَبذِلَ نفسَه غذاءً لنا. “أَلَم يَكُنْ أَهلُ خَيمَتِي يَقُولُونَ: مَن يَأتِي بِأَحَدٍ لَم يَشبَعْ مِن لَحمِ مَائِدَتِهِ”؟ فكأنَّه يقولُ: أَحبَبْتُهم حُبًّا شديدًا، وهم أَحبُّوني، إِلى حَدِّ أَنِّي ٱشتَهَيْتُ أَنْ أَكونَ في أَحشائِهِم، وهُم ٱشتَهَوْا أَنْ يَتَناولوني لِيَصيروا أَعضاءً مُتَجَسِّدين فِيَّ. فلم يَقدِروا أَنْ يَتَّحِدُوا بي، ولا أَنا بهم، بِصُورةٍ طَبيعيَّةٍ وحَميمَةٍ أَكثرَ مِن هذِه”.
“لم يقدِرْ الرَّبَّ أَنْ يأمُرَ بِشَيءٍ أقربَ شَبَهًا بالحياةِ الأبديَّةِ. فٱستمرارُ الحياةِ الأبديَّةِ يأتي من أنَّ اللهَ يُفِيضُ عُذوبتَهُ على مَن يَسيرون أمامَه سِيرةَ الطُّوباويِّين”.
القديس توما الأكويني الكاهن ومُعَلِّمُ الكَنيسَة (1225- 1274)
“إِنَّ مَفْعولَ الإِفخارِستِيَّا الحقيقي هو ٱرتِدادُ الإِنسانِ إِلى الله”.
“وجودُ جسدِ المسيحِ الحقيقيِّ ودمِ المسيحِ الحقيقيِّ في هذا السِّرّ، لا نُدْرِكُه البتَّة بالحواس، بل بالإيمانِ وَحْدَه المُرتَكِزِ على سُلطَةِ الله”.
الطوباويّ جان فان روسبروك (1293 – 1381)، كاهن قانونيّ
“الدليل الأوّل على الحبّ، هو أنّ يسوع أعطانا جسَدَه لنأكلَه ودمَه لنشرَبَه: هذا هو الأمر المُدهِش، الذي يتطلّب منّا إعجابًا وذهولاً. ميزةُ الحبِّ هي العطاء الدَّائِم والتلقّي الدَّائم. وحبُّ يسوع سخيٌّ وشره في نفس الوقت. فهو يُعطي كُلَّ ما لديه وكلَّ ذاتِه؛ ويأخذ كلَّ ما لدينا وكلَّ ما نحن عليه”.
“لديه جوع كبير… كلّما تركه حبُّنا يعمل، كلّما تذوّقناه أكثر. لديه جوع كبير، لا يُشبَع. يعلمُ جيّدًا أنّنا فقراء، لكنّه لا يُعير لهذا الأمر ٱنتباهًا. يجعلُ هو نفسُه خبزًا فينا، ساترًا بدايةً، في حبّه، ميولنا الشريرة وأخطاءَنا وخطايانا. ثمّ، عندما يرانا أنقياء، يصبح نَهِمًا ليأخذ حياتَنا ويحوِّلَها إلى حياتِه، حياتنا المليئة بالخطايا، حياته المليئة بالنعمة والمجد، المجهَّزة لنا، فقط عندما نكفر بذاتِنا (متى 16: 24)… كُلُّ الذينَ يُحِبُّون يفهمونني. إنّه يَهَبنا الجوع الأبديّ والعطش الأبديّ”.
“للتخلّص من هذا الجوع ومن هذا العطش، يقدِّمُ جسَدَه ودمَه طعامًا. عندما نتقبّلهما بتفانٍ داخليّ، دمه المليء بالحرارة والمجد يجري من الله إلى أوردتِنا. فتشتعِلُ النار في أعماقِنا، ويخترقُ الطَعمُ الرُّوحيّ نفسَنا وجسدَنا، وذوقَنا ورغبَتَنا. يجعلنا نتشبّه بفضائِلِه؛ يحيا فينا ونحيا فيه”.
القديس توماس كمبيس – كتاب الإقتداء بالمسيح الجزء الرابع، فصل 11 (1380- 1471)
“إِنَّ الكُتُبَ المُقَدَّسَةِ ستَكونُ مُرشِدي ومِرآةَ حياتي. ولَكِن في المَقامِ الأَوَّل، فإِنّ جَسَدَكَ المُقَدَّسِ سيَكونُ دوائي ومَلجَأي”.
“أَنا أَعلَمُ بِأَنَّني أَحتاجُ في هذا العالَمِ إلى شَيئينِ ضَروريَّين، وإِلاَّ أَمسَتْ هذِه الحياةُ البائِسَةُ لا تُطاق. أَنا بِحاجَةٍ إِلى الطَّعامِ وإِلى النُّورِ وهذا مُرتَبِطٌ بِجَسَدي وبِحاجاتِه. لهذا السَّبب، مَنَحْتَني جَسَدَكَ المُقَدَّسِ لِتَدْعَمَ جَسَدي وروحي المَريضَين، كما أَنَّ “كَلاَمُكَ سِرَاجٌ لِرِجْلِي وَنُورٌ لِسَبِيلِي” (مز119: 105). بدونِ هذِه الأَشياء، لَنْ أَعيشَ بِكَرامَةٍ لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ هي نورُ الرُّوحِ وقُربانَكَ هو خُبزُ الحَياة”.
“يُمكِنُنا أَنْ نَقولَ أَيضًا إنَّهُما طاوِلتانِ أُعِدَّتا بَينَ كُنوزِ الكَنيسَةِ المُقَدَّسَة: الأولى هي طاوِلَةُ المَذبَحِ الَّتي تَحمِلُ الخُبزَ المُقَدَّسَ، أَي جَسَدَ يَسوعَ المَسيحِ الثَّمين. والثَّانيةُ هي طاولَةُ الشَّريعَةِ الإلهِيَّةِ الَّتي تَضُمُّ العَقيدَةَ الأَبَدِيَّة، تلكَ العَقيدَةُ الَّتي تُعَلِّمُ الإِيمانَ الحَقيقِيَّ وتَقودُ بِثَباتٍ إِلى راحَةِ الله”.
“أَنا أشكُرُكَ، يا خالِقَ البَشَرِ ومُخَلِّصَهم، أَنتَ الَّذي أَعدَدتَ لنا هذِه الوليمةَ العَظيمةَ لِتُظْهِرَ مَحَبَّتَكَ للعالَمِ أَجمَع، وأَعطَيتنا كَغِذاءٍ ليسَ رَمزَ الحَمَلِ الوديع، ولَكِن حَقيقَةَ جَسَدِكَ ودَمِكَ. هذه هي الوليمةُ المُقَدَّسَةُ حَيثُ يَشرَبُ جَميعُ المُؤمنينَ بفرحٍ عَظيمٍ من كأسِ الخلاصِ الَّذي يَضُمُّ كُلَّ أَفراحِ الجَنَّة”.
في التناول الرُّوحي للقديسة تريزا الأفيليّة البتول ومُعَلِّمَةُ الكَينسَة (1515- 1582)
“عندما لا تَستَطيعونَ أَنْ تَتَناولوا القُربانَ في القُدِّاسِ الَّذي تَشترِكونَ بِهِ، تَناولوا روحِيًّا؛ إِنَّ في ذلكَ لَطَريقَةٍ بالغةِ المنفَعَةِ (…)، إِنَّكُم تَطبَعونَ بهكذا في ذواتِكُم حُبًّا أَعمَقَ لِرَبِّنا”.
“عِندَما كانَ الرَّبُّ يَسوعَ في هذا العالَم، كانَ المَرضى يُشفَونَ بِمُجَرَّدِ لِمْسِهِم لِهُدُبِ رِدائِه. لماذا نَشُكّ، إِنْ كانَ لنا الإِيمان، في أَنَّه سوفَ يَجْتَرِحُ المُعجزاتِ عِندَما يَكونُ مُتَّحِدًا بِنا بِشَكْلٍ حَميمٍ في سِرِّ الإِفخارستيّا؟ لماذا لا يُعطينا ما نَطْلُبُه مِنه طالَما أَنَّه في مَنزِلِه؟ لَمْ يَعتَدْ جلالَتُه على أَن يَزدري حُسْنَ الضِّيافَةِ الَّتي نَلقاهُ بِها في نُفوسِنا. إِنْ كُنتُم تَتَأَسَّفونَ لِعَدَمِ رُؤيَتِهِ بِعينِ الجَسَد، ٱعتَبِروا أَنَّ ذلِكَ لا يُناسِبُكُم”.
“حالَما يُلاحِظُ ربَّنا أَنَّ نَفْسًا ما ستَستَفيدُ من حُضورِه “في الإِفخارستيا”، يَكْشِفُ ذاتَه لها. لَن تَراهُ طَبعًا بِالعَينِ المُجَرَّدَة، لَكِن سيَظْهَرُ لها بِمَشاعِرٍ داخِلِيَّةٍ عَظيمَةٍ أَو بِسُبُلٍ أُخرى. فلتكونوا معه إِذًا بِقَلبٍ مُحِبّ. لا تُفَوِّتوا الفُرصَةَ المُؤاتِيَةَ جِدًّا لِتَلبِيَةِ طَلَباتِكُم أَعني بِها الوَقتَ الّذي يَلي تَقَدُّمِنا مِنَ المُناوَلَة”.
الكاهِن هيرونيموس نادال (1507- 1580)
“واظِبْ على فَهْمِ ماهِيَّةِ الصَّلاةِ والذَّبيحَةِ وكيفِيَّةِ التَّرابُطِ بينَهُما: فالرُّوحُ يُساعِدُكَ لتُصلِّي، ويَطْلُبُ مِن أَجلِكَ، والمَسيحُ يُقَرِّبُ عَنكَ. فإِنْ لم نُقَرِّبَ القَرابينَ بٱستحقاقاتِ المَسيح، فلا نُقَرِّبُ شيئًا. فذَبيحَتُه، ولا ذبيحةَ غيرَها، كانت مرضِيَّةً عِندَ الله، وبوساطتِها صارَتْ الذَّبائِحُ الأُخرى مَقبولَةً. قُم بتأَمُّلاتٍ طويلَةٍ في هذا الموضوع”.
القديس يوحنا فيانيه الكاهن (1786- 1859)
“كانَ بمَقْدورِ اللهِ أَنْ يُعطينا خَيرًا أَعظَمَ مِمَّا أَعطانا، لو كان لدَيهِ خَيرٌ أَعظَمُ مِنْ ذاتِهِ يُعطينا إِيَّاه”.
القديس يوحنا أنطون فارينا (1803-1888)
“تَعالَوا إِلى تَناوِلِ القُربان، إِلى التَّناوُلِ اليَومي. فَفي الإِفخارستيا طاقَةُ بَذْلٍ وعَطاء، بلا حدودٍ إِلى دَرَجَةِ البُطولَةِ في المَحَبَّة”.
الطوباوي بولس السادس البابا (1897- 1978)
“بواسطة التناول المتواتر أو اليوميّ، تصبح الحياة الروحيّة أكثر مِلئًا بالحيويّة، تغتني النفس بفيض أكبر من الفضائل ويُعطى ذاك الّذي يتناول ضمانًا أثبت من السَّعادة الأبديّة”.
“بذات الطريقة الّذي يعمل الغذاء المادّي على نموّ الجسد، تزيد الإفخارستيّا المقدّسة القداسة والشركة مع الرَّبّ “بحيثُ أنَّ المشاركة في جَسَدِ ودمِ المسيح لا يعمل أي شيء آخر سوى تحويلنا إلى ما نحن نتناوله”.
“إِنَّ القدَّاس الذي يحتفلُ به كاهِنٌ على ٱنفراد، ليس قُدًّاسًا فردِيًّا، ولكنه عَمَلُ المسيحِ والكنيسة. والكنيسة تُقدِّمُ ذاتَها، في الذَّبيحةِ الَّتي تُقدِّمُها، ذبيحةً شامِلة، وتَجعَلُ قُوَّةَ الذَّبيحَةِ الفِدائيَّةِ الواحِدَةِ وغيرِ المتناهِيَةِ الَّتي قَدَّمَها الفادي على الصَّليب، تَجعَلُها في سبيلِ خلاصِ العالمِ كُلِّه… ولهذا فَنَحنُ نُحَرِّضُ، بإِلحاحٍ أَبويّ، الكهنَةَ الَّذينَ هُم في الرَّبِّ فرَحَنا وإِكليلَنا… أَنْ يُقيموا القُدَّاسَ كُلَّ يوم، بِكُلِّ تَوقيرٍ وتَقوى”. “سر الإيمان”.
القدّيس خوسيه ماريّا إسكريفا (1902- 1975)
“إعمل على زيادة إيمانك في سرّ الإفخارستيّا المقدّس. عَبِّر عن ٱندهاشِك أمام تلك الحقيقة الّتي لا توصف: وجودُ الرَّبّ معنا، وإمكانيّة تناوله كلَّ يوم، وإن أردنا ذلك، التحدّث معه بشكلٍ حميم، كما يتحدّث الفرد مع أخٍ له، وكما يتحدّث مع أبيه، وكما يتحدّث مع محبوبه”.
القديسة فوستينا كوالسكا (1905 – 1938)
“أَيَّتُها القُربانَةُ الحَيَّة، قُوَّتي الوَحيدَة، يا نَبْعَ المَحَبَّةِ والرَّحمَة، عانِقي العالَمَ أَجمَع، وشَدِّدي النُّفوسَ الَّتي تَرزحُ وتُحبَط”.
الطوباوية الأُم تريزا دي كلكُتَّا (1910- 1997)
“يَجِبُ أَنْ تدورَ حياتُنا حَوْلَ الإِفخارِستِيَّا. حَوِّلوا عيونَكُم صَوْبَه. هوَ النُّور. ضَعوا قلوبَكُم بِجانِبِ قلبِهِ الأَقدَسْ، أُطْلُبوا مِنهُ نِعمةَ معرِفَتِه، والمحبَّةَ لِكي تُحِبُّوهُ، والشَّجاعَةَ لِكي تَخْدُموهُ، وٱبحَثوا عَنهُ بِشَوْقٍ كبيرٍ”.
“إِنَّ القُربانَ الأَقدَسِ هو غِذائي الرُّوحي الَّذي يُبْقيني على الحياة. فبدونِه لَما كُنتُ أَستَطيعُ أَنْ أَصمُدَ يومًا واحِدًا ولا ساعَةً واحِدَةً من حياتي”.
الطوباوي الرِّيدِي رئيسُ الدَّير
“ولهذا إنْ أَحبَّ الإنسانُ نَفْسَه فلا يُفسِدْها بِمُتْعَةِ الجَسَد. وحتَّى لا يُصابَ بِفَسادِ شَهوَةِ الجَسَدِ لِيوَجِّهْ كُلَّ حُبِّه إِلى عُذوبَةِ جَسَدِ الرَّبِّ في سِرِّ القُربان. وحتَّى تَزدادَ مَحَبَّتُه الأَخَوِيَّةُ كَمالاً وعُذوبَةً، لِيَفتَحْ ذِراعَيْه ويُعانِقْ أَعداءَه بِمَحَبَّةٍ حَقيقِيَّة. وحتَّى لا تَفتُرَ هذِه النَّارُ الإلهيّةُ (المَحَبَّة) بِسَبَبِ المَظالِمِ الَّتي يَتَعَرَّضُ لها، لِيَنظُرْ دائِمًا بِعَقلِه وقَلبِه إِلى صَبرِ المُخَلِّصِ وصَفائِه”.
الأب يوسف دوسِّتِّي (1913- 1996)
“فَلْتَمتَلأْ عينايَ من المسيحِ المصلوبِ والإِفخارستيّ، بحيثُ لا أَرى سِواه شَيئًا آخَر”.
البابا بندكتوس السادِس عَشَر (1926…)
“كيفَ يستطيعُ يسوع أَنْ يُعطيَ جَسَدَه ودَمَه؟ عِندما يُحَوِّلُ الخُبْزَ إِلى جَسَدِهِ والخَمْرَ إِلى دَمِه، يَستَبِقُ الرَّبُّ موتَه، ويَقبَلُه بداخِلِه ويُحَوِّلُه إِلى فِعْلِ حُبٍّ وعطاء. فما يَظْهَرُ خارِجيًّا أَنَّه وليدُ عُنْفٍ ما – الصَّلْبْ – يَتَحَوَّلُ داخِليًّا إِلى فِعْلِ حُبٍّ يُعطي الرَّبُّ فيه ذاتَه على الصَّليبِ كُلِّيَّةً للآخَرين”.
“اجعلنا يا ربّ، نحن المسيحيّين اليوم أن نعيَ أهميّة الاحتفال بيوم الأحد وأن نعرفَ كيفَ ننتقي من المشاركة في الإفخارستيا الخطوة اللازمة لالتزامٍ جديد في التبشير بالمسيح “سلامنا” (أف 2: 14).
الإِفخارِستيَّا في التعليمِ المسيحي الكاثوليكي للشَّبيبَة (ص 122)
“إِنَّ الإفخارِستِيَّا المُقدَّسَةَ هي السِّرُّ الذي بواسِطَتِهِ سَلَّمَنا يسوعُ جَسَدَه ودَمَه، أَي ذاتَه، لِكي نَبْذُلَ نحنُ بدَوْرِنا ذواتَنا لَهُ عن حُبّ، ونَتَّحِدَ بِهِ بالتَّناوُلِ المُقدَّس. بِهذا السِّرِّ نَتَّحِدُ بِجَسَدِ المسيح، الذي هو الكنيسة”.
التعليمِ المسيحي للكنيسةِ الكاثوليكية (رقم 1419)
“عِندَما ٱنتَقَلَ المسيحُ مِن هذا العالَمِ إِلى أَبيه، تَرَكَ لنا الإِفخارِستِيَّا عُربونَ المَجْدِ لَدَيه: فالإِشتِراكُ في الذَّبيحَةِ المُقدَّسَةِ يَجْعَلُنا في شِبْهِ قلبِه، ويُسْنِدُ قِوانا في دروبِ هذه الحياة، ويُشَوِّقُنا إِلى الحياةِ الأَبَدِيَّة، ويَضُمُّنا مَنذُ الآن إِلى كنيسةِ السَّماءِ والقديسةِ العذراءِ وجَميعِ القِدِّيسين”.
البابا فرنسيس (1936…)
“أَمَّا الإِفخارستيا، وإنْ كانت تُشَكِّلُ كمالَ الحياةِ الأَسراريّة، فهي ليست مُكافأةً مُخصَّصَةً للكاملين، بل إِنَّها دواءٌ سخيٌّ وغذاءٌ للضُّعَفاء”.
…………………
من كتاب الدفاعِ الأول الموجه إلى المسيحيين للقديس يوستينوس الشهيد (100- 165)
(فصل 66- 67: PG 6، 427- 431)
الإِحتفال بالإِفخارستيا
لا يجوزُ لأَحدٍ الإِشتراكُ في الإِفخارستيا، ما لم يؤمِنْ أنَّ ما نُعلِّمُه هو حقٌّ. وما لم يغتسِلْ بغُسلِ الولادةِ الثانيةِ لمغفرةِ الخطايا، فينالَ بذلك الحياةَ، كما قالَ يسوعُ المسيح.
ونحنُ لا نتناولُ هذه الأُمورَ كما نأخذُ الخبزَ العادِيَّ أو الشرابَ العاديَّ. نحن نؤمنُ أنَّ يسوعَ المسيحَ مخلِّصَنا صارَ بقوِّةِ الكلمةِ بَشرًا، إنسانًا من جسدٍ ودمٍ، من أجلِ خلاصِنا. وقد تَعَلَّمْنا أيضًا أنَّ الغِذاءَ الَّذي نصلِّي عليه بالصلاةِ المتضمِّنةِ كلامَ يسوعَ نفسَه، ونرفعُ الشكرَ فيها إلى الله، إنّما هو غِذاءٌ يتحوَّلُ إلى دمِنا وجسدِنا، وهو جسدُ ودمُ يسوعَ نفسِه الذي صارَ إنسانًا.
لأنَّ الرُّسلَ قالوا، في كرازتِهم التي نسمِّيها الأناجيل، إنَّ يسوعَ أوصاهم بذلك: أي إِنَّه أَخَذَ خبزًا وشَكَرَ وقال: إِصنَعُوا هذا لذكري. هذا هو جسدي. وكذلك أخذَ الكأسَ وشَكَرَ وقال: هذا هو دَمي. وقد سَلَّمَ هذا التعليمَ لهم وحدَهم. ومنذ ذلك الوقتِ، نحن نُحيِي هذه الذكرى دائمًا فيما بينَنا. نجتمعُ معًا ونساعدُ المحتاجين، ونحن دائمًا واحد. وفي جميعِ القرابينِ الَّتي نُقَرِّبُها نسبِّحُ خالقَ الكُلِّ بٱبنِه يسوعَ المسيحِ وبالرُّوحِ القُدُس.
وفي يومِ الشمسِ، كما يُقال، يجتمعُ الجميع، ساكنُو المدنِ أو القرى، في مكانٍ واحد، فيَقرؤُون كرازةَ الرُّسلِ أو كتاباتِ الأنبياء، بقدرِ ما يَسمَحُ الوقتُ بذلك.
ثُمَّ عندما يتوقَّفُ القارئ، يوجِّهُ المترئِّسُ بعضَ كلماتِ الحثِّ والإرشادِ للتمثُّلِ بهذه الأُمورِ العظيمة.
ثُمَّ نَقِفُ جَميعًا ونَرفَعُ الصَّلوات. وكما قُلْنا، عندما نتوقَّفُ عن الصَّلاةِ يُحضَرُ الخبزُ والخمرُ والماء. فيرسِلُ المترئِّسُ بحرارةٍ صلاةَ الإِبتهالِ والشُّكرِ، فيهتِفُ الشَّعب: آمين. وما تمَّتْ عليه صلاةُ الشُّكرِ يُوزَّعُ على كُلِّ واحدٍ من الحاضرين، ويُرسَلُ إلى الغائبين بوساطةِ الشمامسة.
والمُقتدرونَ الذينَ يُريدونَ أَنْ يُعطُوا من مالِهم يُعطُون، كُلُّ واحدٍ بحسبِ ما يُريدُ. ثُمَّ يُجمَعُ ذلك عند المترئِّسِ، وهو يقومُ بالعنايةِ بالأيتامِ والأراملِ أو المحتاجين بسبب المرضِ أو أيِّ سببٍ آخَرَ، ولِمَن هُم في السجونِ أيضًا وللغرباءِ الضيوف. وبكلمةٍ واحدةٍ يهتمُّ برعايةِ جميعِ المحتاجين.
ففي يومِ الشمسِ نجتمعُ كلُّنا، إِمَّا لأَنَّه اليومُ الأوّل، الَّذي خَلقَ اللهُ فيه العالمَ وحوَّلَ المادّةَ والظَّلام، وإِمَّا لأَنَّ يسوعَ المسيحَ مُخلِّصَنا قامَ في مثلِ هذا اليومِ من بينِ الأموات. فقد صلبوه في اليوم السابقِ ليومِ ساتورنس (أي يومِ السبت)، وبعد ثلاثةِ أيّامٍ من ذلك، أعني يومَ الشمس (أي يوم الأحد)، عَلَّمَ بصورةٍ مَرئيّةٍ رُسُلَهُ وتلاميذَه الأُمورَ الَّتي تَسلَّمْناها لِنُعلِّمَكم إِيَّاها.
…………………
الإفخارستيا القديس هيلاريوس الأُسقُف
من مؤلفات القديس هيلاريوس أسقف بواتييه ومعلم الكنيسة (315- 367) في الثالوث الأقدس
(الكتاب 8، 13- 16:PL 10، 246- 249)
وَحدة المؤمنين في الله تتم بتَجسُّدِ الكلمة وبِسِرِّ الإفخارستيا
حقًّا “الكَلِمَةُ صَارَ بَشَرًا” (يوحنا 1: 14)، وحقًّا نَحنُ نَتَناوَلُ جَسَدَ الكَلِمَةِ على مائِدَةِ الرَّبّ. فكيفَ لا نقولُ إنَّه مُقيمٌ فينا بِحُكمِ الطَّبيعة؟ فقد وُلِدَ إنسانًا مُتَّخِذًا طَبيعتَنا البَشَرِيَّةَ بِصورَةٍ نِهائِيَّةٍ ودائِمةٍ. وجَمَعَ طبيعتَه البَشَرِيَّةَ إلى طبيعتِه الأزليَّةِ في السِّرِّ الَّذي نَتَناوَلُ فيه جَسَدَه. ولهذا فنحن جميعًا واحدٌ، لأنَّ الآبَ في المسيح، والمسيحَ فينا. هو فينا بِجَسَدِه، ونَحن فيه، بِما أنَّ الَّذي فينا (أي طبيعتَنا البشريَّةَ) هو فيه وفي الله.
وهو يُبَيِّنُ كيفَ نكونُ نحنُ فيه بِسِرِّ تَناولِ جَسَدِه ودَمِه حينَ يقول: “بَعدَ قَليلٍ لن يراني العالم، أمَّا أنتم فسترَوْنني لأنّي حيٌّ، ولأنّكم أنتم أيضًا ستحيَوْن. لأنّي في أبِي وأنتم فيَّ وأنا فيكم” (يوحنا 14: 19- 20). لو أرادَ أن يُشيرَ بهذا الكلامِ إلى وَحدةِ الإرادةِ فقط لَمَا لجأَ إلى التدرُّجِ والترتيبِ في تعبيِره عن تتميمِ الوَحدة. فهو والآبُ واحدٌ بحكمِ الطبيعةِ الإلهيَّةِ. وأمَّا معَنا فهو واحدٌ بحكمِ الولادَةِ الجَسَدِيَّةِ. ويَجِبُ أَنْ نؤمِنَ بِسِرِّ وَحدتِه فينا بِطَريقةٍ أخرى بِسِرِّ الإِفخارستيا. ولهذا نُعلِّمُ أنَّ الوَحدةَ الكاملةَ تَتِمُّ عن طريقِه كوسيطٍ بينَ اللهِ والناسِ (1طيم 2: 5): فنحن نقيمُ فيه، وهو يقيمُ في الآب، وإذ يُقيمُ في الآبِ فهو يبقى مُقيمًا فينا أيضًا. وهكذا نتقدَّمُ نحن إلى الوَحدةِ مع الآب، لأنَّنا نحن فيه بحكم الولادةِ الطبيعيَّةِ، وهو بحكمِ الطبيعةِ نفسها مقيمٌ فينا.
