تأملات آباء الكنيسة حول الروح القدس

آباء الكنيسة

أعمالُ الرُّوحِ القُدُس في الكنيسة
للمكرَّم البابا بولس السادس
الإستمتاعُ بصلاةٍ حميمةٍ، شخصيةٍ وجماعية.
رجوعٌ إلى حياةِ التَّأمُّلِ والإستِرسالِ في تسبيحِ الله.
رغبةٌ في تسليمِ الذَّاتِ وتكريسِ الحياةِ للسَّيِّدِ المسيح.
طاعةٌ عمياءُ لنداءاتِ الرُّوحِ القُدُس.
التَّفرُّغُ لمطالعةِ الأسفارِ المُقدَّسَة.
التَّفاني في مُمارَسَةِ المحبَّةِ الأخويَّة.
المُساهَمةُ في الخِدَماتِ الكنسيَّة.
في كُلِّ هذه الظَّواهِر، بإمكانِنا رؤيةُ عَمَلِ الرُّوحِ القُدُسِ العجيبِ والخَفي، لأنَّه في الواقِع روحُ الكنيسة.
…………………

أقوال القديس يوحنا فيانية عن الروح القدس (1)
“يكفي أن نقول “نعم” وأن نَدَعَه يقودُنا”.
“إنَّ النَّفسَ التي تمتلك الروح القدس تتذوّق في الصلاة طعماً يجعلُها تشعرُ أنَّ الوقتَ دائماً غير كاف (قصير)”.
“كما أن الأرض لا تستطيع أن تُنتج أيُّ شيء إذا لم تُخصِبُها الشمس، هكذا لا نستطيع عَمَلَ أيُّ شيءٍ من الخير دونَ نعمة الإلهِ الصالح”.
“مع الروح القدس نحن نرى كلَّ شيءٍ عظيم: نرى عظمة أصغر الأفعال التي نُقدِّمُها من أجل الله، وعظمة أصغر الأخطاء”.
“لا يمكن لأولئك الذين يمتلكون الروح القدس أن يتألّموا، وهكذا يعرفون بؤسَهم وعوَزَهُم”.
“عندما يريد الروح القدس شيئاً ما، يَنجحُ هذا الشيءُ دائماً”.
“يا إلهي، أرسل لي روحَكَ القُدُّس، الذي يجعلني أعرِفُ مَن أنا ومَن أنتَ”.
“إنَّ الرُّوحَ القدس هو مرشد النفس؛ لا نقوى على أيِّ شيءٍ بدونه. النفس التي يسيطر عليها الروح القدس تُشبه ثمر العنب الذي يخرج منه شراب مُسكر عندما يتم عصره. والنفس، دون الروح القدس، تشبه الحصاة التي لا نستطيع أن نُخرِجَ أيُّ شيءٍ منها”.
“يكون لدى الذين ينقادون للروح القدس أفكار صحيحة. ولهذا يوجد الكثير من الجاهلين الذين يدّعون المعرفة أكثر من أصحابها”.
“المسيحي الذي يقوده الروح القدس لا يجد صعوبةً في التخلي عن خيرات هذا العالم من أجل أن يركض وراء خيرات السماء. وهو يعرف كيف يميّز بينهما”.
“بالنسبة للإنسان الذي ينقاد للروح القدس، يبدو وكأنه ليس من العالم؛ بالنسبة للعالم”.
“عندما تراودنا أفكار صالحة، يكون ذلك بفضل زيارة الروح القدس لنا”.
” يُشبه الروح القدس البستاني الذي يصقل ويهذّب نفوسَنا”.
…………………

الروح القدس القديس كيرلس الإسكندري اسقف الإسكندرية
(الكتاب 5، فصل 2: PG 73، 751-754)
أفاض الرُّوح في كُلِّ ذي جَسَد
لمَّا حدَّدَ اللهُ مُبدعُ الكُلِّ أَن يُصلِحَ كُلَّ شيءٍ في المسيحِ في نظامٍ سوِيٍّ جميل، وأن يُعِيدَ الطبيعةَ الإنسانيّةَ إلى حالتِها القديمة، وعدَها بأن يمنحَها المواهبَ الكثيرةَ وروحَه القدُّوسَ نفسَه. لأنَّه لم يكُنْ من الممكنِ، بدونِ ذلك، أن تستعيدَ الطبيعةُ البشريّةُ نعمتَها بصورةٍ مستقرَّةٍ ودائمة.
حدَّدَ إذًا زمنَ مجيءِ الرُّوحِ القُدُسِ، أي مجيءِ المَسيح، ووَعَدَ قائلا: “في تلك الأيّامِ، أي في أيَّامِ المُخَلِّصِ، سأُفِيضُ روحي على كُلِّ بَشَرٍ” (يوئيل 3: 1).
فلمَّا تمَّ الزَّمانُ، أرسَلَ اللهُ إلينا، بجودِه وكرَمِه الجزيل، الابنَ الوحيدَ على الأرضِ بِحَسَبِ الجَسَد، أي أرسَلَه إنسانًا مولودًا من ٱمرأة، كما تنبَّأَ بذلك الكتابُ المُقدَّس. ومَنَحَ اللهُ الآبُ مُجَدَّدًا روحَه. وكانَ المَسيحُ هو أوَّلَ من قَبِلَهُ، لكَونِه بِكرَ الطبيعةِ المجدَّدة. وقد شَهِدَ يوحنا بهذا فقال: “رَأَيْتُ الرُّوحَ يَنـزِلُ مِنَ السَّمَاءِ فَيَستَقِرُّ عَلَيهِ” (يوحنا 1: 32).
نقولُ إنَّ المَسيحَ قَبِلَ الرُّوحَ، وذلك كإنسان، وبقدرِ ما هو جديرٌ بالإنسانِ أن يَقبَلَ الرُّوح. هو ٱبنُ اللهِ الآبِ، مولودٌ منه ومَساوٍ له في الجوهر، قَبْلَ التَّجَسُّدِ بل وقَبْلَ كُلِّ الدُّهور. ومع ذلِكَ لَم يَثقُلْ عليه سَماعُ اللهِ الآبِ يقولُ له بعدَ أن صارَ إنسانًا: “أنتَ ٱبنِي وَأنَا اليَومَ وَلَدْتُكَ” (مزمور 2: 7).
يقولُ الآبُ إنَّ المولودَ منه قبلَ كُلِّ الدُّهور وُلِدَ اليومَ، ليجعلَنا فيه أبناءَ التبنّي. لأنَّ المَسيحَ من حيثُ إنَّه إنسانٌ أَخَذَ في ذاتِه الطَّبيعَةَ الإنسانيّةَ كُلَّها. ولهذا يَهَبُ الآنَ الآبُ روحَه مُجَدَّدًا للابنِ، لِنَحصُلَ نَحنُ به على الرُّوح. ولهذا السَّببِ أيضًا أرادَ أن يكونَ من نَسلِ إبراهيم، كما جاءَ في الكتابِ، وأصبحَ في كُلِّ شيءٍ شبيهًا بإخوتِه.
لم يَقبَلِ الابنُ الوحيدُ إذًا الرُّوحَ القُدُسَ لِنَفْسِه. فهو روحُه، ويُقيمُ فيه، وبه يُوهَبُ، كما قُلْنا سابقًا: ولكن بما أنَّه صارَ إنسانًا، وشملَ الطَّبيعَةَ الإِنسانيّةَ كُلَّها في ذاتِه، فقد قَبِلَ الرُّوحَ ليُصلِحَها كُلَّها ويُعيدَها إلى كمالِها. ولهذا لا بدَّ من أن نرى، بشهادةِ العقلِ السَّليمِ والكِتابِ المُقَدَّسِ، أنَّ المسيحَ لم يَقبَلِ الرُّوحَ لِنَفْسِه، بل قبِلَهُ في نَفْسِه من أَجلِنا: وفي الواقعِ، جميعُ الخيراتِ تأتينا عن طريقِه.
…………………

الروح القُدُس القديس كيرلس الإسكندري الأسقف ومعلم الكنيسة (380- 444)
إن لم أمض لم يأتكم الروح البرقليط
لقد تَمَّمَ يسوعُ كلَّ ما كانَ عليه أن يُتمِّمَه في الأرض. ووَجَبَ الآن أن نكونَ شركاءَ في طبيعةِ الكلمةِ الإلهيّةِ (2بط 1: 3-4)، فنترُكَ حياتَنا ونتحوَّلَ إلى حياةٍ أخرى ونستقرَّ في سيرةٍ جديدةٍ أمامَ الله. ولا يمكنُ أن يكونَ لنا هذا إلاَّ من خلالِ الوَحدةِ والشَرِكةِ مع الروحِ القدس.
وكانَ الزمنُ المناسبُ لإرسالِ الرُّوحِ القدس، ولحلولِه فينا، هو الزمنُ الذي فيه غادرَنا المسيحُ مخلِّصُنا عائدًا إلى الآب.
لمّا كانَ المسيحُ بجسدِه مع المؤمنين، كانوا، في رأيي، يرَوْن فيه الواهبَ لكلِّ الخيرات. ولمّا لزِمَ وحانَ وقتُ صعودِه إلى الآبِ، وَجَبَ أن يكونَ حاضرًا بينَ المؤمنين بالرُّوحِ القدس، فيسكنَ بالإيمانِ في قلوبِنا، وإذ يُقيمُ فينا نهتفُ معه واثِقين: “أبَّا، أيُّها الآب” (رومة 8: 15)، (غلاطية 4: 6)، ونسارعُ بسهولةٍ إلى كلِّ فضيلة، ونكونُ به أقوياءَ لا ننهزِمُ ولا نقعُ أمامَ شِراكِ الشيطانِ وإهاناتِ الناس، لأنَّ الرُّوحَ الكُلِّيَّ القُدرَةِ حاضِرٌ فينا.
أَمّا أَنَّ الرُّوحَ القدُسَ يُحَوِّلُ الذينَ حَلَّ عليهم وأقامَ فيهم إلى طبيعةٍ أخرى، ويُثبِّتُهم في حياةٍ جديدة، فمن السهلِ أن نُبيِّنَ ذلك بشهاداتٍ من العهدَيْن القديمِ والجديد.
قالَ النبيُّ صموئيل لشاول: ” يَنقَضُّ عَلَيكَ رُوحُ الرَّبِّ وَتَصِيرُ رَجُلاً آخَرَ” (1 صموئيل 10: 6). وقالَ القديسُ بولسُ الرسول: “وَنَحنُ جَمِيعًا نَعكِسُ صُورَةَ مَجدِ الرَّبِّ بِوُجُوهٍ مَكشُوفَةٍ كَمَا فِي مِرآةٍ، فَنَتَحوَّلُ إلَى تِلكَ الصُّورَةِ، وَنَزدَادُ مَجدًا عَلَى مَجدٍ، وَهَذَا مِن فَضلِ الرَّبِّ الَّذِي هُوَ رُوحٌ” (2 قورنتس 3: 17- 18).
أتَرى كيف أنَّ الرُّوحَ يحوِّلُ مَن يُقيمُ فيهم إلى صورةٍ أخرى؟ فإنَّه يُحوِّلُ المؤمنَ بسهولةٍ من رؤيةِ الأمورِ الأرضيّةِ إلى الإهتمامِ بالأمورِ السماويّةِ فقط، ومَن كانَ ضعيفًا جبانًا مَنَحَه الجُرأةَ والإقدام، على مِثالِ الرُّسُل (أع 4: 31)، جُرأة إسطفانُس (أع 6: 8-10)، جُرأة برنابا وشاول “بولس” (أع 13: 2-5). لا شكَّ أنَّ مِثلَ هذا التَّحوُّلَ حَدَثَ في الرُّسُل. فقد أيَّدَهُم الرُّوحُ فلم ينهزِموا أمامَ ضرَبَاتِ المضطهِدين، بل ٱزدادوا بِحُبِّهِم أمانةً للمسيح.
حقٌّ إذاً ما قالَه المُخلِّصُ: “إنَّه خيرٌ لكم أن أعودَ إلى السَّماءِ” (يوحنا 16: 7)، لأنّه حانَ وقتُ حلولِ الرُّوحِ القُدُس.
…………………