وكَيفَ تكونُ هذه الوَحدةُ فينا طبيعيَّةً، فهو يُبَيِّنُ ذلك بقولِه: “مَن أكَلَ جَسَدِي وَشَرِبَ دَمِي ثَبَتَ فِيَّ وَثَبَتُّ فِيهِ” (يوحنا 6: 56). لن يكونَ أيُّ واحدٍ فيه، ما لم يكُنْ هو (أي المسيحُ) فيه مِن قبلُ. سيكونُ فقط في مَن يتناولُ جَسَدَه.
وقد علَّمَ في كلامٍ سابقٍ سرَّ هذه الوَحدةِ الكاملةِ لمّا قال:”كَمَا أنَّ الآبَ الحَيَّ أرسَلَنِي، وَأنِّي أحيَا بِالآب، فَكَذَلِكَ الَّذِي يَأكُلُنِي سَيَحيَا بِي” (يوحنا 6: 57). فهو يحَيا إذًا بالآب. وكما يَحيا بالآبِ كذلك نحن نَحيا بجسدِه.
كلُّ هذا التَّشبيهِ يُساعِدُنا على فهمِ السِّرِّ، فنفهمُ ما يَجرِي فينا عن طريقِ المثالِ المُقَدَّمِ لنا. هذا هو مَصدرُ الحياةِ فينا: أنَّ المَسيحَ يُقيمُ فينا نَحنُ الجَسَدِيِّين بِحَسَبِ الجَسَد. وسنَحيَا فيه كمِثلِ ما يَحيَا هو بالآب.
…………………
الإفخارِستِيَّا في قول القديس إفرام السرياني
“دعا الخبز جسده الحيّ، وملأه من ذاتِه ومن روحه (…). فمَن يأكله بإيمان إنَّما يأكل النار والروح (…) خذوا، كلوا منه كلّكم وكلوا معه الروح القدس. ذلك حقّاً هو جسدي، فمن يأكل منه يحي إلى الأبد” (27).
…………………
الإفخارستيا في كتابات هيرونيموس نادال (1507- 1580)
“واظِبْ على فَهْمِ ماهِيَّةِ الصَّلاةِ والذَّبيحَةِ وكيفِيَّةِ التَّرابُطِ بينَهُما: فالرُّوحُ يُساعِدُكَ لتُصلِّي، ويَطْلُبُ مِن أَجلِكَ، والمَسيحُ يُقَرِّبُ عَنكَ. فإِنْ لم نُقَرِّبَ القَرابينَ بٱستحقاقاتِ المَسيح، فلا نُقَرِّبُ شيئًا. فذَبيحَتُه، ولا ذبيحةَ غيرَها، كانت مرضِيَّةً عِندَ الله، وبوساطتِها صارَتْ الذَّبائِحُ الأُخرى مَقبولَةً. قُم بتأَمُّلاتٍ طويلَةٍ في هذا الموضوع”.
…………………
الإفخارستيا في قول القدّيس خوسيه ماريّا إسكريفا (1902- 1975)
“إعمل على زيادة إيمانك في سرّ الإفخارستيّا المقدّس. عَبِّر عن ٱندهاشِك أمام تلك الحقيقة الّتي لا توصف: وجودُ الرَّبّ معنا، وإمكانيّة تناوله كلَّ يوم، وإن أردنا ذلك، التحدّث معه بشكلٍ حميم، كما يتحدّث الفرد مع أخٍ له، وكما يتحدّث مع أبيه، وكما يتحدّث مع محبوبه”.
…………………
الإفخارستيا في كتابات القديس أمبروزيوس الأسقف في الأسرار
سر الإفخارستيا للمعمَّدين جديدا
الشعبُ المطهَّرُ بالمعموديةِ والغنيُّ بآياتِ الرَّبِّ يتقدّمُ إلى مذبحِ المسيحِ قائلا: “أدخُلُ إلى مَذبَحِ الله، إلى إلَهِ فَرَحِي وَٱبتِهَاجِي” (مزمور42: 4). وضعَ عنه ملابسَ الضلالِ القديم، وتجدَّدَ شبابُه مثلَ النَّسرِ (مزمور 102: 5)، فأسرعَ إلى الوليمةِ السماوية. جاءَ ورأى المذبحَ المقدَّسَ مُعَدًّا فهتفَ: “أعددْتَ لي مائدةً” (مزمور 22: 5). وقالَ داودُ أيضًا في هذه الوليمة: “الرَّبُّ رَاعِيَّ فَمَا مِن شَيءٍ يُعوِزُني. في مَرَاعٍ نَضِيرَةٍ يُرِيحُنِي. مِيَاهَ الرَّاحَةِ يُورِدُنِي”. ثم قال: “إني وَلَو سِرْتُ في وَادِي الظُّلُمَاتِ، لا أخَافُ سُوءًا لأنَّكَ مَعِي. عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ يُسَكِّنَانِ رَوعِي. تُعِدُّ مَائِدَةً أمَامِي تَجَاهَ مُضَايِقِيّ،َ وَبِالزَّيتِ تُطَيِّبُ رَأسِي فَتَفِيضُ كَأسِي” (مزمور 22: 1-5).
صنعَ الله عجائبَ مع آبائِنا، فأرسلَ لهم المنّ. وكانوا يأكلون في كلِّ يوم من هذا الطعامِ السماوي. ولهذا قيل: “أكلَ الإنسانُ خبزَ الملائكة” (مزمور 77: 25). أكلوا من ذلك الخبز، ومع ذلك ماتوا جميعًا في البرية. وأما هذا الطعامُ الذي تتناولُه فهو الخبزُ الحيُّ النازلُ من السَّماء (يوحنا 6: 51)، الخبزُ الذي يمنحُ جوهرَ الحياةِ الأبدية. وكلُّ من أكلَه لا يموتُ إلى الأبد (يوحنا11: 26)، لأنّه جسدُ المسيح.
وفكِّرْ الآن، ما هو الأفضلُ والأكرم؟ خبزُ الملائكةِ أم جسدُ المسيح الذي هو خبزُ الحياة. ذلك من السَّماء، وهذا ممّا فوقَ السماء. ذلك من السماء، وهذا من ربِّ السماوات. ذاك كانَ يَفسُدُ إذا حُفِظَ ليومٍ آخَر، وهذا لا ينالُه الفسادُ على الإطلاق، ومن أكلَه بورعٍ وتقوى فإنه لا يرى الفسادَ أبدًا. لهؤلاء أخرجَ من الصخرةِ ماءً، ولكَ قدَّمَ دمَ المسيح. هم أرواهم مؤقّتًا بالماء، وأنتَ قدّمَ لك دمَ المسيحِ شرابًا للحياةِ الأبدية. شربَ اليهودُ ثم عطشوا، وأما أنت فتشربُ ولا تعطشُ أبدًا. هم كانوا في الظلِّ والرموز، وأما أنتَ ففي الحقيقة.
إن كان الظلُّ يُدهِشُكَ، فكم هو عظيمٌ ذاك الذي يُدهِشُكَ ظلُّهُ ورمزُه. ما صنعَه اللهُ لآبائِنا كانَ ظلا ورمزًا. قال: “كَانُوا يَشرَبُونَ مِن صَخرَةٍ رُوحِيَّةٍ تَتْبَعُهُم، وَهَذِهِ الصَّخرَةُ هِيَ المَسِيحُ. وَمَعَ هَذَا فَإنَّ الله لمَ يَرْضَ عَن أكثَرِهِم، فَسَقَطُوا صَرْعَى في البَرِّيَّةِ. وَقَد حَدَثَ ذَلِكَ كُلُّهُ لِيَكُونَ لَنَا صُورَةً” (1 قورنتس 10: 4-6). عرفْتَ الآن ما هو الأفضَلُ والأَكرم: النُّورُ أَفضَلُ من الظِّلّ، والحقيقةُ أَفضَلُ من الرَّمز، وجَسَدُ مبدعِ كلِّ شيء أفضَلُ وأَكرَمُ من المَنِّ النازلِ مِنَ السَّماء.
…………………
من كتابات القديس إيرناوس الأسقف في الرد على الهراطقة
(الكتاب 4و18، 1-2و4و5 : SC100، 596-598و606و610-612)
ذبيحةُ الكنيسةِ ذبيحةٌ طاهرةٌ ومَرضيَّةٌ أمامَ الله
إنَّ ذبيحةَ الكنيسةِ التي علَّمَنا الرَّبُّ أن نُقَدِّمَها له في العالمِ كُلِّه، هي ذبيحةٌ طاهِرةٌ ومَرضِيَّةٌ أمامَ الله. ليس أنّه بحاجةٍ إلى ذبيحةٍ منّا، إِلاَّ أنَّ مُقَدِّمَ الذَّبيحةِ هو نفسُه يُمَجَّدُ بما يُقِدِّمُ، إذا ما كانت تَقْدِمَتُه مَقبولة. بهذه القرابين نُظْهِرُ إكرامنَا ومحبَّتَنا لله ملكِنا. وهو يُريدُ أن نُقَرِّبَها ببساطةٍ ونَقاوةٍ ولهذا يقولُ لنا: “إذَا كُنْتَ تُقَرِّبُ قُربَانَكَ إلى المَذبَحِ وَذَكَرْتَ هُنَاكَ أنَّ لأخِيكَ عَلَيكَ شَيئًا، فَدَعْ قُربَانَكَ هُنَاكَ عِندَ المَذبَحِ وَٱذْهَبْ أوَّلا فَصَالِحْ أخَاكَ، ثُمَّ عُدْ فَقَرِّبْ قُرْبَانَكَ” (متى 5 :23-24). يجبُ أن نُقَدِّمَ للهِ بواكيرَ خلائِقِه، كما يقولُ موسى النبي: “لن تَحضُرَ أمامَ الرَّبِّ إلهِكَ بأيدٍ فارِغَة” (خروج 23: 15). هكذا يعبِّرُ الإنسانُ لله عن شكرِه للخيراتِ التي منحَه إيّاها، فينالُ الكرامةَ التي تأتي من الله.
الذَّبائحُ باقيةٌ مدى العصور لم تنقطعْ يومًا. كانَت تُقَدَّمُ في الماضي، وما زالت تُقَدَّمُ اليومَ أيضًا. كانت تُقَدَّمُ الذَّبائحُ من أجلِ الشَّعبِ، واليومَ تُقَدِّمُها الكنيسة. إلاَّ أنَّ النَّوعَ تَغَيَّرَ. لأنَّ مُقَدِّمِي الذَّبيحةِ اليومَ ليسوا عبيدًا بل هم أحرار. الرَّبُّ هو اللهُ الأَحدُ نفسُه. ولكن لذبيحةِ العبيدِ سمةٌ ولذبيحةِ الأحرارِ سمةٌ، وتَظهرُ في الذَّبائحِ سمةُ الحُرِّيَّة. كلُّ شيءٍ أمامَ اللهِ له معناه ومُؤدّاه: لا شيءَ أمامَه من غيرِ فائدة. كانوا في الزَّمنِ الماضي يُقَدِّسونَ عُشرَ أَموالِهم، وأمّا الَّذينَ نالوا الحُرِّيَّة فإنَّهم يُخصِّصونَ كُلَّ ما هو لهم لخدمةِ الرَّبِّ، ويُقَدِّمونَه بفَرَحٍ وسَخاء، يُقَدِّمونَ كُلَّ شيء، وليس فقط القليلَ ممّا يملِكون، لأنَّهم يَرْجُون ما هو أفضلُ وأثمن، مثلَ الأرملةِ الفقيرةِ التي ألقَتْ كلَّ معيشتِها في خزانةِ الله.
يجبُ إذًا أن نُقَـدِّمَ القرابِينَ أمـامَ الله، وأن نكونَ في كلِّ شـيءٍ شاكرين للهِ صانِعِنا. يَجِبُ أن نُقَرِّبَ له بواكيرَ خلائِقِه، بِنِيَّةٍ صافيةٍ وإِيمانٍ لا مُراءاةَ فيه، وبِرَجاءٍ ثابِتٍ، ومَحبَّةٍ مُتَّقِدَة. والكنيسةُ وَحْدَها هي الَّتي تَقْدِرُ أن تُقَدِّمَ هذه التَّقدِمَةَ النَّقيّةَ للهِ الخالِقِ، فتُقَدِّمَ له مِمَّا هو له وتَشْكُرَه على نِعَمِه.
نُقَدِّمُ له مِمَّا هو له، ونَعِظُ بالوَحدةِ والشَّرِكةِ، ونَعتَرِفُ بقيامةِ الجَسَدِ والرُّوح. فكما أنَّ الخُبزَ الأرضيَّ، لا يبقى بعدَ الإِبتهالِ إلى اللهِ والصَّلاةِ عليه خُبزًا عادِيًّا، بل يَصيرُ إفخارستيا، ويَصيرُ مُركَّبًا مِن عُنصُرَيْن، أَحدُهما أَرضيٌّ والثَّاني سَماويّ، كذلِكَ أَجسادُنا، لا تبقى بعدَ أن تَتَغَذَّى بالإفخارستيا مُعَرَّضَةً للفَسادِ فقط، بل يُحيِيها رجاءُ القيامةِ أيضًا.
…………………
الإفخارِستِيَّا في قول القديس يوحنا الذهبيُّ الفم
“إنّا نقدّم دائماً الحمل نفسه، لا حملاً اليوم وحملاً آخر في الغد، بل دائماً الحمل نفسه. لهذا السبب، ليس هناك دائماً إلاّ ذبيحة واحدة (…). والآن أيضاً، نقدّم الضحيّة التي قُدّمت قبلاً والتي لن تُستنفد أبداً” (15).
“ما هو إذاً هذا الخبز؟ إنه جسد المسيح. ماذا يصبح الذين يتناولونه؟ جسد المسيح: لا عدّة أجساد، بل جسدٌ واحد. لمّا كان الخبز واحداً أحداً، مع كونه مؤلّفاً من بذرات عديدة كائنةٍ فيه مع أنّا لا نراها، وقد ٱختفت فوارقها بسبب ٱندماجها الكامِل بعضها مع بعض، كذلك نحن، بالطريقة نفسها، متّحدون بعضنا ببعض، وكلّنا متّحدون معاً بالمسيح” (42).
كان يحرّض المؤمنين، بكلّ ما أوتى من قوّة بلاغة، قائلاً: “وأنا أيضاً، أرفع الصوت وأضرع وأصلّي وأتوسّل إليكم ألاّ تقتربوا من هذه المائدة المقدسة بضمير ملطخ فاسد. لأن مثل هذا الوضع لن يُسمى البتّة مناولةً، حتى ولو تناولنا ألف مرة جسد الربّ، بل بالأحرى يسمّى دينونة وعذاباً ومزيداً من العقوبات” (73).
…………………
الإفخارستيا والقدّيس خوسيه ماريا إسكريفا دي بالاغير (1902 – 1975)، كاهن ومؤسّس
“يجب العيش مع الرّبِّ يسوع المسيح، في الكلمة وفي الخبز، في الإفخارستيا وفي الصلاة. ومُعاشَرَتِه كما نُعاشر صديقًا، كائنًا واقعيًّا وحيًّا كما هو المسيح، بما أنّه قائم من الموت… الرَّبُّ يسوع المسيح، المسيحُ القائمُ من الموت، إنّه الزَّميل، إنّه الصَّديق”.
…………………
الإفخارستيا والقديس مكسيموس المعترف
“قِمَّةُ التَّدبيرِ الإِلهي هو الإِفخارستِيَّا”.
(القديس مكسيموس المعترِف ورئيس الرهبان 580- 662)
…………………
الإفخارستيا والقديس ألفونس دي ليغوري الأُسقُف ومعلِّمُ الكنيسة (1696- 1787)
“الأَصدقاءُ يَشعُرونَ بِكَثيرٍ مِنَ الفَرَحِ عِندَما يَبقونَ مَعًا، وعِندَما يَقضونَ فيما بَينَهُم أَيَّامًا بأَكمَلِها. بينَما مَن لا يُحب يسوعَ القُرباني يَتضايَق بِحُضورِه، والقِدِّيسينَ وجدوا الفِردوسَ أَمامَ القُربانِ المُقَدَّس”.
…………………
الإفخارستيا والقديس كولومبانس رئيس الدير (563- 615)
“أُنظروا مِن أَينَ يَتَدَفَّقُ هذا اليَنبوع: يَأتي مِن حيثُ يَنزِلُ الخُبزُ. لأَنَّ الخُبزَ واليَنبوعَ هو نَفْسُه الإِبنُ الوَحيدُ، ربُّنا وإِلهُنا يسوعُ المسيح. وهو الَّذي يَجِبُ أَنْ نَجوعَ إِليه دائِمًا. ومَعَ أَنَّنا نَأْكُلُه إِذا أَحبَبْنَاه، ونَقبَلُه في نُفوسِنا إِذا رَغِبْنا فيه، يَجِبُ أَنْ نَبقى جائِعين إِليه فَنَبقى راغِبينَ فيه. هو اليَنبوعُ، فَلْنَشرَبْ مِنه بِمَحَبَّتِنا الفائِضَةِ، لِنَشْرَبْ مِنه بِرَغْبَتِنا الشَّديدَةِ إِليه. ولْنَتَمَتَّعْ بِعُذوبَةِ حلاوتِه”.
(القديس كولومبانس رئيس الدير 563- 615)
“عَذْبٌ وطَيِّبٌ هو الرَّبُّ. كُلَّما أَكَلْنا وشَرِبْنا، لِنَزْدَدْ دائِمًا جوعًا وعَطَشًا إِليه، لأَنَّه طَعامُنا وشَرابُنا، ولا يُمكِنُ أَنْ نَأْخُذَه أَو أَنْ نَشْرَبَه كُلَّه مَرَّةً واحِدَة. يُؤخذُ ولا يَنْفَدُ، ويُشْرَبُ مِنه ولا يَجِفُّ، لأَنَّ خُبزَنا أَبَدِيٌّ ويَنبوعَنا دائِمٌ، لأَنَّ يَنبوعَنا عَذْبٌ. ولِهذا يَقولُ النَّبِيُّ: “أَيُّها العِطاشُ جَمِيعًا، هَلُمُّوا إِلى المِياه” (أشعيا 55: 1).
(القديس كولومبانس رئيس الدير 563- 615)
“هذا هو يَنبوعُ العِطاشِ الَّذينَ لا يَرتَوون. ولهذا يَدعو إِليه أَيضًا الجِياعَ الَّذينَ طَوَّبَهم في مَكانٍ آخَرَ، والَّذينَ لا يَرتَوون أَبَدًا مَهما شَرِبوا، بَلْ بِقَدْرِ ما يَشرَبونَ يَزدادُ عَطَشُهُم إِلى اليَنبوعِ” (يشوع بن سيراخ 24: 19-22).
(القديس كولومبانس رئيس الدير 563- 615)
“فٱشْرَبْ مِن يَنبوعِ الحَياةِ إِذا عَطِشْتَ. وكُلْ مِن خُبزِ الحَياةِ إِذا جُعْتَ. طُوبى للجِياعِ إِلى هذا الخُبزِ والعِطاشِ إِلى هذا اليَنبوع. كُلَّما أَكلوا وشَرِبوا ٱزدادوا رَغْبَةً في الأكلِ والشُّرْبِ. لأَنَّه في غايَةِ العُذوبَةِ، هو الَّذي يؤكَلُ ويُشْرَبُ دائِمًا. ويَبقى الجوعُ والعَطَشُ إِليه شَديدًا. يَتَذَوَّقُه الجائِعُ دائِمًا ويَشتَهيه دائِمًا. ولِهذا يَقولُ المَلكُ النَّبِيّ: “ذُوقُوا وٱنظُرُوا ما أَطيَبَ الرَّبَّ” (مزمور 33: 9) وما أَعْذَبَهُ”.
(القديس كولومبانس رئيس الدير 563- 615)
“لعلّي أَطلُبُ شيئًا كبيرًا. ومَن لا يعرِفُ ذلك؟ ولكنَّكَ، أنتَ يا ملكَ المجدِ عرَفْتَ أنْ تُعطِيَ الأمورَ الكبيرةَ، ووعَدْتَ بالأمورِ الكبيرة. ولا شيءَ أكبرُ منكَ، يا ربُّ، وقد أعطيْتَنا ذاتَكَ، وبذَلْتَ نفسَكَ في سبيلِنا”.
“نسألُكَ أيُّها الرَّبُّ يسوع، هَبْنا أن نعرِفَ ماذا نحبُّ، لكي لا نسألَكَ أن تُعطِيَنا شيئًا سِواكَ. أنتَ كلُّ شيءٍ لنا. أنتَ حياتُنا. أنتَ نورُنا وخلاصُنا وغِذاؤنا وشرابُنا، أيُّها الرَّبُّ إلهَنا”.
…………………
الإفخارستيا والقديس لورنسيوس من برنديزي الكاهن ومعلِّمُ الكنيسة (1559- 1619)
“مِنَ الضَّروريِّ أَنْ نَتَغَذَّى بِخُبزِ نِعمَةِ الرُّوحِ القُدُسِ ومَحَبَّةِ الله، حتَّى نَحيا حياةً روحيَّةً نُشارِكُ بِها الأَرواحَ الإِلهيَّةَ والسَّماوِيَّةَ، وقد خَلَقَنا اللهُ مِثلَهُم على صورَتِهِ ومِثالِه”.
(القديس لورنسيوس من برنديزي الكاهن ومعلِّمُ الكنيسة 1559- 1619)
…………………
الإفخارستيا والبابا بندكتوس السادس عشر ، بابا روما من 2005 إلى 2013
الإرشاد الرّسولي سرّ المحبّة: Sacramentum caritatis، العدد 92
الإفخارستيّا، صلة وصل بين الخليقة الأولى والخليقة الجديدة
لكي نُنمي روحانيّة إفخارستيّة عميقة باستطاعتها أيضًا أن تؤثّر بطريقة معبّرة على النسيج الاجتماعيّ، من الضروريّ أن ينتبه الشعب المسيحيّ، الّذي يشكر بواسطة الإفخارستيّا، أن ينتبه إلى أن يشكر باسم الخليقة كلّها، متطلّعًا هكذا إلى تقديس العالم وعاملاً بجهد للوصول إلى هذا الهدف… الليتورجيّا ذاتها تعلّمنا كلّ ذلك عندما يرفع الكاهن إلى الله، أثناء تقدمة القرابين، صلاة تسبيح وطلب مرتبطة بالخبز والخمر، “ثمر الأرض”، “والكرمة” و”عمل البشر”. بهذه الكلمات، وإضافةً إلى إدخال كلّ نشاط وجهد بشريّ ضمن التقدمة لله، يدفعنا الطقس إلى اعتبار الأرض كخليقة الله، الّتي تعطينا ما نحن بحاجة إليه لاستمراريّتنا.
الأرض ليست حقيقة مجرّدة، أو مادّة بسيطة نستعملها بلا مبالاة حسب الغريزة البشريّة. إنّها في صميم قلب تصميم الله الصالح، الّذي من خلاله نحن كلّنا مدعوّون لنكون أبناء وبنات في ابن الله الوحيد، ربّنا يسوع المسيح (راجع أف1: 4-12). إنّ الانشغالات المشروعة الّتي تتعلّق بالشروط البيئيّة للخليقة في عدّة أنحاء من العالم ترتكز على بُعد الرجاء المسيحيّ، الّذي يُلزمنا بالعمل بطريقة مسؤولة للمحافظة على الخليقة.
في العلاقة بين الإفخارستيّا والكون، نكتشف، في الواقع، الوحدة في تصميم الله، فنُحمَل على أن نفهم العلاقة العميقة بين الخليقة و”الخليقة الجديدة”، التي بدأت بقيامة المسيح، آدم الجديد. ونحن نشترك بها منذ الآن بِحُكم سرّ المعموديّة (كول 2: 12 وما يليها)؛ هكذا، ينفتح أفق العالم الجديد في حياتنا المسيحيّة الّتي تتغذّى من الإفخارستيّا، أُفُق السماء الجديدة والأرض الجديدة، حيث أورشليم الجديدة تنزل من السماء، من عند الله، “مهيّأة مثل عروس مزيّنة لعريسها” (رؤ 21: 2).
…………………
الإفخارستيا والقداس الإلهي في كتابات (خادم الله البابا بولس السادس 1897- 1978)
“بواسطة التناول المتواتر أو اليوميّ، تصبح الحياة الروحيّة أكثر مِلئًا بالحيويّة، تغتني النفس بفيض أكبر من الفضائل ويُعطى ذاك الّذي يتناول ضمانًا أثبت من السَّعادة الأبديّة”.
“بذات الطريقة الّذي يعمل الغذاء المادّي على نموّ الجسد، تزيد الإفخارستيّا المقدّسة القداسة والشركة مع الرَّبّ “بحيثُ أنَّ المشاركة في جَسَدِ ودمِ المسيح لا يعمل أي شيء آخر سوى تحويلنا إلى ما نحن نتناوله”.