من كتاب القديس هيلاريوس أُسقُف بواتييه ومعلم الكنيسة في الثالوث الأقدس
(315-367)
هبة الآب المسيح
أَمَرَنا الرَّبُّ بأَنْ نُعِمِّدَ بٱسمِ الآبِ والإِبنِ والرُّوحِ القُدُس، أي بأن نَعتَرِفَ باللهِ الخالقِ وٱبنِه الوَحيدِ، وبالرُّوحِ هبتِه لنا.
واحدٌ هو الله خالقُ الكلّ. واحدٌ هو اللهُ الآبُ الذي منه كلُّ شيء. واحدٌ هو يسوعُ المسيح، الذي به كلُّ شيء. واحدٌ هو الرُّوحُ القُدُسُ، هبةُ اللهِ في الكُلِّ.
فكلُّ شيءٍ مُرتَّبٌ بالقدرةِ والصفاتِ الإلهيَّةِ: القدرةُ واحدةٌ ومنها كلِّ شيء، والبُنُوَّةُ واحدةٌ، وبها كلُّ شيء، والهبةُ واحدةٌ وهي مصدرُ الرَّجاءِ الكامِل. ولا يمكنُ أن يَنقُصَ شيءٌ في كلِّ هذا الكَمالِ في الآبِ والابنِ والرُّوحِ القُدُس: فاللاَّنِهايةُ الأَبَدِيَّةُ في الآب، والمُشاهَدَةُ في صورةِ الإِبن، والحياةُ في هبةِ الله أي الرُّوحِ القُدُس.
قال يسوع: “لا يَزَالُ عِندِي أشيَاءُ كَثِيرَةٌ أقُولُهَا لَكُم، وَلَكِنَّكُم لا تُطِيقُون الآنَ حَمْلَهَا. خَيرٌ لَكُم أن أذهَبَ. فَإذَا ذَهَبْتُ أرسَلْتُ إلَيكُم المُؤَيِّدَ” (يوحنا 16: 12 و7)، (2يو12).
وقالَ أيضًا: “وَأنَا سَأسألُ الآبَ، فَيَهَبُ لَكُم مُؤَيِّدًا آخَرَ، يَكُونُ مَعَكُم لِلأبَدِ. رُوحَ الَحقِّ. هُوَ يُرشِدُكُم إلَى الحَقِّ كُلِّهِ، لأنَّهُ لَن يَتَكَلَّمَ مِن عِندِهِ بَل يَتَكَلَّمُ بِمَا يَسمَعُ وَيُخبِرُكُم بِمَا سَيَحدُثُ. سَيُمَجِّدُنِي لأنَّهُ يَأخُذُ مِمَّا لِي” (يوحنا 14: 15 -17؛ 16: 13- 14).
قِيلَتْ هذه الآياتُ لتفهموا منها أُمورًا كثيرة: إرادةَ الواهِب، وسَبَبُ الهِبَةِ وطَبيعَتُها. فإِنَّنا في ضُعفِنا لا نَقدِرُ أَنْ نَفْهَمَ لا الآبَ ولا الإِبنَ. فيأتي الرُّوحُ القُدُسُ لِيُنيرَ إيمانَنا، وبوساطتِه نُدرِكُ سرَّ تَجَسُّدِ اللهِ الَّذي يَصعُبُ فَهْمُه.
يُقبَلُ الرُّوحُ من أجلِ المعرفة. إنَّ الطبيعةَ البشريّةَ إذا زالَتْ عنها أسبابُ الحياة، بقِيَتْ من غيرِ عمل. إن لم يكُنْ نورٌ أو نهار، لا تَقدرُ العينُ أَنْ تَعمَلَ شيئًا. وإن لم يكُنْ هناك صوتٌ أو كلامٌ فلا عملَ للأُذن. وكذلك الأَنفُ، إِنْ لم تَفُحْ رائِحَةٌ فلا عَمَلَ له. وليسَ الإعتلالُ أَو النَّقصُ في الطَّبيعَة، بل في ظُروفِ الإِستخدام. وكذلك روحُ الإنسانِ، إِنْ لم يَنَلْ بالإِيمانِ هِبَةَ الرُّوح، قد تكونُ فيه المقدرةُ لفهمِ الله، ولكن سيَنقُصُه نورُ المَعرِفةِ الَّذي يُفعِّلُ تِلكَ المَقدِرَةَ فيه.
وهذه الهِبةُ التي تُعطَى في يسوعَ المسيح واحدةٌ للجميع. وهي دائِمًا موجودةٌ لا تَنقُصُ ولا تَغِيبُ. ولكنّها تُعطَى فقط بمِقدارِ ما يأخُذُ الآخِذُ. وتَبقَى في نَفْسِه بمِقدارِ ما يُريدُ لها البَقاءَ فيها. إِنَّها مَعَنا حتَّى نِهايةِ العالَم، وهي عَزاؤُنا وقُوَّتُنا في فَترةِ ٱنتظارِنا. وهي عربونُ ما نَتَرَجَّى في المُستَقبَلِ. هي نورُ العُقول، وبَهاءُ النُّفوس.
…………………

الروح القدس في فكر غييوم دو سانت تييري (حوالى 1085 – 11148)، راهب بِندِكتيّ ثمّ سِسترسيانيّ
مرآة الإيمان،
عندما تتردّد الطبيعة أمام ألغاز الإيمان العميقة، قُلْ بدون تردّد، لا من باب الاعتراض، بل رغبةً في الطاعة مثل مريم العذراء: “كَيفَ يَكونُ هذا” (لو1: 34). ليكنْ سؤالك بمثابة صلاة؛ ليكنْ بمثابة حبّ وتقوى ورغبة متواضعة؛ لا تدعْ سؤالك يبحث بتعجرف عن صاحب الجلالة الإلهيّ، بل إِبحثْ في سؤالك عن سُبُل الخلاص التي رسمَها لنا إله خلاصنا. “فمَن مِنَ النَّاسِ يَعرِفُ ما في الإِنسانِ غَيرُ روحِ الإِنسانِ الَّذي فيه” (1قور 2: 11). لذا، أسرِعْ وتقرَّبْ من الرُّوحِ القدس. هو حاضر في أيّ وقت نناديه؛ وإن كنّا نناديه، فهذا يعني أنّه حاضر أصلاً. ما إن نناديه حتّى يحضر ومعه غمرة من النِّعم الإلهيّة. إنّه “نَهرٌ فُروعُه تُفرِحُ مَدينةَ الله” (مز46(45): 5). وفي يوم مجيئه، إن وجدَكَ متواضعًا مطمئنًّا، لكن خاشيًا كلمة الله، سوف يحلّ عليكَ (لو 1: 35)، ويُظهر لكَ كلّ ما أخفاه الله عن الحكماء والعقلاء في هذا العالم (1 قور 1: 24). حينها فقط، ستَتكشَّف لكَ الحقائق كلّها، تلك الحقائق التي كانت تستطيع الحكمة أن تقولها للرسل حين كانت على الأرض، بدون أن يتمكّن هؤلاء من حملها إلى العالم قبل مجيء روح الحقّ الذي كان سيُرشدهم إلى الحقّ كلّه (يو16: 12–13).
…………………

الرُّوحُ القُدُس في كتابات الطوباوي يعقوب الكبوشي
(1875- 1954)
“مَن ٱبتعَدَ عن الرُّوحِ القُدُسِ عَظَّمَ الأَرضيات، ومَن دنا منه ٱحتقَرَها وٱعتَبَرَ اللهَ خيرَه الأَعظَم”.
“الرُّوحُ القُدُسُ أَوجَدَ كُلَّ شيء لأنَّه محبَّة، وكُلُّ الخليقةٍ هي عَمَلُ مَحبَّة”.
“الرُّوحُ القُدُسُ مُلهِم القدِّيسينَ على عَمَلِ الإماتات”.
…………………

الروح القدس والطّوباويّ بولس السادس، بابا روما من 1963 إلى 1978
المقابلة العامّة بتاريخ 17/05/1972
«بَعدَ قَليلٍ لَن يَراني العالَم. أَمَّا أَنتُم فسَتَرونَني لِأَنِّي حَيٌّ ولأنَّكُم أَنتُم أَيضًا سَتَحيَون»
قال الرَّبُّ يسوع لنيقوديمُس: “الرِّيحُ تَهُبُّ حَيثُ تَشاء… تِلكَ حاَلةُ كُلِّ مَولودٍ لِلُّروح” (يو 3: 8). لا يمكننا إذًا، على صعيد العقيدة والصّعيد العمليّ، أن نضع مقاييس محدّدة لتدخّل الرُّوح القُدُس في حياةِ النّاس. إذ يمكنه أن يتجلّى من خلال أشكالٍ شتّى وأوقاتٍ غير متوقَّعة: “أَلعَبُ على وَجهِ أَرضِه ونعيمي مع بَني البَشَر” (أمثال 8: 31)… لكن توجد قاعدة لا بل شرط أساسي يفرض ذاته بطريقة طبيعيّة على الّذين يريدون أن يلتقطوا موجات الرُّوح القدس الفائقة الطّبيعة: إنّها الحياة الدّاخليّة. ففي داخل النّفس البشريّة يحصل اللّقاء مع هذا الضّيف الفائق الوصف، كما نُردِّد في نشيد العنصرة الرّائع: “يا ضيفَ النَّفسِ العَذب”. إذ يصبح الإنسان “هيكلاً للرُّوحِ القُدُس” على ما أورد القدّيس بولس (1قور 3: 16 + 6: 19)
إنّ النّاس في هذه الأيّام، كما المسيحيين في الغالب، وحتّى المكرّسين منهم يتوقون نحو العلمنة. لكن لا يمكن ولا يجب أبدًا أن ننسى شرط الحياة الدّاخليّة الأساسيّ إن أردنا أن تستمرّ حياتنا مسيحيّةً ومُوجّهة من قِبَل الرُّوح القدس… إنّ الصّمت الدّاخليّ ضروريٌّ للإصغاء إلى كلمة الله، والشّعور بحضوره وسماع ندائِه.
إنّ أنفسنا متّجهة بكثرة نحو الخارج في هذه الأيّام…؛ لا نعرف أن نتأمّل ولا أن نصلّي؛ لا نعرف كيف نُسكِتُ الصّخب الّذي تُحدِثُهُ فينا ٱهتماماتنا الخارجيّة، والصّور والمزاج. لا توجد في القلب مساحةٌ هادئة ومقدّسة لتلقّي شعلة العنصرة… ومن هنا نستخلص بأنّه يجب علينا أن نُفسِحَ مجالاً للحياة الدّاخليّة ضمن برنامج حياتنا المضطرب؛ هذا المجال يجب أن يكون مُخصَّصًا، صامتًا وطاهرًا؛ يجب أن نجد أنفُسَنا لكي يستطيع أن يسكن فينا الرّوح المُحيي والمُقَدِّس.
…………………