“إنَّ القدَّاس الذي يحتفل به كاهن على ٱنفراد، ليس قُدًّاسًا فردِيًّا، ولكنه عملُ المسيحِ والكنيسة. والكنيسة تُقدِّمُ ذاتَها، في الذَّبيحةِ التي تُقدِّمُها، ذبيحةً شامِلة، وتجعلُ قوَّة الذبيحة الفِدائيَّة الواحِدة وغير المتناهية التي قدَّمَها الفادي على الصَّليب، تجعلُها في سبيلِ خلاصِ العالمِ كُلِّه… ولهذا فنحن نُحَرِّضُ، بإلحاحٍ أبويّ، الكهنة الذينَ هم في الرَّبِّ فرَحَنا وإكليلَنا… أن يُقيموا القُدَّاسَ كلَّ يوم، بكُلِّ توقيرٍ وتقوى”. “سر الإيمان”.
الإفخارستيا والطوباوي بولس السادس البابا – سِرِّ الإِيمان 56 (1897- 1978)
“إِنَّ الكَنيسَةَ كانَت ولا تَزالُ تُؤَدِّي عِبادَةَ السُّجودِ هذِه الَّتي يَجِبُ أَن تُؤَدِّيها لِسِرِّ الإِفخارستيا، لَيسَ فَقَط وَقتَ القُدَّاس، بل خارِجَ الإِحتفالِ بِه أَيضًا: وذلِكَ بِحِفْظِ الأَجزاءِ المُكَرَّسَةِ بأَعظَمِ العِنايَةِ وعَرضِها على المؤمنينَ لِيُجِلُّوها بٱحتِفاءٍ، ويَطوفوا بِها”.
“الإفخارستيا، تَحتَ شَكلِ الخُبزِ والخَمر، تَحتوي المَسيح، رأسَ الكَنيسَةِ المَنظور، مُخلِّصَ العالَم، مَركَزَ كُلِّ القُلوب، الَّذي مِن أَجلِه توجَدُ كُلُّ الأَشياء، وأَيضًا نَحنُ نوجدُ بِه”.
الطوباوي بولس السادس البابا
“ينتج عن سرّ الإفخارستيّا، في الحياة الروحيّة، أثاراً شبيهةً بتلك الّتي تنتج عن الأغذية الماديّة في الجسد. فهي تُقوّي وتُقصي الضُّعف والموت، تُحرّر من الخطايا العرضيّة الّتي تُسبّب ضعف ومرض النَّفس، وتحفظ من الخطايا المميتة الّتي تُسبب موتها. يُجدِّد الغذاء المادّي قِوانا ويُقوِّي عافيتنا. بذات الطريقة، بالتناول المتواتر أو اليومي، تُصبح الحياة الروحيّة وافرة، تغتني النَّفس عن طريق إفاضة أعظم للفضائل فيها وضمان أرسخ من السعادة الأبديّة الّتي تُمنح لمن يتناول القربان الأقدس”.
…………………
الإفخارستيا والقداس في قول القديس كيرلّس الإسكندريّ الأسقُف (376- 444)
“كان يشير إلى أنَّ الاشتراك في الأسرار المقدّسة “هو حقًّا ٱعترافٌ وتذكيرٌ بأنَّ الرَّبَّ ماتَ ومِن ثمَّ عادَ إلى الحياةِ من أَجلِنا ولصالحنا” (21).
“كما عندما نضمّ قطعتين من الشمع ونجعلهما تذوبان بواسطة النار، فتصبحان شيئاً واحداً، يحدث ذات الشيء في المشاركة في جسد المسيح ودمه الثمين”.
“عندما نضع القرابين أَمامَ اللهِ نُصَلِّي بإلحاحٍ لكي تَتَحَوَّلَ لنا إِلى بركةٍ روحيَّة، حتى أَنَّنا إِذا تناولنا منها نَتَقَدَّس في أَجسادِنا وأَرواحنا، ثُمَّ يقولُ الكاهِنُ مُشيرًا إلى القرابين: “هذا هو جسدي… هذا هو دمي….” لكي لا تظنَّ أَنَّ ما يَظْهَرُ أَمامَكَ هو مُجَرَّدُ رَمزٍ بل لكي تَعرِفَ جَيِّدًا أَنَّه بِفِعلِ قُدرَةِ اللهِ الضابِطِ الكُلِّ الفائِقَة ِكُلَّ وَصف قَد تَحَوَّلَتْ القرابينُ بالحقيقَةِ إِلى جَسَدِ المسيحِ ودَمِهِ”.
…………………
القديس يوحنا فيانية والإفخارستيا 1
إليكم بعض أقوال القديس يوحنا فيانيه _ خوري آرس في تفكيره عن سِرِّ الإفخارستيَّا ومدى سمو مكانتِها وقوَّتِها في الحياة المسيحية. علماً بأنَّه كان يعمل ساعاتَ سجودٍ أمام القربان تعبيراً عن حبِّه له وعلاقته العميقة في شخص المسيح. ويُقال أنَّه كان يمضي نصف ساعة يومياً قبلَ بدء القُدَّاس الإلهي ليستعِدَّ لقبول المسيح يسوع في حياتِه. وهذه بعض أقوالِه:
“يا أولادي، لِماذا لا يوجد أسرار في بقية الأديان؟ لأنَّه لا يوجد فيها خلاص. أمَّا نحنُ أبناءُ الدِّين الذي فيه الخلاص فلنا أسرارٌ نستعمِلُها. فيجبُ علينا أن نشكُرَ اللهَ عليها لأنَّها ينابيعُ الخلاص”.
“يا أولادي، لو كُنَّا نفهمُ قيمةَ التَّناولِ لَكُنَّا نَتَجنَّبُ الهفواتِ الطَّفيفة لنحصُلَ على هذِه النِّعمةِ مراراً عديدة. وكُنَّا نحفظُ نفوسَنا دائماً طاهِرةً أمامَ الله”.
“فلو ٱعترفتُم اليومَ مثلاً، أفلا تسهرونَ على ذواتِكُم فرحينَ بأنَّكُم قادرون على تناولِ القربانِ في الغد؟ وكذلِكَ في الغد حينما تقبلونَ اللهَ في قلوبِكُم ألا تكونُ نفوسُكم مُعطَّرةً بدمِ سيِّدِنا يسوعَ المسيح الثَّمين؟ فيا لها من حياةٍ سعيدة!”.
“إنَّ التَّناول يفعل فينا كما يفعلُ المنفخُ في النَّارِ الخامِدة… بعدَ قبولِ الإسرار حينما نشعُرُ بخمودِ نيرانِ محبَّةِ الله في قلبِنا فلنُسرِع إلى التَّناول الرُّوحي. وإن كُنَّا لا نستطيعُ المجيءَ إلى الكنيسة فلنلتفت إلى بيتِ القُربان إذ لا يقدِرُ الحائطُ أن يحجُبَ اللهَ عنَّا. ولنقُل خمسَ مرَّاتٍ أبانا والسلام لهذا التَّناول الرُّوحي”.
صلاة: “هبنا يا ربَّ السّماءِ والأرض أن نكونَ مستعدِّينَ قلباً وروحاً ونفساً وجسداً لقبولِ ٱبنِكَ في نفوسِنا عند مناولتنا المقدَّسة. فنتحوَّلَ ونُصبِحَ خليقةً جديدةً على مِثاله، فنعملَ أعمالَ الرُّوح التي تُأهِلُنا لبلوغِ الملكوت. نسألُكَ ذلكَ بٱسمِ ٱبنِكَ المالكِ معكَ ومعَ الرُّوحِ القُدُس إلى دهرِ الدُّهور. آمين.
…………………
القديس يوحنا فيانيه والإفخارستيَّا 2
إليكم أفكارٌ أخرى من القديس يوحنا فيانيه عن قيمة الإفخارستيَّا وكيفَ علينا أن نُقْدِمَ إليها بتواضعٍ وثقة وبٱستحقاق، فننالَ مِن خلال على النِّعمِ التي نحنُ بحاجةٍ إليها. فلنُصغِ كأبناءٍ مطيعين إلى هذا الأبِ القديس، ولنسمَعه بإيمانٍ وثقةٍ يقولُ لنا من قلبِه المُفعَمِ حُبًّا:
“يا أولادي، إنَّ النَّفْسَ التي تقبلُ الرَّبَّ مِراراً عديدة بٱستحقاقٍ تكونُ جميلةً مدى الأبدية. فإنَّ جَسَدَ المسيحِ يتَّحِدُ بجسدِها ودمَهُ يختلِطُ بدَمِها ونفسُه تتَّحِدُ بنفسِها مدى الأبديَّة، وحينئذٍ تتمتَّعُ بسعادةٍ كامِلة”.
“أيُّها الإنسان، ما أعظمَكَ إذ أنَّكَ تقتاتُ بجَسَدِ الرَّب وترتوي من دمِه! فيا لها من حياةٍ لذيذةٍ حياةُ الإتِّحادِ بيسوع! حقًّا إنَّها حياةُ السَّماءِ على الأرض، إذ ليسَ فيها عذابٌ ولا صليب. لأنَّ الإتِّحادَ بالرَّب يملأُ النَّفْسَ البَّارَةَ فَرَحًا، ويُلقي فيها بلسَماً سماويًّا وهذا هو ينبوعُ قوَّتِها وسعادَتِها”.
“إنَّ سيِّدَنا يسوعَ المسيح هو هُنا مُحتَجِبٌ ينتَظِرُ مجيئُنا إليه لنـزورَه ونَعرِضَ له طلباتِنا. فيا لها من رحمةٍ سامية، إذ أنَّه يتنازَلُ فيُجاري ضُعفَنا. إنَّنا نراه في السَّماءِ بكُلِّ مجدِه، أمَّا هُنا فلو ظَهَرَ لنا بمجدِه لما كُنَّا نستطيعُ أن نقتَرِبَ مِنه. ولذلكَ هو يختفي كأنَّه في سجنٍ قائلاً لنا: أنتم لا تَرَونني ولكن لا بأس من ذلك، إسألوني وأنا أُعطيكُم كُلَّ ما تطلبون”.
“يا أولادي، النَّفْسُ التي تقبلُ سِرَّ الإفخارِستيَّا بٱستحقاقٍ تشعُرُ بأنَّها غارِقةٌ في بحرِ الحُب، وتظْهَرُ بهيئةٍ سماويَّة. فتتجدَّدَ في أعمالِها وأقوالِها، وتُصبِحَ متواضِعةً وديعةً صابرةً مُحِبَّةً مُحْتَشِمةً مُحِبَّةً للسَّلام قادرةً على فِعْلِ كُلِّ شيءٍ صالح. فإن نَظَرَ إليها العالَم لا يعرِفُها لأنَّها ليست مِنه”.
…………………
القديس يوحنا فيانيه والإفخارستيَّا 3
هاكم يا إخوتي الأعزَّاء الجزء الأخير مما توصّلتُ إليه من بحثٍ في كتابات القديس يوحنا فيانيه عن الإفخارستيا. ولكن ٱسمحوا لي أن أقولَ أنَّ هذا القديس قد عاشَ بالحقِّ لا بالكلامِ فحسب علاقتُه العميقةِ بالإفخارستيا، وٱنعكست على حياته اليومية والجميعُ كانَ شاهِداً على ذلك. فيا ليتَنا نحنُ أيضاً نتمثَّلُ به في حُبِّه للإفخارستيا وسجوده المتواصل للقربانِ الأقدس. فلنسمعه بقلبٍ منفتحٍ وهو يقولُ لنا:
“يا أولادي، حينما تدخُلُ السَّماءَ النَّفْسُ المسيحيَّة التي قبِلَتْ سيِّدَنا يسوعَ المسيح، تزيدُ فرحَ السَّماءِ فرحاً. فيأتي الملائكَةُ وسُلطانةُ الملائكة لملاقتِها لأنَّهُم يرونَ فيها ٱبنَ الله. وحينئذٍ تنسى كُلَّ مصائِبِها وبلاياها التي ٱحتمَلتها في حياتِها”.
“يسوعُ في هذا السِّرِّ هو ضحيَّة… ومِن جُملةِ الصَّلواتِ المقبولَةِ جِدًّا لدى الرَّب هي الصَّلاةُ إلى مريمَ العذراءُ لتُقدِّمَ للآبِ الأزلي ٱبنَها الإلهي ملطَّخاً بدِمائِه ومُهمَّشاً من أجلِ رجوعِ الخطأة… هذه هي أشرفُ صلاةٍ ممكِنةٍ للإنسان. لأنَّ جميعَ الصَّلواتِ تتمُّ بٱسمِ سيِّدِنا يسوعَ المسيحِ وبٱستحقاقاتِه”.
“حينما نكونُ أمامَ القُربانِ الأقدَس فبَدَلَ أن ننظُرَ إلى ما حولَنا فلنُغمِض أعيُنَنا صامِتين ليَفْتَحَ الرَّبُّ قلبَه فنذهَبَ إليه فيأتي إلينا، ونطلُبَ منه فَيَقبَلَ طلباتِنا. يا لِسعادَةِ مَن ينسى ذاتَه وكُلَّ شيءٍ له ليَطلُبَ اللهَ وَحْدَه!”.
“كان القدِّيسونَ يركعونَ أمامَ القُربانِ المُقدَّس، وعند نظرِهم إليه فإنَّهم لم يريدوا أن ينظروا إلى أحدٍ غيرَ اللهِ وَحْدَه، ولم يسعوا إلاَّ في سبيلِه تعالى، فكانوا ينسونَ كُلَّ شيءٍ ليَجِدوه وَحْدَه. هذا هو طريقُ السَّماء”.
…………………
القديس يوحنا فيانيه والإفخارستيَّا 4
كان المؤمنون يرونه محتفلاً بالقداس. وكان الأشخاص الذين يشاركون في القداس يقولون أنه “كان من غير الممكن رؤية وجه يعبر عن السجود بالطريقة عينها… فقد كان يتأمل في القربان بمحبة كبيرة”
“تعالوا إلى المناولة، تعالوا إلى يسوع، تعالوا للعيش منه وله، فإنّه من الصحيح أنَّكم لستُم أهلاً به ولكنَّكم بحاجةٍ إليه!”.
“في هذا السِّر العظيم يتوسَّلُ يسوع إلى أبيه ويشفعُ في الخطأة بلا ٱنقطاعٍ. إنَّ ربعَ ساعةٍ نختلِسُها من شُغْلِنا أو من أوقاتِ الفراغ ونقضيها بزيارته والتَّوسُّلِ إليه تُرضيه وتُعزِّيه من جميعِ الإهاناتِ المُلتحقة به. وهو حينما يرى النُّفوسَ الطَّاهِرة آتيةً إليه يفرحُ في وجهِها”.
“المناولةُ المقدَّسة وتقديمُ التَّضحياتِ المقدَّسة، هي أكثرُ وسيلةً وقوَّةً للتَّشفُّعِ من أجلِ ٱرتدادِ الآخرين”.
“يجبُ علينا أن نَعُدَّ هذِه اللَّحظاتِ التي نمضيها أمامَ القُربان الأقدس أجملَ وأسعَدَ لحظاتِ حياتِنا”.
…………………
الديداكيه في الإفخارستيا
هو كتاب أثريّ يرجع تاريخ كتابته إلى القرن الأوّل للميلاد
كانت مِن الأَقوالِ الّتي تُردَّدُ عِندَ كَسرِ الخُبز: “كما أَنَّ هذا الخُبزَ جُمِعَ مِنَ الحِنطَةِ على الجِبال، في هذا الرَّغيفِ الواحِد، هكذا لِتُجمَعْ كَنيسَتُكَ من أَقصى المَسكونَةِ إلى أَحضانِ مَلكوتِكَ” (ديداكي 9، 4).
“أَمَّا يومُ الرَّبّ kiriaki (الأَحد) فهو خاصَّةٌ للرَّبّ. فٱجتَمِعوا فيه لِتَكسِروا الخُبزَ، وتُصَلُّوا الإِفخارستيا، بعدما تَعتَرِفونَ بِخَطاياكُم، لِتَكونَ ذَبيحَتُكُم طاهِرة”.
…………………
أنا خبز الحياة القديسة الأم تريزا
القديسة تيريزيا الكالكوتيّة (1910 – 1997)، مؤسِّسة الأخوات مرسلات المحبّة
الكلمة الّتي يجب قولها، الفصل السّادس
«أَنا خُبزُ الحَياة. مَن يُقبِلْ إِليَّ فَلَن يَجوع أبَدًا»
“أين تجدون فَرَحَ الحبّ؟ في الإفخارستيّا، في المناولة المقدسة. لقد جعل الرّبُّ يسوع ذاته “خُبْزَ الحَيَاة” لكي يعطينا الحياة. ليل نهار، إنه هنا.
“إن كنتم ترغبون حقًّا أن تنموا في الحبّ، عودوا إلى الإفخارستيّا، عودوا إلى هذه العبادة”.
“في جمعيّتنا، (مرسلات المحبَّة) كانت لدينا عادة القيام بساعة سجود مرّة في الأسبوع؛ ثمّ، عام 1973، قرَّرنا القيام بساعة سجود يوميًّا. لدينا الكثير من العمل؛ وفي كلّ مكان، بيوتنا الّتي تستقبل المرضى والمنازعين المحتاجين مليئة. ولكن منذ أن ٱبتدأنا بالسجود اليوميّ، أصبح حبُّنا للرَّبِّ يسوع أكثر حميميّة، وحبُّنا لكلِّ واحدٍ أكثر ٱنتباهًا، وحبُّنا للفقراء أكثر رحمَةً…”.
“أُنظروا إلى بيت القربان وٱعرفوا ما يعنيه الآن هذا الحبّ. هل لديّ الوَعي لذلك؟ هل إنّ قلبي نقيٌّ كفايةً لكي أرى فيه الرَّبَّ يسوع؟ لكي يسهل عليّ وعليكم رؤية الرَّبِّ يسوع، جعل هو ذاته ” خُبْزَ الحَياة”، لكي نستطيع الحصول على الحياة، حياة سلام، وحياة فرح. جِدوا الرَّبَّ يسوعَ وستجدون السلام”.
“كم يُخاطِبُنا الرَّبُّ يسوع بحنان عندما يَهَب ذاته لأحبّائه في المناولة المقدّسة: “جَسَدي طَعامٌ حَقّ وَدمي شَرابٌ حَقّ. مَن أَكَلَ جَسدي وشَرِبَ دَمي ثَبَتَ فِيَّ وثَبَتُّ فيه”؟. ماذا يمكن لِربّي يسوع أن يعطيني أكثر من جسده طعامًا؟ لا، لا يستطيع الله أن يفعل أكثر من ذلك، ولا أن يُظهِر لي حبًّا أكبر”.
“المناولة المقدّسة، بمعنى الكلمة، هي ٱتّحاد الرَّبِّ يسوع الحميم بنفسنا وجسدنا. إن كنّا نريد أن تكون لنا الحياة بشكل أوفر، علينا أن نحيا من جسد ربّنا. لقد فهم القدّيسون هذا الأمر جيّدًا لدرجة أنّهم كانوا يقضون ساعات في التحضير، وأكثر من ذلك أيضًا في فعل الشكر. مَن يمكنه أن يشرح ذلك؟ لقد هتف القدّيس بولس: “ما أَبْعدَ غَورَ غِنى اللهِ وحِكمَتِه وعِلمِه! وما أَعسَرَ إِدراكَ أَحكامِه وتَبيُّنَ طُرُقِه! فمَنِ الَّذي عَرَفَ فِكْرَ الرَّبّ أَو مَنِ الَّذي كانَ لَه مُشيرًا؟ (رو 11: 33-34)”.
“عندما تستقبلون الرَّبَّ يسوع المسيح في قلبكم بعد المشاركة في الخبز الحيّ، تذكّروا ما يمكن أن تكون سيّدتنا مريم العذراء قد شعرت به عندما ظلّلها الرُّوح القدس وعندما قبلت جسد الرَّبِّ يسوع المسيح، هي “الـمُمتَلِئَة نِعْمَةً” (لو 1: 26). لقد كان الرُّوح قويًّا فيها لدرجة أنّها “قَامَت مَريمُ فمَضَت مُسرِعَةً” (لو 1: 39) لتَخدُم”.
…………………
أنا خبز الحياة القديسة تريزا الكالكوتيّة (1910 – 1997)، مؤسِّسة الأخوات مرسلات المحبّة
رسالة إلى كاهن بتاريخ 17/02/1978
«أَنا خُبزُ الحَياة»
لقد طلبتَ أن تقضي ثلاثة أشهر وحدك مع الرّب يسوع (في رياضة روحيّة)؛ إنّ هذا الأمر يُشبِهك جدًّا. ولكن أثناء ذلك، إن كان الجوع في قلب بعض أعضاء شعب الربّ إليه أكبر من جوعك، فلا يجب عليك أن تبقى وحدك مع الرّب يسوع طوال الوقت. عليك أن تسمح للرّب يسوع بأن يحوّلك خبزًا يؤكل من قِبَل أولئك الّذين تلتقي بهم. دَع الناس يلتهمونك؛ فبالكلمة وبالحضور تبشّر بالرّب يسوع… حتّى الله لم يستطع أن يقدّم حبًّا أكبر إلاّ بِبَذل ذاته كخبز حياة – لكي يُكسَر، لكي يؤكل، حتّى نستطيع أنت وأنا أن نأكل ونحيا، حتّى نستطيع أن نأكل ونُشبِع بذلك جوعنا للحبّ.
وبالرغم من هذا، لا يبدو أنّه كان راضيًا، لأنّه هو أيضًا كان جائعًا للحبّ. فجعل نفسه الجائع والعطشان والعريان والغريب ولم يكفّ عن المناداة: “كنتُ جائعًا، كنتُ عريانًا، كنتُ غريبًا… فلي قد صنعتموه” (راجع متّ 25: 40). الرّب هو خبز الحياة وهو أيضًا الجائع: ولكن هناك حبٌّ واحد: الرّب يسوع فقط.
…………………
الخبز الرُّوحي والخبز المادي القديس قبريانس الأسقف والشهيد في الصلاة الربية
(رقم18 و22 : CSEL 3،280-281 و283-284)
بعد طلبِ الخبزِ اليومي نطلبُ غفرانَ خطايانا
نستمرُّ في الصلاةِ فنقول:”خبزَنا اليوميَّ أعطِنا اليوم”. يمكنُ أن نفهمَ الخبزَ بالمَعنى الرُّوحي أو المادّي. وكلا المفهومَيْن، في نظرِ الله، مقبولان ومفيدان لخلاصِنا. لأنَّ خبزَ الحياةِ هو المسيح، وإن لم يكنْ للجميعِ كذلك. وأمَّا لنا نحن المؤمنين به فهو خبزُنا. فكما نقولُ “أبانا” لأنَّنا ندركُ ونؤمنُ أنّه أبونا، كذلك نقولُ “خبزَنا”، لأنّ جسدَ المسيحِ هو خبزُنا نحن الذين نؤمنُ به.
ومن ثمَّ نطلبُ أن نُعطَى هذا الخُبزَ في كلِّ يوم، لنبقى متّحدين به ولنستمرَّ في قبولِه في الإفخارستيا غذاءً خلاصيًّا لنفوسِنا في كلِّ يوم، وحتى لا تَكونَ أيّةُ خطيئةٍ عقبةً دونَه أو مانعًا من الوصولِ إليه، هو الذي قال: “أنَا الخُبزُ الحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّماء، مَن يَأكُلْ مِن هَذَا الخُبزِ يَحيَ لِلأبَدِ، والخُبزُ الَّذِي سَأُعطِيهِ أنَا هُوَ جَسَدِي أبذِلُهُ لِيَحيَا العَالم” (يوحنا 6: 51).
عندَما يقولُ إنَّ الذي يأكلُ من خبزِه يحيا للأبد، من الواضحِ أنَه يشيرُ إلى هؤلاء الذين يأخذون جسدَه ويحقُّ لهم التقرُّبُ منه في سرِّ الإفخارستيا. ولهذا يجبُ أن نخافَ وأن نصلِّيَ حتى لا ننفصلَ عن جسدِ المسيح، فنصيرَ بعيدِين عن الخلاص، ويُصيبَنا ما أنذرَ به الرَّبُّ حينَ قال: “إذَا لَم تَأكُلُوا جَسَدَ ٱبنِ الإنسَانِ وَتَشرَبُوا دَمَهُ فَلَن تَكُونَ فِيكُم الحَيَاةُ” (يوحنا 6: 53). ولهذا نسألُ اللهَ أن يُعطِيَنا خبزَنا اليوميَّ أي المسيح، حتى إذا ثبَتْنا وثبتَتْ حياتُنا فيه، لم نبتعدْ عن جسدِه وعن قداستِه.
نصلِّي بعدَ ذلك من أجلِ خطايانا فنقول: وٱغفِرْ لنا خطايانا كما نغفِرُ لمن خطِئَ إلينا. بعد سندِ الغذاءِ نطلبُ غفرانَ الخطايا.
“إنَّه لأمرٌ ضروريٌّ وحكيمٌ وخلاصيٌّ تذكيرُنا أنَّنا خطأة، وأنّنا مضطرُّون للصلاةِ من أجلِ خطايانا. فعندَما نطلبُ المغفرةَ من الله تتذكَّرُ النفسُ ما فيها من خطايا. فلا يَرْضَ المرءُ بنفسِه وكأنَّه بارٌّ ولا يتكبَّرْ فيزدادَ هلاكًا. عندَما يُؤمَرُ المؤمنُ بالصلاةِ في كلِّ يومٍ بسببِ خطاياه، فهو يُذكَّرُ بأنَّه يَخطأُ في كلِّ يوم”.
ولهذا يحذِّرُنا يوحنا في رسالتِه فيقول: “إذَا قُلْنَا إنَّنَا بِلا خَطِيئَةٍ ضَلَلْنَا أنفُسَنَا وَلَم يَكُنْ الحَقُّ فِينَا. وَإذَا ٱعتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَإنَّهُ أمِينٌ بَارٌّ يَغفِرُ لَنَا خَطَايَانَا” (1 يوحنا 1: 8-9). نفهمُ من هذه الآياتِ أمرَيْن: أوّلاً يجبُ أن نطلبَ مغفرةَ خطايانا، وثانيًا، إذا طلبْناها سوف ننالُها. ولهذا يقولُ الرَّسولُ إنَّ اللهَ أمينٌ. هو أمينٌ لوعدِه أنَّه يغفرُ الخطايا. لأنَّه إذ علَّمَنا أن نصلِّيَ فنطلبَ مغفرةَ ذنوبِنا وخطايانا وعدَنا أيضًا برحمتِه الأبويّةِ ومن ثمَّ بالغفران.
…………………
أَنا خُبزُ الحَياة بودوان دو فورد (؟ – نحو 1190)، كاهن سِستِرسياني
سرّ المذبح، الجزء الثاني .
قال الرَّبُّ يسوع المسيح: “مَن يُقبِلْ إِليَّ فَلَن يَجوع ومَن يُؤمِنْ بي فلَن يَعطَشَ أبَداً”… وقال صاحبُ المزامير: “وخَمرٍ تُفَرِّحُ قَلبَ الإِنْسان لِكَي يُنَضِّرَ الزَّيتُ الوُجوه ويُسنِدَ الخُبزُ قَلبَ الإِنْسان” (مز104(103): 15). بالنسبة إلى الذينَ يؤمنونَ بالمسيح، فإنّه هو الغذاء والشراب والخبز والخمر. هو الخبز الذي يُقوِّي ويُسند… وهو الشَّرابُ والخمرُ التي تُفرح… كلُّ ما فينا من القُوَّة والثَّبات والفَرَح والسعادة هو لإتمام وصايا الله، وٱحتمال الآلام والطاعة والدفاع عن العدل، كلُّ ذلك يأتي من قوَّة هذا الخبز وفرح هذه الخمر. طوبى للذين يعملون بقُوَّة وفرح! وبما أنّ الإنسان يعجز عن ذلك من تلقاء نفسه، طوبى للذينَ يرغبونَ بشدَّة في ممارسةِ كلِّ ما هو عادلٌ وصادق، وبأن يكونوا في كلِّ الأمورِ أقوياء وفرحين بالذي قال: “طوبى لِلْجياعِ والعِطاشِ إِلى البِرّ فإِنَّهم يُشبَعون” (مت 5: 6). فإذا كان المسيح الخبز والشراب الذي يضمن في الوقت الحاضر قوّة وفرح الأبرار، فما عساه يكون بالأحرى في السماء، حين يعطي نفسه للأبرار بلا حدود؟
فلنلاحظ ذلك في كلام المسيح…: إنّ هذا الغذاء الذي يبقى للحياة الأبديّة يُدعى خبز السماء، الخبز الحقيقيّ، خبز الله، خبز الحياة…خبز الله لتمييزه عن الخبز الذي يعدّه ويصنعه الخبّاز…؛ خبز الحياة لتُمييزه عن الخبز الفاني الذي ليس هو الحياة ولا يمنحها، بل بالكاد يحفظها، بصعوبة ولفترة وجيزة. أمّا هذا الخبز، فهو بذاته الحياة ومانح الحياة وحافظ الحياة التي لا تدين للموت بشيء.
…………………
الإفخارستيا ونيقولاس كاباسيلاس (نحو 1320 – 1363)، لاهوتيّ علمانيّ يونانيّ وقدّيس في الكنائس الأرثوذكسيّة
“ليست الأسرار سوى علامات موت الرّب يسوع المسيح ودفنه. فإنّنا بفضلها نولد لحياة فائقة الطبيعة، ننمو ونتّحد بالمخلِّص بطريقة رائعة. في الأسرار على ما قال القدّيس بولس نجد “حياتنا وحركتنا وكياننا” (راجع أع 17: 28). تهبنا المعموديّة كياننا وٱستمراريّتنا في الرّب يسوع المسيح…؛ ويُثبِّت الميرون المسيحيّ الجديد، ويمدّه بالطاقات الخاصّة بالحياة؛ أمّا الإفخارستيّا، فإنّها تُطيل هذه الحياة وتُبقيها في كامل حيويّتها… فإنّنا، بٱختصار، نحيا من هذا الخبز ونستمدّ قوَّتَنا من الميرون بعد ما نلنا كياننا بذاك التغطيس. فنحيا في الله، على هذا النحو، منتقلين من هذا العالم المنظور إلى عالم غير منظور. لا نبدِّل مكانًا بل كيانًا وحياةً؛ ذلك لأنّنا لسنا نحن الذين نتحوّل ونرتفع نحو الله،، بل هو الله أتى ونزل إلينا”.
…………………
سِرُّ الإفخارستيا القديس أمبروزيوس الأسقف في الأسرار (1)
(رقم 43، 47-49: SC 25 مكرر،178-180 و182)
سِرُّ الإفخارستيا للمُعمَّدين جديدًا
الشَّعْبُ المُطَهَّرُ بالمَعمودِيَّةِ والغَنِيُّ بآياتِ الرَّبِّ يَتَقَدَّمُ إِلى مَذبحِ المَسيحِ قائِلاً: “أَدخُلُ إِلى مَذبَحِ الله، إِلى إِلَهِ فَرَحِي وَٱبتِهَاجِي” (مزمور42: 4). وضعَ عنه ملابسَ الضَّلالِ القَديم، وتَجَدَّدَ شَبابُه مِثلَ النَّسرِ (مزمور 102: 5)، فأَسرعَ إِلى الوَليمةِ السَّماوِيَّة. جاءَ ورأى المَذبحَ المُقَدَّسَ مُعَدًّا فهتفَ: “أعددْتَ لي مائدةً” (مزمور 22: 5). وقالَ داودُ أَيضًا في هذِه الوَليمة: “الرَّبُّ رَاعِيَّ فَمَا مِن شَيءٍ يُعوِزُني. في مَرَاعٍ نَضِيرَةٍ يُرِيحُنِي. مِيَاهَ الرَّاحَةِ يُورِدُنِي”. ثُمَّ قالَ: “إِنِّي وَلَو سِرْتُ في وَادِي الظُّلُمَاتِ، لا أخَافُ سُوءًا لأنَّكَ مَعِي. عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ يُسَكِّنَانِ رَوعِي. تُعِدُّ مَائِدَةً أمَامِي تَجَاهَ مُضَايِقِيَّ، وَبِالزَّيتِ تُطَيِّبُ رَأسِي فَتَفِيضُ كَأسِي” ( مزمور 22: 1-5).
صَنَعَ اللهُ عَجائِبَ مع آبائِنا، فأَرسَلَ لَهُم المَنَّ. وكانوا يأكلونَ في كُلِّ يومٍ مِن هذا الطَّعامِ السَّماوي. ولهذا قيل: “أَكَلَ الإِنسانُ خُبزَ المَلائكة” (مزمور 77: 25). أَكَلوا مِن ذلكَ الخُبزِ، ومَعَ ذلِكَ ماتوا جَميعًا في البَرِّيَّةِ. وأَمَّا هذا الطَّعامُ الَّذي تَتَناوَلُه فهو الخُبزُ الحَيُّ النَّازِلُ مِنَ السَّماء (يوحنا 6: 51)، الخُبزُ الَّذي يَمنحُ جَوهَرَ الحَياةِ الأَبَدِيَّة. وكُلُّ مَن أَكَلَه لا يَموتُ إِلى الأَبَد (يوحنا11: 26)، لأَنَّه جَسَدُ المَسيح.
وفَكِّرْ الآن، ما هو الأَفضَلُ والأَكرم؟ خُبزُ المَلائِكَةِ أَم جَسَدُ المَسيحِ الَّذي هو خُبزُ الحَياة؟ ذلكَ مِنَ السَّماء، وهذا مِمَّا فَوقَ السَّماء. ذلِكَ مِنَ السَّماءِ، وهذا مِن رَبِّ السَّماوات. ذاكَ كانَ يَفسُدُ إِذا حُفِظَ ليومٍ آخَر، وهذا لا يَنالُه الفَسادُ على الإِطلاق، ومَن أَكَلَه بِوَرعٍ وتَقوى فإِنَّه لا يَرى الفَسادَ أَبَدًا. لِهؤلاءِ أَخرَجَ مِنَ الصَّخرَةِ ماءً، ولكَ قَدَّمَ دَمَ المَسيح. هُم أَرواهُم مُؤقّتًا بالماءِ، وأَنتَ قَدَّمَ لكَ دَمَ المَسيحِ شَرابًا للحَياةِ الأَبَدِيَّةِ. شَرِبَ اليَهودُ ثُمَّ عَطِشوا، وأَمَّا أَنتَ فَتَشْرَبُ ولا تَعْطَشُ أَبَدًا. هُم كانوا في الظِّلِّ والرُّموزِ، وأَمَّا أَنتَ فَفي الحَقيقةِ.
إِنْ كانَ الظِّلُّ يُدهِشُكَ، فَكم هو عَظيمٌ ذاكَ الَّذي يُدهِشُكَ ظِلُّهُ ورَمزُه. ما صَنَعَه اللهُ لآبائِنا كانَ ظِلاًّ ورَمزًا. قالَ: “كانُوا يَشرَبُونَ مِن صَخرَةٍ رُوحِيَّةٍ تَتْبَعُهُم، وَهَذِهِ الصَّخرَةُ هِيَ المَسِيحُ. وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ اللهَ لمَ يَرْضَ عَن أكثَرِهِم، فَسَقَطُوا صَرْعَى في البَرِّيَّةِ. وَقَد حَدَثَ ذَلِكَ كُلُّهُ لِيَكُونَ لَنَا صُورَةً” (1 قورنتس 10: 4-6). عَرَفْتَ الآن ما هو الأَفضَلُ والأَكرم؟ النُّورُ أَفضَلُ مِنَ الظِّلِّ، والحَقيقَةُ أَفضَلُ مِنَ الرَّمْزِ، وجَسَدُ مُبدِعِ كُلِّ شيءٍ أَفضَلُ وأَكرمُ مِنَ المَنِّ النَّازِلِ مِنَ السَّماء.
…………………
تكثير الخبر البابا فرنسيس
عظة بتاريخ 30/05/2013
«مِن أَينَ لَنا في مَكانٍ قَفْر، مِنَ الخُبزِ ما يُشبعُ مِثلَ هذا الجَمْع؟»
من أين جاء تكثير الخبز؟ نجد الجواب في دعوة الرّبِّ يسوع لتلاميذه: “أَعطوهُم أَنتُم ما يَأكُلون” (لوقا 9: 13)؛ أي إنَّ الجواب هو “العطاء” والمشاركة. ما الذي تشارَكَه التلاميذ؟ القليل الذي كانوا يمتلكونه: خمسة أرغفة وسمكتان. لكن هذه الأرغفة الخمسة وهاتين السمكتين بين يديّ الرَّبّ هي التي أشبعت الجمع كلّه. والتلاميذ التائهون أمام ضعف وسائلهم وفقر ما يستطيعون تقديمه، هؤلاء التلاميذ هم الذين أجلسوا الناس، ونتيجة ثقتهم بكلام الرّبّ يسوع، وزّعوا الأرغفة الخمسة والسمكتين التي أشبعت الجمع. هذا يقول لنا إنَّه في الكنيسة، وأيضًا في المجتمع، هنالك كلمة أساسيّة يجب ألاّ نخاف منها ألا وهي “التضامن”، أي وضع ما نملكه، قدراتنا المتواضعة بتصرِّف الله؛ فمن خلال المشاركة وحدها ومن خلال العطاء، ستصبح حياتنا خصبة وسنحمل ثمارًا. التضامن: كلمة لا ينظر إليها البشر بعين الرضا!
في الإفخارستيا هذا المساء، سيوزّع الرّبّ يسوع المسيح علينا مجدّدًا الخبز الذي هو جسده: لقد تحوّل إلى عطيّة. ونحن أيضًا نختبر تضامن الله مع الإنسان، تضامن لا ينضب أبدًا، تضامن لا يكفّ عن مفاجأتِنا: لقد جعل الله نفسه قريبًا منّا. في عذاب الصليب، تنازل من خلال الدخول في ظلمة الموت ليمنحنا حياته التي ٱنتصرت على الشَّرِّ والأنانيّة والموت. هذا المساء أيضًا، يقدّمُ الرّبُّ يسوع نفسَه لنا من خلال الإفخارستيا، ويشاركنا دربنا، ويتحوّل إلى قوت، القوت الحقيقي الذي يدعم حياتنا، حتّى حين تصبح الطريق صعبة وتتسبّب الحواجز بإبطاء خُطانا. وفي الإفخارستيا، يجعلنا الرَّبّ نسير على دربه، درب الخدمة والمشاركة والعطاء. هذا القليل الذي نمتلكه، هذا القليل الذي نحن عليه، إن تمّ تقاسمه، يتحوّل إلى غنى، لأنّ قدرة الله، التي هي قدرة الحبّ، تنزل إلى فقرنا لتحويله.
…………………
من كتابات القديس أمبروزيوس الأسقف في الأسرار
هذا السِّرُّ الَّذي تقبله هو كلامُ المسيحِ الَّذي يصنعه
نرى أنَّ النعمةَ تفعلُ أكثرَ من الطبيعة، ونرى أنَّ نعمةَ النُّبُوَّةِ أيضًا لها بركةٌ وقوّة. وإذا استطاعَتِ البركةُ البشريّةُ أن تحوِّلَ الطبيعة، فماذا نقولُ في التكريسِ الإلهيِّ حيث المسيحُ الفادي نفسُه هو الذي يفعلُ بقوّةِ كلمتِه؟ لأنَّ السرَّ الذي تقبلُه (أي الإفخارستيا) يتِمُّ بقوّةِ كلمةِ المسيح. إذا ٱستطاعَ النبيُّ إيليا أن يُنزِلَ بكلمتِه النارَ من السماء، ألا يستطيعُ المسيحُ أن يحوِّلَ بكلمتِه طبيعةَ الكائنات؟ قرَأْتَ عن جميعِ أعمالِ هذا الكونِ أنّها تمّتْ بقوّةِ كلمةِ الله، كما جاءَ في المزمور: “بكلمةِ الرَّبِّ صُنِعَتِ السموات، وبروحِ فمِهِ صُنِعَ كُلُّ جيشِها. إنَّهُ قَالَ فَكَانَ، وَأمَرَ فَوُجِدَ” (مزمور 33: 6، 9). فإنِ ٱستطاعَ المسيحُ بكلمتِه أن يوجِدَ من العدمِ ما لم يكُنْ موجودًا، أفلا يستطيعُ بكلمتِه أيضًا أن يحوِّلَ طبيعةَ الموجودِ إلى طبيعةٍ لم تكُنْ فيه؟ خَلْقُ الكائناتِ هو أمرٌ أعظمُ بكثيرٍ من تحويلِ طبيعتِها.
ولماذا نلجأُ إلى البراهين؟ لننظُرْ بالأحرى إلى الأمثلةِ والأسرارِ التي نراها في التجسُّدِ لنُدرِكَ سرَّ الحقيقة. هل وُلِدَ يسوعُ المسيحُ من مريمَ البتولِ بحسبِ سُنَّةِ الطبيعة؟ بحسبِ سُنّةِ الطبيعةِ تَلِدُ المرأةُ من الرجل. فمن الواضحِ إذًا أنّ البتولَ وَلدَتْ على غيِر سُنَّةِ الطبيعة. وما نصنعُه في هذا السرِّ (أي الإفخارستيا) هو جسدُ المسيحِ المولودُ من بتول. فلماذا تطلبُ هنا ( أي في الإفخارستيا) سُنّةَ الطبيعةِ في جسدِ المسيح، والرَّبُّ يسوعُ نفسُه وُلِدَ من البتولِ على غيرِ سنَّةِ الطبيعة؟ فجسدُ المسيحِ نفسُه الذي ماتَ على الصليبِ ودُفِنَ هو حقًّا هذا الجسدُ الذي يُوجَدُ في هذا السرِّ (أي الإفخارستيا).
قالَ الربُّ يسوعُ نفسُه: “هذا هو جسدي”. قبلَ التلفُّظِ بهذه الكلماتِ كانَ شيئًا آخَر. وبعدَها، (أي بعدَ كلماتِ التقديسِ) صارَ جسدًا. ثم قال: “هذا هو دمي”. قبلَ كلماتِ التقديسِ كانَ شيئًا آخَر. وبعدَ كلماتِ التقديسِ صارَ دمًا. وأنتَ تقولُ: آمين. أعني: “حقًّا هو كذلك”. فليعترفِ العقلُ إذًا بما ينطقُ به الفم، وليُقِرَّ الوِجدان بما يسمعُه عِبرَ الكلام.
ولهذا عندما ترى الكنيسةُ هذه النعمةَ الكبيرة، فإنّها تحُثُّ أبناءَها والمقرَّبين فيها على الإقبالِ على هذا السِّرِّ: “كُلُوا أيُّها الأخِلاء، اشرَبُوا وَاسكَرُوا أيُّها الأحِبَّاء” (نشيد 5: 1). ماذا نأكلُ وماذا نشرب؟ قالَ الروحُ القدسُ في مكانٍ آخَرَ على لسانِ النبي: “ذُوقُوا وَٱنظُرُوا مَا أطيَبَ الرَّبَّ، طُوبَى لِلرَّجُلِ المُعتَصِمِ بِهِ” (مزمور 34: 9). المسيحُ هو حقًّا في هذا السرّ، لأنَّ هذا هو جسدُ المسيحِ حقًّا. وليسَ هو طعامًا جسديًّا بل هو طعامٌ روحي. ولهذا قالَ الرسولُ بولس في الآياتِ التي ترمُزُ إليه إنّ آباءَنا “أكَلُوا طَعَامًا رُوحِيًّا، وَشَرِبُوا شَرَابًا رُوحِيًّا” (1 قورنتس 10: 3). جسدُ الله هو جسدٌ روحي، وجسدُ المسيحِ هو من الروحِ القدس، لأنّ الروحَ هو المسيح، كما نقرأ: “إن الرَّوحَ أمامَ وجهِنا هو المسيحُ الرب” (المراثي 4: 20 بحسب الترجمة السبعينية). وقال القديسُ بطرس في رسالته: “ماتَ المسيحُ من أجلِكم”. وأخيرًا إنَّ هذا الطعامَ يقوّي قلبَنا وهذا الشرابَ يفرِّحُ قلبَ الإنسان (مزمور 104: 15) كما قال النبي.
…………………
تكثير الخبز القدّيس أفرام السريانيّ (نحو 306 – 373)، شمّاس في سوريا ومعلم الكنيسة
شرح للإنجيل
»ومَلأُوا اثنَتَيّ عَشْرَةَ قُفَّةً مِنَ الكِسَرِ التي فَضَلَت عنِ الآكِلينَ«
في طرفة عينٍ كثَّر الرَّبُّ القليل من الخبز. لقد فعلت أصابعه العشرة بلحظةٍ واحدة عملاً يتطلّب عشرة أشهر من العمل البشري… غير أنّ مقياس هذه الأعجوبة لم يكن قدرة الرَّبّ بقدر ما كان جوع النّاس الحاضرين. لأنَّنا لو أردنا أن نقيس هذه الأعجوبة على مقياس قدرة الرَّبِّ لا ما كان تقييمها أمرًا ممكناً. أمَّا بكوننا نقيّم هذه الأعجوبة على مقياس جوع النّاس فإنَّ المعجزة فاقت بكثير الكِسَرِ الَّتي فَضَلَت عنِ الآكِلينَ والّتي جمعها الرُّسل ومَلأُوا بها ٱثنَتَي عَشْرَةَ قُفَّةً. يقول الحِرفيون أنَّ القوّة تنبع من الرّغبة الّتي في داخل زبائنهم لذلك لا يستطيعون أن يحقِّقوا كلَّ شيء. وبالعكس من ذلك فإنَّ أعمال الله تتخطّى كلَّ رغبة.
بعد أن شبع الجمع في البرّية – كما شبع الشّعب الإسرائيلي من قبل بفضل صلاة موسى- صرخوا قائلين: “حَقًا، هذا هوَ النَّبِيُّ الآتي إِلى العالَم” وكانوا بصرختهم تلك يلمّحون إلى كلام موسى في سفر تثنية الإشتراع: “يُقيمُ لَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَبِيًّا” إنَّما ليس أي نبي بل “نبي مِثْلي” (تث 18: 15) سوف يشبعكم في البرّية. مثلي سيمشي على الماء ومثلي سيظهر في “الغمام النّير” (مت 17: 5) ومثلي سيحرِّر شعبه… لقد أعطى أمّه ليوحنّا عند أقدام الصّليب كما سلّم موسى قطيعه ليشوع بن نون… لكن خبز موسى لم يكن كاملاً فقد أعطي فقط للشعب العبراني. أمّا ربّنا، فقد أراد أن يكون عطاءُه أشمل من عطاء موسى وأن تكون دعوة الشعّوب أكمل من دعوة موسى فقال:” أَنا الخبزُ الحَيُّ الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّماء مَن يَأكُلْ مِن هذا الخُبزِ يَحيَ لِلأَبَد. والخُبزُ الَّذي سأُعْطيه أَنا هو جَسَدي أَبذِلُه لِيَحيا العالَم” (يو 6: 51)
…………………
حِكمةُ اللهِ مزجت لنا خمرًا وأَعدَّتْ لنا مائِدَة من كتاب التفسير لبروقوبيوس أسقف غزه في سفر الأمثال
(فصل 9: PG 87-1: 1299-1303)
حِكمَةُ اللهِ مَزجَتْ لنا خمرًا وأَعدَّتْ لنا مائِدَة
“الحكمةُ بَنَتْ لها بيتًا” (أمثال 9: 1). إنّ قدرةَ اللهِ الآبِ القائمةَ بقوَّتِها الذاتيّةِ أعدَّتْ لنفسِها مَقَرًّا، هو العالَمُ كلُّه، المَرئِيُّ وغيرُ المَرئِيّ، وهو مخلوقٌ على صورةِ اللهِ ومثالِه، وفيه تُقيمُ بقوَّتِها.
“وَنَحَتَتْ أعمِدَتَهَا السَّبعَةَ” (أمثال 9: 1)، ومنحَتِ الإنسانَ المصوَّرَ بعدَ الخلقِ بصورةِ المسيح مواهبَ الروحِ القُدُسِ السَّبع، ليؤمنَ بالمسيحِ ويحفظَ وصاياه. وبقوَّةِ هذه المواهب، تُنعِشُ المعرفةُ الفضيلةَ، وبالفضيلةِ تَظهَرُ المعرفة، فيُكَمَّلُ الإنسانُ الرُّوحي، إذ يُرَسَّخُ في الإيمانِ ويشارِكُ في الخيراتِ الفائقةِ الطبيعة (2بطرس 1: 3-4).
هذه المواهبُ تَزيدُ نورَ العقلِ الطبيعي. فالقُوَّةُ تُؤَهِّلُ للبحثِ بحثًا حثيثًا عن مشيئةِ الله، وللرغبةِ في تحقيقِها في الأشياءِ بحسبِ طبيعتِها والغايةِ التي رتَّبَها الله لها. والمشورةُ تَرى أوامرَ الله المقدَّسة، غيرَ المخلوقةِ والأبديّةَ، وتُمَيِّزُها عمّا يُناقضُها، وتجعلُها موضوعَ فكرِنا وكلمتِنا وعملِنا. والفطنةُ تحمِلُ على قَبولِ مشيئةِ الله والعملِ بها وعلى نبذِ ما يخالفُها.
“مَزَجَتْ خمرَها في الكأسِ وأعدَّتْ مائدتَها”(ر. أمثال 9: 2).كما يَتِمُّ المَزجُ في الكأس، تَمَّ مَزجُ الطبيعةِ الروحيةِ والجسديةِ في الإنسان، وجمعَ الله فيه بينَ عِلمِ الأشياءِ ومعرفةِ خالقِ الإنسانِ والأشياء. والمعرفةُ تفعلُ فِعلَ الخمرِ في النفسِ فتَملأُها بالنَّشوةِ في كلِّ ما يتعلَّقُ بالله. ويُغَذِّي اللهُ النفوسَ بذاتِه هو الخبزُ السماوي، فيُمِدُّها بالقُوَّة، ويَملأُها بالمعرفةِ نَشوةً ولذّة. ويجعلُ من كلِّ هذا مِثلَ مَأْدُبَةٍ تَسبِقُ المأدُبةَ الروحيةَ المُعَدَّةَ لكلِّ مَن يَرغَبُ في المشاركةِ فيها.
“وأرسلَتْ خُدّامَها يُنادُون بأعلى صوتِهم إلى العَشاء” (أمثال 9: 3 ومتى 22: 3). أرسلَ اللهُ الرُّسُلَ، خُدَّامَ مشيئتِه الإلهيّة، ليُنادُوا بالإنجيل. والإنجيلُ من الرُّوح، وفوقَ الشريعةِ المكتوبةِ والطبيعية. وبه يدعو المسيحُ إلى نفسِه، وقد تَمَّ في ذاتِه، كما في الكأس، ولكن من غيِر خَلْط، ٱتحادُ الطبيعتَيْن الإلهيةِ والإنسانيةِ في وَحدةِ الأقنوم. وتنادي الحكمةُ بفَمِ خُدَّامِها: “مَن كانَ جاهلا فَلْيأتِ إليَّ” (أمثال 9: 4). الجاهلُ الذي يقولُ في قلبِه أنْ لا إله، ليَتـرُكْ كُفرَه، ولْيأتِ إليَّ فيؤمن. وليَعلَمْ أنّي أنا خالقُ الجميعِ ورَبُّهم.
“وَتَقُولُ لكُلِّ فَاقِدِ الرُّشدِ، هَلُمُّوا كُلُوا مِن خُبزِي وَٱشرَبُوا مِن الخَمرِ الَّتِي مَزَجْتُ” (أمثال 9: 4-5). لِمَنْ هم فُقراءُ بأعمالِ الإيمان، ولو كانوا أغنياءَ بعلمٍ آخر، تقول: “تعالَوْا كلوا جسدي، وهو الخبزُ الذي يمنحُكم القُوَّة؛ وٱشربوا دمي، وهو الخَمرُ الَّذي يَملأُكم سُرورًا بالمَعرِفَةِ، ويبلِّغُكم مرتبةَ الأُلوهيّة. لأَنِّي مَزَجْتُ دَمي باللاهوتِ مَزجًا عَجيبًا لِخلاصِكُم.