الروح القدس والطوباويّ جان فان روسبروك (1293 – 1381)، رئيس دير
الأعراس الروحيّة، الجزء الثّالث
«ولكِنَّ المُؤَيِّد، الرُّوحَ القُدُس الَّذي يُرسِلُه الآبُ بِٱسمي هو يُعَلِّمُكم جَميعَ الأشياء»
إنّ حياة التأمّل هي الحياة السماويّة. بفضل حبّ الاتّحاد مع الله، يتخطّى الإنسان كيانه، ليكتشف ويتذوّق الكرم والنِّعَم التي هي في الله، والتي يجعلها الله تتدفّق بٱستمرار في أعماق النفس البشريّة، حيث تكون هذه النّفس على صورة نُبل الله. حين يلتقي الإنسان المُتأمِّل بصورته الأبديّة، وحين يجد مكانه في حضن الآب بفضل الابن، يستنير بالحقيقة الإلهيّة.
لذا، يجب أن نعرف أنّ الآب السماوي، هذا الغمر الحيّ، متّجه بكلّ أعماله وبكلّ ما يعيش فيه، نحو الابن كما نحو حكمته الأبديّة (راجع حكمكة 8: 22)؛ وهذه الحكمة ذاتها، بكلّ ما في داخلها، تنعكس أعمالاً في الآب، أي في الغمر الذي ٱنبعثت منه. من هذا اللقاء، ينبثق الأقنوم الثالث الذي يقف بين الآب والابن، أي الرُّوح القدس، حبّهما المشترك الذي يعتبر واحدًا مع الاثنين في الطبيعة نفسها. هذا الحبّ يعانق ويخترق الآب والابن وكلّ ما يعيش فيهما، وذلك بسعادة فائقة إلى حدّ يجعل المخلوقات كلّها تلتزم بصمت أبدي. فإنّ تلك الأعجوبة المتسامية المخبّأة في هذا الحبّ ستتجاوز إدراك البشر كلّهم إلى الأبد.
عندما نعترف بهذه الأعجوبة ونتنعّم بها بلا دهشة، هذا يعني أنّ نفسنا تجاوزت ذاتها وأصبحت واحدة مع روح الله، متنعّمة ومتأمِّلة بدون حدود، كما يتنعمّ الله ويتأمّل غناه الذاتي في ٱتّحاد مع عمقه الحيّ وفقًا لطبيعته غير المخلوقة. هذا اللقاء الرائع الذي حدث فينا وفقًا لطبيعة الله يتجدّد بٱستمرار. كما أنّ الله يرى الأمور كلّها جديدة في ولادة ٱبنه، كذلك تكون تلك الأمور محبوبة بطريقة جديدة من قبل الآب والابن في ٱنبثاق الرُّوح القدس. هذا هو اللقاء بين الآب والابن الذي يحضننا، بفضل الرُّوح القدس، في حبّ أبدي.
…………………

الروح القدس والطوباويّ يوحنّا هنري نِيومَن (1801 – 1890)، كاهن ومؤسّس جماعة دينيّة ولاهوتيّ
تأمّل وعبادة، الفصل 14: البارقليط
«خَيرٌ لَكم أن أذهَب. فَإن لم أذهَبْ، لا يَأتِكُمُ المُؤيِّد. أمَّا إذا ذَهَبتُ فأُرسِلُه إلَيكُم»
يا إلهي، أيّها البارقليط الأزليّ، أنا أعبدك. أيّها النّور والحياة. كان بإمكانك الاكتفاء بأن ترسل لي من الخارج أفكارًا حسنة مرفقة بالنّعمة التي توحي بها وتحقّقها؛ هكذا كان بمقدورك أن تقودني في الحياة، وأن تطهّرني بعملك الداخلي حين يأتي موعد انتقالي إلى العالم الآخر. لكن بفعل رأفتك التي لا حدود لها، دخلتَ إلى نفسي منذ البدء، وحوّلتها إلى هيكل لك. بنعمتك، سكنتَ فيَّ بشكلٍ لا يوصف، وضمَمتَني إليك وإلى جماعة الملائكة والقدّيسين. أكثر من ذلك، أنت حاضرٌ شخصيًّا فيَّ، ليس فقط بنعمتك، إنّما أيضًا بكيانك ذاته، كما لو كنتُ، بشكلٍ ما، وفي هذه الحياة، منصهرًا بك مع حفاظي على شخصيّتي. وبما أنّك استحوذت أيضًا على جسدي رغم ضعفه، أصبح هو أيضًا هيكلاً لك (1كور 6: 19). إنّها لحقيقة باهرة ورهيبة! يا إلهي، أنا أؤمن بذلك، وأنا أعرف ذلك.
كيف لي أن أقترف الخطيئة وأنت معي بهذه الحميميّة؟ هل يمكنني أن أنسى مَن معي ومَن فيّ؟ أيمكنني أن أطرد ذاك الضيف الإلهيّ باقترافي أقصى ما يمقته، الشيء الوحيد في العالم الذي يشكّل إهانة له، الحقيقة الوحيدة التي ليس منه؟ يا إلهي، لديّ حماية مزدوجة ضدّ الخطيئة: أوّلاً، الخوف من تدنيس كلّ ما فيّ، بحضورك؛ وثانيًا، الثقة بأنّ هذا الحضور ذاته سيحميني من الشرّ… في الشدائد وفي التجربة، سوف أناديك… بنعمتكَ، لن أتخلّى عنك أبدًا.
…………………
الروح القدس والقدّيس أنطونيوس البادوانيّ، الكاهن ومعلم الكنيسة (1195 – 1231)
عظات ليوم الأحد وأعياد القدّيسين
«فَمتى جاءَ هوَ، أَي رُوحُ الحَقّ، أَرشَدكم إِلى الحَقِّ كُلِّه»
إنّ الرُّوح القدس، البارقليط، المعزّي، هو الذي يبعثه الآب والابن، كالنَّسمة، في النفوس المستقيمة. فبِه تَقدَّسنا وٱستحققنا أن نكون قديسين. إنّ النَّفَس البشري هو حياة الأجساد؛ فيما النَّفَس الإلهي هو حياة الأرواح. النَّفَس البشري يجعلنا مرهفي الإحساس؛ والنَّفَس الإلهي يجعلنا قدّيسين. هذا الرُّوح هو قدّوس، لأنّه بدونه، لا يمكن لأيِّ روح، سماوية كانت أم بشرية، أن تتقدّس.
قال الرَّبُّ يسوع: “لكِنَّ المُؤَيِّد، الرُّوحَ القُدُس الَّذي يُرسِلُه الآبُ بِٱسمي” (يو 14: 26)، ويعني بها “بمجدي”، أو “ليظهر مجدي”؛ وأيضًا لأنَّ له نفس ٱسم الابن: هو الله. “سوف يُمجِّدُني” لأنَّه يجعلكم روحيين، يُفهِمُكُم كيفَ أنَّ الابن هو مساوٍ للآب وليس إنسان فقط كما ترونه، أو لأنَّه يُريحُكم من مخاوفِكم ويجعلُكم تُعلِنونَ مَجدَه في العالم كلّه. هكذا، مجدي هو خلاصُ العالم.
“هو يُعَلِّمُكم جَميعَ الأشياء” (يو 14: 26) فالنبي يوئيل قال: “يَا بَنِي صِهْيَوْنَ، ٱبْتَهِجُوا وٱفْرَحُوا بِالرَّبِّ إِلهِكُمْ، لأَنَّهُ يُعْطِيكُمُ الْمَطَرَ الْمُبَكِّرَ عَلَى حَقِّهِ…” (يوئيل 2: 23) الذي يُعلِّمُكم كلَّ ما يَخُصُّ الخلاص.
…………………

الروح القدس والقدّيسة تريزا بنيديكتا الصليب (إيديث شتاين) (1891 – 1942)، راهبة كرمليّة وشهيدة وشفيعة أوروبا
قصيدة العنصرة
“إِنَّه خَيرٌ لَكم أَن أَذهَب. فَإِن لم أَذهَبْ، لا يَأتِكُمُ المُؤيِّد”
مَن أنتَ، أيّها النور الرقيق الذي يملؤني وينير ظلمات قلبي؟… هل أنتَ صاحبُ العمل، وباني الكاتدرائيّة الخالدة التي ترتفع من الأرض نحو السماء؟ إنّك تعطي الحياة “لأعمدتها” (راجع رؤ 3: 12) التي تنتصب عاليةً مستقيمة، متينةً وثابتة لا تتغيّر. وتندفع (هذه الأعمدة) مرتفعةً نحو النور مزيّنة بعلامة الاسم الإلهي والأبدي المنقوش عليها، وتحمل القُبّة الذي تكمّل الكاتدرائيّة المقدّسة وتتوّجها، عملك الذي يحتضن الكون كلّه: الرُّوح القدس، يد الله الخالقة!… هل أنتَ نشيدُ الحُبِّ العذب والاحترام المقدَّس الذي يتردَّدُ صداه إلى ما لا نهاية حول عرش الثالوث الأقدس (راجع رؤ 8: 3)؟ هل أنتَ سيمفونيّة تتردَّدُ خلالها النوتة الخالصة التي يُصدرها كلّ من المخلوقات؟ إنَّ الصوت المتناغِم، والتناسُق التام بين الأعضاء والرأس (راجع أف 4: 15)، حيث يكتشف كلُّ أحدٍ وهو مغمورٌ بالسعادة المعنى الغامض لكيانِه، فيتركه يفيض منه من خلال صرخات الفرح، إذ يتحرّر هذا السرّ من خلال فيضان الذات: الرُّوح الأقدس، الفرح الأزلي!
…………………