…………………
خبز الحياة القدّيس يوحنّا ماري فِيَنّي (1786 – 1859)،
مختارات من القدّيس يوحنّا ماري فينّي، كاهن وخوري آرس
الهبة التي منحنا إياها الله: القدّاس
لو اجتمعت الأعمال الخيّرة كلّها فهي لا تعادل التضحية التي تتجسّد في القدّاس الإلهي لأنّها أعمال صنعها الإنسان في حين أنّ القدّاس من صنع الله. والشهادة أيضًا ليست بشيء إن قارناها مع القدّاس، فهي تضحية الإنسان بحياته في سبيل الله في حين أنّ القدَّاس هو تضحية الله الذي بذل جسده وأهرق دمه في سبيل الإنسان. يرفع الكاهن صوته مبتهلاً فيتواضع الله وينزل من السماوات ويتخذ لنفسه مسكنًا في هذه القربانة الصغيرة. ويركّز الله ناظريه على المذبح قائلاً “هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت” (راجع متى 3: 17; مت17: 5).
وبٱستحقاقات هذه التضحية العظيمة لا يمكنه أن يرفض شيئًا. كم هذا جميل! بعد كلام التقديس، يتنازل الله ويكون حاضرًا على الأرض كما في السماوات!.. لو أدرك الإنسان عمق هذا السرّ جيّدًا لمات حُبًّا. يرأف الله بنا بسبب ضعفنا ولكن حبّذا لو آمنّا وفهمنا ثمن هذه التضحية المقدّسة لشاركنا في الذبيحة الإلهية بشغف أكبر!
…………………
“بدلاً من الضَّجَّة في الصُّحُف، إعمل الضَّجَّة أمامَ بيتِ القُربان”.
“يجب دائماً تخصيص ربع ساعة على الأقل في التَّحضير لحضور القُدَّاس بشكلٍ جيِّد. يجب أن نتواجَد أمامَ الرَّب، كما يتواجَد هو في حضورِه العميق في سِرِّ الإفخارِستيَّا. ويجب القيام بفحصِ الضَّمير، فللمُشارَكة بشكلٍ جيِّد بالقدَّاس يجب أن نكونَ في حالةِ النِّعمَة”.
“تعالوا إلى المناوَلة، تعالوا إلى يسوع، تعالوا عيشوا مِنه لكي تعيشوا مِن أجلِه”.
“عِندما نتناوَل ماذا تنفعُ كلماتُ البَشَر، حينَ يكونُ اللهُ هو المُتكلِّم؟ يجب أن نسمَعَ ما يقولُه اللهَ لقلبِنا”.
” حين نتناوَل ويسألُنا أحدُهم: ماذا تحمِلونَ لبيوتِكُم؟ عِندَها يُمكِنُنا أن نُجيب: نحمِلُ السَّماء”.
“نعلَمُ أنَّه عِندما تَنَل نفسٌ ما، وبٱستحقاق، سِرَّ الإفخارِستيَّا، تُصبِحُ متواضِعة وهادئة ولطيفة ومُضحِّية ومُحِبَّة ووضيعة في تعامُلِها معَ جميعِ البَشَر”.
“حينَ لا يُكِنُنا أن نأتي إلى الكنيسة، فلنوجِّه أنظارَنا وعقولَنا نحوَ بيتِ القُربان. فليسَ هُنالِكَ أيَّةُ جُدرانٍ يُمكِنُها أن توقِف الله أو تُبعِده عَنَّا”.
…………………
القديس كيرلس الإسكندري الأسقف ومعلِّم الكنيسة (376 – 444)
(الكتاب 4، 2:PG 73، 563- 566)
بَذَلَ المسيحُ جَسَدَهُ من أَجلِ حياةِ جميعنا
قالَ الرَّبُّ: أَموتُ أَنا من أَجلِ الجميعِ، ليَحيَا الجميعُ بي، ولأَفدِيَ بجَسَدي جَسَدَ الجميع. سيموتُ الموتُ بموتي، وبقيامتي ستقومُ الطبيعةُ البشريَّةُ التي كانَتْ قد سقطَتْ.
لهذا أصبَحْتُ شبيهًا بكم، إنسانًا من نسلِ إبراهيم، لأتشبَّهَ في كلِّ شيءٍ بإخوتي (عبرانيين 4: 15). وقد فَهِمَ بولسُ الرَّسولُ هذا الأمرَ فهمًا صحيحًا، فقال: “فَلَمَّا كَانَ الأبنَاءُ شُرَكَاءَ فِي الدَّمِ وَاللَحمِ، شَارَكَهُم هُوَ أيضًا فِيهِمَا مُشَارَكَةً تَامَّةً، لِيَكسِرَ بِمَوتِهِ شَوكَةَ ذَاكَ الَّذِي لَهُ القُدرَةُ عَلَى المَوتِ، أي إبلِيس” (عبرانيون 2: 14).
ولم يكُنْ من الممكِنِ أن يُدمَّرَ سلطانُ الموتِ بطريقةٍ أخرى. كانَ الموتُ نفسُه فوقَ الجميع، لو لم يبذِلِ المسيحُ نفسَه عنَّا: واحدٌ فدَى الجميع.
يقولُ في مكانٍ ما في المزاميرِ إنَّه يقرِّبُ نفسَه للهِ الآبِ قربانًا لا عيبَ فيه: “ذَبِيحَةً وَتَقدِمَةً لَم تَشَأْ، لَكِنَّكَ فَتَحْتَ أذُنَيَّ، وَلَم تَطلُبْ مُحرَقَةً وَذَبِيحَةَ خَطِيئَةٍ. حِينَئِذٍ قُلْتُ: هَاءَنَذَا آتٍ” (مزمور 39: 7- 9).
صُلِبَ من أجلِ الجميعِ وبسببِ الجميع، ماتَ واحدًا عن الجميعِ، لنحيَا جميعًا فيه. لأنَّه لم يكُنْ من الممكنِ أن تَبقَى الأُمورُ على طبيعتِها، فتَبقَى الحياةُ عُرضةً للموتِ أو تَهِنَ أَمامَ الفساد. لهذا بَذَلَ المسيحُ جَسَدَه من أَجلِ حياةِ العالم. وهذا ما يتبيَّنُ لنا من هذه الكلمات: “احفَظْهم، أيّها الآبُ القدّوس”، وأيضًا: “من أجلِهم أُقدِّسُ نفسي” (يوحنا 17: 11 و19).
قال: “أُقدِّسُ”، بَدَلَ أن يَقولَ: “أُكرِّسُ وأُقَرِّبُ” قُربانًا لا عيبَ فيه برائحةٍ عذْبَةٍ (أفسس 5: 2)، (عبرانيين 9: 12-14)، (1بطرس 1: 18-19). كانَ يُقدَّسُ، أو يُدعَى مقدَّسًا، بحسبِ الشريعة، ما كانَ يُقدَّمُ على المذبح. بَذَلَ المسيحُ إذًا جَسَدَه من أَجلِ حياةِ الجميع، وبذلك وضعَ حياتَه فينا. كيف كانَ ذلك؟ سوف أشرَحُ ذلك بقدرِ ما أستطيع.
بعدَ أن سكنَ كلمةُ اللهِ مانحُ الحياةِ في الجسد، فقد أصلحَ الجسدَ وثبَّتَه في الصلاحِ الذي هو خاصٌّ به أي الحياة. وٱتَّحدَ به بصورةٍ عجيبةٍ، وما له بحكمِ طبيعتِه الإلهيَّةِ منحَه إيّاه فجعلَه هو أَيضًا مُحيِيًا واهبًا للحياة.
ومن ثَمَّ فإنَّ جسدَ المسيحِ يُحيِي هؤلاء الذين يتَّحدون به، ويُقصِي الموتَ عن مَن هم عُرضةٌ للموت، والفسادَ عن مَن هم عُرضةٌ للفسادِ، لأنَّه يَحمِلُ في ذاتِه القوّةَ التي تُزيلُ وتُبيدُ كلَّ فساد.
…………………
مفهوم الإفخارستيا في كتابات القديس أغناطيوس الأنطاكي
لقد عَرَّف القدّيس إغناطيوس الأنطاكيّ (؟ – 107) عن المسيحيّين قائلًا “إنّهم الّذين توصَّلوا إلى الرَّجاءِ الجديد” ووصفهم قائلًا إنّهم “يحيون وفق يوم الأحد”. وفي هذا الإطار تساءل أسقف أنطاكيا: “كيف يمكننا أن نحيا بدون الرَّبِّ يسوعَ المسيح الّذي ٱنتظره الأنبياء؟ كيف بإمكاننا العيش من دونه؟”. ومن هنا نسمع في كلمات القدّيس إغناطيوس صدى تأكيدات الشهداء الّذين قالوا: “لا نستطيع العيش من دون يوم الأحد” ومن هنا أيضًا تنبع صلاتنا القائلة: “اجعلنا يا ربّ، نحن المسيحيّين اليوم أن نعيَ أهميّة الاحتفال بيوم الأحد وأن نعرفَ كيفَ ننتقي من المشاركة في الإفخارستيا الخطوة اللازمة لالتزامٍ جديد في التبشير بالمسيح “سلامنا” (أف 2: 14).
“في الإِفخارستيا نَكْسِرُ خُبزًا واحِدًا هو الدَّواءُ الَّذي يَكفَلُ لنا الخُلود، والتِّرياقُ الَّذي يَحولُ دونَ موتِنا، بل يُتيحُ لنا أَنْ نحيا في يسوعَ المسيحِ دائِمًا”.
” الإفخارسيتا هي كدواءٍ للخلود وترياقاً لعدم الموت”.
“إِجتهدوا إِذًا في أن تشتركوا في إفخارستيا واحدة. هناك جسدٌ واحدٌ لربِّنا يسوعَ المسيح، وكأسٌ واحدةٌ لدمِه الواحد، ومذبحٌ واحد؛ كما أنَّ هناك أسقفًا واحدًا مع جماعةِ الكهنةِ والشمامسةِ شركائي في الخدمة. فما تصنعونه إِصنَعُوه بحسبِ مشيئةِ الله”.
“إِنِّي أجوعُ إلى خُبْزِ الله، الَّذي هو جَسَدُ يسوعَ المسيح، المولودِ من ذُرِّيَّةِ داود، وإِنِّي أَعطشُ إِلى دَمِ ذاكَ الَّذي هو المَحَبَّةُ الخالِدَة”.
“الطَّعامُ الفاني لَمْ يَعُدْ له لَذَّةٌ، ولا مَباهِجُ هذا العالَم. أُريدُ خُبزَ الله، أَي جَسَدَ يسوعَ المسيح، المَولودِ مِن نَسلِ داود. وأريدُ دَمَه شَرابًا، فهو المَحَبَّةُ الَّتي لا تَفنَى”.
…………………
من كتابات القديس هيلاريوس الأسقف (315-367)
نَهرٌ فُرُوعُهُ تُفَرِّحُ مَدِينَةَ الله
“نَهرُ اللهِ ٱمتَلأ مِيَاهًا، وَقد أعدَدْتَ لهم طعامًا: هذا هو إعدادُكَ” (مزمور 64: 10). لا مجالَ للشَّكِّ في طبيعةِ هذا النَّهر. يقولُ النَّبِيّ: “هُنَاكَ نَهرٌ فُرُوعُهُ تُفَرِّحُ مَدِينَةَ الله” (مزمور 45: 5). وقالَ الرَّبُّ نَفْسُه في الإنجيلِ المُقَدَّس: “أمَّا الَّذِي يَشرَبُ مِنَ المَاءِ الَّذِي أُعطِيهِ أنَا إيَّاُه، يَصِيرُ فِيهِ عَينَ مَاءٍ يَتَفَجَّرُ حَيَاةً أبَدِيَّةً” (يوحنا 4: 14). وأيضًا: “مَن آمَنَ بِي، كَمَا وَرَدَ فِي الكِتَابِ، سَتَجرِي مِن جَوفِهِ أنهَارٌ مِنَ المَاءِ الحَيِّ. وَأرَادَ بِقَولِهِ الرُّوحَ الَّذِي سَيَنَالُهُ المُؤمِنُونَ بِهِ” (يوحنا 7: 38- 39). نَهرُ اللهِ هذا إذًا ممتلئٌ مياهًا: فتَغمُرُنا مَواهِبُ الرُّوحِ القُدُس، ومِن يَنبوعِ الحياةِ هذا يَصُبُّ فينا نَهرُ الله المُمتَلِئُ مياهًا. ولنا أيضًا طعامٌ مُعَدٌّ.
وما هو هذا الطَّعام؟ هو الطَّعامُ الَّذي نُعَدُّ به للمشاركةِ في حياةِ الله، بتناولِ الجَسَدِ المُقَدَّسِ الَّذي يُقيمُنا فيما بَعدُ في شَرَكَةٍ ووَحدَةٍ مع الجَسَدِ المُقَدَّسِ نَفْسِه. هذا ما عَناه هذا المزمورُ بقولِهِ: “وَقد أعدَدْتَ لهم طعامًا: هذا هو إعدادُكَ”. فبهذا الطعامِ ننالُ الخلاصَ في الحاضر، ولكنَّه يُعِدُّنا أيضًا للمستقبَل.
نَحنُ المولودِونَ جَديدًا بِسِرِّ المَعمودِيَّةِ يَغشانا فَرَحٌ عَظيمٌ إذ نشعُرُ بمبادئِ عملِ الرُّوحِ القُدُسِ فينا، وإذ ننالُ فَهمَ الأسرار، وعِلمَ النُّبؤاتِ، وكلامَ الحكمةِ، وثباتَ الرَّجاءِ، ومَواهِبَ الشِّفاءِ، والسُّلطَةَ على الشَّياطينِ الخاضِعَة. كلُّ هذا ينفَذُ فينا مثلَ النَّدى، ينفَذُ فينا شيئًا فشيئًا ثمَّ يَفيضُ بالثِّمار.
…………………
معجزة تكثير الخبز والسمك والبابا بندكتوس السادس عشر، بابا روما من 2005 إلى 2013
الإرشاد الرسولي: سرّ المحبّة (Sacramentum Caritatis)، العدد 88
»لا حاجَةَ بِهِم إِلى الذَّهاب. أَعطوهم أَنتُم ما يأكُلون«
“الخُبزُ الَّذي سأُعْطيه أَنا هو جَسَدي أَبذِلُه لِيَحيا العالَم” (يو 6: 51). كشف الرَّب بهذه الكلمات عن المعنى الحقيقيّ لهبة حياته للبشرية جمعاء، وأظهر لنا أيضًا محبته العميقة لكلّ إنسان. ففي الواقع، تظهر لنا الأناجيل مرات عدة المشاعر التي ٱنتابت الرّب يسوع حيال البشر، وعلى وجه الخصوص المعذَّبين والخاطئين منهم. فمن خلال شعور بشريّ عميق، يعبّر عن رغبة الرّب الخلاصية لكلّ إنسان بأن يبلغ الحياة الحقة. يجسّد كل احتفال بالإفخارستيا سرّ الهبة التي قام بها الرّب يسوع إذ أفاض حياته على الصَّليب لأجلنا ولأجل العالم أجمع. وفي الوقت عينه، في الإفخارستيا، جعل منّا الرّب يسوع شهودًا على محبة الرَّب لكلّ من إخوتنا وأخواتنا. وبذلك تولد حول سر الإفخارستيا خدمة محبة القريب، التي “تنبع من محبتي للشخص الذي لا أقدّره ولا أعرفه بالرّب يسوع المسيح ومعه. ولا يمكن لذلك أن يتحقق إلاَّ من خلال لقاء حميم مع الرَّب، لقاء تحوّل لمشاركة في الرغبة التي تذهب إلى حدّ لمس الشعور. وبذلك أتعلّمُ كيف أرى الشخص الآخر، لا بعينيّ ومشاعري فحسب، إنمّا من منظار الرّب يسوع المسيح”. بهذا الشكل، أرى في الأشخاص الذين أقاربهم إخوة وأخوات بذل الرب حياته لأجلهم “وكانَ قد أَحَبَّ خاصَّتَه الَّذينَ في العالَم، فَبَلَغَ بِه الحُبُّ لَهم إِلى أَقْصى حُدودِه.” (يو 13: 1).
…………………
ينبوع الحياة وخبزة الحياة القديس كولومبانس رئيس الدَّير (563- 615)
(الإرشاد 13: المسيح ينبوع الحياة، 1-2: المجموعة الكاملة،
دبلين 1957، 116-118)
إِنْ عَطِشَ أحَدٌ فَلْيُقبِلْ إِلَيَّ وَلْيَشرَبْ
أَيُّها الإِخوةُ الأَعِزَّاء، إِفتحوا آذانَكُم لأَقوالي. ما أَقولُه مِنَ الضَّروريِّ أَنْ تَسمَعوه. أُروُوا عَطَشَ نُفوسِكُم إِلى مياهِ اليَنبوعِ الإِلَهِيِّ الَّذي نَشتَهيه الآن، ولا تُطفِئوا عَطَشَكُم. إِشربوا ولا تَرتووا. فاليَنبوعُ الحَيِّ، يَنبوعُ الحَياة، يَدعونا إليه ويقول: “إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقبِلْ إلَيَّ وَلْيَشرَبْ” ( يوحنا 7: 37).
إِنتبهوا وٱفهموا ماذا تَشربون. إِسمعوا إِرميا النبيَّ يَقولُ لَكُم، إِسمَعوا يَنبوعَ الحَياةِ نَفْسَه يَقولُ لَكُم: “تَرَكُونِي أنَا يَنبُوعَ المِيَاهِ الحَيَّةِ” (إرميا 2: 13). الرَّبُّ نَفْسُه إِذًا، ربُّنا وإِلهُنا يسوعُ المسيحُ هو يَنبوعُ الحَياة. ولهذا يَدعونا إِليه أَي إِلى اليَنبوعِ لِنَشْرَبَ. يَشرَبُ مَن يُحِبُّه. يَشْرَبُ مَن يَشبَعُ مِن كَلِمَةِ الله. يَشْرَبُ مَن رَغِبَ بِكفايَةٍ ومَن أَحَبَّ بكفاية. يَشْرَبُ مَن ٱتَّقَدَ بِحُبِّ الحِكمَة.
أُنظروا مِن أَينَ يَتَدَفَّقُ هذا اليَنبوع: يَأتي مِن حيثُ يَنزِلُ الخُبزُ. لأَنَّ الخُبزَ واليَنبوعَ هو نَفْسُه الإِبنُ الوَحيدُ، ربُّنا وإِلهُنا يسوعُ المسيح. وهو الَّذي يَجِبُ أَنْ نَجوعَ إِليه دائِمًا. ومَعَ أَنَّنا نَأْكُلُه إِذا أَحبَبْنَاه، ونَقبَلُه في نُفوسِنا إِذا رَغِبْنا فيه، يَجِبُ أَنْ نَبقى جائِعين إِليه فَنَبقى راغِبينَ فيه. هو اليَنبوعُ، فَلْنَشرَبْ مِنه بِمَحَبَّتِنا الفائِضَةِ، لِنَشْرَبْ مِنه بِرَغْبَتِنا الشَّديدَةِ إِليه. ولْنَتَمَتَّعْ بِعُذوبَةِ حلاوتِهِ.
عَذْبٌ وطَيِّبٌ هو الرَّبُّ. كُلَّما أَكَلْنا وشَرِبْنا، لِنَزْدَدْ دائِمًا جوعًا وعَطَشًا إِليه، لأَنَّه طَعامُنا وشَرابُنا، ولا يُمكِنُ أَنْ نَأْخُذَه أَو أَنْ نَشْرَبَه كُلَّه مَرَّةً واحِدَة. يُؤخذُ ولا يَنْفَدُ، ويُشْرَبُ مِنه ولا يَجِفُّ، لأَنَّ خُبزَنا أَبَدِيٌّ ويَنبوعَنا دائِمٌ، لأَنَّ يَنبوعَنا عَذْبٌ. ولِهذا يَقولُ النَّبِيُّ: “أَيُّها العِطاشُ جَمِيعًا، هَلُمُّوا إِلى المِياه” (أشعيا 55: 1). هذا هو يَنبوعُ العِطاشِ الَّذينَ لا يَرتَوون. ولهذا يَدعو إِليه أَيضًا الجِياعَ الَّذينَ طَوَّبَهم في مَكانٍ آخَرَ، والَّذينَ لا يَرتَوون أَبَدًا مَهما شَرِبوا، بَلْ بِقَدْرِ ما يَشرَبونَ يَزدادُ عَطَشُهُم إِلى اليَنبوعِ (يشوع بن سيراخ 24: 19-22).
إِنَّه لَحَقٌّ، أَيُّها الإِخوَة، أَنْ نَشتَهِيَ “يَنبوعَ الحِكمَةِ كَلِمَةِ اللهِ العَلِيِّ” (يشوع بن سيراخ 1: 5)، وأَنْ نَطْلُبَه وأَنْ نُحِبَّه. هو مَن قالَ الرَّسولُ عَنه: “ٱستَكَنَّتْ فِيهِ جَمِيعُ كُنُوزِ الحِكمَةِ وَالمَعرِفَةِ” (قولسي 2: 3). وهو الَّذي يَدعو العِطاشَ لِيَشرَبوا.
فٱشْرَبْ مِن يَنبوعِ الحَياةِ إِذا عَطِشْتَ. وكُلْ مِن خُبزِ الحَياةِ إِذا جُعْتَ. طُوبى للجِياعِ إِلى هذا الخُبزِ والعِطاشِ إِلى هذا اليَنبوع. كُلَّما أَكلوا وشَرِبوا ٱزدادوا رَغْبَةً في الأكلِ والشُّرْبِ. لأَنَّه في غايَةِ العُذوبَةِ، هو الَّذي يؤكَلُ ويُشْرَبُ دائِمًا. ويَبقى الجوعُ والعَطَشُ إِليه شَديدًا. يَتَذَوَّقُه الجائِعُ دائِمًا ويَشتَهيه دائِمًا. ولِهذا يَقولُ المَلكُ النَّبِيّ: “ذُوقُوا وٱنظُرُوا ما أَطيَبَ الرَّبَّ” (مزمور 33: 9) وما أَعْذَبَهُ.
…………………
في الإفخارستيا للقديس يوحنا الذَّهبيِّ الفَم
“كثيرٌ من النِّساءِ، بعد ٱحتمالِهِنَّ آلامَ الوِلادة، يُسلِمْنَ أطفالَهُنَّ لغيرِهِنَّ كي يُربِّيَنَّ إيَّاهُم. أمَّا المسيحُ فلا يقدِرُ أن يحتَمِلَ أن يقوتَهم آخرون، بل يُقَدِّمُ لهم جَسَدَه بِكُلِّ طريقةٍ أو أُخرى، ويجْعَلَهُم واحِدًا معه”.
“عِندَما تكونوا مُزمعينَ أَنْ تتقدَّموا نَحوَ هذِه المائِدَةِ الإِلهيَّةِ الرَّهيبَة، نَحوَ هذِه الميساغوجيا الشَّريفَة، تَقَدَّموا بِخَوفٍ ورِعدَة، بِضَميرٍ طاهِر، بِصَومٍ وصَلاة، دونَ أَنْ تُحدِثوا جَلَبَة، دونَ أَنْ تُسمَعَ أصواتُ أَقدامِكُم، دونَ أَنْ يَدْفَعَ الواحِدُ الآخَر. لأَنَّ هذه الفوضى هي أَكبَرُ دليلٍ على ٱستخفافِنا بالأَسرارِ المُقدَّسَةِ وعَدمِ ٱكتراثِنا. لماذا أَنتَ في عَجَلَة؟ هل تَضغَطُكَ الحاجَةُ لِتُنهي أَشغالَكَ؟ أَو لَرُبَّما يَعبُرُ في خاطِرِكَ في تِلكَ السَّاعةِ فِكْرٌ أَنَّ لديكَ أَعمال؟ لَرُبَّما لديكَ شعورٌ أَنَّكَ على الأَرض؟ أَو تعتقد أَنَّكَ مَعَ بَشَر؟”.
…………………
في الإفخارستيا أقوال القديس ألبرتس الكبير الأسقُف ومعلِّمُ الكنيسة
“لَقَد خَصَّنا المسيحُ بحُبٍّ عَظيمٍ حتَّى إِنَّه وحَّدنا بِهِ فصارَ واحِدًا مِنَّا إِلى دَرجةِ الدُّخولِ في عُروقِنا”.
“إِصنَعُوا هَذَا لِذِكرِي” (لوقا 22: 19). إنّنا نلاحِظُ في هذا الكلامِ أمرَيْن. الأولُ هو أمرٌ بٱستخدامِ هذا السِّرِّ، يظهَرُ ذلك من قولِه: “اصنَعُوا هَذَا”، والثاني أنَّه ذِكرَى لموتِ الرَّبِّ”.
“قالَ: “إِصنَعُوا هَذَا”. لم يَقدِرْ أن يُعطِيَ أمرًا فيه فائدةٌ أكبرُ وعُذوبةٌ أقوى، وخلاصٌ أشمَلُ، ومحبَّةٌ أعظمُ، وشَبَهٌ أقربُ بالحياةِ الأبديَّةِ. ونُبَيِّنُ هذا بالتفصيلِ”.