الروح القدس وسِلوانُس (1866 – 1938)، راهب روسي وقدّيس في الكنائس الأرثوذكسيّة
كتابات روحيّة
«متى جاءَ هوَ، أَي رُوحُ الحَقّ، أَرشَدكم إِلى الحَقِّ كُلِّه»
إذا أردت أن تصلّي في قلبك ولم تقدر على ذلك، فٱكتف حينئذ وٱبدأ بتلاوة الصّلاة بواسطة الشفاه وٱجعل نفسك متيقّظة لكل ما تقول. ورويدًا رويدًا، سيعطيك الرّبُّ نعمة الصّلاة القلبيّة، وسوف تتمكن من الصّلاة دون تشتّت. لا تَسْعَ إلى أن تحقق صلاة القلب بالوسائل “التقنية” لأنك حينئذ قد تؤذي قلبك وفي النّهاية تكون صلاتك صلاة الشّفاه. تعلّم قواعد الحياة الرّوحية: إن الله يعطي هباته للنفس المتواضعة والمثابرة. كن مطيعاً وحافظ على الاعتدال في كل شيء: في الطّعام والكلام وبكل ما تقوم به. حينئذٍ فإنَّ الرَّبَّ بنفسه يعطيك نعمة صلاة القلب. إنّ الصمت الروحي ينبع من الرّغبة في إتمام أمرِ الرَّبِّ لنا: “أَحْبِبْ الرَّبَّ إلهك يِكُلِّ قلبِكَ وكُلِّ عَقلِكَ وكُلِّ قُوَّتِكَ” (راجع مرقس 12: 33). هذا الصّمت يغذّيه البحث عن الإله الحي، عند ذلك الّذي يريد أن يتحرَّر من مغريات هذا العالم ليجد الرَّبَّ في ملءِ الحُبِّ ويعيش في حضورِه حياة صلاة نقيّة. كيف لي يا رب ألاَ أبحث عنك؟ لقد تجلّيت لنفسي بطريقة رائعة! لقد جعلتها أسيرة حُبِّكَ ولم تعد قادرة على نسيانك… فجأة، تتعرّف النفس على الرَّبِّ بواسطة الرُّوح القدس؛ ومن يستطيع حينئذٍ أن يصف فرح تلك اللقيا والمصالحة؟ الرّوح القدس يعمل في الإنسان بالكامل: في العقل والرّوح والجسد؛ وهكذا يُعرَف الله في الأرض والسّماء. لقد أعطاني الرّب هذه النّعمة بفيض حبّه، أعطاها لي أنا الخاطئ حتّى يعرفونه ويعودوا إليه.
…………………

 

القديس باسيليوس عن عمل الروح القدس فينا
“بالروح القدس ٱستعادة سكنانا فى الفردوس، صعودنا إلى ملكوت السموات، عودتنا إلى البنوة الإلهية، دالتنا لتسمية الله ” أبانا “، تسميتنا أبناء النور، حقنا في المجد الأبدي، – وبكلمة واحدة حصولنا على ملء البركة في هذا الدهر وفي الدهر الآتي”.
…………………

جسدكم هيكل الروح القدس أوريجينُس (نحو 185 – 253)، كاهن ولاهوتي
تعليق عن القدّيس يوحنّا
“أمّا يسوع، فكانَ يَعني هَيكَلَ جَسَدِه”
“انقُضوا هذا الهيكل أُقِمْهُ في ثلاثة أيّام”. إنّ الهيكل وجسد المسيح يشكّلان بالنسبة إليّ رمزًا للكنيسة. سيُعادُ بناء الهيكل، وسيقومُ الجسد من الموت في اليوم الثالث. ففي اليوم الثالث، ستَظهرُ سمواتٌ جديدةٌ وأرضٌ جديدةٌ (2بط3: 13)، حين تقومُ العظام أي بيت إسرائيل بأجمعهم (حز37: 11) في يوم الربّ العظيم، وحين يُهزم الموت.

وكما عُلِّقَ جَسَدُ يسوع الذي خضعَ لحالة الطبيعة البشريّة الفانية على الصَّليب ودُفِنَ ثمّ أُقيم من بين الأموات، هكذا عُلِّقَ جَسَدُ المؤمنين بالمسيح بأكمله على الصَّليب معه ولم يَحيَ بعد ذلك. هكذا، مثل القدّيس بولس، فلا يَفتخرَنّ أحدٌ منهم بشيءٍ غير صليبِ ربّنا يسوع المسيح، الذي فيه أَصبَحَ العالَمُ مَصْلوبًا عِنْده، وأَصبَحَ مَصْلوبًا عِندَ العالَم (غل6: 14)… قالَ القدّيس بولس: “فَدُفِنّا مع المسيح في الموت”، ثمّ أضافَ وكأنّه حصلَ على ضمانة للقيامة: “وسنَحيا معه” (رو6: 4-9). إذًا، فإنّ كلّ واحدٍ يسيرُ في حياة جديدة، لكنّها ليسَتْ القيامة الطوباويّة والكاملة بعد… إذا كان أحدٌ الآن في القبر، فهو سيقوم في أحد الأيّام.
…………………

رسالة الرُّوحِ القُدُس في كتابات القديس إيرناوس أسقف ليون (135-203)
رسالة الروح القدس
لمَّا أَعطَى الرَّبُّ سُلطانَ الوِلادةِ الجَديدَةِ في اللهِ لتلاميذِه قالَ لهم: “إِذهَبُوا وَتَلمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ، وَعَمِّدُوهُم بِٱسمِ الآبِ والإِبنِ والرُّوحِ القُدُس” (متى 28: 19).
كانَ قد وَعَدَ على لسانِ الأنبياءِ أنَّه سيُفيضُ روحَه في آخِرِ الأَزمنةِ على خُدَّامِه وإِمائِه لِيَتَنَبَّأُوا (يوئيل 3: 1-5): فنَـَزلَ على ٱبنِ اللهِ الذي صارَ ٱبنَ الإنسان. وبه ٱعتادَ أن يُقِيمَ اللهُ مع بَنِي الإنسانِ، وأن يَجِدَ فيهم راحتَه. أقامَ في مَن خلَقَهم مُتمِّمًا فيهم مَشيئَةَ الآبِ، ومُجدِّدًا إِيَّاهُم، فأَزالَ ما هو قَديمٌ فيهم ومَنَحَهم ما هو جَديدٌ بالمَسيح.
قالَ القديسُ لوقا إِنَّ الرُّوحَ حلَّ على الرُّسُلِ يومَ العَنصرة، بعدَ صعودِ الرَّبِّ، ومَنَحَهم كُلَّ سُلطانٍ لِيَفتَحوا أَمامَ جَميعِ الشُّعوبِ أبوابَ الحياة، وليُدخِلوهُم في العَهدِ الجَديدِ (أعمال الرسل 1-2). فأَنشدوا بكُلِّ اللُّغَاتِ نَشيدًا واحِدًا لله، والرُّوحُ يَدفَعُ إلى الوَحدةِ القبائلَ المُتباعدة، ويُقَدِّمُ للآبِ بواكيرَ جَميعِ الشُّعوب.
ثُمَّ وَعَدَ الرَّبُّ أن يُرسِلَ الرُّوحَ البراقليط (المؤيّد) الَّذي يَجعلُنا أَهلاً لله (يو 14: 26، 15: 26، 16: 13-15). فكما أَنَّ حَبَّاتِ القمحِ اليابسةَ لا تَصيرُ كُتلَةَ عجينٍ وخُبزًا واحِدًا إِلاَّ بإِضافَةِ شَيءٍ من الماء، كذلك، نَحنُ العديدِينَ لا يُمكِنُنا أَنْ نَصيرَ واحِدًا في المَسيحِ يَسوعَ مِن دونِ الماءِ الَّذي يَنـزِلُ مِنَ السَّماءِ. وكما أنَّ الأَرضَ اليابسةَ لا تؤتي ثَمرًا إِنْ لم تَرتوِ بالماء، كذلك نَحنُ الَّذينَ كُنَّا من قبلُ مَثلَ الحَطَبِ اليابسِ لا نَقدِرُ أَنْ نؤتِيَ ثَمَرًا للحياةِ من دونِ مَطَرِ المَشيئَةِ العُلوِيَّة (أشعيا 55: 10-11)، (حزقيال 37).
فقد قَبِلَتْ أجسادُنا بمياهِ المَعمودِيَّةِ الوَحدَةَ وعَدَمَ الفَسادِ. وأمَّا أرواحُنا فقد قبِلَتْها بالرُّوحِ القُدُس.
نَزَلَ روحُ اللهِ على الرَّبِّ، “رُوحُ الحِكمَةِ وَالفَهمِ، رُوحُ المَشُورَةِ وَالقُوَّة، وروحُ المَعرِفَةِ والتَّقوى، وروحُ مَخافةِ الله” (أشعيا 11: 1-5). ثُمَّ أَعطى الرَّبُّ نَفْسُه هذا الرُّوحَ للكنيسة، لمّا أَرسَلَ من السَّماءِ الرُّوحَ البَرَاقْلِيطَ (المؤيِّد) في الأرضِ كُلِّها، حيثُ قالَ إنَّ “الشَّيطَانَ يَسقُطُ مِن السَّمَاءِ كَالبَرقِ” (لوقا 10: 18). ولهذا نَحنُ بحاجَةٍ إِلى نَدَى اللهِ حتَّى لا نِجَّف فنَحتَرِقَ، ولا نُصبِحَ عَقيمِين. وحيثُ لنا مَن يَشكونا، يكونُ لنا أَيضًا مَن يُدافِعُ عنَّا، الرُّوحُ البَرَاقِلِيط (المؤيِّد). وقد عَهِدَ الرَّبُّ إلى الرُّوحِ القُدُسِ بالإنسانِ، خاصّتِه، الَّذي وَقَعَ بيَن أَيدي اللُّصوص. وقد رَحِمَه هو بنَفْسِه وضَمَّدَ جِراحَه، وأَعطى عَنه دينارَيْن بِصورةِ المَلِك (لوقا 10: 25-37)، حتَّى إِذا ما قَبِلْنا نَحنُ بالرُّوحِ القُدُسِ صورةَ الآبِ والإِبنِ ووَسْمَهُما، ٱستثمَرْنا الدِّينارَ الَّذي سَلَّمَنا إِيَّاه، لِنُسَلِّمَهُ بدورِنا للرَّبِّ مُضاعَفًا (متى 25: 14-30).
…………………

روح الرب عليَّ روبير من دوتز (نحو 1075 – 1130)، راهب بِنِدِكتيّ
عن الثالوث الأقدس
«رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ»
اليوم تَمَّت هذه الآيةُ بِمَسمَعٍ مِنكُم: “رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ…” (أش 61: 1)، ولكأنّي بالربّ يسوع المسيح يقول: “لأنّ الربّ مسحني، قلت، أجل لقد قلت حقيقةً وأقول أيضًا: رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ. أين إذاً، وفي أي وقت قد مسحني الربّ؟ لقد مسحني حين حُبِل بي، أو بالحري لكي يتمّ الحبل بي في حشا أُمِّي. لأنّه ليس من زرع رجل قد حبلت بي ٱمرأة، إنّما حبلت بي عذراء من خلال مسحة الرُّوح القدس. هكذا إذاً، فإِنّ الربّ قد أعطاني المسحة الملوكيّة: لقد كرَّسني ومسحني ملكًا وكاهنًا في الوقت نفسه. ومسحني الربُّ مرّة ثانية بالرُّوح نفسه في نهر الأردن…” ولماذا رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ؟… “لأَنَّهُ مَسَحَني لأُبَشِّرَ الفُقَراء وأَرسَلَني لأُعلِنَ لِلمَأسورينَ تَخلِيَةَ سَبيلِهم ولِلعُميانِ عَودَةَ البصَرِ إِلَيهِم وأُفَرِّجَ عنِ المَظلومين” (أش 61: 1). “لم يرسلني للأصحاء إنّما كطبيب للمرضى والقلوب الكسيرة… لم يُرسِلني للصدّيقين إنّما للخطأة. “رَجُل أَوجاعٍ وعارِف بِالأَلَم” (أش 53: 3)، رجلٌ “وَديعٌ مُتواضِعُ القَلْب” (متى 11: 29). لقد أَرسَلَني لأُعلِنَ لِلمَأسورينَ تَخلِيَةَ سَبيلِهم وأُفَرِّجَ عنِ المَظلومين… فلأيّ أسرى أو بالأحرى من أي أسر يجب أن أُعلِنَ الخلاص؟ ولأيّ سجين سأُعلِن الحريّة؟ طالما “أَنَّ الخَطيئَةَ دَخَلَت في العالَمِ عَن يَدِ إِنسانٍ واحِد، وبِالخَطيئَةِ دَخَلَ المَوت” (رومة 5: 12)، هذا يعني أنّ كلّ الناس هم مساجين الخطيئة وأسرى الموت… لقد أرسلني “لأُعَزِّيَ جَميعَ النَّائحين، نائحي صِهْيون”، كلّ الّذين ينوحون لأنّهم كانوا –بسبب خطاياهم- محرومين ومنفصلين عن “أُورَشَليمُ العُلْيا” أمّهم (غل 4: 26)… نعم، سوف أَمنَحَهمُ التَّاجَ بَدَلَ رماد” التّوبة “وزَيتَ الفَرَحِ” أي تعزية الرّوح القدس، “بَدَلَ النَّوح” لكونهم مَسبيِّين وأيتامًا “وحُلَّةَ التَّسْبيحِ أي مجد القيامة” بَدَلَ روحِ الإِعْياء” (أش 61: 3).
…………………
روح الرب عليّ وفوستينس الرُّومانيّ (النصف الثاني من القرن الرابع)، كاهن
دراسة حول الثالوث الأقدس
«…في شأنِ يسوعَ النَّاصِرِيّ كَيفَ أَنَّ اللهَ مَسَحَه بِالرُّوحِ القُدُسِ والقُدرَة» (أع 10: 38)
من خلال تجسّده، أصبح مخلّصنا المسيح أو المسيّا، ويبقى ملكًا حقيقيًّا وكاهنًا حقيقيًّا… عند الاسرائيليّين، كان الكهنة والملوك ينالون مسحة الزيت؛ كان يُطلق عليهم اسم “الممسوحون” أو “المسحاء”؛ في حين أنّ المخلّص، الذي هو المسيح فعلاً، تمّ تكريسه بمسحة الرُّوح القدس… من خلال المخلّص نفسه، نحن نعرف أنّ هذا صحيح. حين دُفع إليه سفر النبيّ أشعيا، فتحه وقرأ: “رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ لِأَنَّهُ مَسَحَني”، ثمّ أعلن أن النبوءة قد تمّت للذين يسمعون. كما علّمنا بطرس، رئيس الرُّسل، أنّ هذا الزيت المقدّس الذي ظهر الربّ مسيحًا من خلاله، هو الرُّوح القدس، أو بكلام آخر، قدرة الله. في أعمال الرُّسل، حين كان يتكلّم مع هذا الرجل الممتلئ بالإيمان والرحمة الذي كان قائد المئة، قال: “أَنتُم تَعلَمونَ الأَمرَ الَّذي جرى في اليَهودِيَّةِ كُلِّها وكانَ بَدؤُه في الجَليل بَعدَ المَعمودِيَّةِ الَّتي نادى بِها يوحَنَّا، في شأنِ يسوعَ النَّاصِرِيّ كَيفَ أَنَّ اللهَ مَسَحَه بِالرُّوحِ القُدُسِ والقُدرَة، فمَضى مِن مَكانٍ إِلى آخَر يَعمَلُ الخيرَ ويُبرِئُ جَميعَ الَّذينَ ٱستَولى علَيهم إِبليس” (أع 10: 37-38). إذًا، أنتم ترون أنّ بطرس أيضًا قال ذلك: إنّ يسوع هذا، في تجسّده، تلقّى المسحة التي “كرّسته بالرُّوح القدس والقدرة”. لذا، تحوّل الرّب يسوع بنفسه، في تجسّده، إلى المسيح، هو الذي جعلته مسحة الرُّوح القدس ملكًا وكاهنًا إلى الأبد.
…………………

عن الروح القدس من كتابات القديس أمبروزيوس الأسقف في الأسرار

إنّ الماءَ من غيرِ الروحِ لا يطهِّر
قِيلَ لك سابقًا: لا تؤمنْ فقط بما تراه العين، لئلا تقولَ في كلِّ شيء: أهذا هو السر العظيم الذي “لَم تَرَهُ عَيْنٌ وَلا سَمِعَتْ بِهِ أذُنٌ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلبِ بَشَرٍ (ر. 1قورنتس 2: 9)؟” تقول: أنا أرى الماءَ الذي كنتُ أراه كلَّ يوم. أهذا هو الماءُ الذي سوف يطهِّرُني؟ لقد اغتسَلْتُ فيه مرارًا ولم أطهُرْ؟ اعلَمْ من هنا أنَّ الماءَ من غيرِ الروحِ لا يطهِّرُ.
ولهذا أيضًا قرأْتَ أنّ الشهودَ في المعموديةِ ثلاثةُ، وهم واحد (ر. 1 يوحنا 5: 8): الماءُ والدمُ والروحُ. فلا يتمُّ سرُّ المعموديةِ إن نقصَ واحدٌ من هؤلاء الثلاثة. فما قيمةُ الماءِ من غيرِ صليبِ المسيح (أي من غيرِ الدم)؟ إن خلا من قوّةِ السرّ، فما هو إلا عنصرٌ من عناصرِ الطبيعةِ العاديّةِ. ومن جهةٍ أخرى، من غيرِ الماءِ لا يتمُّ سرُّ الولادةِ الثانية: “مَا مِن أحَدٍ يُمكِنُهُ أن يَدخُلَ مَلَكُوتَ الله إلا إذَا وُلِدَ مِنَ المَاءِ وَالرُّوحِ” (يوحنا 3: 5). يؤمنُ الموعوظُ بصليبِ الربِّ يسوعَ الذي يُوسَمُ به. ولكن، ما لم يُعمَّدْ باسمِ الآبِ والابنِ والروحِ القدسِ لا ينالُ مغفرةَ الخطايا، ولا حياةَ النعمةِ الروحية.
نُعمانُ السوريّ ٱغتسلَ سبعَ مرّاتٍ بحسبِ حكمِ الشريعة. وأمّا أنتَ فتعمّدْتَ بٱسمِ الثالوثِ الأقدس. اذكُرْ ما صنعْتَ: اعترفتَ بالآب، واعترفْتَ بالابن، واعترفْتَ بالروحِ القدس. حافظْ على نظامِ الأشياء. بهذا الإيمانِ مُتَّ عن العالم، وقُمْتَ بقيامةِ الربِّ وأصبَحْتَ مكرَّسًا لله. كأنّك دُفِنْتَ في ذلك العنصرِ المادّي (أي الماء) عن الخطيئة، ثم قُمْتَ للحياةِ الأبديّة. آمِنْ إذًا أنَّ الماءَ ليسَ خاليًا (من النعمة).
الرجلُ المشلولُ عندَ بابِ الغنمِ كانَ ينتظرُ إنسانًا ما. ومَن ذلك الإنسانُ غيرُ الربِّ يسوعَ المولودِ من عذراءَ، والذي بمجيئِه لم يَشفِ بعضَ الأفرادِ شفاءً ظاهرًا فقط، بل شفى الجميعَ شفاءً حقيقيًّا. هو الإنسانُ الذي كانَ ينتظرُه لينزلَ في الماء. هو الذي قالَ فيه يوحنا المعمدان: “إنَّ الَّذِي تَرَى الرُّوحَ يَنزِلُ فَيَستَقِرُّ عَلَيهِ هُوَ ذَاكَ الَّذِي يُعَمِّدُ في الرُّوحِ القُدُسِ” (يوحنا 1: 33). وقد شَهِدَ له يوحنا قال: إني “رَأيْتُ الرُّوحَ يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ كَأنَّهُ حَمَامَةٌ فَيَستَقِرُّ عَلَيهِ” (يوحنا 1: 32). ولماذا حلَّ عليه الروحُ بصورةِ حمامة، إلا لكي ترى أنتَ، وتعرفَ أنت أنّ تلك الحمامةَ التي أرسلَها نوحُ من الفُلك كانتْ صورةً للروح، فتعرفُ من ثمَّ أنّها صورةٌ للسر.
أيوجدُ بعدَ ذلك ما يدعوكَ إلى الشكّ؟ يَهتِفُ الآبُ بك في الإنجيل فيقولُ: “هَذَا هُوَ ابنِي الحَبِيبُ الَّذِي عَنهُ رَضِيتُ” (متى 3: 17). لِيَهتِفِ الابنُ الذي استقرَّ عليه الروحُ القدسُ مثلَ حمامة. ليهتفِ الروحُ القدُسُ الذي نزلَ بصورةِ الحمامة. وَلْيهتفْ داودُ النبيّ: “صَوتُ الرَّبِّ عَلَى المِيَاهِ، إلَهُ المَجدِ أرعَدَ، الرَّبُّ عَلَى المِيَاهِ الغَزِيرَةِ”(مزمور 28: 3). يهتفُ بذلك حينَ يَرى النارَ، بحسبِ ما جاءَ في الكتابِ المقدَّسِ، تنزلُ من السماءِ استجابةً لصلاةِ جِدعُون (ر. قضاة 6: 17- 21)، ولصلاةِ إيليا النبيّ، حينَ أرسلَ الله نارًا من السماءِ ابتلعَتْ الذبيحة. (ر. 1 ملوك 18: 38).
لا تنظرْ إلى استحقاقاتِ الأشخاص، بل إلى مهمّةِ الكهنوتِ فيهم. إذا نظَرْتَ إلى إيليا، انظرْ أيضًا إلى بطرس وبولس اللذيْن تسلَّما من الربِّ هذا السرَّ وسلَّماه لنا. لهؤلاء (جدعون وإيليا) أُرسِلَتْ النارُ بصورةٍ ظاهرةٍ ليؤمنوا. وأمّا نحن الذين نؤمنُ فتفعلُ فينا نارٌ لا تُرى. أُرسِلَت إليهم صورةً ورمزًا، ولنا ظهَرَتْ الصورةُ وأُعلِنَ الرمز. أنا أومنُ أنَ يسوعَ المسيحَ حاضرٌ بينَنا، وإليه يرفعُ الكهنةُ ابتهالاتِهم، هو القائل: “حَيثُ اجتَمَعَ اثنَانِ أو ثَلاثَةٌ بِاسمِي كُنْتُ هُنَاكَ بَينَهُمْ” ( متى 18: 20). فإن حضرَ في هذه الحالة، فإنّه يتنازلُ ويحضرُ بصورةٍ أَوْلى حيث تكونُ الكنيسةُ وحيث تكونُ الأسرار.
نَزَلْتَ إذًا في الماء. أُذكُرْ بِماذا أَجبْتَ، أَنَّكَ تُؤمِنُ بالآبِ، وأَنَّكَ تُؤمنُ بالإِبنِ، وأَنَّكَ تُؤمِنُ بالرُّوحِ القُدُس. لَمْ تَقُلْ: أُومِنُ بالأكبرِ ثُمَّ بالأَصغَرِ وبالأَخيرِ مِنهُم. بَلْ نَطَقْتَ وٱلتزَمْتَ بِحَسَبِ ما نَطَقْت. قُلْتَ إِنَّكَ تُؤمِنُ بالإِبنِ كما تُؤمِنُ بالآبِ، وتُؤمِنُ بالرُّوحِ القُدُسِ كما تُؤمِنُ بالإِبنِ، مَعَ الفَرقِ الوَحيدِ فيما يَتَعَلَّقُ بالصَّليب: فأَنتَ تُؤمِنُ وتَعتَرِفُ أَنَّ يَسوعَ المَسيحَ وَحدَه ماتَ على الصَّليب.
…………………