“مِن حيثُ الفائدةُ، فهو مفيدٌ لمغفرةِ الخطايا، ومفيدٌ جدًّا لتحقيقِ مِلءِ النِّعمةِ فينا في هذِه الحياةِ. فإنَّ أَبَ أَرواحِنا يُعَلِّمُنا ما هو مفيدٌ لَنا إذا ما قَبِلْنا عملَ تقديسِه فينا. وتقديسُه لنا يَعني تَقدِمَةَ ذاتِه ذبيحةً عنَّا: قدَّمَ نفسَه في السِّرِّ، فقدَّمَ نفسَه للآبِ من أجلِنا، وقدَّمَ نفسَه غذاءً لنا. قال: “أُكَرِّسُ نَفسِي مِن أَجلِهِم” (يوحنا 17: 19). فَالمَسِيحُ “الَّذِي قَرَّبَ نَفسَهُ إلَى اللهِ بِالرُّوحِ القُدُسِ قُربَانًا لا عَيبَ فِيهِ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَنَا مِنَ الأعمَالِ السَّيِّئَةِ لِنَعبُدَ اللهَ الحَيَّ” (عبرانيون 9: 14)”.
“لا نَقدِرُ أَنْ نَعمَلَ شيئًا أكثرَ عُذوبةً. وفي الواقعِ أيُّ شيءٍ أَعذَبُ من الأمرِ الذي فيه أظهرَ اللهُ لنا كلَّ عذوبَتِهِ؟ “قَدَّسْتَ لَهُم مِنَ السَّمَاءِ خُبزًا مُعَدًّا لَم يَتعَبُوا فِيهِ، خُبزًا يُوَفِّرُ كُلَّ لَذَّةٍ وَيُلائِمُ كُلَّ ذَوقٍ. لأنَّ المَادَّةَ الَّتِي مِن عِندِكَ كَانَتْ تُظهِرُ عُذُوبَتَكَ لأبنَائِكَ، وَتَخضَعُ لِشَهوَةِ مُتَنَاوِلِهَا، فَتَتَحَوَّلُ إلَى مَا شَاءَ كُلُّ وَاحِدٍ” (حكمة 16: 20- 21)”.
“لم يَقدِرْ الرَّبَّ أَنْ يأمُرَ بِشَيءٍ خلاصِيٍّ أكثرَ منه. هذا هو في الواقعِ السِّرُّ الذي هو ثمرةُ شجرةِ الحياةِ، الَّذي إذا تناولَهُ أحدٌ بتَقوى وإيمانٍ صادِقٍ، لا يذوقُ الموتَ أبدًا. “هِيَ شَجَرَةُ الحَيَاةِ لِلمُتَعَلِّقِينَ بِهَا. وَمَن تَمَسَّكَ بِهَا فَلَهُ الطُّوبَى” (أمثال 3: 18)، “والَّذِي يَأكُلُنِي سَيَحيَا بِي” (يوحنا 6: 57)”.
“لم يَقدِرْ الرَّبَّ أَنْ يأمُرَ بِشَيءٍ أحَبَّ. فهذا هو السرُّ الذي يَصنَعُ المَحَبَّةَ والوَحدَةَ. إذ إنَّ أكبرَ دليلٍ على المَحَبَّةِ هو أن يَبذِلَ نفسَه غذاءً لنا. “أَلَم يَكُنْ أَهلُ خَيمَتِي يَقُولُونَ: مَن يَأتِي بِأَحَدٍ لَم يَشبَعْ مِن لَحمِ مَائِدَتِهِ”؟ فكأنَّه يقولُ: أَحبَبْتُهم حُبًّا شديدًا، وهم أَحبُّوني، إِلى حَدِّ أَنِّي ٱشتَهَيْتُ أَنْ أَكونَ في أَحشائِهِم، وهُم ٱشتَهَوْا أَنْ يَتَناولوني لِيَصيروا أَعضاءً مُتَجَسِّدين فِيَّ. فلم يَقدِروا أَنْ يَتَّحِدُوا بي، ولا أَنا بهم، بِصُورةٍ طَبيعيَّةٍ وحَميمَةٍ أَكثرَ مِن هذِه”.
“لم يقدِرْ الرَّبَّ أَنْ يأمُرَ بِشَيءٍ أقربَ شَبَهًا بالحياةِ الأبديَّةِ. فٱستمرارُ الحياةِ الأبديَّةِ يأتي من أنَّ اللهَ يُفِيضُ عُذوبتَهُ على مَن يَسيرون أمامَه سِيرةَ الطُّوباويِّين”.
…………………
القديسة فوستينا (1905 – 1938)
“أَيَّتُها القُربانَةُ الحَيَّةُ، قُوَّتي الوَحيدة، يا نَبْعَ المَحَبَّةِ والرَّحمة، عانِقي العالَمَ أَجمَع، وشَدِّدي النُّفوسَ الَّتي تَرزَحُ وتُحبَط”.
…………………
القديس إيرناوس الأُسقُف الشَّهيد (135- 203)
“إِنْ لم يكُنْ خلاصٌ للجسد، لم يفتَدِنا الرَّبُّ إِذًا بدَمهِ، وليسَ كأسُ الإفخارستيا مشاركةً في دمِه، ولا الخبزُ الذي نَكسِرُه هو مشاركةٌ في جسدِه (1قور 10: 16) ليسَ الدمُ إلا شيئًا من الشَّرَايينِ واللحمِ وسائرِ مادّةِ الجسد. وقد صارَ كلمةُ اللهِ حقًّا جسدًا مثلَ هذا، ففَدانا بدمِه، كما قالَ الرَّسُول: “فَكَانَ لَنَا فِيهِ الفِدَاءُ بِدَمِهِ، أي الصَّفحُ عَنِ الزَّلاتِ” (أفسس 1: 7).
القديس قبريانوس الاسقف الشهيد
“لِنَنسلَّحْ بيمينِنا بسيفِ الرُّوح، فنرُدَّ ونُبعِدَ ذبائحَ الشَّرِّ، ونذكُرَ الإفخارستيا التي بها نَتناوَلُ جَسَدَ الرَّبِّ، فنأخذَ مِنَ الرَّبِّ فيما بعدُ مُكافَأَةَ الإكليلِ السَّماويِّ”.
من عظة فصحيَّة لكاتب قديم (جديد)
“هُنا يسطعُ بهاءُ الشُّموع، تحتَ شجرةِ الإيمان، في حَشا الجرنِ الطَّاهِر. هُنا يَتَقَدَّسُ المؤمنون بنعمةِ السَّماء، ويَتَغَذَّوْن بِسِرِّ أسرارِ الحياةِ الرُّوحيّة”.
من التعاليم الأورشليمية
“بما أنّه هو الذي تلفّظَ بهذا الكلامِ وقالَ على الخبزِ: “هذا هو جسدي”، فمَن يَجرؤُ بعدَ ذلك أن يَشُكَّ ويتردَّدَ؟ ولما أكّدَ هو نفسُه وقال: “هذا هو دمي”، فمن يشكُّ فيقولَ إنّه ليسَ دمَه؟”.
“فَلْنَتقدَّمْ إذًا، وَلْنَأخُذِ الجَسَدَ والدَّمَ ونَحنُ مُقتَنِعونَ بأنّهما جَسَدُ المَسيحِ ودَمُه. فالجَسَدُ يُعطى لكَ بصورةِ الخُبز، والدَّمُ يُعطَى لكَ بصورةِ الخَمر، حتَّى إذا أخذْتَ جَسَدَ المَسيحَ ودمَه، أصبحْتَ وكأنّك جَسَدٌ واحِدٌ ودَمٌ واحِدٌ مع المَسيح. هكذا نُصبحُ نَحنُ “حاملِي المَسيح”، بعدَ أن ٱنتشرَ جَسَدُه ودمُه في أعضائِنا. وهكذا نُصبحُ، على حَدِّ تعبيِر الطوباويِّ بطرس، “شركاءَ في الطبيعةِ الإلهيّة”.
“كانَ في العهدِ القديمِ أيضًا خبزُ التَّقدِمَة. إلاَّ أنّه أُلغِيَ الآن مع نهايةِ العهدِ القديم. أمّا في العهدِ الجديدِ فيوجَدُ خبزُ السَّماءِ وكأسُ الخلاصِ المُقَدِّسان للنَّفسِ والجَسَد. فكما أنَّ الخبزَ ضروريٌّ للجَسَد، كذلكَ الكَلِمَةُ ضَروريةٌ للنَّفس”.
“لا تنظُرْ إذًا إلى الخُبزِ والخَمرِ في الإفخارستيا، وكأنّهما عناصِرُ طَبيعِيَّةٌ فقط، إذ هما جَسَدُ المَسيحِ ودمُه، كما أكَّدَ ذلك الرَّبُّ نفسُه. قد تُوحِي إليكَ الحواسُّ غيرَ ذلك، ولكنَّ الإيمانَ يؤكِّدُ لك ذلك ويثبِّتُه”.
“تَعَلَّمْ هذا وتأكَّدْ بإيمانِكَ أنَّ ما يبدو لكَ خبزًا ليسَ بِخُبز، ولو كانَ كذلك في المَذاق، بل هو جَسَدُ المَسيح؛ وأنّ ما يبدو لكَ خَمرًا ليسَ بِخَمر، ولو كانَ كذلك في المَذاق، بل هو دَمُ المَسيح. ثبِّتْ قلبَكَ إذًا بتناولِ هذا الخُبزِ على أنّه خبزٌ روحيٌّ، ولْتملأْ البَهجَةُ أساريرَ وَجْهِكَ”.
القديس يوحنا الذهبي الفم
“أَرأَيتُم كيفَ أنَّ المسيح َيوَحِّدُ عروسه بذاتـه؟ أرأيتم بأي طعامٍ يُغذِّينا جَميعًا؟ إنـَّه نَفْسُ الطَّعامِ الَّذي بـه نولَدُ ونَتَغَذَّى. وكما تُغذِّي المرأةُ طفلَها بدمِها ولَبَنِـها، هكذا أيضًا يُغذَّي المسيحُ بٱستمرارٍ الَّذينَ أَنجبـَهُم بِدَمِه. وطالما أنَّنا ٱنتفعنا بـهذه العَطيَّةِ العَظيمَةِ فلنُظْهِرْ غَيرةً فيَّاضة، ولْنَذكُر العَهدَ الَّذي أَبرمناه مَعه”.
القديس أغسطينوس
“إذا جلَسْتَ تأكلُ مع قَوِيٍّ، فَتَأَمَّلْ أشدَّ التَّأَمُّلِ في ما هو أمامَك، ثُمَّ ٱغمِسْ بيدِكَ، وٱعلَمْ أنّك يَجِبُ أَنْ تُهيِّئَ طعامًا مِثلَه” (أمثال 23: 1- 2). وما هي مائدةُ القَوِيِّ إِلاَّ حيثُ يُؤخَذُ جَسَدُ المَسيحِ ودمُه الَّذي بذلَه من أجلِنا؟ وما معنى أن نَجلِسَ إليها إِلاَّ أَن نَتَقَدَّمَ منها بتواضُع؟ وما معنى “تأمَّلْ أشدَّ التَّأمُّلِ في ما هو أمامَك”، إِلاَّ أَنْ تَتَأَمَّلَ في عِظَمِ هذه النِّعمَة؟ وما معنى “إِغمِسْ بيدِكَ، وٱعلَمْ أنّك يَجِبُ أَنْ تُهيِّئَ طعامًا مثلَه”، إِلاَّ ما قلتُه سابقًا: أي كما أنَّ المسيحَ بذلَ نفسَه في سبيلِنا كذلك يجبُ أن نبذِلَ نَفْسَنا في سَبيلِ إِخوتِنا؟”.
القديس بطرس كريزولوغوس الأسقف ومعلم الكنيسة (380- 450)
“ذبيحةُ المسيحِ هذه ٱتَّخذَتْ صورتَها من الصورةِ التي بها قدَّمَ المسيحُ للهِ جسدَه ذبيحةً لحياةِ العالم (يو 6: 51)، (أفسس 5: 2)، (عبر 9: 14)، (1بط 1: 18-19). فجعلَ جَسَدَه الحَقيقِيَّ قُربانًا حيًّا، ومِن ثُمَّ فهو حَيٌّ وهو ذبيحٌ. في مثلِ هذه الذَّبيحةِ، الموتُ يُدفَعُ ثمنًا: القُربانُ يَبقى، يَبقى حيًّا، والموتُ يُعاقَبُ”.
القديس فولجنسيوس الأُسقُف إلى مونيموس
“إنّ البناءَ الرُّوحيَّ لِجَسَدِ المسيحِ يَتِمُّ بالمَحَبَّة. وأَقولُ إنّه لا يوجَدُ وقتٌ أكثرُ مُناسَبَةً للصَّلاةِ مِن أجلِ تَحقيقِ هذا البناءِ الرُّوحيِّ من الوقتِ الَّذي تُقَدِّمُ فيه الكَنيسَةُ، وهي جَسَدُ المسيحِ، جَسَدَ المَسيحِ ودمَه في سِرِّ الخُبزِ والخَمر: “إنَّ الكأسَ التي نشربُها هي مشاركةٌ في دمِ المسيح، والخُبزُ الذي نَكسِرُه هو مُشاركةٌ في جَسَدِ المَسيح. فلمّا كانَ هناك خبزٌ واحدٌ، فنحنُ على كثرتِنا جَسَدٌ واحِدٌ، لأَنَّنا نَشتَرِكُ كُلُّنا في هذا الخُبزِ الواحِد” (1 قورنتس 10: 16- 17).
القديس بيدا المكرم الكاهن (673- 735)
“ثم قال: “جَمَاعَةُ المَلِكِ الكَهنُوتِيَّةُ”، لأنّهم يتّحدون بجسدِ مَن هو الملكُ الأعلى والكاهنُ الحقيقيُّ: مَلِكٌ يمنحُهم المُلكَ، وكاهنٌ يُطهِّرُ خطاياهم بقربانِ دمِه. يدعوهم “جَمَاعَةَ المَلِكِ الكَهنُوتِيَّةُ”، ليتذَكَّروا فيكونَ موضوعُ رجائِهم الملكوتَ الدائمَ، ولِيُقرِّبوا للهِ دائمًا قرابينَ سيرةٍ طاهرة”.
القديس يوحنا بولس الثاني
“ففي سِرِّ الإفخارستيا، يَستَمِرُّ المُخَلِّصُ الَّذي تَجَسَّدَ مِن مريمَ العذراءِ قَبلَ ألفيِّ سَنَة، في تَقديمِ نَفْسِه كَنَبْعٍ للحياةِ الإلهِيَّة”.
“الإِفخارستيا في يوم الرَّبّ، الَّذي هو يومُ إيمان، يومُ الرَّبِّ القائِمِ ويومُ هِبَةِ الرُّوحِ القُدُسِ وفِصح أُسبوعي حَقيقي”.
“الإفخارستيا سرّ أكبر من أن يتعرضّ إلى تقليصات أو تحجيم”.
الإفخارستيا والمكرَّمة الأم كارميلا برستي جاكمو (1858- 1948)
“وَحِّدوا تَضحياتُكُم دائِمًا إِلى دَمِ يَسوعَ الثَّمين، وقَدِّموا هذا الدَّمَ إِلى الآبِ الأَزَلي”.
الديداكيه
هو كتاب أثريّ يرجع تاريخ كتابته إلى القرن الأوّل للميلاد
كانت مِن الأَقوالِ الّتي تُردَّدُ عِندَ كَسرِ الخُبز: “كما أَنَّ هذا الخُبزَ جُمِعَ مِنَ الحِنطَةِ على الجِبال، في هذا الرَّغيفِ الواحِد، هكذا لِتُجمَعْ كَنيسَتُكَ من أَقصى المَسكونَةِ إلى أَحضانِ مَلكوتِكَ” (ديداكي 9، 4).
“أَمَّا يومُ الرَّبّ kiriaki (الأَحد) فهو خاصَّةٌ للرَّبّ. فٱجتَمِعوا فيه لِتَكسِروا الخُبزَ، وتُصَلُّوا الإِفخارستيا، بَعدَما تَعتَرِفونَ بِخَطاياكُم، لِتَكونَ ذَبيحَتُكُم طاهِرَة”.
بيلينوس الصَّغير والي بيثينية
بيلينوس الصَّغير والي بيثينية يُخبِرُ تراجيانوس الأمبراطور عَنِ المَسيحيينَ فيَقول: “لقد أعلنوا لي أَنَّهُم قد ٱعتادوا أن يَجتَمِعوا في يومٍ مُحَدّد، في الفَجرِ قَبلَ بُزوغِ النُّور. ومِن بَينِ عِباداتِهِم ما يُرَتِّلونَه فيما بَينَهُم بالدَّور، تَسبِحَةً للمسيحِ كإِله. وكذلِكَ فَإِنهم يرتبطونَ به، بِعَهدٍ سِرِّيّ، لِيَمتَنِعوا عَنِ الخَطايا. ثُمَّ في ٱجتماعٍ آخَر، يَلتَئِمونَ مَرَّةً أُخرى مِن أَجلِ وَليمَةٍ عامَّةٍ ليسَ فيها أَيُّ ضَرَر”.
صلاةِ المَسيحيين الأوَّلين في الإفخارستيا
“إِنَّ جَسَدَكَ المُقَدَّسَ المَصلوبَ لأَجلِنا، إِيَّاه نأكُل. دَمُكَ الثَّمينُ المَسفوكُ لأَجلِنا إِيَّاه نَشرَب. لِيَكُنْ جَسَدُكَ خلاصَنا، ودَمُكَ مُحرِّرًا لآثامِنا”.
القديس يوستينوس (100- 165)
“هكذا تَسَلّمنا، وهكذا عَلَّمونا، أَنَّ هذا الطَّعام، الخُبزَ والخَمر، بواسِطَةِ شَكلٍ مِنَ الصَّلاة، ٱنحَدَرَتْ علينا مِنَ الرَّبِّ نَفْسِه، يَصيرُ جَسَدَ ودَمَ يَسوعَ حَقًّا”.
القديس أغناطيوس الأنطاكي الأُسقُف والشَّهيد (107†)
“ٱجتهِدوا أَنْ تَجتَمِعوا مَعًا كَثيرًا، وبٱستِمرار، لتقديمِ الإِفخارستيا وتَمجيدِ الله”.
القديس ايرناوس من ليون الأُسقُف والشهيد (135-203)
“وعِندما نَستَكمِلُ الإِفخارستيا نَستَدعي الرُّوحَ القُدُسَ حتَّى يَظهَرَ الخُبزَ جَسَدًا للمَسيح، والكأسَ دَمًا للمسيح، حتَّى يَحصُلَ المتَناوِلونَ مِنها على مَغفِرَةِ الخَطايا والحياةَ الأَبَدِيَّة”.
“إنَّ ذبيحةَ الكنيسةِ التي عَلَّمَنا الرَّبُّ أن نُقَدِّمَها له في العالمِ كُلِّه، هي ذبيحةٌ طاهِرةٌ ومَرضِيَّةٌ أمامَ الله. ليس أنّه بحاجةٍ إلى ذبيحةٍ منّا، إِلاَّ أنَّ مُقَدِّمَ الذَّبيحةِ هو نفسُه يُمَجَّدُ بما يُقِدِّمُ، إذا ما كانت تَقْدِمَتُه مَقبولة”.
القديس قبريانس الأُسقُف والشَّهيد (205-258)
“عِندَما يُمزَجُ الماءُ بالخَمر، في الكأسِ المُقدَّس، إِنَّه الشَّعْبُ الَّذي يَتَّحِد مَعَ المَسيح، إِنَّها جَماهيرُ المؤمنينَ الَّتي تَرتبِط وتَعودُ وتَتَّحِد بِذاكَ الَّذي بِه تؤمِن”.
القديس أثناسيوس الرَّسولي الأُسقُف (295- 373)
“نَحنُ الآنَ في الزَّمنِ الَّذي يَحمِلُ إلينا بِدايَةً جَديدَةً أَي بُشرَى الفِصحِ السَّعيدةِ، الَّذي قَدَّمَ فيه المَسيحُ نَفْسَه ذبيحةً. فيه نَجِدُ غِذاءَنا، فهو مأكلٌ لنا. وبدَمِهِ الثمينِ نقَوِّي نفسَنا، فهو ينبوعٌ حَيٌّ لنا. ومع ذلك، فنحن نعطَشُ إليهِ دائمًا ويضطرِمُ شوقُنا إليه دائمًا. وهو دائمًا حاضِرٌ قريبٌ من كلِّ عطشان. وقد نبَّهَ مخلِّصُنا نفسُه، في جزيلِ رأفتِهِ، في يومِ العيدِ، جميعَ النُّفوسِ العَطشَى، قال: “إنْ عَطِشَ أحَدٌ فَلْيُقبِلْ إلَيَّ” (يوحنا 7: 37).
القديس أمبروزيوس الأُسقف ومعلم الكنيسة (339- 397)
“لَقَد كانَ المَنُّ مُعجزَةً كَبيرَةً، عِندَما أَمطَرَه اللهُ مِنَ السَّماء، على آبائِنا الأَوَّلين. ولَكِنْ بالرَّغمِ مِن ذلك، فَكُلُّ الَّذينَ أَكلوا هذا الخُبزِ ماتوا. أَمَّا الطَّعام، الَّذي تَتَناولونَه الآن، “جَسَدَ المَسيح”، هو الَّذي يَمُدُّكُم بِجوهَرِ الحياةِ الأَبَدِيَّة”.
القديس يوحنا فم الذهب الأسقف ومعلم الكنيسة (349- 407)
“لقد ذُقتَ دَمَ الرَّبِّ وأَنتَ لا تَعتَرِفُ حتَّى بأَخيك. إِنَّكَ تُدَنِّسُ هذِه المائِدَةَ ذاتَها،عِندَما تَحسَبُ غَيرَ أَهلٍ لِمُقاسَمَةِ طَعامِكَ ذاكَ الَّذي حُسِبَ أَهلاً لِيَشتَرِكَ في هذِه المائِدَة. لَقَد حَرَّرَكَ اللهُ مِن كُلِّ ذُنوبِكَ ودَعاكَ إِلى هذِه المائِدَة، وأَنتَ، حتَّى في هذِه المُناسَبَة، لم تَزدَدْ فيكَ الشَّفَقَة”.
“لِنَتَأَمَّلْ أُعجوبَةُ هذا السِّرِّ والغايَةُ مِن تَأسيسِه، والثِّمارُ الَّتي يَنتُجُها. إِنَّنا بِه، نُصبِحُ والمسيح جَسَدًا واحِدًا، إنه يمتزجُ بِنا، لِنُصبِحَ معه حَقيقَةً واحِدَة، كالجَسَدِ المتَّصِلِ بالرَّأس”.
القديس لاون الكبير البابا ومُعَلِّمُ الكَنيسَة (461†)
“لقد توقَّفَ التَّعدُّدُ والتنَوُّعُ في الذَّبائِحِ الجَسَدِيَّةِ. وجَميعُ القَرابينِ المُختَلفةِ حَلَّ مَحَلَّها قُربانُ دمِكَ، لأَنَّكَ أَنتَ الحَمَلُ الحقيقِيُّ الَّذي تَرفَعُ خَطايا العالَم. فتُتِمُّ في ذاتِكَ جَميعَ الأسرارِ”.
“بِفَضلِ الإِفخارستيا، المَسيحيُّ يَكونُ بالفِعلِ ما يَأْكُل! إِنَّ ٱشتِراكَنا بجَسَدِ ودَمِ المَسيحِ لا يَهدِفُ إِلاَّ لأَنْ يَجعَلَنا نُصبِحُ ما نَأْكُلُه”.
القديس توما الأكويني الكاهن ومعلِّمُ الكنيسة (1225- 1274)
“أَيُّها الرَّبُّ يسوع، طائِرُ البَجْعَةِ المَحبوب، بِدَمِكَ طَهِّرني، لأَنِّي غَيرُ طاهِرٍ: بِقَطْرَةٍ واحِدَةٍ بٱستطاعَتِكَ أَنْ تُخلِّصَ العالَمَ أَجمَعَ مِن كُلِّ إِثم”.
الإفخارستيا والقديس ألفونس دي ليغوري الأُسقُف ومعلِّمُ الكنيسة (1696- 1787)
“الأَصدقاءُ يَشعُرونَ بِكَثيرٍ مِنَ الفَرَحِ عِندَما يَبقونَ مَعًا، وعِندَما يَقضونَ فيما بَينَهُم أَيَّامًا بأَكمَلِها. بينَما مَن لا يُحب يسوعَ القُرباني يَتضايَق بِحُضورِه، والقِدِّيسينَ وجدوا الفِردوسَ أَمامَ القُربانِ المُقَدَّس”.
القديس يوحنا فيشر الأسقف والشهيد (1469- 1535)
“يسوعُ المسيحُ هو حَبرُنا. وجَسَدُه الكريمُ هو ذبِيحَتُنا، قرَّبَهُ على مَذبَحِ الصَّليبِ من أجلِ خلاصِ البَشَرِ. الدَّمُ الَّذي أراقَهُ بِسَبَبِ فدائِنا لم يَكُنْ دَمَ عجولٍ أو تيوسٍ (كما في الشَّريعةِ القديمةِ)، بل هو دَمُ الحَمَلِ الكُلِّيِّ الطهارةِ يسوعَ المسيحِ مخلِّصِنا”.
“هي ذبيحةٌ أبديَّةٌ: لا تُقدَّمُ مرَّةً كُلَّ سنةٍ (كما كانَتْ تُقَرَّبُ عندَ اليهود)، بل تُقَرَّبُ في كلِّ يومٍ لعَزائِنا وتقوِيَتِنا، وفي كلِّ ساعةٍ ولحظةٍ لننالَ العَزاءَ الأكبرَ. ولهذا أضافَ الرَّسولُ قال: “حَصَلَ عَلَى فِدَاءٍ أبَدِيٍّ” (عبرانيون 9: 12).