أقوال القديس يوحنا فيانية عن الروح القدس
“يكفي أن نقول “نعم” وأن نَدَعَه يقودُنا”.
“إنَّ النَّفسَ التي تمتلك الروح القدس تتذوّق في الصلاة طعماً يجعلُها تشعرُ أنَّ الوقتَ دائماً غير كاف (قصير)”.
“كما أن الأرض لا تستطيع أن تُنتج أيُّ شيء إذا لم تُخصِبُها الشمس، هكذا لا نستطيع عَمَلَ أيُّ شيءٍ من الخير دونَ نعمة الإلهِ الصالح”.
“مع الروح القدس نحن نرى كلَّ شيءٍ عظيم: نرى عظمة أصغر الأفعال التي نُقدِّمُها من أجل الله، وعظمة أصغر الأخطاء”.
“لا يمكن لأولئك الذين يمتلكون الروح القدس أن يتألّموا، وهكذا يعرفون بؤسَهم وعوَزَهُم”.
“عندما يريد الروح القدس شيئاً ما، يَنجحُ هذا الشيءُ دائماً”.
“يا إلهي، أرسل لي روحَكَ القُدُّس، الذي يجعلني أعرِفُ مَن أنا ومَن أنتَ”.
“إنَّ الرُّوحَ القدس هو مرشد النفس؛ لا نقوى على أيِّ شيءٍ بدونه. النفس التي يسيطر عليها الروح القدس تُشبه ثمر العنب الذي يخرج منه شراب مُسكر عندما يتم عصره. والنفس، دون الروح القدس، تشبه الحصاة التي لا نستطيع أن نُخرِجَ أيُّ شيءٍ منها”.
“يكون لدى الذين ينقادون للروح القدس أفكار صحيحة. ولهذا يوجد الكثير من الجاهلين الذين يدّعون المعرفة أكثر من أصحابها”.
“المسيحي الذي يقوده الروح القدس لا يجد صعوبةً في التخلي عن خيرات هذا العالم من أجل أن يركض وراء خيرات السماء. وهو يعرف كيف يميّز بينهما”.
“بالنسبة للإنسان الذي ينقاد للروح القدس، يبدو وكأنه ليس من العالم؛ بالنسبة للعالم”.
“عندما تراودنا أفكار صالحة، يكون ذلك بفضل زيارة الروح القدس لنا”.
وإليكم بعض التَّشابيه التي كان يستعمِلُها القديس يوحنا فيانيه – خوري آرس عندما كان يكرز أثناء احتفاله بالقدَّاس الإلهي أو في أوقات معينة كان يتطلَّب منه البتَّ في موضوعٍ ما ليوضِّح أهمية الرُّوحِ القُدُس في حياةِ المسيحي المؤمن. فقال:
” يُشبِه الروح القدس البستاني الذي يصقل ويهذّب نفوسَنا”.
“إنَّنا بدونِ الرُّوحِ القُدُس نُشبه حِجارةِ الطَّريق… فخذوا بيدٍ واحِدةٍ إسفَنجةً مبلولة، وباليَدِ الثانية حجراً، وشُدُّوا عليهما معاً فيخرجُ من الإسفَنجةِ ماءً أمَّا من الحجرِ فلا يخرُجُ شيئاً… فالإسفَنجة في هي صورةُ النَّفْسِ الممتلِئة من الرُّوحِ القُدُس، والحجر هو صورةُ القلبِ القاسي الذي لم يدخُله هذا الرُّوحُ القُدُس”.
وتابعَ قال: “إنَّ النَّفْسَ الممتلِئة من الرُّوحِ القُدُس يكونُ قلبُها أمامَ يسوعَ في سِرِّ القُربان كعنقودِ عِنَبٍ في المعصرة”.
“إنَّ الرُّوحَ القُدُس هو مثل سائق عربة الذي يقبضُ على عِنانِ عربةٍ سريعةَ الجري بخيلِها القويَّة، فما علينا إلاَّ أن نركَبَ هذه العربة ونقولُ لسائقِ العربة: سِر بنا، فيسيرَ بنا بسُرعةٍ كُلِّيَّة”.
“خُذوا بُندُقيَّة وٱحشوها، فلا بُدَّ لها من إنسانٍ ليُطلِقَها. فنحنُ فينا مقدِرة على الخير، لكن لا بُدَّ لنا من الرُّوحِ القُدُس ليُضرِمَ فينا نارَ المحبَّة، فتُخرِجَ الأعمالَ الصَّالِحة”.
“إنَّ الرُّوحَ القُدُس يستريحُ في النَّفْسِ الطَّاهِرة، كفي فِراشٍ من ورد”.
“الرُّوحُ القُدُس يقودُنا كأُمٍّ تقودُ أولادَها الصِّغار. وكما يقودُ ذو النَّظر الأعمى الفاقِدَ البَصر”.
“الرُّوحُ القُدُس هو مَن يعمل في حديقةِ قلبِنا”.
…………………

من أقوالِ القديسِ إيريناوس
في الرُّوحِ القُدُس (135-203)
لقد وَعَدَ الرَّبُّ يسوعُ أَن يُرسِلَ الرُّوحَ البراقليطُس الَّذي يَعمَلُ تآلُفًا بَينَنا وبَينَ اللهِ. بالفِعلِ، الطَّحينُ النَّاشِفُ بدونِ ماءٍ لا يَتَحَوَّلُ إِلى كُتلَةِ عَجين. كَذلِكَ نَحنُ، لا نتَّحِدُ بِيَسوعَ المسيحِ بدونِ الماءِ النَّازِلِ مِنَ السَّماء. الأَرضُ الجَّافَةُ إِذا لم تَستَقبِلِ الماءَ لا تُثْمِر، هكذا نَحنُ كُنَّا كالحطَبِ الجَّافِ لا نُثْمِرُ ثَمَرَ الحياةِ بدونِ الماءِ النَّازِلِ مِن عَلٍ. وهكذا قد قَبِلَتْ أَجسادُنا بماءِ العُمَّادِ الوَحدَةُ الَّتي تَجعَلُها غير قابلَةٍ للفَساد. هكَذا نُفوسُنا قَد قَبِلَتْ الخلودَ منَ الرُّوحِ القُدُس.
…………………

من دون الروح القدس لن نستطيع أن نفهم الحقيقة إنفتحوا على المفاجآت البابا فرنسيس

في عظته الصباحية من دار القديسة مارتا
“الكنيسة تسير الى الأمام بفضل المفاجآت التي يقوم بها الروح القدس” بهذه الكلمات عبّر البابا عن دعوته في عظته الصباحية من دار القديسة مارتا الى التفكير في الكرازة بالإنجيل الى كل الأمم بحسب ما ذكر المقطع المذكور من أعمال الرسل مشيرًا الى أنه علينا أن نتحلى بالشجاعة الرسولية لكي لا تصبح “الحياة المسيحية متحفًا للذكريات”.
“أتى التلاميذ الى أنطاكية ليبشروا ليس اليهود فحسب بل أيضًا اليونانيين والوثنيين فآمن عدد كثير فٱهتدوا الى الرب” انطلق البابا فرنسيس من القراءة الأولى التي تقدمها الليتورجيا اليوم وهي من أعمال الرسل (11: 19- 26) ليقول بأنّ على الحياة في الكنيسة أن تنفتح دائمًا الى تجديد الروح القدس. ولاحظ بأنّ الكثيرين انزعجوا منهم لأنهم يبشّرون بالإنجيل لمن هم غير اليهود فلمّا وصل برنابا “ورأى النعمة التي منحها الله، فرح وحثّهم جميعًا الى التمسك بالرب من صميم القلب”.
لا تخافوا من إله المفاجآت
قال البابا: “لم يفهموا. لم يفهموا بأنّ الله هو إله التجديد هو مَن قال “سأجعل كل شيء جديدًا”. لم يفهموا بأنّ الروح القدس أتى من أجل ذلك، من أجل التجديد بٱستمرار. وهذا يخيف قليلاً. في تاريخ الكنيسة يمكننا أن نرى كم من المرات شعر الكثيرون بالخوف من مفاجآت الروح القدس. هو إله المفاجآت”. وأشار البابا الى أنّ “الروح القدس يجعلنا نرى الحقيقة لأننا ببساطة لا نستطيع ذلك بمفردنا، بذكائنا. يمكننا أن ندرس كل تاريخ الخلاص وندرس اللاهوت… إنما من دون الروح القدس لا يمكننا أن نفهم شيئًا. إنّ الروح القدس وحده يستطيع أن يفهمنا الحقيقة أو بكلمات يسوع هو يدفعنا الى معرفة صوت يسوع: “إنّ خرافي تصغي الى صوتي وأنا أعرفها وهي تتبعني”.
الكنيسة تسير الى الأمام بسبب حداثة الروح القدس
أضاف البابا: “إنّ تقدّم الكنيسة هي عمل الروح القدس الذي يجعلنا نصغي الى صوت الرب. وسأل البابا: “ولكن كيف ستتأكدون بأنكم تصغون الى صوت يسوع وبأنّ ما أشعر به هو من الروح القدس؟ صلوا! من دون الصلاة لا مكان للروح القدس. إسألوا الرب أن يمنحكم هذه العطية. يا رب إمنحنا الروح القدس حتى نستطيع أن نميّز ما يجب علينا أن نفعل. الرسالة تبقى نفسها والكنيسة تسير مع هذه المفاجآت، مع تجديد الروح القدس. نحن بحاجة الى التمييز ومن أجل التمييز علينا أن نصلي، إسألوا هذه النعمة.
الحياة المسيحية ليست متحفًا للذكريات
“أن نقوم بشيء كما كنا نقوم به من قبل هو بديل عن “الموت”. حث البابا: “علينا أن نقبل بتواضع ما يطلبه منا الروح القدس من “تغيير” هذا هو السبيل. يقول لنا الرب بأَنَّنا إن أكلنا من جسده وشربنا من دمه سنرث الحياة الأبدية والآن نتابع هذا الاحتفال بهذه الكلمات: “أنت يا رب الحاضر معنا في الإفخارستيا نسألك نعمة الروح القدس. أعطنا النعمة لكي لا نخاف عندما يطلب منا الروح القدس أن نمضي قدمًا الى الأمام. وفي هذا القداس، إسألوا نعمة الشجاعة، الشجاعة الرسولية لكي تمنحوا الحياة وألا تصبح حياتنا المسيحية مجرد متحف ذكريات”.
…………………

من كتاب القديس باسيليوس الكبير الأسقف في الروح القدس (330- 379)
أعمالُ الرُّوحِ القُدُس
مَن يَسمعُ أسماءَ الرُّوحْ ولا يَرتَفِعُ بنَفْسِه ويَرتَقي بفكرِه إلى أسمى ما في الكون؟ إِسمُه روحُ الله وروحُ الحقِّ المُنبثقُ من الآب، والرُّوحُ المُستقيمُ، والرُّوحُ الرِّئاسيُّ. والإِسمُ الخاصُّ الذي يُعرَفُ به عادةً هو “الرُّوحُ القدُس”.
كلُّ الذينَ يطلبُونَ التَّقديسَ يلتفتُونَ إليه. وكلُّ الذينَ يعيشُونَ في الفَضيلةِ يَتُوقونَ إليه. بنَسمَتِه يَرتَوُون ويَجدونَ العَونَ، لِيَصِلَ كُلُّ واحدٍ إِلى هَدَفِه الخاصِّ والملائِمِ لِطَبيعَتِه.
هو مَصدرُ التَّقديسِ، ونورُ العَقلِ، يُفيضُ من ذاتِه نوعًا من الإِشراقِ في كُلِّ قُوَّةٍ عاقلةٍ للبحثِ عن الحقيقة.
غيرُ مُدرَكٍ في طبيعتِه، ولكنَّه قريبُ المَنالِ برأفتِه. مالئُ الكلِّ بِقُوَّتِه. لا يَهَبُ ذاتَه إِلاَّ للمُستَحِقِّينَ. ولا يَهَبُ بالمقدارِ نَفْسِه، بل لِكُلِّ واحدٍ بِمِقدارِ إيمانِه.
بَسيطٌ بجوهرِه، مُتَنَوِّعٌ بِقُوَّتِه. حاضِرٌ كُلُّه في كُلِّ واحدٍ، وموجودٌ كُلُّه في كُلِّ مكان. يُقَسِّمُ ولا يَنْقَسِمُ، الكُلُّ يُشارِكُ فيه، ويبقَى كاملاً في ذاتِه. هو مِثلُ أشعّةِ الشمسِ، يَنعَمُ كُلُّ واحدٍ بإحسانِها وكأنَّها كُلُّها له، وهي تُنيرُ الأَرضَ والبَحرَ وهي بالهواءِ مُمتَزِجَةٌ.
كذلك الرُّوحُ القُدُس: هو حاضِرٌ في كُلِّ فردٍ أَهلٍ لقبولِه وكأنَّه وحدَه مُستقبِلٌ له، بينما يهَبُ نِعمَتَه الكافيةَ والكاملةَ للجميع. والذينَ يَنالونَه يَتَمَتَّعونَ بِهِ على قَدْرِ ما تَستطيعُ طبيعتُهم، لا على قَدْرِ ما يَستطيعُ هو.
به تَرتَفِعُ القُلوبُ إِلى العُلى، ويُؤخَذُ الضَّعيفُ بيدِه، والسَّاعونَ إِلى الكمالِ يُكمَّلون. يُضيءُ لِكُلِّ الذينَ تَطَهَّروا مِن كُلِّ وَصمة، وبشَرِكتِهم معه يُحوِّلُهُم إلى أُناسٍ روحيِّين.
ومِثلَ الأَجسامِ النَّقِيَّةِ الشَّفَّافَةِ، إِذا ما سَقطَتْ عليها الأَشِعَّةُ، صارَتْ هي نَفْسُها مُضيئةً، وبَعَثَتْ مِن ذاتِها بَريقًا جديدًا، كذلكَ النُّفوسُ حامِلَةُ الرُّوح، يُنيرُها الرُّوح، فتَصيرُ هي نَفْسُها مِثلَ الرُّوح، وتُفِيضُ نِعمَتَها على الآخَرِين.
هو مَصدرُ مَعرِفَةِ الأُمورِ المُستقبَلة، وفَهْمِ الأَسرارِ، وكَشفِ الأُمورِ الخَفِيَّةِ، وتوزيعِ المَواهبِ، والسَّعادةِ السَّماويَّةِ، والتَّرنيمِ مع أَجواقِ المَلائِكة: هو مَصدرُ الفَرحِ الَّذي لا يَنتَهي، والبَقاءِ في الله، والتَّشَبُّهِ بالله. بل وما لا يمكِنُ أن يَترجَّى إِنسانٌ شيئًا أَسمى مِنه، أَنتَ تَصيُر مِثلَ الله.
…………………

نعمة الروح القدس من كتابات القديس فولجنسيوس من روسبه الأسقف (468- 533) إلى مونيموس Monimo
(الكتاب 2، 11- 12: CCL 91، 46- 48)
سِرُّ الوَحدَة والمَحَبَّة
قالَ القدّيسُ بطرسُ الرسول: “إنَّكُم شَأْنَ الحِجَارَةِ الحَيَّةِ تُبنَوْنَ بَيتًا رُوحِيًّا فَتَكُونُونَ جَمَاعَةً كَهنُوتِيَّةً مُقَدَّسَةً، كَيمَا تُقَرِّبُوا ذَبَائِحَ رُوحِيَّةً يَقبَلُهَا اللهُ عَن يَدِ يَسُوعَ المَسِيح” (1 بطرس 2: 3- 5). إنّ البناءَ الرُّوحيَّ لِجَسَدِ المسيحِ يَتِمُّ بالمَحَبَّة. وأقولُ إنّه لا يوجَدُ وقتٌ أكثرُ مناسبةً للصلاةِ من أجل تحقيقِ هذا البناءِ الرُّوحيِّ من الوقتِ الَّذي تُقَدِّمُ فيه الكَنيسَةُ، وهي جَسَدُ المسيحِ، جَسَدَ المَسيحِ ودمَه في سِرِّ الخُبزِ والخَمر: “إنَّ الكأسَ التي نشربُها هي مشاركةٌ في دمِ المسيح، والخُبزُ الذي نَكسِرُه هو مشاركةٌ في جَسَدِ المَسيح. فلمّا كانَ هناك خبزٌ واحدٌ، فنحنُ على كثرتِنا جَسَدٌ واحِدٌ، لأَنَّنا نَشتَرِكُ كُلُّنا في هذا الخُبزِ الواحِد” (1 قورنتس 10: 16- 17).
ولهذا فإنّنا نطلبُ من اللهِ النعمةَ نفسَها التي بها أصبحَتْ الكنيسةُ جسدَ المسيح، ونسألُه أن يُثبِّتَ بها جميعَ الأعضاءِ المدعوِّين إلى المحبّةِ في وحدةِ الجسدِ وفي الوئام.
إنّنا نطلُبُ ذلك بنعمةِ الروحِ المقيمِ فينا، وهو الروحُ الواحدُ، روحُ الآبِ والابنِ، وهو محبّةُ الثالوثِ الإلهِ الواحدِ والحقيقيِّ، والذي يُقَدِّسُ معًا كلَّ أبناءِ التبنِّي.
ولهذا يُقال: “إنَّ مَحَبَّةَ الله أُفِيضَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ القُدُسِ الَّذِي وُهِبَ لَنَا” (روما 5: 5).
فإنّ الرُّوحَ القُدُسَ، روحَ الآبِ والابن، يعملُ هذا في من يمنحُهم نعمةَ التبنِّي الإلهي، وقد عَمِلَ ذلك في هؤلاءِ الذين ذَكَرَ سفرُ أعمالِ الرسلِ أنّهم قَبِلُوا الرُّوحَ القُدُس. وقد قيلَ فيهم: “وَكَانَ جَمَاعَةُ الَّذِينَ آمَنُوا قَلبًا وَاحِدًا وَنَفسًا وَاحِدَةً” (أعمال 4: 32). فالذي جعلَ جماعةَ المؤمنين قلبًا واحدًا ونفسًا واحدةً في اللهِ هو الرُّوحُ الواحدُ، روحُ الآبِ والابن، والذي هو إلهٌ واحدٌ مع الآبِ والابن.
ولهذا قالَ الرَّسولُ إنّه يجبُ المحافظةُ على هذه الوَحدةِ الرُّوحيّةِ في رباطِ السلام بٱهتمامٍ بالغٍ (أفسس 4: 3). قالَ ذلك منبِّهًا أهلَ أفسس: “أنَاشِدُكُم أنَا السَّجِينَ فِي الرَّبِّ أن تَسِيرُوا سِيرَةً تَلِيقُ بِالدَّعوَةِ الَّتِي دُعِيتُم إلَيهَا، سِيرَةً مِلؤُهَا التَّوَاضُعُ وَالوَدَاعَةُ وَالصَّبرُ، مُحتَمِلِينَ بَعضُكُم بَعضًا فِي الَمَحَبَّةِ، وَمُجتَهِدِينَ فِي المُحَافَظَةِ عَلَى وَحدَةِ الرُّوحِ بِرِبَاطِ السَّلامِ، فَهُنَاكَ جَسَدٌ وَاحِدٌ وَرُوحٌ وَاحِدٌ” (أفسس 4: 1- 4)، (1بطرس 2: 3- 5)
إنَّ اللهَ يحفظُ محبّتَه في الكنيسةِ بالرُّوحِ القُدُسِ المُفاضِ فيها، فيجعلُها بذلك ذبيحةً مَرْضِيَّةً يُمْكِنُها أن تقبلَ دائمًا نعمةَ المحبّةِ الروحيّة، وبها يُمْكِنُها أن تقرِّبَ نفسَها قربانًا حيًّا مقدَّسًا مقبولاً أمامَ الله.
…………………