“يُصبِحُ شركاءَ في هذه الذَّبيحةِ المقدَّسةِ والأبدِيَّةِ كلُّ مَن يَندَمُ ندامةً صادِقَةً وتَوبَةً صادِقَةً عَنِ الخَطايا الَّتي ٱقترَفَها، وكلُّ مَن عَزَمَ عزمًا أكيدًا أَلاّ يعودَ إِليها، وأَن يَثبُتَ ثباتًا دائِمًا في جهادِ الفَضيلَةِ الَّذي بدَأَهُ”.
القديس يوحنا فيانيه الكاهن (1786-1859)
“لا تقُل أَنَّكَ لستَ مُستَحِقًّا (للمناوَلة)، إِنَّه صحيح أَنَّكَ غَيرَ مُستَحِقٍّ ولَكِنَّكَ بِحاجَة”.
“إِنَّ المحنةَ الكُبرى هي أَنَّنا لا نأبه بأَنْ نَلجَأَ إِلى هذا الغِذاءِ الإِلهي كي نَستَطيعَ ٱجتيازَ صَحراءِ الحياة”.
“يا أولادي، لو كُنَّا نفهمُ قيمةَ التَّناولِ لَكُنَّا نَتَجنَّبُ الهفواتِ الطَّفيفة لنحصُلَ على هذِه النِّعمةِ مراراً عديدة. وكُنَّا نحفظُ نفوسَنا دائماً طاهِرةً أمامَ الله”.
“فلو ٱعترفتُم اليومَ مثلاً، أفلا تسهرونَ على ذواتِكُم فرحينَ بأنَّكُم قادرون على تناولِ القربانِ في الغَد؟ وكذلِكَ في الغد حينما تقبلونَ اللهَ في قلوبِكُم ألا تكونُ نفوسُكم مُعطَّرةً بدمِ سيِّدِنا يسوعَ المسيح الثَّمين؟ فيا لها من حياةٍ سعيدة!”.
“إنَّ التَّناول يفعل فينا كما يفعلُ المنفخُ في النَّارِ الخامِدة… بعدَ قبولِ الإسرار حينما نشعُرُ بخمودِ نيرانِ محبَّةِ الله في قلبِنا فلنُسرِع إلى التَّناول الرُّوحي. وإن كُنَّا لا نستطيعُ المجيءَ إلى الكنيسة فلنلتفت إلى بيتِ القُربان إذ لا يقدِرُ الحائطُ أن يحجُبَ اللهَ عنَّا. ولنقُل خمسَ مرَّاتٍ أبانا والسلام لهذا التَّناول الرُّوحي”.
“يا أولادي، إنَّ النَّفْسَ التي تقبلُ الرَّبَّ مِرارًا عديدة بٱستحقاقٍ تكونُ جميلةً مدى الأبدية. فإنَّ جَسَدَ المسيحِ يتَّحِدُ بجسدِها ودمَهُ يختلِطُ بدَمِها ونفسُه تتَّحِدُ بنفسِها مدى الأبديَّة، وحينئذٍ تتمتَّعُ بِسَعادَةٍ كامِلة”.
“أَيُّها الإِنسان، ما أعظمَكَ إذ أَنَّكَ تقتاتُ بجَسَدِ الرَّبِّ وتَرتوي من دمِه! فيا لها من حياةٍ لذيذةٍ حياةُ الإِتِّحادِ بيسوع! حقًّا إنَّها حياةُ السَّماءِ على الأرض، إذ ليسَ فيها عذابٌ ولا صليب. لأنَّ الإتِّحادَ بالرَّبِّ يملأُ النَّفْسَ البَّارَةَ فَرَحًا، ويُلقي فيها بَلْسَمًا سَماويًّا وهذا هو يَنبوعُ قُوَّتِها وسَعادَتِها”.
“إنَّ سيِّدَنا يسوعَ المسيح هو هُنا مُحتَجِبٌ ينتَظِرُ مجيئُنا إليه لنـزورَه ونَعرِضَ له طلباتِنا. فيا لها من رحمةٍ سامية، إذ أنَّه يتنازَلُ فيُجاري ضُعفَنا. إنَّنا نراه في السَّماءِ بكُلِّ مجدِه، أمَّا هُنا فلو ظَهَرَ لنا بمجدِه لما كُنَّا نستطيعُ أن نقتَرِبَ مِنه. ولذلكَ هو يختفي كأنَّه في سجنٍ قائلاً لنا: أنتم لا تَرَونني ولكن لا بأس من ذلك، إسألوني وأنا أُعطيكُم كُلَّ ما تطلبون”.
“يا أولادي، النَّفْسُ التي تقبلُ سِرَّ الإفخارِستيَّا بٱستحقاقٍ تشعُرُ بأنَّها غارِقةٌ في بحرِ الحُب، وتظْهَرُ بهيئةٍ سماويَّة. فتتجدَّدَ في أعمالِها وأقوالِها، وتُصبِحَ متواضِعةً وديعةً صابرةً مُحِبَّةً مُحْتَشِمةً مُحِبَّةً للسَّلام قادرةً على فِعْلِ كُلِّ شيءٍ صالح. فإن نَظَرَ إليها العالَم لا يعرِفُها لأنَّها ليست مِنه”.
“حينما نكونُ أَمامَ القُربانِ الأقدَس فبَدَلَ أن ننظُرَ إلى ما حولَنا فلنُغمِض أعيُنَنا صامِتين ليَفْتَحَ الرَّبُّ قلبَه فنذهَبَ إليه فيأتي إلينا، ونطلُبَ منه فَيَقبَلَ طلباتِنا. يا لِسعادَةِ مَن ينسى ذاتَه وكُلَّ شيءٍ له ليَطلُبَ اللهَ وَحْدَه!”.
“كان القدِّيسونَ يركعونَ أمامَ القُربانِ المُقدَّس، وعند نَظَرِهِم إِليه، فإِنَّهم لم يريدوا أن ينظروا إلى أحدٍ غيرَ اللهِ وَحْدَه، ولم يَسعوا إِلاَّ في سبيلِه تَعالى، فكانوا يَنسونَ كُلَّ شيءٍ ليَجِدوه وَحْدَه. هذا هو طريقُ السَّماء”.
“تَعالوا إِلى المناولة، تَعالوا إِلى يسوع، تَعالوا للعيشِ منه وله، فإِنَّه من الصحيحِ أَنَّكم لَستُم أهلاً به ولَكِنَّكُم بِحاجَةٍ إِليه!”.
“في هذا السِّر العظيم يتوسَّلُ يسوع إلى أبيه ويشفعُ في الخطأة بلا ٱنقطاعٍ. إنَّ ربعَ ساعةٍ نختلِسُها من شُغْلِنا أو من أوقاتِ الفراغ ونقضيها بزيارته والتَّوسُّلِ إليه تُرضيه وتُعزِّيه من جميعِ الإهاناتِ المُلتحقة به. وهو حينما يرى النُّفوسَ الطَّاهِرة آتيةً إليه يفرحُ في وجهِها”.
“المناولةُ المقدَّسة وتقديمُ التَّضحياتِ المقدَّسة، هي أكثرُ وسيلةً وقوَّةً للتَّشفُّعِ من أجلِ ٱرتدادِ الآخرين”.
“يجبُ علينا أن نَعُدَّ هذِه اللَّحظاتِ التي نمضيها أمامَ القُربان الأقدس أجملَ وأسعَدَ لحظاتِ حياتِنا”.
“أَبَدِيَّةٌ eternità مِنَ الإِستِعدادِ وأَبَدِيَّةٌ أُخرى من الشُّكر لَعلَّهُما يكونان كافيتين لإِعطاءِ قُدَّاسٍ واحِدٍ حَقَّه مِنَ التَّقدير”.
“بدلاً من الضَّجَّة في الصُّحُف، إعمل الضَّجَّة أمامَ بيتِ القُربان”.
“يجبُ دائمًا تخصيص ربع ساعة على الأقل في التَّحضير لحضور القُدَّاس بشكلٍ جيِّد. يجب أن نتواجَد أمامَ الرَّبّ، كما يتواجَد هو في حضورِه العميق في سِرِّ الإفخارِستيَّا. ويجب القيام بفحصِ الضَّمير، فللمُشارَكة بشكلٍ جيِّد بالقدَّاس يجب أن نكونَ في حالةِ النِّعمَة”.
“عِندما نتناوَل ماذا تنفعُ كلماتُ البَشَر، حينَ يكونُ اللهُ هو المُتكلِّم؟ يجب أن نسمَعَ ما يقولُه اللهَ لقلبِنا”.
“حين نتناوَل ويسألُنا أحدُهم: ماذا تحمِلونَ لبيوتِكُم؟ عِندَها يُمكِنُنا أن نُجيب: نحمِلُ السَّماء”.
“نعلَمُ أنَّه عِندما تَنَل نفسٌ ما، وبٱستحقاق، سِرَّ الإفخارِستيَّا، تُصبِحُ متواضِعة وهادئة ولطيفة ومُضحِّية ومُحِبَّة ووضيعة في تعامُلِها معَ جميعِ البَشَر”.
“حينَ لا يُمكِنُنا أن نأتي إلى الكنيسة، فلنوجِّه أنظارَنا وعقولَنا نحوَ بيتِ القُربان. فليسَ هُنالِكَ أيَّةُ جُدرانٍ يُمكِنُها أن توقِف الله أو تُبعِده عَنَّا”.
القديس بطرس جوليانو إميارد (1811- 1868)
“إِذا فَهِمنا بالكامِلِ حُبَّ الله، وحُبَّ يَسوعَ المَسيحِ الَّذي يولَدُ والَّذي يَتَأَلَّم، وحُبَّ يَسوعَ في القُربانِ الأقدس، فإِنَّنا سنَموتُ مِنَ عِرفانِ الجَميلِ ومِن وَخْزِ الضَّمير”.
الطوباوية الأُم تريزا دي كلكُتَّا (1910- 1997)
“بيتُ القُربانِ يَضمَن لنا أَنَّ يَسوعَ نَصَبَ خَيمَتَه في وَسَطِنا”.
الطوباوي بولس السادس البابا (1897- 1978)
“الإفخارستيا، تَحتَ شَكلِ الخُبزِ والخَمر، تَحتوي المَسيح، رأسَ الكَنيسَةِ المَنظور، مُخلِّصَ العالَم، مَركَزَ كُلِّ القُلوب، الَّذي مِن أَجلِه توجَدُ كُلُّ الأَشياء، وأَيضًا نَحنُ نوجدُ بِه”.
القديس يوحنا بولس الثاني البابا (1920 – 2005)
“لم يَكُن بالصُّدفَةِ أَنَّ الرَّبَّ يسوع، لكي يُعطينا كُلَّ شيءٍ، ٱختارَ شَكلَ المائِدَة داخِلَ العائِلة. فالوليمَةُ الإِفخارستيَّةُ تُصبِحُ هكذا عَلامَةً مُعبِّرَةً للوَحدَةِ والغُفرانِ والمَحَبَّةِ”.
“إِذا كانَ الجَسَدُ الَّذي نأكُلُه والدَّمُ الَّذي نَشرَبُه هو النِّعمَةُ الفائِقةُ التَّقديرِ، للرَّبِّ القائِمِ مِن أَجلِنا نَحنُ المُسافِرين، فهو يَحمِلُ أَيضًا في ذاتِه كالخُبزِ العَطِرِ، الطَّعمَ الطيِّب، ورائِحَةَ العَذراءِ الأُمّ”.
“اللهُ مَعَنا. يَسوعُ، بالرَّغمِ مِن أَنَّه ذَهَبَ عَنَّا، إِلاَّ أَنَّه بَقِيَ مَعَنا في الإِفخارستيا. وإِذا اللهُ مَعَنا، فَمَن سيَكونُ علينا؟”.
“وُلِدت الكنيسة مِن سِرِّ الفِصح. لذا، تحتلّ الإفخارستيّا، وهي سِرٌّ فصحي بِكُلِّ معنى الكلمة، مَركزًا مَرموقًا في قلبِ الحياةِ الكَنَسِيَّةِ ونرى ذلك جيّدًا مُنذُ الأوصافِ الأولى عن الكنيسة التي يعطينا إيّاها سفر أعمال الرُّسُل: “وكانوا يُواظِبونَ على تَعليمِ الرُّسُل والمُشاركة وكَسْرِ الخُبزِ والصَّلَوات” (أع 2: 42)”.
“هذا سرّ الإيمان!” عِندَما يَلفُظ الكاهِن أو يُرتِّل هاتَينِ الكَلِمَتين، يُنشِدُ المؤمنون قائِلين: “إنّا نُعلنُ مَوتَكَ، أَيُّها الرَّبُّ يَسوع، ونُمَجِدُّ قيامَتَكَ، ونَنتَظِرُ مَجيئَكَ في المَجد”. بهذِه الكَلِمات، أو بِغيرِها شَبيهٌ بها، تُشيرُ الكَنيسَةُ إِلى المَسيحِ في سِرِّ آلامِه، وتُعلِن أَيضًا سِرَّها الخاصّ: أَنَّ الكَنيسَةَ تَنبُعُ مِنَ الإِفخارستيا”.
صلاة القديس يوحنا بولس الثاني البابا (1920- 2005)
في رسالته الإفخارِستِيَّا حياةُ الكنيسة
أَيُّها الرَّاعي الصَّالِح، الخُبزُ الحَقيقيّ، يا يَسوعَ ٱرحمنا. غَذِّنا، إِحمِنا، إِجعلنا نَرى الخَيرَ الأَعظَم، في أَرضِ الأَحياء. أَنتَ الَّذي يَعرِفُ كُلَّ شَيءٍ ويَقدِرُ على كُلِّ شيء، أَنتَ غِذاؤنا على هذِه الأَرض، إِجعَلْ مِنَّا مَدعويِّكَ في العُلى، ووارثينَ لكَ إِلى الأَبَد، في أُسرَةِ القِدِّيسين. آمين.
كيارا لوبيك، مؤسِّسِة الفوكولاري (1920- 2008)
“لا يوجَدُ سِرُّ إِيمانٍ يُقيمُ الوَحدَة كما في الإِفخارستيا. فالإِفخارستيا تَعمَلُ الوَحدَة: بِفضلِها حَقيقَةً، يَحدُثُ وَحدَةُ النَّاسِ مَعَ الله ووَحدَةُ النَّاسِ فيما بينَهُم”.
الكاردينال كارلو ماريًّا مارتيني (1927- 2012)
“الثَّمَرَةُ الأَساسِيَّةُ للإِفخارستيَّا هي المَحَبَّة. وهي القُدرَةُ على إِعطاءِ الحياةِ كما أَعطاها يَسوع”.
الأُسقُف برونو فورته (1949…)
“الكَنيسَةُ تَعلَمُ، أَنَّ خَلفَ ظُّلُماتِ الحاضِرِ، كما خَلفَ غِطاءِ علاماتِ الإِفخارستيا، فإِنَّ المَسيحَ حَيٌّ ويَعمَل. هو الَّذي غَلَبَ العالَم، هو الحاضِرُ في هِبَةِ ذاتِه في العَشاء، هو نَبعٌ غَيرُ قابِلٍ للسُّقوطِ لِفَرَحِ الكنيسة”.
الإفخارستيا والمجمع الفاتيكاني الثاني
“بالإِفخارستيا المُقَدَّسَة، توليهُم تِلكَ المَحَبَّة تُجاهَ اللهِ وتُجاهَ النَّاس، الَّتي هي بِمَثابَةِ الرُّوحِ لِكُلِّ رسالَةٍ وتُغذَّيها فيهم”. (الكنيسة 33، 2)
“إِنَّ ذَبيحَةَ المَسيحيينَ الرُّوحِيَّةَ تَتِمُّ بِعَمَلِ الكَهَنَةِ مُتَّحِدَّةً بِذَبيحَةِ المَسيح، الوَسيطِ الوَحيد، وتُقَرَّبُ، سِرِّيًّا لا دَموِيًّا، في الإِفخارستيا،على يَدِ الكَهَنَةِ، بٱسم الكَنيسَةِ كُلِّها جمعاء، إِلى يومِ مَجيءِ الرَّبّ”. (خدمة الكهنة 2)
“إِنَّ مُخَلِّصَنا، في اللَّيلةِ الَّتي أُسلِمَ فيها، ليلَةَ العَشاءِ الأَخير، قَد وَضَعَ ذبيحَةَ جَسَدِه ودَمِه الإِفخارستية، لكي تستمرَّ ذبيحةُ الصَّليبِ عَبرَ الأَجيال، حتَّى مجيئِه. وعلاوةً على ذلك، لكي يودِعَ الكنيسة، عروسَه المحبوبَة، ذِكرى موتِه وقيامَتِه: سِرَّ التَّقوى، علامَةَ الوَحدَة، ورباطَ المحبَّة، ووليمةً فصحيَّةً يؤكَلُ فيها المَسيح، فَتمتَلِئَ النَّفسُ نِعمَةً ونُعطى عربونَ المجدِ الآتي”. (دستور في الليتورجية 47).
التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم (1397)
“الإِفخارستيا تُجَنِّدُنا في خِدمَةِ الفُقراء: لِكَي نَقبَلَ، في الحَقِّ، جَسَدَ المَسيحِ ودَمَهَ المَبذولينِ لأَجلِنا، علينا أَنْ نَتَوَسَّمَ المَسيحَ في إِخوتِه الأَشَدِّ فَقرًا”. (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 1397)
القديس يوستينوس النَّابلسي الشَّهيد (100- 165)
نَظَرًا إِلى أَنَّ هذا الخُبزَ وهذا الخَمرَ قد تحوَّلا إِلى إِفخارستيا، على حَدِّ التَّعبير القَديم…، “فنحنُ نُسَمِّي هذا الطَّعامَ إِفخارستيا ولا يَجوزُ لأَحَدٍ أَن يَشتَرِكَ فيه ما لم يؤمِن بِحَقيقَةِ ما يُعَلَّمُ عِندَنا، وما لم يَحظَ بالغُسلِ لِمَغفِرَةِ الخَطايا والحَياةِ الجَديدَة، وما لم يَتَقَيَّد، في حياتِه، بوصايا المَسيح”.
القديس أغناطيوس الأنطاكي (107†)
“لا تُعتَبَرُ شَرعِيَّةً إِلاَّ الإِفخارستيا الَّتي يَرئَسُها الأُسقُف أَو مَن وَكَل إِليه ذلِك”.
القديس إيريناوس الأُسقُف الشهيد (135- 203)
“هذِه التَّقدِمَةُ تُقَرِّبُها الكَنيسَةُ وَحدَها إِلى الخالِقِ، طاهِرَةً، وتَرفَعُ له شاكِرَةً نِتاجَ الخَليقَة”.
القديس مكاريوس الكبير (300- 390)
“دَعونا نَقتَرِبُ مِنَ الرَّبّ، مِنَ البابِ الرُّوحي، ولْنَقرَعْ لِيَفتَحَ لنا. دَعونا نَطْلُبُ مُلاقاتَه بِنَفْسِه، هو خُبزُ الحَياة (يو6: 34). ولْنَقُلْ له: “أَعطِني يا ربّ، خُبزَ الحياةِ لكي أَحيا، لأَنَّني أَمشي إِلى هلاكي، وأُعاني مَجاعَةَ الخَطيئَة. أَعطِني مَلابِسَ الخَلاصِ المُشرِقَةِ عَساني أَحجُبُ خَجَلَ نَفْسي، لأَنَّني عُريانٌ، ومَحرومٌ مِن قُوَّةِ روحِكَ ومَخجولٌ من فُحْشِ شَغَفي” (تك3: 10).
القديس أمبروزيوس (339- 397)
“لِنَقتَنِع مِن أَنَّ هذا ليسَ مِن فِعلِ الطَّبيعَةِ بَل مِن فِعلِ التَّقديسِ بالبَرَكَة، وأَنَّ قُوَّةَ البَركَةِ تَتَفَوَّقُ على الطَّبيعَةِ لأَنَّ الطَّبيعَةَ نَفْسَها تَتَحَوَّلُ بالبَرَكَة”. “كَلِمَةُ المَسيحِ الَّتي خَلَقَتْ الأَشياءَ مِن لا شَيءٍ أَلا تَقدِرُ أَنْ تُحَوِّلَ المَوجوداتِ إِلى ما لم تَكُنه مِن قَبل؟ ولا شَكَّ أَنَّ مَنحَ الأَشياءَ طَبيعَتَها الأَولى ليسَ بأَقَلٍّ مِن تَحويلِها”.
“قَبلَ الكَلامِ الأَسرارِيِّ الخُبزُ هو خُبز، وعِندَما يَحينُ التَّقديسُ الخُبزُ يُصبِحُ جَسَدَ المَسيح”.
“الماءُ تَدَفَّقَت في الكَأس، وأَعطَت الحياةَ الأَبَدِيَّة”.
القديس يوحنا فم الذهب (347- 407)
“جَسَدُ المسيح، لَيسَ أَجسادٌ كَثيرَة، وإِنَّما جَسَدٌ واحِد. فكَما أَنَّ الخُبزَ يُصنَعُ مِن حَبَّاتِ قَمحٍ كَثيرَة، وكُلُّ حَبَّةِ قَمحٍ أُخِذَتْ مِن مَكانٍ مُختَلِف، فكَذلِكَ جَسَدُ المسيحِ هو واحِدٌ بالرُّغمِ مِن ٱختلافاتِنا”.
“إِنَّ كَلِمَةَ المُخَلِّص إِذ يُنطَقُ بِها تَكفي لِتَتِمَّ أَكْلُ ذَبيحَةٍ على مائِدَة ِكُلَّ الكَنائِس… الخُبزُ يَصيرُ خُبزَ السَّماءِ لأَنَّ الرُّوحَ القُدُسَ يَأتي لِيَحِلَّ عليه”.
“ليسَ الإِنسانُ هو الَّذي يُحَوِّلُ القَرابينَ إِلى جَسَدِ المَسيحِ ودَمِه، بل المَسيحُ نَفْسُه الَّذي صُلِبَ لأَجلِنا. الكاهِنُ، صورَةُ المَسيح، يَنطِقُ بِهذِه الكَلِماتِ ولَكِنَّ الفِعلَ والنِّعمَةَ هُما مِنَ الله. بقول: “هذا هو جَسَدي”. وهذِه الكَلِمَةُ تُحَوِّلُ القَرابين”.
القديس ثيودور المترجم رئيس أَساقفة موبسويستي (350- 428)
“لم يَقُلِ الرَّبَّ أَنَّ هذا رَمزٌ لِجَسَدي أَو هذا رَمزٌ لِدَمي. وإِنما هذا هو جَسَدي، هذا هو دَمي. بَعد َكَلامِ التَّقديسِ فإِنَّ ما نَراه بَعَينَينا يَتَحَوَّلُ إِلى جَسَدٍ ودَمّ”.
القديس أغسطينوس (354- 430)
“أَمَّا التَّقديسُ الَّذي يَجعَلُ مِنها (القَرابين) هذا السِّرُّ العَظيم، فَلا يَأتيها إِلاَّ مِن عَمَلِ روحِ الله”.
“هذِه المَدينَةُ المُفتَداةُ بِرِمَّتِها، أَي جَماعَةُ القِدِّيسينَ ومُجتَمِعِهِم، يُقَرِّبُها إِلى اللهِ ذَبيحَةً شامِلَةً الكاهِنُ الأَعظَمُ الَّذي ٱتَّخَذَ صورَةَ عَبدٍ وذَهَبَ إِلى حَدِّ تَقدِمَةِ ذاتِه في آلامِه لأَجلنا، لِيَجعَلَنا جَسَدًا لأَعظَمِ رأَس. (. . . ) تِلكَ هي ذَبيحَةُ المَسيحيينَ: “أَن يكونوا، في كَثرَتَهِم، جَسَدًا واحِدًا في المَسيح “(رومة 12: 5). وهذِه الذَّبيحَةُ لا تَني الكَنيسَةُ تُجَدِّدُها في سِرِّ المَذبَحِ الَّذي يَعرِفُه المُؤمِنونَ حَقَّ المَعرِفَة، وحَيثُ يَتَبَيَّنُ لها أَنَّها هي نَفْسُها مُقَرَّبَةٌ في شَخصِ الَّذي تُقَرِّبُه”. (مدينة الله 10، 6)
“تَتَّحِدُ الكَلِمَةُ بالعُنصُر فَيَتِمُّ السِّرّ”.
القديس توما الأكويني (1225 – 1274)
“إِنَّ جَسَدَ المسيحِ هو في هذا السِّرِّ على نَحوٍ غَيرِ مَنظور، وبِقُدرَةِ الرُّوحِ القُدُس”.
“كُلُّ مَرَّةٍ نَحتَفِلُ بِذِكرى هذِه الذَّبيحَة، يِكتَمِلُ عَمَلُ فِدائِنا”.
البابا إنّوشنسيوس الثالث (1161- 1216)
وَضَّحَ في سنة 1208 وقال: ” إِنَّ الإِفخارستِيَّا تَتِمُّ بِكَلِمَةِ الخالِقِ وقُدرَةِ الرُّوح”.
مجمع ترانت (1545- 1563)
“لقد أَرادَ، في العَشاءِ الأَخير، في “اللَّيلَةِ الَّتي أُسلِمَ فيها” ( 1 كو 23:11) أَن يُوَرِّثَ كَنيسَتَه، عَروسَه الحَبيبَة، ذَبيحَةً مَرئِيَّة (كما تَتَطَلَّبُها الطَّبيعَةُ البَشَرِيَّة)، حَيثُ تَتَمَثَّلُ الذَّبيحَةُ الدَّموِيَّةُ الَّتي كانَ لا بُدَّ أَنْ تَتِمَّ مَرَّةً واحِدَةً على الصَّليب، والَّتي سوفَ تَظَلُّ ذِكراها مُستَمِرَّةً حتَّى نِهايَةِ الدُّهور ( 1 كو 23:11)، ومَفعُولُها الخَلاصِيُّ جارِيًا لِفِداءِ الخَطايا الَّتي نَقتَرِفُها كُلَّ يوم”. (الجلسة 22أ، في ذبيحَةِ القُدَّاس ق. 1740)
“يُعَلِّمُ المَجمَعُ المُقَدَّس ويُعلِنُ أَوَّلاً، في وضوحٍ وفي غَيرِ مُداوَرَة، أنَّ في سِرِّ الإِفخارستيا المُقَدَّسَة، بَعدَ تَقديسِ الخُبزِ والخَمر، سَيِّدِنا يَسوعَ المَسيح، الإِلهِ الحَقّ والإِنسانِ الحَقّ، حاضِرٌ حُضورًا حَقيقِيًّا وجَوهَريًّا تَحتَ شَكلَيِّ هاتينِ الحَقيقَتَينِ الحِسِّيَّتَين. ونُؤمِنُ بِذلِكَ إِيمانًا مُستَمِرًّا بِقُدرَتِنا العَقلِيَّةِ يُنيرُها الإِيمان”.