هيكل الله هو أنتم والقدّيس ألريد دو ريلفو (1110 – 1167)، راهب سِستِرسيانيّ
العظة 8، لعيد القدّيس بندكتس
«لأَنَّ هَيكَلَ اللهِ مُقدَّس، وهذا الهَيكَلُ هو أَنتُم» (1قور 3: 17)
غالبًا ما سمعنا أن موسى، بعد أن أخرج اسرائيل من مصر، بنى في الصحراء مَسكِنًا، خيمة قدسيّة، بفضل هبات أبناء يعقوب… يجب أن نرى جيّدًا، كما يقول الرّسول بولس أن” ذلك كُلُّه قد حَدَثَ لِيَكونَ لَنا صورةً” (1قور 10: 6)… أنتم، يا إخوتي أنفسكم اليوم مَسكِنَ الله، هيكل الله، كما يفسّره الرّسول: “لأَنَّ هَيكَلَ اللهِ مُقدَّس، وهذا الهَيكَلُ هو أَنتُم “(1قور 3: 17)؛ هيكلٌ يسود فيه الله إلى الأبد، أنتم خيمته لأنّه معكم على الطّريق؛ هو عطشان فيكم، هو جائع فيكم. هذه الخيمة ما زالت منصوبة…في صحراء هذه الحياة، حتى نبلغ أرض الميعاد. عندها تصبح الخيمة هيكلاً وسليمان الحقيقي يدشّنه مدّة “سَبعَةَ أَيَّام ثُمَّ سَبْعَةَ أيَّام، أَي أَربَعَةَ عَشَرَ يَومًا” (1 ملوك 8: 65)، وذلك يدلّ على الرّاحة المزدوجة… الخلود للجسد والرّاحة للنفس. لكن حتى الآن، إن كنّا أبناء إسرائيل الرّوحيين الحقيقيّين، إن كنّا خرجنا روحيًّا من مصر، لِيُقِم كلّ واحد منّا، لنقم جميعنا بتقدمات لبناء المَسكِن… إذ إنّ “كُلَّ إِنسانٍ يَنالُ مِنَ اللهِ مَوهِبَتَه الخاصَّة، فبَعضُهُم هذه وبعضُهُم تِلْك” (1قور 7: 7) … ليكن كلّ شيء إذاً مشتركًا للجميع… فلا يعتبر أيّ شخص أنَّ الموهبة التي تلقّاها من الله هي مُلكه الشّخصي؛ ولا يشعر أحد بالغيرة من موهبة تلقّاها أخوه. إنّما لينظر كلّ واحد إلى ما لديه وكأنّه لكلّ إخوته، ولا يتردّد أن يعتبر له ما هو لأخيه. بحسب تدبيره الرّحيم، يعمل الله معنا بطريقة يشعر فيها كلّ واحد بحاجته للآخرين: ما ينقص عند أحدهم، يمكنه أن يجده لدى أخيه…” فكذلِكَ نَحنُ في كَثْرَتِنا جَسَدٌ واحِدٌ في المسيح لأَنَّنا أَعضاءُ بَعضِنا لِبَعْض. ” (رو 12: 5).
…………………
أقوال القديس يوحنا فيانيه عن الرُّوحِ القُدُوس (1)
إليكم بعض التَّشابيه التي كان يستعمِلُها القديس يوحنا فيانيه – خوري آرس عندما كان يكرز أثناء احتفاله بالقدَّاس الإلهي أو في أوقات معينة كان يتطلَّب منه البتَّ في موضوعٍ ما ليوضِّح أهمية الرُّوحِ القُدُس في حياةِ المسيحي المؤمن. فقال:
“إنَّنا بدونِ الرُّوحِ القُدُس نُشبه حِجارةِ الطَّريق… فخذوا بيدٍ واحِدةٍ إسفَنجةً مبلولة، وباليَدِ الثانية حجراً، وشُدُّوا عليهما معاً فيخرجُ من الإسفَنجةِ ماءً أمَّا من الحجرِ فلا يخرُجُ شيئاً… فالإسفَنجة في هي صورةُ النَّفْسِ الممتلِئة من الرُّوحِ القُدُس، والحجر هو صورةُ القلبِ القاسي الذي لم يدخُله هذا الرُّوحُ القُدُس”.
وتابعَ قال: “إنَّ النَّفْسَ الممتلِئة من الرُّوحِ القُدُس يكونُ قلبُها أمامَ يسوعَ في سِرِّ القُربان كعنقودِ عِنَبٍ في المعصرة”.
“إنَّ الرُّوحَ القُدُس هو مثل سائق عربة الذي يقبضُ على عِنانِ عربةٍ سريعةَ الجري بخيلِها القويَّة، فما علينا إلاَّ أن نركَبَ هذه العربة ونقولُ لسائقِ العربة: سِر بنا، فيسيرَ بنا بسُرعةٍ كُلِّيَّة”.
“خُذوا بُندُقيَّة وٱحشوها، فلا بُدَّ لها من إنسانٍ ليُطلِقَها. فنحنُ فينا مقدِرة على الخير، لكن لا بُدَّ لنا من الرُّوحِ القُدُس ليُضرِمَ فينا نارَ المحبَّة، فتُخرِجَ الأعمالَ الصَّالِحة”.
“إنَّ الرُّوحَ القُدُس يستريحُ في النَّفْسِ الطَّاهِرة، كفي فِراشٍ من ورد”.
“الرُّوحُ القُدُس يقودُنا كأُمٍّ تقودُ أولادَها الصِّغار. وكما يقودُ ذو النَّظر الأعمى الفاقِدَ البَصر”.
“الرُّوحُ القُدُس هو مَن يعمل في حديقةِ قلبِنا”.
…………………

 

دعاء للروح القدس سمعان اللاهوتيّ الحديث (حوالى 949 – 1022)
راهب يونانيّ وقدّيس في الكنائس الأرثوذكسيّة
هَلُمَّ أَيُّها الرُّوحُ القُدُس. هَلُمَّ أَيُّها النُّورُ الحقيقيّ.هَلُمَّ أَيَّتُها الحياةُ الأبديّة. هَلُمَّ أَيُّها السِّرُّ المُستَتِر. هَلُمَّ أَيُّها الكنزُ الّذي لا ٱسم له. هَلُمَّ أَيَّتُها الحقيقة التي لا توصف. هَلُمَّ أَيَّتُها الغبطةُ اللامتناهية. هَلُمَّ أَيُّها النُّورُ الذي لا يغيب. هَلُمَّ يا موقظ النائمين. هَلُمَّ يا قيامةَ الأموات. هَلُمَّ أَيُّها العظيم، يا مَن تصنَعُ دائِمًا وتُعيدُ الصُّنعَ وتُحَوِّلَ كُلَّ شيء بإرادتِكَ فقط. هَلُمَّ أنتَ الذي تبقى دائِمًا ساكِنًا ولكن في كُلِّ وقتٍ تَهَبُّ كامِلاً للحرَكَةِ لكي تأتِيَ إِلينا، نحنُ النائِمينَ بينَ الأَموات، أَنتَ يا مَن تَفوقُ السَّماواتِ كُلِّها…
هَلُمَّ أَيَّتُها السعادَةُ الأبديّة. هَلُمَّ أَيُّها الإكليلُ الّذي لا يزول (1قو9: 25). هَلُمَّ يا أُرجوانُ إِلهِنا المَلِكِ العَظيم… هَلُمَّ يا مَن رغِبَتْ وتَرغَبُ فيه نَفْسي البائِسة. هَلُمَّ أَنتَ الوحيد، إِلى الوَحيد، لأَنِّي وَحيد، كما تَرى. هَلُمَّ أنتَ الذي فَصَلْتَني عن كُلِّ شيء وجَعَلْتَني وَحيدًا في هذا العالَم. هَلُمَّ أنتَ الَّذي أَصبَحتَ بذاتِكَ رَغبَةً فِيَّ، وجَعَلْتَني أَرغَبُ فيك، أَنتَ المُتَعَذّرُ الوصولَ إِليه كُلِّيًّا. هَلُمَّ يا نَفَسي وحياتي. هَلُمَّ يا عزاءَ نَفْسي البائِسة. هَلُمَّ يا سعادَتي، ومَجدي، ويا سروري اللاَّمتناهي.
أَشكُرُكَ لأَنَّكَ أَصبَحتَ روحًا واحِدَةً معي (رومة 8: 16)، بدونِ قَلق، وبدونِ تَغيير، وبدونِ تَحَوُّل، أَنتَ الإِله فوقَ كُلِّ شيء، ولأَنَّكَ أصبَحتَ لي كُلَّ شيءٍ في كُلِّ شيء (1قور15: 28)… أَشكُرُكَ لأَنَّكَ أَصبَحتَ لِيَ النُّورَ الَّذي لا يَغيب، الشَّمسُ الَّتي لا تَغرُب؛ لأَنَّكَ لا تَختَبِئُ في مَكان، أَنتَ الَّذي بِمَجدِكَ تَملأُ العالَم. لا، لَمْ تُخَبِّئْ نَفْسَكَ عَن أَحَدٍ أَبدًا، لكن نَحنُ مَن يَختَبِئُ مِنكَ، بِرَفْضِنا الذَّهابِ إِليك…
هَلُمَّ إِذًا أَيُّها المُعَلِّم، وٱنصُبْ خَيمَتَكَ اليومَ فِيَّ (يوحنا 1: 14). إجعَلْ مَنزِلَكَ فِيَّ أَنا خادِمَكَ، وٱبقَ فيه بٱستِمرار، بدونِ ٱنفصال، حتّى اللَّحظَةِ الأَخيرَة، يا كَثيرَ الرَّأفَة، لكي بِدوري، عِندَ خُروجي مِن هذا العالَم، أَجِدُ نَفْسي فيكَ، يا كَثيرَ الرَّأفَة، وأَمْلُكَ مَعَكَ، أَيُّها الإِله الَّذي يفوقُ كُلَّ شيء. آمين.