الطوباوي بولس السادس البابا – سِرِّ الإِيمان 56 (1897- 1978)
“إِنَّ الكَنيسَةَ كانَت ولا تَزالُ تُؤَدِّي عِبادَةَ السُّجودِ هذِه الَّتي يَجِبُ أَن تُؤَدِّيها لِسِرِّ الإِفخارستيا، لَيسَ فَقَط وَقتَ القُدَّاس، بل خارِجَ الإِحتفالِ بِه أَيضًا: وذلِكَ بِحِفْظِ الأَجزاءِ المُكَرَّسَةِ بأَعظَمِ العِنايَةِ وعَرضِها على المؤمنينَ لِيُجِلُّوها بٱحتِفاءٍ، ويَطوفوا بِها”.
“أُسِّسَتِ الإِفخارستيا لِنَكونَ إِخوَة… حتى يكونَ الغرباءُ والمختلفينَ إِخوَةٌ وواحِدٌ، ودَعاء، أَصدقاء، لِنُصبِحَ شَعبَ القَلبِ الواحِد والنَّفْسِ الواحِدَة”.
المجمع الفاتيكاني الثاني (1962- 1965) – خدمة الكهنة رقم 2
“إِنَّ ذَبيحَةَ المَسيحيينَ الرُّوحِيَّةَ تَتِمُّ بِعَمَلِ الكَهَنَةِ مُتَّحِدَّةً بِذَبيحَةِ المَسيح، الوَسيطِ الوَحيد، وتُقَرَّبُ، سِرِّيًّا لا دَموِيًّا، في الإِفخارستيا،على يَدِ الكَهَنَةِ، بٱسم الكَنيسَةِ كُلِّها جمعاء، إِلى يومِ مَجيءِ الرَّبّ”.
التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية
أرقام (1330)، (1356)، (1359)، (1360)، (1365)، (1376)
“إِنَّ الإِفخارستيا تُجَسِّد في الحاضِرِ الذَّبيحَةَ الوَحيدَة، ذَبيحَةَ المَسيحِ المُخَلِّص، وتَتَضَمَّنُ تَقدِمَة الكَنيسَة: وتُسمى أَيضا ذبيحَةَ القُدِّاسِ المُقَدَّسَة، “ذَبيحَةَ التَّسبيح” (عب 15:13) ، الذَّبيحَةَ الرُّوحِيَّة، الذَّبيحَةَ الطاهِرَة المُقَدَّسَة، لأَنَّها تُكَمِّلُ وتَفوقُ ذبائِحَ العَهدِ القَديمِ كُلِّها”.
“إِذا كانَ المَسيحيونَ يَحتَفِلونَ بالإِفخارستيا مُنذُ العُصورِ الأُولى، وفي صيغَةٍ لم تَتَبَدَّل، جَوهَرِيًّا، عَبرَ مُختَلَفِ الأَجيالِ واللِّيتُرجِيَّات، فَذَلِكَ لأَنَّنا نَعلَمُ أَننا مُتَقَيِّدونَ بأَمرِ الرَّبِّ الَّذي زَوَّدنا بِه عَشِيَّةَ آلامِه: “إِصنعوا هذا لِذكري” ( 1 قور 24:11-25).
“الإِفخارستيا هي سِرُّ خلاصِنا الَّذي حَقَّقَه المَسيحُ على الصَّليب. وهي أَيضًا ذَبيحَةَ حَمدٍ نَشكُرُ فيها للهِ عَمَلَ الخَلق. في الذَّبيحَةِ الإِفخارستية، كُلُّ الخليقَةِ الَّتي يُحِبُّها اللهُ تُقَرَّبُ إِلى الآبِ عَبرَ مَوتِ المَسيحِ وقيامَتِه. بالمَسيحِ تَستَطيعُ الكَنيسَةُ أَنْ تُقَرِّبَ ذَبيحَةَ الحَمدِ وتَشكُرَ للهِ كُلَّ ما صَنَعَه مِن خَيرٍ وجَمالٍ وبِرٍّ في الخَليقَةِ وفي البَشَرِيَّة”.
“الإِفخارستيا هي ذَبيحَةُ شُكرٍ للآب، وبَرَكَةٌ بِها تُعرِبُ الكَنيسَةُ عَن ٱمتِنانِها لِكُلِّ أَفضالِه وكُلَّ ما حَقَّقَه لنا بالخَلقِ والفِداءِ والتَّقديس. الإِفخارستيا، في مفهومها الأَوَّلِ هي “شُكر”.
“في الإِفخارستِيَّا يُعطينا المَسيحُ هذا الجَسَدَ عَينِه الَّذي بَذَلَه لأَجلِنا على الصَّليب، وهذا الدَّمَ عَينِه “الَّذي أَراقَه مِن أَجلِ جَماعَةِ النَّاسِ لِغُفْرانِ الخَطايا” (متى 28:26).
“بِما أَنَّ المسيحَ الفادينا قالَ إِنَّ ما يُقَرِّبُه تَحتَ شَكلِ الخُبزِ هو في الحَقيقَةِ جَسَدُه، كانَ مِنض المُعتقدِ دائِمًا في كنيسةِ اللهِ أَنَّه بِتَقديسِ الخُبزِ والخَمرِ يَتَحَوَّلُ جَوهَرُ الخُبزِ كُلَّه إِلى جَوهَرِ جَسَدِ المسيحِ رَبِّنا، وجَوهِرُ الخَمر ِكُلَّه إِلى جَوهَرِ دَمِه. هذا التَّحَوُّلُ سُمِّيَ بِحَقٍّ في الكَنيسَةِ الكاثوليكيةِ المقَدَّسَةِ التَّحَوُّلَ الجَوهَرِيّ”.
البابا بندكتوس السادس عشر (1927…)
“لهذا السَّبَب، فإنّ الإفخارستيا، كحضور للصَّليب، هي شَجَرَةُ الحياةِ الَّتي تَبقى دائِمًا بَينَنا وتَدعونا للحُصولِ على ثِمارِ الحَياةِ الحَقيقِيَّة”.
القديس فرنسيس الأسيزي (1182- 1226)
“ها هوذا يَتَواضَعُ كُلَّ يوم، مِثلَما فَعَلَ لمَّا أَتى مِنَ العُروشِ المَلَكِيَّة، إِلى حَشا العَذراء. إِنَّه كُلَّ يومٍ يأَتينا في مَظْهَرٍ وَضيعٍ وكُلَّ يومٍ يَنحَدِرُ مِن حِضْنِ الآبِ إِلى الهيكلِ بينَ يَدَيِّ الكاهِن. ومِثلَما أَظْهَرَ ذاتَه للرُّسُلِ القِدِّيسينَ في جَسَدٍ حَقيقِيٍّ، كذلِكَ هو الآنَ يُظْهِرُ ذاتَه لنا في الخُبزِ المُقَدَّس. ومِثلَما كانوا هُم، بِعَينِ الجَسَدِ، لا يَرونَ سِوى جَسَدِه، ولكِنَّهُم، بِتَأَمُّلِهِم بِعُيونِ الرُّوحِ، كانوا يؤمِنونَ بأَنَّه الله. كَذلِكَ نَحنُ أَيضًا، نَرى بِعُيونِ الجَسَدِ خُبزًا وخَمرًا. ولَكِنَّنا نَرى ونؤمِنُ إِيمانًا راسِخًا بأَنَّهُما جَسَدَه ودَمَه الحيَّانِ والحَقيقِيَّانِ والكُلِّيَّا القَداسَة. وهكذا يَبقى الرَّبُّ دائِمًا مَعَ مؤمِنيهِ وَفقًا لِقَولِه: “ها أَنذا مَعَكُم حتَّى ٱنتِهاءِ الدُّهور”.
(من كتاب “قبل أنْ نفتَحَ الكِتابَ المُقدَّس”… مَدخَل إِلى كلمةِ اللهِ – الأب نجيب إبراهيم الفرنسيسكاني)
القديس كيرلس الأُورشليمي الأُسقُف ومُعَلِّمُ الكَنيسَة (315-386)
“جَسَدُ المسيحِ يُعطى لنا في صورَةِ الخُبزِ ودَمُ المَسيحِ يُعطى لنا في صورَةِ الخَمر”.
القديس هيلاريوس أُسقُف بواتييه ومعلِّمُ الكنيسة (315- 367)
“حقًّا “الكَلِمَةُ صَارَ بَشَرًا” (يوحنا 1: 14)، وحقًّا نَحنُ نَتَناوَلُ جَسَدَ الكَلِمَةِ على مائِدَةِ الرَّبّ. فكيفَ لا نقولُ إنَّه مُقيمٌ فينا بِحُكمِ الطَّبيعة؟ فقد وُلِدَ إنسانًا مُتَّخِذًا طَبيعتَنا البَشَرِيَّةَ بِصورَةٍ نِهائِيَّةٍ ودائِمةٍ. وجَمَعَ طبيعتَه البَشَرِيَّةَ إلى طبيعتِه الأزليَّةِ في السِّرِّ الَّذي نَتَناوَلُ فيه جَسَدَه. ولهذا فنحن جميعًا واحدٌ، لأنَّ الآبَ في المسيح، والمسيحَ فينا. هو فينا بِجَسَدِه، ونَحن فيه، بِما أنَّ الَّذي فينا (أي طبيعتَنا البشريَّةَ) هو فيه وفي الله”.
“يَجِبُ أَنْ نؤمِنَ بِسِرِّ وَحدتِه فينا بِطَريقةٍ أخرى بِسِرِّ الإِفخارستيا”.
“وكَيفَ تكونُ هذه الوَحدةُ فينا طبيعيَّةً، فهو يُبَيِّنُ ذلك بقولِه: “مَن أكَلَ جَسَدِي وَشَرِبَ دَمِي ثَبَتَ فِيَّ وَثَبَتُّ فِيهِ” (يوحنا 6: 56). لن يكونَ أيُّ واحدٍ فيه، ما لم يكُنْ هو (أي المسيحُ) فيه مِن قبلُ. سيكونُ فقط في مَن يتناولُ جَسَدَه”.
“هذا هو مَصدرُ الحياةِ فينا: أنَّ المَسيحَ يُقيمُ فينا نَحنُ الجَسَدِيِّين بِحَسَبِ الجَسَد. وسنَحيَا فيه كمِثلِ ما يَحيَا هو بالآب”.
“نَهرُ اللهِ هذا إِذًا مُمتَلِئٌ مِياهًا: فَتَغمُرُنا مَواهِبُ الرُّوحِ القُدُس، ومِن يَنبوعِ الحياةِ هذا يَصُبُّ فينا نَهرُ الله المُمتَلِئُ مياهًا. ولنا أَيضًا طَعامٌ مُعَدٌّ. وما هو هذا الطَّعام؟ هو الطَّعامُ الَّذي نُعَدُّ به للمُشارَكَةِ في حَياةِ الله، بِتَناوُلِ الجَسَدِ المُقَدَّسِ الَّذي يُقيمُنا فيما بَعدُ في شَرَكَةٍ ووَحدَةٍ مع الجَسَدِ المُقَدَّسِ نَفْسِه”.
“بِهذا الطَّعامِ نَنالُ الخلاصَ في الحاضِر، ولَكِنَّه يُعِدُّنا أَيضًا للمُستَقبَل”.
نَشيدٌ في الإِفخارستيا للقدّيسِ توما الأكويني (1225- 1274)
“لأَنَّ جَسَدي طَعامٌ حَقّ وَدمي شَرابٌ حَقّ” أُحِبُّكَ مِن أَعماقِ قَلبي، أَيُّها الإِلهُ المُستتِر، الحاضِرُ حَقًّا تَحتَ هذِه الأَعراض. قَلبي يَستَسلِمُ بِكامِلِه لكَ لأَنَّه يُهزَمُ بِكُلِّيَّتِه عِندَما يَتَأَمَّلُكَ. النَّظَرُ والذَّوقُ واللَّمسُ لا تُدرِكُكَ: لكن بالسَّمَعِ وَحدَه يَطمَئِنُّ إِيماني. فأَنا أُومِنُ بِكُلِّ ما قالَه ٱبنُ اللهِ الحقّ؛ وما مِن شَيءٍ أَصْدَق مِن صَوتِ الحَقِّ ذاتِه (يو 14: 6). فوقَ الصَّليبِ كانَ الإِلهُ وَحدَه مُستَتِرًا، أَمَّا هُنا فالإِنسانُ أَيضًا مُستَتِر: أُعلِنُ إِيماني بالإِثنينِ مَعًا، مُكرِّرًا لَكَ كَلِماتُ لِصِّ اليَمين (لو 23: 42). لم أَستَطِعْ أَنْ أَتَأَمَّلَ جِراحَكَ مِثلَ توما؛ لَكِنِّي أُعلِنُ: “أَنتَ إِلهي!” (يو 20: 28) فٱجعَلني أُومِنُ بِكَ أَكثَرَ فأَكثَر، وأَرجوكَ، وأُحبُّكَ. يا تِذكارَ مَوتِ الرَّبّ، أَيُّها الخُبزُ الحَيُّ المُعطي الحياةَ للبَشَر، إِجعَلْ نَفْسي تَحيا بِكَ، إِجعَلها تَتَذَوَّقَكَ دائِمًا بِعُذوبَة. آمين.
القديس توماس كمبيس – كتاب الإقتداء بالمسيح الجزء الرابع، فصل 11 (1380- 1471)
“يُمكِنُنا أَنْ نَقولَ أَيضًا إنَّهُما طاوِلتانِ أُعِدَّتا بَينَ كُنوزِ الكَنيسَةِ المُقَدَّسَة: الأولى هي طاوِلَةُ المَذبَحِ الَّتي تَحمِلُ الخُبزَ المُقَدَّسَ، أَي جَسَدَ يَسوعَ المَسيحِ الثَّمين. والثَّانيةُ هي طاولَةُ الشَّريعَةِ الإلهِيَّةِ الَّتي تَضُمُّ العَقيدَةَ الأَبَدِيَّة، تلكَ العَقيدَةُ الَّتي تُعَلِّمُ الإِيمانَ الحَقيقِيَّ وتَقودُ بِثَباتٍ إِلى راحَةِ الله”.
“أَنا أشكُرُكَ، يا خالِقَ البَشَرِ ومُخَلِّصَهم، أَنتَ الَّذي أَعدَدتَ لنا هذِه الوليمةَ العَظيمةَ لِتُظْهِرَ مَحَبَّتَكَ للعالَمِ أَجمَع، وأَعطَيتنا كَغِذاءٍ ليسَ رَمزَ الحَمَلِ الوديع، ولَكِن حَقيقَةَ جَسَدِكَ ودَمِكَ. هذه هي الوليمةُ المُقَدَّسَةُ حَيثُ يَشرَبُ جَميعُ المُؤمنينَ بفرحٍ عَظيمٍ من كأسِ الخلاصِ الَّذي يَضُمُّ كُلَّ أَفراحِ الجَنَّة”.
(البابا فرنسيس، فرح الإنجيل 13)
“يُعطينا يَسوعُ الإِفخارستِيَّا كَذاكِرَةٍ يَومِيَّةٍ للكَنيسَة، تُدْخِلُنا دائِمًا أَكثرَ في الفصح”.
(المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الكنيسة رقم 11)
“إِنَّ الإِفخارستيَّا هي سِرُّ الأَسرار، فهي تحتوي على كنزِ الكنيسَةِ الرُّوحي بأَجمَعِه، أَي على المسيحِ بالذَّاتِ فصحَنا”.
“إِنَّها مَنبَعُ الحياةِ المَسيحِيَّةِ كُلِّها وقِمَّتِها”.
الأب يوسف دوسَّتي (1913- 1996)
“فَلْتَمتَلأْ عينايَ من المسيحِ المصلوبِ والإِفخارستيّ، بحيثُ لا أَرى سِواه شَيئًا آخَر”.
…………………
في سِرِّ الإفخارستيا القديس أمبروزيوس الأسقف
هذا السِّرُّ الَّذي تَقبَلُه هو كَلامُ المَسيحِ الَّذي يَصْنَعُه
نَرى أَنَّ النِّعمَةَ تَفعلُ أَكثَرَ مِنَ الطَّبيعَة، ونَرى أَنَّ نِعمَةَ النُّبُوَّةِ أَيضًا لها بَرَكَةٌ وقُوَّة. وإِذا ٱستطاعَتِ البَرَكَةُ البَشَرِيَّةُ أَنْ تُحَوِّلَ الطَّبيعَة، فماذا نَقولُ في التَّكريسِ الإِلهيِّ حيثُ المَسيحُ الفادي نَفْسُه هو الَّذي يَفعَلُ بِقُوَّةِ كَلِمَتِهِ؟ لأَنَّ السِّرَّ الَّذي تَقبَلُه (أَيِّ الإِفخارِستيَّا) يَتِمُّ بِقُوَّةِ كَلِمَةِ المَسيح. إِذا ٱستَطاعَ النَّبِيُّ إِيليا أَنْ يُنْزِلَ بِكَلِمَتِهِ النَّارَ مِنَ السَّماء، أَلا يَستَطيعُ المَسيحُ أَنْ يُحَوِّلَ بِكَلِمَتِهِ طَبيعَةَ الكائِنات؟ قرَأْتَ عَن جَميعِ أَعمالِ هذا الكَونِ أَنَّها تَمَّتْ بِقُوَّةِ كَلِمَةِ الله، كما جاءَ في المَزمور: “بِكَلِمَةِ الرَّبِّ صُنِعَتِ السَّموات، وبِروحِ فَمِهِ صُنِعَ كُلُّ جَيشِها. إِنَّهُ قَالَ فَكَانَ، وَأمَرَ فَوُجِدَ” (مزمور 33: 6، 9). فإنِ ٱستَطاعَ المَسيحُ بِكَلِمَتِهِ أَن يوجِدَ مِنَ العَدَمِ ما لَمْ يَكُنْ مَوجودًا، أَفلا يَستَطيعُ بِكَلِمَتِهِ أَيضًا أَنْ يُحَوِّلَ طَبيعَةَ المَوجودِ إِلى طَبيعةٍ لَمْ تَكُنْ فيه؟ خَلْقُ الكائناتِ هو أَمرٌ أَعظَمُ بِكَثيرٍ مِن تَحويلِ طَبيعتِها.
ولماذا نَلجأُ إِلى البراهين؟ لِنَنْظُرْ بالأَحرى إِلى الأَمثِلَةِ والأَسرارِ الَّتي نَراها في التَّجَسُّدِ لِنُدرِكَ سِرَّ الحَقيقَة. هل وُلِدَ يَسوعُ المسيحُ مِن مريمَ البتولِ بِحَسَبِ سُنَّةِ الطَّبيعَة؟ بِحَسَبِ سُنّةِ الطَّبيعةِ تَلِدُ المرأةُ من الرَّجُل. فمِنَ الواضِحِ إِذًا أَنَّ البَتولَ وَلدَتْ على غيِر سُنَّةِ الطَّبيعة. وما نَصْنَعُه في هذا السِّرِّ (أَيِّ الإِفخارِستِيَّا) هو جَسَدُ المَسيحِ المَولودُ مِن بَتول. فلماذا تَطْلُبُ هنا (أَي في الإِفخارِستِيَّا) سُنّةَ الطَّبيعَةِ في جَسَدِ المَسيح، والرَّبُّ يسوعُ نَفْسُه وُلِدَ مِنَ البَتولِ على غَيرِ سُنَّةِ الطَّبيعَة؟ فجسدُ المَسيحِ نَفْسُه الَّذي ماتَ على الصَّليبِ ودُفِنَ هو حَقًّا هذا الجَسَدُ الَّذي يوجَدُ في هذا السِّرِّ (أَي الإِفخارِستِيَّا).
قالَ الرَّبُّ يَسوعُ نَفْسُه: “هذا هو جَسَدي”. قبلَ التَّلفُّظِ بِهذِه الكَلِماتِ كانَ شيئًا آخَر. وبَعدَها، (أَي بَعدَ كَلِماتِ التَّقديسِ) صارَ جَسَدًا. ثُمَّ قال: “هذا هو دَمي”. قَبلَ كَلِماتِ التَّقديسِ كانَ شيئًا آخَر. وبَعدَ كَلِماتِ التَّقديسِ صارَ دَمًا. وأَنتَ تَقولُ: آمين. أَعني: “حَقًّا هو كَذلِك”. فَلْيَعْتَرِفِ العَقلُ إِذًا بِما يَنطِقُ بِهِ الفَم، وليُقِرَّ الوِجدانُ بِما يَسمَعُه عِبرَ الكَلام.
ولهذا عِندَما تَرى الكَنيسَةُ هذِه النِّعمَةَ الكَبيرة، فإِنَّها تَحُثُّ أَبناءَها والمُقَرَّبينَ فيها على الإِقبالِ على هذا السِّرِّ: “كُلُوا أَيُّها الأخِلاء، إِشرَبُوا وَٱسكَرُوا أَيُّها الأَحِبَّاء” (نشيد 5: 1). ماذا نَأكُلُ وماذا نَشرَبُ؟ قالَ الرُّوحُ القُدُسُ في مَكانٍ آخَرَ على لِسانِ النَّبِيّ: “ذُوقُوا وَٱنظُرُوا مَا أَطيَبَ الرَّبَّ، طُوبَى لِلرَّجُلِ المُعتَصِمِ بِهِ” (مزمور 34: 9). المَسيحُ هو حَقًّا في هذا السِّرِّ، لأَنَّ هذا هو جَسَدُ المَسيحِ حَقًّا. وليسَ هو طَعامًا جَسَديًّا بل هو طَعامٌ روحي. ولهذا قالَ الرَّسولُ بولس في الآياتِ الَّتي تَرمُزُ إِليه إِنَّ آباءَنا “أَكَلُوا طَعَامًا رُوحِيًّا، وَشَرِبُوا شَرَابًا رُوحِيًّا” (1 قورنتس 10: 3). جَسَدُ اللهِ هو جَسَدٌ روحي، وجَسَدُ المَسيحِ هو مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ، لأَنَّ الرَّوحَ هو المَسيح، كما نَقرأ: “إِنَّ الرَّوحَ أَمامَ وَجْهِنا هو المَسيحُ الرَّبّ” (المراثي 4: 20 بِحَسَبِ التَّرجَمَةِ السَّبعينِيَّة). وقالَ القِدِّيسُ بُطرس في رسالَتِه: “ماتَ المَسيحُ مِن أَجلِكُم”. وأَخيرًا إِنَّ هذا الطَّعامَ يُقَوِّي قَلبَنا وهذا الشَّرابَ يُفَرِّحُ قَلبَ الإِنسان (مزمور 104: 15) كما قال النَّبِيِّ.
…………………
من أكل جسدي وشرب دمي الطوباويّة تريزا من كلكتا (1910 – 1997)، مؤسِّسة الأخوات مرسلات المحبّة
يسوع، الكلمة الّتي يجب قولها، الفصل السّادس
«مَن أَكَلَ جَسدي وشَرِبَ دَمي ثَبَتَ فِيَّ وثَبَتُّ فيه»
كم يخاطبنا الرّب يسوع بحنان عندما يَهَب ذاته لأحبّائه في المناولة المقدّسة: “جَسَدي طَعامٌ حَقّ وَدمي شَرابٌ حَقّ. مَن أَكَلَ جَسدي وشَرِبَ دَمي ثَبَتَ فِيَّ وثَبَتُّ فيه”. ماذا يمكن لِربّي يسوع أن يعطيني أكثر من جسده طعامًا؟ لا، لا يستطيع الله أن يفعل أكثر من ذلك، ولا أن يُظهِر لي حبًّا أكبر.
فالمناولة المقدّسة، بمعنى الكلمة، هي اتّحاد الرّب يسوع الحميم بنفسنا وجسدنا. إن كنّا نريد أن تكون لنا الحياة بشكل أوفر، علينا أن نحيا من جسد ربّنا. لقد فهم القدّيسون هذا الأمر جيّدًا لدرجة أنّهم كانوا يقضون ساعات في التحضير، وأكثر من ذلك أيضًا في فعل الشكر. مَن يمكنه أن يشرح ذلك؟ لقد هتف القدّيس بولس: “ما أَبْعدَ غَورَ غِنى اللهِ وحِكمَتِه وعِلمِه! وما أَعسَرَ إِدراكَ أَحكامِه وتَبيُّنَ طُرُقِه! فمَنِ الَّذي عَرَفَ فِكْرَ الرَّبّ أَو مَنِ الَّذي كانَ لَه مُشيرًا؟ (رو 11: 33-34).
عندما تستقبلون الرّب يسوع المسيح في قلبكم بعد المشاركة في الخبز الحيّ، تذكّروا ما يمكن أن تكون سيّدتنا مريم العذراء قد شعرت به عندما ظلّلها الرُّوح القدس وعندما قبلت جسد الرّب يسوع المسيح، هي “الـمُمتَلِئَة نِعْمَةً” (راجع لو 1: 26). لقد كان الرُّوح قويًّا فيها لدرجة أنّها “قَامَت مَريمُ فمَضَت مُسرِعَةً” (لو 1: 39) لتخدم.